يظن الكثيرون بأن المصانع هي وحدات الإنتاج التي تتكون من المواد الأولية، وخط التصنيع، والمخرجات النهائية، وهي فكرة صائبة تمامًا ولا يختلف عليها اثنان، ولكن هناك أيضًا مصانع غير مادية، ولها مسارات معقدة للتصنيع، ومخرجات غير ملموسة، مثل صناعة المهارات التقنية، والقدرات الابتكارية، وكذلك القيادات العلمية، فهل حان الوقت لتأسيس مصانع التعلم لدعم الابتكار؟
دعونا في البداية نقترب من واقع سلسة القيمة في الابتكار، وتحديدًا عند المدخلات التي تكتسب أهمية كبيرة، فإذا تتبعنا خريجي كليات التجارة والاقتصاد وعلوم الإدارة نجد أن نسبة محدودة هي التي تمكنت من شق طريقها إلى مواقع ريادة الأعمال، أو القيادة التنفيذية، وهذا الأمر ينطبق كذلك على خريجي كليات الهندسة والعلوم الأساسية والتطبيقية، وتقل هذه النسبة بشكل أكثر حدة لدى تخصصات العلوم الاجتماعية والإنسانية، وهذا ما يزيد من تعقيد صناعة المبتكرين ورواد الأعمال العلمية والأكاديمية، والرؤساء التنفيذيين للمؤسسات التطويرية والابتكارية، لأن المخطط التقليدي هو تلقي التعليم العالي واختيار التخصص حسب الرغبة، أو حسب التوفر، ثم البحث عن مسار مهني، والعمل على بناء المهارات عبر التدريب والممارسة والتعلم المستمر، والطريق إلى نقطة التحول بهذه الآلية التقليدية ليس بالأمر السهل، ما يستوجب الكثير من الجهد في التخطيط السليم في المراحل المبكرة من الحياة الجامعية، والاستثمار في الموهبة والشغف والمهارات الفردية في اغتنام الفرص، ولذلك فإن الحاجة إلى رسم الحدود الافتراضية لمصانع التعلم في الابتكار قد أصبح أكثر إلحاحًا، وليس ذلك من أجل تقليل الهدر في المواهب والمهارات والقدرات العلمية والتقنية وحسب، وإنما بسبب ما يفرضه عالم اليوم من سرعة مواكبة التطورات التكنولوجية، وانعكاساتها على مفهوم الاقتصاد والعمل والجوانب الاجتماعية.
فإذا أسقطنا نموذج المصنع على سلسلة القيمة في الابتكار نجد أن منظومات التعليم والتدريب لوحدها ليست كافية، فهناك المقولة الشهيرة التي مفادها: «ما لا تدرسه في الجامعة»، وهي تطلق مجازيًا على المهارات والكفايات التي لا تتضمنها الدراسة الأكاديمية، مثل الذكاء العاطفي، والمهارات الناعمة، ومهارات القيادة، وريادة الأعمال، ومهارات المجازفة العقلانية وإدارة مخاطر الاستثمار في الابتكار، فالنظام التعليمي في العموم ينظر إلى أن مخرجاته الأساسية هي الكفاءات العلمية، وبأن خط تصنيعها يتمحور حول بناء اللبنات الأساسية لدى الطلبة، وتأهيلهم للانضمام إلى مهن ناجحة، وتعزيزهم بمجموعة من المعارف والمهارات الرئيسية التي تمنحهم القوة الكافية لمواجهة التحديات المؤسسية والحياتية بشكل فعال في المستقبل، ولكن هذه النظرة الكلاسيكية بحاجة إلى تعزيز ومواكبة حثيثة لما يحدث خارج أسوار الجامعات والكليات، فهناك مدرسة فكرية سائدة تؤكد على أنه بالإمكان صناعة قادة ناجحين، ورجال أعمال بارزين، ومديرين تنفيذيين دون التعليم الرسمي في كليات الاقتصاد وإدارة الأعمال، والأمثلة عديدة بالطبع، هناك قادة مثل ستيف جوبز، وبيل جيتس، ومايكل ديل، ومارك زوكربيرج الذين نجحوا دون الحصول على درجات أكاديمية وشهادات رسمية، وبالتالي، فإنه من الواضح أن مصانع التعلم في الابتكار لا تقتصر على التعليم التقليدي، إذ لا بد من إدماج خطوط تصنيعية أخرى.
