المنزفة قرية أثرية تقع في ولاية إبراء بمحافظة شمال الشرقية، وهي من أبرز المعالم التاريخية الشامخة بمبانيها التي تتميز بعظمتها وجمال هندستها المعمارية، وتضم بين جنباتها بيوتا وقلاعا ذات زخرفة هندسية متقنة تعكس تطور فن العمارة للعمانيين القدامى، التي تتطّبع بطابع إسلامي وعربي فريد، بينها طرق فسيحة وجدران منقوشة بتفاصيل الجمال والإبداع العمراني، وهي قرية تمتزج فيها الحضارة بالعراقة والأصالة وتتراءى فيها سيرة رجال عمروا المكان وشيدوه بسواعدهم.

تطوير القرية

وتولي وزارة التراث والسياحة ممثلة في إدارة التراث والسياحة بمحافظة شمال الشرقية اهتماما جليا وواسعا بالمكنون التراثي والشواهد التاريخية، حيث تعتبر قرية المنزفة قرية ذات حراك سياحي وقرية حية بمآثرها وآثارها إذ تستقطب الزوار سياحيا وباحثين أثريين ومؤرخين.

وتمثل هذا الاهتمام في أعمال لجنة توظيف المعالم التاريخية بولاية إبراء التي عقدت اجتماعها الأول في مايو الماضي من هذا العام بغية الحفاظ على المعالم التراثية والأثرية بولاية إبراء وتوثيقها بما يحفظ هويتها، وجاء في الاجتماع مناقشة إجراءات ترميم وصيانة وتطوير قرية المنزفة.

وقال سعادة الشيخ حمد بن خليفة العبري والي إبراء ورئيس اللجنة: "تم تخصيص هذه اللجنة تحت مسمى لجنة توظيف المعالم التاريخية بولاية إبراء لضمان الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للمواقع التاريخية والأثرية بالولاية، وتختص اللجنة أيضا بمناقشة تطوير وتأهيل المواقع مع ملّاك البيوت التراثية والأثرية والجهات ذات العلاقة".

وأضاف سعادته": إن لجنة توظيف المعالم التاريخية بولاية إبراء تسهم في وضع خطط ومشاريع وبرامج تتعلق بتوظيف الحارات ومعالمها التاريخية والأثرية، إلى جانب إشراك المجتمع المحلي في التخطيط والتشغيل مما يسهم في استمرارية المشروع وتعزيز شعور الانتماء والمسؤولية لدى سكان القرية".

ومن جانبها أوضحت سمية بنت حمد البوسعيدية مديرة إدارة التراث والسياحة بشمال الشرقية أن مرحلة البدء في الأعمال التطويرية للقرية تمت كمرحلة أولية وذلك بمناقشة تطوير وتأهيل المواقع التاريخية والأثرية - من بينها قرية المنزفة - وتشجيع المجتمع المحلي لاستغلال واستثمار تلك المواقع وتطويرها مستقبلا وذلك لإيجاد الاستفادة لأبناء القرية من خلال توفير فرص عمل لهم وتسهيل الإجراءات المتعلقة بأخذ التصاريح والموافقات من بعض الجهات الحكومية.

وأردفت: "وكمساهمة في مشروع تطوير القرية فإن اللجنة تسعى لتشجيع أصحاب البيوت التراثية في قرية المنزفة والقناطر أيضا على إنشاء شركة أهلية تُعنى بالاستثمار في القطاع السياحي وبالاستعانة بالجهات الحكومية ذات الشأن". مشيرة إلى أنه تم ترميم وإعادة بناء مسجد الحساب بجهود أهلية عام 1432هـ.

بيت الدروازة..

هو أحد بيوت قرية المنزفة الذي لا يختلف عن أمثاله بالطوابق المتعددة والنقوش والزخارف الهندسية البديعة، وعلى الرغم من اندثار الكثير منه إلا أن بعض الأهالي من ملّاك البيت سعوا للاهتمام به وترميمه إذ كلّف ذلك ما يزيد على 50 ألف ريال عماني. وجاء في حديث مسبق لعبدالله بن حمد الحارثي المشرف على بيت الدروازة أن ملاّك البيت الذين ورثوه عن أجدادهم استثمروه بتحويله متحفا أثريا وتراثيا جميلا، وذلك لما يضمه من غرف ومجالس ذات زخرفة هندسية، بالإضافة إلى احتوائه على بئر ماء وعلى جنباته مقتنيات جميلة كالسيوف والبنادق والعملات والمسكوكات القديمة والحلي الفضية والذهبية والفخاريات والخوصيات وغيرها الكثير.

