#نور_على_نور
د. #هاشم_غرايبه
في قوله تعالى: “وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ” [الذاريات:21] التحدي القاصم لمن يعدّون أنفسهم علماء ويكذبون بوجود الله، فحتى لو اقتصرت معارف الإنسان واكتشافاته على معرفة وظائف الجسم البشري فقط، لما كان بحاجة الى أكثر من ذلك كدليل مادي أنه مخلوق قصدا بهذه الصورة والقدرات، وليس نتيجة تطور بالصدفة من كائن أولي، كما يزعم الملحدون منهم بلا دليل مادي ولا اثبات علمي غير الظن.
ففي كل يوم يكتشف العلماء أدلة جديدة على أن الإنسان خلق في أحسن تقويم، ولم يجدوا الى اليوم في أية وظيفة من وظائف الخلايا أو الأنسجة أو الأعضاء أو الأجهزة أو الغدد، نقصا في الأداء أو خللاً يمكن تصور أداء أفضل مما هو متحقق، أو تصور أكمل ولا أمثل منه.
فلو كان كل ذلك نتاج تطوير الجسم لإمكانياته بذاته حقاً، لوجدوا خللا ما أو نقصا في الأداء في مكان ما، لأن المنطق يفترض أن التطوير الذاتي عملية دائمة ومن الممكن أنه في مكان ما في الجسم لما يكتمل بعد…فهل ذلك موجود حقا!؟.
لو سلطنا الضوء على غدة ضئيلة لا يتجاوز حجمها حبة الرز، وهي الغدة الصنوبرية (Pineal) وتقع في الجمجمة خلف الغدة النخامية في الإنسان وفي جميع الكائنات الحية، أدى اكتشاف وظائفها الى ثورة في الطب، فقد تبين أنها موصولة مباشرة مع النواة فوق التصالبية (الساعة البيولوجية للإنسان) ثم مع العصب البصري، وهي تفرز هرمون “الميلاتونين” الذي بواسطته تتحكم الغدة الصنوبرية في وظائف الجسم بشكل عام، فتعمل بشكل متوازن ومتناسق مع مهاد المخ (الهيبوثلامس)، حيث إنّها تحتوي على خريطة كاملة لمجال الرؤيا في العينين، وبالتالي تقوم على تنبيه العينين عن طريق التحكم في كمية الضوء الداخلة إليها لذلك فهي تسمى بالعين الثالثة، وهي مسؤولة عن تنظيم الوقت فهي تضبط الساعة البيولوجية داخل جسم الإنسان، فتعمل على تنظيم أوقات النوم وأوقات الاستيقاظ أيضاً، وهي المسؤولة عن الحالة النفسية عند الإنسان والمتغيّرة باستمرار، ولذلك السبب يحتاج الإنسان بعض الوقت للتأقلم على فرق التوقيت عندما يسافر من بلد إلى آخر بسبب اضطراب إفراز هرمون الميلاتونين.
أما الوظيفة التي اهتم بها العلماء فهي دور هذا الهرمون كمضاد للأكسدة في الخلايا مما يساعد في منع تشكل الأورام السرطانية، وفي مقاومة الفيروسات، وأحدث البحوث التي قام البروفيسور”سينغر” من جامعة أوريغون الأمريكية مبشّرة في إمكانية الإستفادة من إفرازات الغدة الصنوبرية في معالج بعض الأمراض المستعصية، كالسرطان والأمراض التي تسببها الفيروسات.
تبين أن إفرازها لا يتم إلا في الظلام، وإذا ما كانت هنالك إنارة صناعية يتوقف ذلك الإفراز، لذلك عاد العلماء للتأكيد على أهمية النوم المبكر والصحو المبكر، وبذلك ينال الإنسان لقاحا طبيعيا يحميه من الأمراض الخطيرة.
أجريت دراسة شملت خمسين مزرعة دجاج بيّاض، كان نصفها يربى بالطرق الحديثة أي بإبقاء الأضواء مضاءة حتى منتصف الليل وهم يفعلون ذلك عادة لتشجيع تناول الدجاج العلف من أجل رفع نسبة إنتاج البيض، ونصفها ينام طوال الليل، فوجدوا أن نسبة إصابة المجموعة الأولى بالأمراض ثلاثة أمثال المجموعة الثانية.
عند التأمل في هذه المعلومات، يستوعب المرء كيف أن الله نظم للإنسان حياته اليومية بأوقات الصلاة، من غير أن يعلم الحكمة من ذلك، فقد جعل في انتهاء صلاة العشاء نهاية للنشاطات البدنية والإجتماعية إيذانا بالنوم.