وهذا يقودنا إلى أهمية الإدراك بأن سلسلة القيمة في الابتكار تتطلب الدعم المتعدد الاتجاهات؛ فبجانب التعليم التقليدي لا بد من تعزيز المسارات الأخرى التي يمكنها تسريع خطوط الإنتاج للوصول إلى نقطة التحول الكبرى، ولذلك يُعد وجود الهياكل الافتراضية لمصانع التعلم هو حجر الأساس لوضع المنطلقات الأساسية، ثم رسم التوجهات التي تقود عملية التصنيع، وهي عملية تكرارية تبدأ بتحليل الاحتياجات، ثم تعزيز الإمداد، فإذا كانت الأولوية موجهة نحو بناء قادة الابتكار، أو رواد الأعمال فإن نقطة البداية تكون في ترسيخ مبادئ القيادة، واكتشاف المواهب القيادية منذ سن مبكر، وتوجيهها نحو اكتساب المعرفة والمهارات والقدرات للتفوق مستقبلًا في المراكز القيادية، وينطبق الوضع ذاته على الشغف والفضول العلمي، ولكي تقوم مصانع الابتكار بإمداد سلسلة القيمة بالمهندسين والمبتكرين لا بد من ترسيخ عقلية المبتكر، وإكسابهم الفطنة الفنية والاستراتيجية لفهم ديناميكيات التطوير والابتكار، وإدراك القوى والعوامل والفرص غير التقليدية، وخاصة في بيئات العمل التقني والتي تتميز بقصر دورات الاختراع والتطوير والابتكار، ما يفرض أهمية النظر إلى الزمن كمورد وعائق في آن واحد.
إن مصانع التعلم للابتكار هي ضرورة ملحة في عالمنا المعاصر، إذ لم يعد الابتكار مجرد عملية ذات اتجاه واحد، وعلى منظومات التعليم والتدريب تصميم نماذج عصرية للتعلم المصغر الذي يحقق نتائج موجهة وسريعة، ويحقق المواكبة والتكيّف مع المتغيرات التكنولوجية، والأهم من ذلك كله ضمان تعزيز الإمداد المستمر للكفاءات البشرية من أجل دعم جميع نقاط سلسلة القيمة في الابتكار، وهذا يستوجب تنويع خطوط الإنتاج، فالحاجة إلى التقنيين والمطورين يمكنه أن يقتصر على مخرجات الكليات العلمية، وقادة الابتكار هم نتاج التعليم والتدريب والخبرة والمهارات الفردية والحكمة المكتسبة وغيرها من مصادر التعلم المستمر، أما القدرات البشرية المطلوبة في مواقع التسويق والتتجير فهي بحاجة للتعليم والتدريب الموجه، وكذلك شاغلو المواقع التقنية الحرجة مثل موظفي الجودة الذين هم بحاجة للتطوير المستمر والمستدام، ومع تنوع الاحتياجات الفعلية من الكفاءات والمهارات لدعم سلسلة القيمة في الابتكار أصبح لزامًا وضع الأطر التنظيمية لهذه المصانع الافتراضية، والربط بين أطرافها المترامية، وإيصال النقاط مع بعضها البعض لتحديد الأدوار بشكل واضح، إذ تسعى منظومات الابتكار في جميع دول العالم إلى تجسيد مصانع التعلم وتأطيرها بخطط واستراتيجيات موجهة نحو الإنتاجية، وهذا ليس ميلًا للتنظيم وإنما هو متطلب عاجل، فكما نجحت المصانع التقليدية في إنتاج السلع بالجودة المطلوبة بانتهاج مسارات التصنيع وضمان جودة خطوط الإنتاج، فإن الأمر لا يختلف مع الابتكار، وإذا ما تم تأطير أدوار جميع الفاعلين في منظومات الابتكار بمنهجية خطوط الإنتاج لمصانع التعلم فإن المخرجات سوف تكتسب القيمة النوعية، وتتغلب على أبرز مُعيقات مسيرة الابتكار، وهي الازدواجية، وفاقد الكفاءات والمهارات والقدرات العلمية والقيادية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: خطوط الإنتاج
إقرأ أيضاً:
حماة الوطن يدشن المركز الأول للابتكار ودعم رواد الأعمال على مستوى الجمهورية
دشن حزب حماة الوطن مركزا للابتكار ودعم رواد الأعمال على مستوى الجمهورية بالإسماعيلية، كأول مركز ضمن خطة الحزب لدعم وتأهيل الشباب بالمجتمع بكافة المجالات.