ويعود تاريخ ترميم بيت الدروازة لعام 2012م في خطوة أولى لتشجيع أهالي القرية على ترميم منازلهم الموروثة، وأن هذه المنازل المندثرة ولو تهدمت فمن الممكن أن ترمم وتستثمر لتكون متاحف أو نزلا أو مقاهي. وجاءت فكرة إنشاء المتحف من عدم احتواء ولاية إبراء على مكان أثري وتاريخي ليقصده السائح والزائر ليتعرف على تاريخ وأصالة هذه القرية. لذلك بعد أن تم ترميم البيت أصبح هو المقصد الأثري في الولاية. ولدمج الحضارة بالعراقة تم أيضا إضافة مقهى ثقافي وذلك لاستغلال الردهات في هذا البيت الواسع وكذلك السطح إذ إن المقهى الثقافي تم إنشاؤه بناء على طلب السياح والزائرين والأهالي ليكون ملتقى ثقافيا متكاملا يضم مجموعة من الكتب والصحف والإنترنت أيضا.

لفتة تاريخية..

يعود سبب تسمية القرية إلى المنازف التي تنزف المياه من الأفلاج والآبار بدلاء نحاسية في المناطق المرتفعة إلى المناطق المنخفضة أيام الخصب، وأما بالنسبة لتاريخ تأسيسها فإنه غير معلوم ولكن الآثار التي وجدت في القرية تعود إلى صدر الدولة اليعربية، وتضم قرية المنزفة بيوتا وقلاعا سميّت بقصور المنزفة وتتكون أغلب بيوتها من طابقين أو ثلاثة طوابق، من أشهر بيوت القرية بيت الشريعة ومن بيوتها أيضا البيت الكبير والبيت العود وبيت الدروازة، والمحارة، والسدور، والوالي وبيت البومة والبومة هي غرفة المراقبة إذ تعرف في الحارات العمانية بالبومة، وبنيت القرية من الصاروج والحصى وهي كالحصن محاطا بسور من كل الجوانب وتضم 9 دراويز وهي المداخل وروازن ذات أرفف خشبية.

هندسة بديعة

أقدم النقوش التي حملتها المباني الأثرية في هذه القرية يعود إلى عام 1128هـ الموافق 1716م والنمط الذي شُيدت به يعكس الفن المعماري الأصيل، ويتعلق البصر في قرية المنزفة مدهوشا بجمال المباني وعلو بنائها وعظمتها التي تترجم تطور وتمازج فن العمارة بمختلف الثقافات والحضارات، والفن الجمالي والأصيل يظهر في كل تفاصيل القرية، في السور الكبير والدروازات والروازن والبيوت والطرقات والجدران وتتزين جدران الزوايا بنقوش تنوعت بين العربية والفارسية والهندية. الزخارف الهندسية المتقنة والنقوش البديعة ما زالت واضحة المعالم ولم يمحُها مرور الزمان وما زالت تتصف بالعراقة والهيبة والأصالة إلى يومنا هذا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المعالم التاریخیة بولایة إبراء

إقرأ أيضاً:

أسرار مظلمة لا تعرفها وراء بريق أشهر المعالم السياحية

وراء الواجهات البراقة والصور المثالية التي تزين المجلات ووسائل التواصل الاجتماعي، تخفي العديد من المعالم السياحية الشهيرة تاريخا مظلما وأسرارا مروعة. وبينما يتوافد الملايين من وإلى هذه المعالم للاستمتاع بجمالها وعمارتها الخلابة، فإن قليلا منهم يعرفون القصص الحقيقية وراء هذه الأماكن.

جسر التنهدات: رمز الحزن والسجن

عندما نتحدث عن الوجهات الرومانسية، تتبادر إلى الذهن أماكن قليلة مثل البندقية الإيطالية – أو فينيسا -. هذه المدينة العائمة، بشبكتها المعقدة من القنوات وهندستها المعمارية التاريخية، تُعَد واحدة من أجمل الوجهات السياحية في العالم. ولا شيء يجسد رومانسية البندقية مثل ركوب الجندول عبر قنواتها الخلابة، والمرور تحت جسر التنهدات الشهير، الذي يُعتبر من أبرز معالم المدينة.

يقع "جسر التنهدات" على بُعد مسافة قصيرة من ميدان سان ماركوس، ويربط بين سجن المدينة وقصر دوجي، المقر الإداري للمدينة في العصور الوسطى. تم بناء الجسر في القرن السابع عشر على يد المهندس المعماري أنطونيو كونتينو، يبلغ طوله حوالي 11 مترا وارتفاعه 4 أمتار، وهو مصنوع من الحجر الأبيض نفسه المستخدم في بناء قصر دوجي. يجمع تصميمه الأنيق بين عناصر العمارة البندقية الكلاسيكية، مما يجعله أحد أشهر الجسور في المدينة.