كما يمكننا أن نفهم الآن كيف حدد لنا ربنا سبحانه أوقات النوم المثلى والتي تتوافق مع متطلبات سلامتنا ووقايتنا، حينما نقرأ قوله تعالى: ” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا” [الفرقان:47].
كان من الصعب علينا أن نفهم الهرمونات وعملها حين نزل القرآن، لكننا الآن بعد أن توصل العلماء الى فهم هذه الأمور نستطيع أن نستوعب الحكمة من الإلتزام بتلك التعليمات وغيرها.
يجادل الإنسان .. بغيرعلم ولا سلطان مبين، فيُكذّب ويُصدّقُ على هواه، يمد الله له في طغيانه ويتركه يفعل كما يشاء، لكنه في المقابل يدفع ثمن مخالفته، في الدنيا خللاً في صحته، وعقابا في الآخرة.
الذين يُصِرُّون على السهر ليلا والنوم نهارا، لا يعلمون أنهم يحرمون أنفسهم من لقاح ذاتي مجاني.
لكنه الإنسان….أكثر شيء جدلا. مقالات ذات صلة الرئيس ينافس نفسه أيها السادة 2024/10/01
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: نور على نور هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
«حوارات المعرفة» تضيء على بصمة العلماء العرب في الحضارة العالمية
دبي (الاتحاد)
واصلت مبادرة «حوارات المعرفة»، التي تنظِّمها مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، سلسلة جلساتها المعرفية عبر جلسة جديدة حملت عنوان «العلماء العرب: بصمة خالدة في الحضارة العالمية»، استضافت خلالها جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة.
سلطت الجلسة الضوء على الدور الريادي الذي لعبه العلماء العرب والمسلمون في بناء حضارة إنسانية مزدهرة أسهمت في تطوير مختلف مجالات العلوم والمعرفة، كالطب والفلك والرياضيات والفلسفة والهندسة، وغيرها من العلوم التي وضعت أسس النهضة الحديثة. كما ناقشت الجلسة إسهاماتهم التي تركت بصمة خالدة في الحضارة العالمية، وأهمية الاستلهام من هذه الإنجازات في بناء مستقبل معرفيّ عربي مستدام.
وأكَّد جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، خلال الجلسة «إن العلماء العرب لم يكونوا ناقلين للمعرفة فحسب، بل كانوا مبتكرين ومؤسِّسين لمناهج علمية جديدة أثَّرت في مسار الحضارة الإنسانية»، مشيراً إلى أنَّ «الكثير من المصطلحات العلمية في اللغات الأوروبية تعود بجذورها إلى اللغة العربية، وهو ما يجسِّد عمق تأثير تلك الحضارة».
وأضاف: «يجب أن نستثمر هذا الإرث العظيم في ترسيخ قيم البحث العلمي والابتكار لدى الأجيال الجديدة، وربطهم بتاريخهم العلمي المشرِّف، ليكون حافزاً لهم في مواصلة الإنجاز والإبداع».
كما أشاد بأهمية مبادرة «حوارات المعرفة» وجهودها المتواصلة، باعتبارها منصة استراتيجية تجمع أبرز الخبراء والمفكرين لمناقشة القضايا التي تلقي بظلالها على المشهد المعرفي، وتبحث سبل دفع عجلة التنمية المستدامة.
وسلَّطت الجلسة الضوء على الإرث العلمي والمعرفي الذي تركه العلماء العرب والمسلمون في مختلف فروع العلم، متناولة سيرة عدد من الرواد الذين غيروا مجرى المعرفة الإنسانية، ومنهم ابن سينا، مؤسِّس الطب الحديث، والخوارزمي، مؤسِّس الجبر والحساب الخوارزمي، وابن الهيثم الذي أحدث نقلةً في علم البصريات والتجربة العلمية، والزهراوي الذي يُعدُّ من أوائل واضعي أسس الجراحة الحديثة.
وشدَّد على أهمية إحياء هذا الدور الريادي من خلال الاستثمار في البحث العلمي والتقني، وبناء منظومة تعليمية تشجع على الإبداع والتفكير النقدي، منوِّهاً إلى ضرورة تمكين الشباب العربي، وخلق بيئات حاضنة للابتكار وريادة الأعمال، لتعزيز حضور العالم العربي في المشهد المعرفي العالمي.
كما أشار إلى أن الاستلهام من الماضي يجب أن يكون حافزاً لبناء مستقبل معرفي مزدهر، يُسهم فيه العرب من جديد في تطوير الحضارة الإنسانية.