لجريدة عمان:
2024-10-01@17:29:32 GMT

قطع ذراع إسرائيل الطويل

تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT

من المفارقات العربية الغريبة في هذا الزمن العربي الرديء أن تبدي قطاعات من العرب، ربما تكون واسعة، فرحتها الكبيرة وتأييدها للجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة والضفة الغربية ولبنان، وحملة الاغتيالات التي تقوم بها لقادة ورموز المقاومة، وآخرها اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في لبنان، بينما كان يجب أن تكون هذه الجريمة وما سبقها من جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها بدون توقف، دافعًا لهؤلاء لمراجعة النفس وتعديل مواقفها من جبهات المقاومة ومن العدو الإسرائيلي.

سواء اتفقنا أو اختلفنا مع حزب الله لا يجب إطلاقًا أن نكون في صفوف عدونا الذي لن يتوقف عن جرائمه بعد موجة الاغتيالات، تلك الموجة التي من المؤكد لن تنتهي عند حد نصر الله ولا عن استخدام سلاح الجو الغاشم في تدمير المدن والعواصم العربية التي لن تقف عند بيروت، ذراع إسرائيل الطويلة التي يتباهى بها نتنياهو ووزير دفاعه كان يجب أن يكون في مواجهتها ذراع عربية قوية حتى ولو على مستوى التصريحات، لكن ما رأيناه هو المزيد من التجاهل والصمت العميق من غالبية الأنظمة والحكومات العربية.

تجاهر إسرائيل بعدائها لنا جميعا، وتعلن خططها لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، بل وتصنفنا -حسب وصف نتنياهو- في معسكرين، هما معسكر «النقمة» وهو معسكر «المقاومة» الذي يواصل خوض مواجهة غير متكافئة معها، ومعسكر النعمة التي تضم الدول المطبعة معها أو تلك الساعية إلى الانضمام لصفوف المطبعين. نقابل نحن هذا الغرور والصلف الصهيوني بمزيد من الصبر غير الجميل والخوف حتى من التعبير عن رفضنا لهذا السرطان الذي يتمدد في الجسد العربي. كيف ارتضت دول خريطة «النعمة» التي عرضها نتنياهو أمام الأمم المتحدة الأسبوع الماضي أن يصنفها نتيناهو بهذا الوصف؟ والسؤال الأهم هل ستسلم هذه الدول من الغدر الصهيو-أمريكي في المستقبل ووقتما تشاء إسرائيل والولايات المتحدة؟

بعد بيروت سيكون الدور على عواصم عربية أخرى بالتأكيد. ما أستطيع أن أؤكده، في ضوء الأحداث الجارية، ومن خلال مراجعة التاريخ القذر لإسرائيل منذ إنشائها، أن العدوان الإسرائيلي الشرس الذي طال كل المقاومين بما في ذلك البعيدون تماما عنها، لن يتوقف عند حد بيروت، فالهدف هو إسكات كل صوت يقاوم إسرائيل ولو بالكلمة بما في ذلك الصحفيون والإعلاميون الذين تقتلهم بدم بارد داخل الأراضي المحتلة وخارجها.

من السابق لأوانه أن نقول إن إسرائيل نجحت في حملتها العسكرية على لبنان وعلى حزب الله تحديدا. إذا كان الحزب قد خسر معركة تفجيرات البيجر ومعارك اغتيال قادته فإنه -كما يقولون- خسر معركة أو معارك ولم يخسر الحرب بعد، وأن إسرائيل كسبت جولة أو جولات ولم تكسب الحرب. ما زالت شرارة المقاومة مشتعلة في غزة والضفة وجنوب لبنان وجبهات الإسناد في اليمن والعراق. لذلك وفي ظل عجز العرب أو بالأصح الأنظمة العربية حتى عن إصدار بيانات الشجب والإدانة التي اعتادت عليها، وإذا كنا غير قادرين على تغيير المنكر الصهيوني بأيدينا وأسلحتنا المكدسة في مخازن الجيوش العربية، فليس أقل من أن نواجه الجرائم الإسرائيلية بألسنتنا، أي بالكلمة، وأن نطلق يد منصات الإعلام العربية ومنحها الحرية للتعبير عن رفضنا لجرائم نتنياهو وعصابته الحاكمة، ومساندة جبهات المقاومة في كل مكان على الأرض العربية، وتوجيه الجيوش الإلكترونية التي تملكها وتديرها إلى التوقف عن الدفاع عن العدو الصهيوني، ودعم المقاومة.