حصل الجسر على اسمه لأن السجناء الذين كانوا يعبرونه في طريقهم من السجن إلى قاعات المحاكمة كانوا يطلقون "تنهدات" حزن ويأس، خاصة إذا كانوا متجهين لتنفيذ حكم الإعدام.

ورغم تاريخه المظلم، فإنه أصبح اليوم رمزا للرومانسية في الأدب والفن. حتى إنه يشاع أن الأزواج الذين يعبرون تحته في قارب أثناء غروب الشمس سيظل حبهم خالدا، كما كان مصدر إلهام للعديد من الكتاب والفنانين، مثل اللورد بايرون، وتشارلز ديكنز، وهنري جيمس، الذين صوّروا الجسر في أعمالهم، مما ساهم في شهرته العالمية.

جبل راشمور: أكثر من مجرد نصب تذكاري

جبل راشمور الواقع في ولاية ساوث داكوتا، ذلك النصب التذكاري الشهير الذي يصور وجوه 4 من رؤساء الولايات المتحدة، هو أكثر من مجرد تحفة فنية؛ إذ يحمل في طياته تاريخا معقدا يتجاوز الإنجازات الرئاسية ليشمل قصة صراع ثقافي وحضاري عميق.

قبل أن يصبح جبل راشمور رمزا للولايات المتحدة، كان يُعتبر أرضا مقدسة بالنسبة لشعب اللاكوتا سيوكس (وهم سكان أصليون). فقد أطلقوا عليه اسم "الأجداد الستة"، وهو اسم يحمل دلالات روحانية عميقة ترتبط بتقاليد ومعتقدات الهنود الحمر. ومع ذلك، تم تجاهل هذه المقدسات الثقافية عندما قرر النحات غوتزون بورغلوم تحويل الجبل إلى نصب تذكاري يخلد ذكرى الرؤساء الأميركيين جورج واشنطن، وتوماس جيفرسون، وثيودور روزفلت، وأبراهام لينكولن.

معاهدة فورت لارامي التي وقعت في العام 1868، نصت على أن تبقى الأرض لشعب اللاكوتا سيوكس، لكن بعد اكتشاف الذهب في المنطقة، انتهكت الولايات المتحدة المعاهدة وأجبرت السكان الأصليين على التنازل عن أراضيهم.

تم ترحيل السكان الأصليين من شعب اللاكوتا سيوكس من أراضيهم لتشييد جبل راشمور تكريماً لأربع رؤوساء أميركيين (شترستوك)

في الوقت الذي يتم فيه الترويج لجبل راشمور كرمز لأميركا، فإن الكثيرين لا يلتفتون إلى أن تشييده تم عبر انتهاك حقوق السكان الأصليين، حيث تم ترحيل شعب اللاكوتا سيوكس من أراضيهم، واستخدام مناطقهم في تخليد ذكرى رؤساء امتلكوا مئات العبيد و حاربوا أصحاب الأرض الأصليين بدموية.

واليوم، يمثل هذا المعلم السياحي الذي يزوره ما يقرب 3 ملايين شخص سنويا رمزية مثيرة للجدل؛ فيعتبره البعض تجسيدا للقيم الأميركية مثل الديمقراطية والحرية. ولكن بالنسبة للآخرين، -وخاصة السكان الأصليين-، فهو تذكير مؤلم بالظلم الذي تعرضوا له.

سور الصين العظيم: مقبرة البُناة

من منا لم يسمع عن سور الصين العظيم؟ هذا الحصن العملاق الذي يمتد آلاف الكيلومترات، والذي غالبا ما يُصور كأحد عجائب الدنيا، يحمل في طياته تاريخا غنيا ومعقّدا. على الرغم من أن العديد يعتقدون أنه يمكن رؤيته بوضوح من الفضاء، فإن هذا الاعتقاد خطأ؛ فطبيعة المواد المستخدمة في بنائه تجعل من الصعب تمييزه عن البيئة المحيطة به.

يعود تاريخ بناء سور الصين العظيم إلى آلاف السنين، حين شرع حكام الصين في تشييد سلسلة من الجدران لحماية أراضيهم من الغزاة الشماليين. إلا أن الإمبراطور الأول الذي وحد الصين تشين شي هوانغ أمر بهدم كل التحصينات الداخلية؛ لعدم السماح لأي عملية انقلاب أو استقلال داخلية، ووجه كل طاقته لبناء سور واحد ضخم حوالي عام 220 قبل الميلاد. كان الهدف من هذا المشروع الضخم هو تحقيق الوحدة الوطنية والدفاع عن الإمبراطورية الناشئة.