سلسة من مراكز الابتكارويسعى الحزب لاستكمال سلسة من مراكز الابتكار التي تهدف في المقام الأول لدعم الشباب وتقديم الخبرات والفرص لهم للبدء في مشروعاتهم الاقتصادية، في إطار خطة منهجية تعمل على دعمهم وتقديم كافة الخبرات اللازمة عبر هذا المركز وغيره من المبادرات
جاء ذلك بحضور الدكتور أحمد العطيفي الأمين العام المساعد وأمين تنظيم الجمهورية لحزب حماة الوطن، والنائبة ميرال الهريدي أمين أمانة التعليم، والعميد أحمد الأشموني، أمين أمانة العلاقات العامة، والدكتورة غادة البدوي، أمينة أمانة التدريب والتثقيف، والمهندس أحمد عبد المعبود وياسر العزب أمينا مساعد التنظيم، ومجدي زايد رئيس قطاع القناة، والدكتور محمد شيحة أمين أمانة الإسماعيلية.
أحمد العطيفي: الكيان الحزبي ينحاز دائما للشباب ويعمل من أجلهمومن جانبه أوضح الدكتور أحمد العطيفي الأمين العام المساعد وأمين تنظيم الجمهورية لحزب حماة الوطن، أن الكيان الحزبي الكبير الذي نفخر الانتماء إليه ينحاز دائمًا للشباب ويعمل من أجلهم.
وأكد أن التوصية التي انتهى إليها الملتقى التنظيمي الشبابي الثاني لحزب حماة الوطن لمحافظات شرق الدلتا قبل أسابيع إنشاء مركز الابتكار ودعم رواد الأعمال بالإسماعيلية تحققت بالفعل على أرض الواقع.
وتابع العطيفي أن الحزب لن يتوانى عن تقديم الدعم المجتمعي لكافة فئات المجتمع عبر مبادراته التي ستشمل كافة محافظات الجمهورية، مشيراً إلى أن هدف الحزب دائما خدمة الوطن والمواطن بكافة أنحاء الجمهورية.
ومن جانبه قال الدكتور محمد شيحة أمين الإسماعيلية، إن الدعوة مفتوحة أمام أبناء الإسماعيلية المبدعين للانضمام لمركز الابتكار ودعم رواد الأعمال لتقديم الرعاية اللازمة لهم دون تحمل أي أعباء مادية.
وأشار إلى إن الدكتور أحمد العطيفي هو صاحب فكرة إقامة مركز الابتكار ودعم رواد الأعمال في الإسماعيلية "ويشرفنا أن تكون الريادة لنا في هذا المجال".
وأوضح أنه تم تخصيص مقر لمركز الابتكار ودعم رواد الأعمال بمقر حزب حماة الوطن بالإسماعيلية، وتشكيل مجلس إدارة برئاسته يضم في عضويته خالد الشريف ومجدي زايد والمهندس أحمد السنجهاوي وبسمة هنداوي والدكاترة أحمد عيد ومنصور المغربي وجيهان شاهين، وتعيين الدكتورة نسمة الزينى مديرًا تنفيذًا.
وقال مجدي زايد رئيس قطاع القناة لحزب حماة الوطن إن أمانة الإسماعيلية برئاسة الدكتور محمد شيحة تواصل العمل ليل نهار نحو تحقيق الأهداف التي تصبو إليها في مختلف المجالات الحياتية.