لقد أثبتت الأحداث أن الحروب لا تربح بالسلاح وحده، وأن الإعلام يمكن أن يكون له دور حاسم في ترجيح كفة طرف من أطرافها. لقد نجحت المقاومة في غزة في ترويج سرديتها للأحداث في مناطق كثيرة من العالم على مدى العام الفائت، وتفنيد الدعاية الإسرائيلية وجعلت قطاعات من الرأي العام حتى في الدول الغربية تتظاهر ضد العدوان الإسرائيلي. ما يحدث حاليا في لبنان ليس أقل مما حدث ويحدث في غزة، ويحتاج إلى خطاب إعلامي عربي قوي وموحد يستند إلى الحقائق، وما أكثرها، ويفضح الممارسات الإسرائيلية غير الإنسانية في اغتيال المدنيين وقادة المقاومة. من مصلحة الشعوب والأنظمة العربية أن تُفعل قدراتها الإعلامية والاتصالية ليس فقط للتواصل مع مواطنيها، ولكن أيضا مع الآخر، وتقدم خطابًا إعلاميًا قويًا يتضمن تحذيرات واضحة لإسرائيل والولايات المتحدة بأفعال عربية إن لم تتوقف إسرائيل عن حرق غزة ولبنان ومناطق أخرى في جبهات إسناد المقاومة.علينا أن ندرك قبل فوات الأوان أن التطورات التي أحدثتها تكنولوجيا المعلومات والاتصال قد غيّرت طبيعة الصراعات الدولية وأضافت أسلحة جديدة إلى ساحة المعارك التقليدية، وأن الوصول العالمي الواسع لكل دول العالم تقريبًا للفضاء الإلكتروني أتاح للدول والعصابات المسلحة مثل العصابة الصهيونية فرصا عديدة لنقل حروبها من الواقع الحقيقي إلى الواقع الافتراضي، والتأثير في مجرى الأحداث سواء بشكل مادي مثل ضرب أنظمة الحواسيب والاتصالات، أو بشكل معنوي مثل التأثير في اتجاهات ومعتقدات الشعوب. لقد استخدمت إسرائيل أسلحة جديدة وعديدة في الفضاء الإلكتروني لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية، وجمعت بين العمليات العسكرية الفعلية على الأرض وبين الهجمات السيبرانية، والضغوط الدبلوماسية والاقتصادية وحملات الدعاية.يجب أن ندرك قبل أن تفاجئنا إسرائيل بغارات جديدة على عواصم عربية أخرى أننا نعيش عصر الحرب الهجينية، وهي «شكل من الحروب تقوم على مزج الوسائل الحربية التقليدية وغير التقليدية، العسكرية وغير العسكرية، العلنية والسرية التي تشمل الحرب المعلوماتية والسيبرانية وتستهدف إيجاد حالة من الارتباك والالتباس حول طبيعة ومنشأ وهدف هذه الأفعال». وقد ظهر مصطلح «الحرب الهجينية» لأول مرة في عام 2002 في رسالة علمية قدمها الباحث الاستراتيجي «وليام نيميز» لوصف الطريقة التي اتبعها المقاتلون الشيشان «للجمع بين العمليات العسكرية والتكتيكات العسكرية الحديثة التي تقوم على استخدام الهواتف المحمولة وتكنولوجيا الإنترنت. في هذه الحرب استخدم الشيشان إلى جانب الأعمال العسكرية الفعلية على الأرض الأنشطة الإعلامية والاتصالية والعمليات النفسية ضد القوات الروسية». قد يقول قائل إن الوسائل غير العسكرية بما في ذلك العمليات المعلوماتية والإعلامية كانت وما زالت تستخدم في أوقات الحرب، وهذا صحيح. ومع ذلك فإن ما يجعل الحرب السيبرية مختلفة هو التأثيرات التي يمكن للمعلومات أن تحدثها في تطور الصراع، خاصة أن إدراك الجمهور في بعض الأحيان بنتائج الصراع تكون أكثر أهمية من الحقائق الفعلية على الأرض. إن إسرائيل ترتكب جرائمها ليس بهدف الدفاع عن نفسها كما تزعم، ولكن من أجل السيطرة على إدراك وسلوك الشعوب خاصة الشعوب العربية، التي رغم التلاعب المستمر بعقولها ما زالت تمثل حلقة مهمة وصعبة في حلقات الصراع، وما زالت عصية على الإرهاب الفكري والدعاية الصهيونية.من المتوقع أن تكون حرب المعلومات التي تدمج بين الحرب الإلكترونية والحرب السيبرية والعمليات النفسية محورا مركزيا في كل الحروب في المستقبل. ولذلك علينا أن نضع خططًا واضحة وبدائل اتصالية وتكنولوجية ممكنة حتى نستطيع مواجهة ما قد يأتي من العدو الصهيوني. إذا كنا غير قادرين حاليا على قطع ذراع إسرائيل الطويل بالسلاح فلا أقل من أن نقطع لسانها، وألسنة أنصارها في العالم العربي الطويلة أيضا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على الأرض ما زالت فی غزة