يقال إن ما يصل إلى 400 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء بناء سور الصين العظيم في فترة تشين شي هوانغ وحدها (شترستوك)

ميزت بناء السور ظروف عمل قاسية، حيث أجبر العمال، من جنود ومدنيين، على العمل بالسخرة لساعات طويلة دون أجر. ويقدر عدد الضحايا الذين سقطوا أثناء البناء بمئات الآلاف. ويقال إن ما يصل إلى 400 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء بناء السور في فترة تشين شي هوانغ وحدها؛ وقد دُفن العديد من هؤلاء العمال داخل السور نفسه. ومع ذلك، استمر بناء الجدار وتوسعته على مر العصور، حيث قام كل إمبراطور بإضافة تعديلات وتحسينات عليه.

على الرغم من التضحيات التي تم تقديمها لبنائه، فإن سور الصين العظيم يظل شاهدا على عظمة الحضارة الصينية وإبداعها الهندسي.

برج لندن: قصر المجوهرات والأشباح

يحمل برج لندن، الحصن المهيب القابع على ضفاف نهر التايمز في قلب العاصمة البريطانية، بين جدرانه تاريخا طويلا ومعقدا مليئا بالأحداث الدرامية والأسرار. البرج ليس مجرد قلعة تاريخية، بل هو متحف حي يعرض مجموعة من المجوهرات التاجية الملكية، ويشهد على العديد من الأحداث التاريخية المهمة، بينما يظل مسكونا بروح الماضي.

ورغم أن برج لندن اليوم هو موطن لجواهر التاج البريطاني ومعلم سياحي مزدهر، فإن تاريخه يشهد على جانب مظلم من الإعدامات، قطع الرؤوس، والتعذيب.

ومنذ بنائه في القرن الثاني عشر وحتى أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، كان البرج مكانًا سيئ السمعة، حيث سُجن فيه أولئك الذين خانوا العائلة المالكة أو ارتكبوا جرائم جسيمة.

رأس الملكة آن بولين زوجة ملك إنجلترا هنري الثامن قُطع في برج لندن (شترستوك)

من بين أشهر من أُعدموا في البرج، الملكة آن بولين، زوجة الملك هنري الثامن، التي قُطع رأسها فيه، إلى جانب العديد من المعارضين للأسرة الحاكمة على مر العصور، كما كان القصر سجنا للكثير من الملوك و السياسيين مثل جيمس الأول ملك أسكتلندا، وجون الثاني ملك فرنسا، وهنري السادس ملك إنجلترا، وسجن فيه أيضا رودلف هس نائب أدولف هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن العشرين.

أحد أكثر المواقع المثيرة للرعب في البرج هو النصب التذكاري للسجناء الذين أُعدموا داخله. توضح وسادة على منصة مرتفعة مكان الإعدام، مع لوحة تسجل أسماء السجناء وتواريخ ميلادهم ووفاتهم، مما يبعث شعورا بالقشعريرة لدى زواره.

اليوم، يُعد برج لندن من أشهر الوجهات السياحية في بريطانيا وأوروبا. يمكن للزوار استكشاف أبراج البرج وأسوارها، التعرف على تاريخه الغني، مشاهدة جواهر التاج اللامعة، والاستماع إلى القصص المثيرة التي تحيط بأساطير الأشباح المرتبطة بهذا المعلم التاريخي.

مقالات مشابهة

  • شهادة السيد نصر الله.. مفتاح للمعركة التاريخية أمام العدو الصهيوني
  • خالد بن محمد بن زايد ورئيس الوزراء القطري يؤكدان عمق العلاقات التاريخية بين البلدين
  • رحلة إنتاج «كوب اللبن» 2.. من القرية والمزرعة لمراكز «التجميع والتصنيع» (ملف خاص)
  • زاهر الغافري.. اذهب وقل وداعًا لتلك القرية الصغيرة
  • تامر عبدالمنعم: وزير الثقافة وجه بنشر جميع نوت الموسيقار علي إسماعيل في فرقة رضا
  • أنقذونى..المعالم الأثرية.. كنوز الأجداد..وإهمال الأحفاد
  • أسرار مظلمة لا تعرفها وراء بريق أشهر المعالم السياحية
  • رحلة إنتاج «كوب اللبن» من القرية والمزرعة لمراكز «التجميع والتصنيع»
  • عضو الحوار الوطني: يجب الاستجابة لمطالبة الرئيس السيسي والاهتمام بالأمن القومي