وأضاف أن المبادرات التنموية التي تنصب في المصلحة العامة للمواطنين منهج أساسي نسير على خطاه خلال تعاملاتنا، وأشار زايد إلى أن إنشاء مركز الابتكار ودعم رواد الأعمال الجديد في أمانة الإسماعيلية، يعد نقلة نوعية لتقديم الخدمات للمواهب ووضعهم على الطريق الصحيح يستحق.
العزب يحكي تجربته الناجحة في البزنسأكد ياسر العزب أمين مساعد التنظيم المركزي بحزب حماة الوطن أن مركز الابتكار ودعم رواد الأعمال فكرة رائعة لحزب حماة الوطن، داعياً الشباب الراغبين في تبني مشروعاتهم الاقتصادية للتوجه للمركز حتى ترى النور قريبًا بعد دعمها.
من جانبها قالت الدكتورة غادة البدوي أمينة أمانة التدريب والتثقيف بحزب حماة الوطن، إن الشباب لا بد أن يمتلك مهارات متعددة ولا يكتفي بالمؤهل الدراسي الذي حصل عليه حتى يستطيع أن يجد الوظيفة المناسبة في سوق العمل المواكب للتكنولوجيا الحديثة.
كذلك أكدت النائبة ميرال الهريدي أمين أمانة التعليم بحزب حماة الوطن، وعضو مجلس النواب. أن مركز الابتكار ودعم رواد الأعمال الجديد يساعد الشباب الطموح في تنمية مهاراته حتى يدخل سوق البزنس من أوسع أبوابه.
وقالت: إن التعليم أمر هام حتى يصل الشباب للمبتغى الذي يريده وبدون تثقيف النفس لن يحقق شيء وهذا أمر لا بد أن يسلم الجميع به.
ومن جانبه قال العميد أحمد الأشموني، أمين أمانة العلاقات العامة بحزب حماة الوطن، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية يولي الشباب اهتمام غير مسبوق ونحن نسير على خطاه.
وأضاف أن مركز الابتكار ودعم رواد الأعمال في الإسماعيلية الأول على مستوى الجمهورية أتوقع أن يحقق نجاحات طيبة لاسيما وأن القائمين عليه من الصفوة في مجالاتهم ويمتلكون القدرة على دعم ومساندة أصحاب المواهب من الشباب المتميزين في الابتكارات المختلفة.
و قال المهندس أحمد عبد المعبود أمين مساعد التنظيم المركزي بحزب حماة الوطن، إن مركز الابتكار ودعم رواد الأعمال بالإسماعيلية قادر أن يفرز رجال أعمال مستقبلين لو ركز الشاب الطموح في العمل ومنحة كل جهدة للوصول للمكانة الأفضل مستقبلًا.
وأكد الدكتور منصور المغربي أمين مركز القنطرة غرب بقطاع الدائرة الثانية لحزب حماة الوطن بالإسماعيلية، إن مركز الابتكار ودعم رواد الأعمال في الإسماعيلية يبعث بضوء الأمل للشباب أصحاب المواهب، مشيراً إلى أن الحزب لن يتوانى عن تقديم الدعم والمساندة لهم حتى يكونوا رجال أعمال ناجحين في المستقبل.
وأعربت الدكتورة جيهان شاهين عضو هيئة مكتب المحافظة، ومساعد الأمين العام لأمانة مركز القنطرة غرب بقطاع الدائرة الثانية لحزب حماة الوطن بالإسماعيلية، عن ان تدشين مركز الابتكار ودعم رواد الأعمال الذي يعد الأول على مستوى محافظات الجمهورية، قادر على تقديم شباب متميز في مجال البزنس قريبًا شرط أن يستفيدوا من الخبرات المتوافرة داخله.
وأشارت كذلك لأهمية إنشاء مدارس للتعليم الفني لتخريج الكوادر القادرة على العمل المهني في الأسواق، والذي يعد أحد اهتماماتها.