إقرأ أيضاً:

نتنياهو بين أصداء البلطجة العسكرية وحق مقاومة الاحتلال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في ظل وجود بنيامين نتنياهو رئيسًا للوزراء في إسرائيل، شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولات متسارعة في السياسات العسكرية الإسرائيلية، حيث تحولت الأزمات إلى حروب مفتوحة، وأصبح الصراع ليس مجرد مسألة حدود بل حرب وجود في إطار واسع، يُعرف نتنياهو بأسلوبه القاسي والمباشر، الذي يضع القوة في مركز السياسات، ومع كل غارة جوية، وكل عملية اغتيال، تتزايد تبعات هذه السياسات على الأمن والاستقرار في المنطقة.

على مدى سنوات حكمه، نفذ نتنياهو سلسلة من العمليات العسكرية التي أدت إلى مآسي إنسانية لا تُحصى، كعملية "الرصاص المصبوب" عام 2008، و"عمود السحاب" عام 2012، و"الجرف الصامد" عام 2014، ومسيرات العودة 2018، وحرب غزة 2021، و7 أكتوبر 2023 حتى الآن، وكلها عمليات أسفرت عن مقتل الآلاف من الفلسطينيين وتدمير هائل للبنية التحتية.

وانتهج نتنياهو في سياسته أسلوب عمليات الاغتيال المؤثرة، والتي تستهدف قيادات حركات المقاومة مثل اغتيال نزار ريان القيادي في حماس، ومحمود المبحوح، وأحمد الجعبري، وأبو العطا من حركة الجهاد الإسلامي، وتيسير الجعبري القيادي في الجهاد الإسلامي، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وآخرهم حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله.

لقد تعايش العالم مع هذه الفظائع كجزء من المشهد السياسي، ولكن السؤال المحوري يبقى: ماذا تحقق إسرائيل من هذه الحروب؟

تسعى إسرائيل من خلال هذه العمليات إلى إضعاف حركات المقاومة، لكن هذه الحركات لم تنكسر بل على العكس، ازدادت قوة وتماسكًا، وأسفرت هذه الحروب عن نتائج عكسية، حيث زادت من تكوين تحالفات جديدة تضع الأمن الإسرائيلي في مهب الريح.. وبذلك، أصبحت سياسات نتنياهو تسهم في بناء جبهات جديدة من العداء، وتعزز من قدرة المقاومة المسلحة على تنفيذ عملياتها.

إن حق المقاومة هو حق مشروع تعترف به القوانين الدولية، ويُعتبر وسيلة أساسية للشعوب المظلومة للرد على الاحتلال، فقوات الاحتلال الإسرائيلي، بممارساتها المستمرة والممنهجة، أسست لبيئة تبرر مقاومة شعوب المنطقة، وفي ظل الانتهاكات المتكررة، يبقى الخيار الوحيد أمام الفلسطينيين هو مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة، سواء كانت سياسية أو عسكرية، هذا الحق لا ينفصل عن طبيعة الصراع المستمر بين الطرفين، ويمثل تمسكًا بحياة كريمة وحرية واستقلال.

خصوصا لأن هذه الممارسات ساهمت في تدهور الوضع الإنساني في غزة والضفة الغربية، حيث يعاني المواطنون من فقدان الأمل وتفشي الفقر والبطالة، فالأطفال في غزة، الذين ولدوا في ظل الحصار، هم جيل عاش الحرب منذ نعومة أظفارهم، مما يخلق شعورا باليأس ويجعلهم أكثر عرضة للتطرف، ويزداد الوضع تعقيدا مع استمرارية القصف والتهجير، مما يجعل الحياة اليومية عبارة عن كابوس دائم.

وفي ضوء هذه المعاناة، نجد أن حركات المقاومة تأخذ على عاتقها مهمة الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتجسيد إرادته في مواجهة الاحتلال، وتأتي عملياتها العسكرية كردود فعل على الاعتداءات الإسرائيلية، مما يعكس حقا مشروعا في الدفاع عن النفس، وهذا الحق يتجاوز المسألة الفلسطينية ليعكس حق الشعوب كافة في مقاومة الاحتلال والتأكيد على هويتها ووجودها.

إن الفشل في إيجاد حل سياسي للصراع يتطلب من المجتمع الدولي إعادة النظر في طريقة تعامله مع "نتنياهو"، ولا يمكن أن تستمر السياسات العسكرية في فرض نفسها كخيار وحيد لحل النزاع، بل يجب أن يُدفع نحو الحوار والاعتراف بحقوق جميع الأطراف، فعدم وجود استراتيجية سياسية واضحة، يهدد بتأجيج الصراع وخلق دوامات جديدة من العنف.

وإذا كان نتنياهو يعتبر نفسه "إله الشرق الأوسط"، فإن العالم بأسره عليه أن يتحمل مسؤولية التوجه نحو الصراع المسلح، بل يجب أن يدرك أن سياسات نتنياهو العسكرية لن تؤدي إلا لمزيد من العنف والمعاناة، لذا يتوجب على المجتمع الدولي إيجاد أرضية مشتركة تضمن الأمان والاستقرار للجميع، والأمل في إيجاد سلام دائم يتطلب تفهمًا عميقًا لحقوق الشعب الفلسطيني ولتاريخ الصراع، ويستلزم تفعيل دور المنظمات الدولية للضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها والتوصل إلى حل عادل.

مقالات مشابهة

  • الوزير صباغ: استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية منذ 1967 بما فيها الجولان السوري وارتكابه جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب لا يزال شاهداً ماثلاً على إخفاق الأمم المتحدة في إنهاء هذا الاحتلال العنصري التوسعي ويمثل دليلاً دامغاً على منع الولايات
  • إسرائيل تلجأ للعمليات القذرة للتغطية على الهزيمة العسكرية والاستراتيجية
  • نتنياهو بين أصداء البلطجة العسكرية وحق مقاومة الاحتلال
  • الحرب سجال.. والقتل والتدمير لن يزيلا أثر الطوفان
  • حزب الله أمام مرحلة جديدة
  • نتنياهو يهدد دول في المنطقة: لا يوجد مكان في الشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل الطويلة
  • شاهد عدد ووزن القنابل التي أدت لاغتيال الشهيد السيد حسن نصر الله
  • نتنياهو: لا يوجد مكان في إيران أو الشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل
  • نتنياهو: لا يوجد مكان في إيران أو الشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل الطويلة