عربي21:
2025-01-16@09:08:46 GMT

حرب شاملة ولكن بالقطعة! كيف تدير أمريكا هذه الحرب؟

تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT

بعد عشرة أيام على ضربة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر كان الرئيس الأمريكي بايدن في "تل أبيب"، يمثّل بنفسه القوّة الجبّارة التي أمسكت بـ"إسرائيل"، كي تعيد لها توازنها، وكي لا ينفلت جماحها، ولم يكن هذا الإمساك ترشيدا أخلاقيّا وسياسيّا، بل كان إطلاقا لآلة القتل الإسرائيلي الجبارة وتحريرا لأيديولوجيا الإبادة التي تعتنقها "إسرائيل"، بيد أنّ الترشيد كان في العمل الأمريكي الدؤوب على تحسين الشروط لصالح الحرب الإسرائيلية، وإنضاج الظروف اللازمة لانتقالات أخرى في الحرب، وقيادة العلاقات العامة الخادمة لتلك الحرب، والتدخل لتصحيح الأخطاء الإسرائيلية، وتغطية الحرب العميقة بالثقل الدبلوماسي.

فالجذرية التي اتسمت بها عملية السابع من أكتوبر، لم يكن لتُقابل إلا بجذرية تعود لمشاريع هندسة المنطقة التي وُضعت من عقود ولم تُستكمل أو أعيقت.

في زيارته الأولى بعد السابع من أكتوبر، حمل بلينكن، وزير خارجية بايدن، إلى الحكومات العربية؛ الرعب، وطالبهم بالقبول بتهجير سكان قطاع غزّة واستقبالهم لاجئين في بلادهم. وإذن ومن اللحظة الأولى كانت أمريكا أكثر عمقا في إرادة التغيير من نتنياهو نفسه، وكانت أكثر استعمارية وصهيونية في إحساسها اللحوح بضرورة استكمال ما لم ينجزه بن غوريون. وتبيّن أن مقترح التهجير هو الخيار الأوّل الذي فضّلته وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، وهذا التهجير لن يكون ممكنا إلا بحرب تتقصد الإبادة والتدمير الممنهج، فكانت حرب الإبادة بالضرورة حربا أمريكية، وكانت المؤشّرات على الانخراط الأمريكي العسكري المباشر في الحرب أكثر من أن تُحصى، علاوة على تكريس المؤسسة الاستخباراتية والتقنيات الأمريكية لصالح الحرب الإسرائيلية.

جرى التعامل مع غزّة وفق استراتيجية التجزئة الموضوعية والتجزئة الشاملة، وذلك بالدخول المتدرّج إلى غزّة، منطقة منطقة، وصولا إلى احتلالها الكامل، مع جهد سياسي ودعائي يهدف إلى شراء الوقت، وتضليل العالم، وخداع المقاومين أنفسهم. إذ تبيّن أنّ كلّ مقترحات وقف إطلاق النار، كانت تقصد هدنة مؤقّتة تعيد الأسرى الإسرائيليين فحسب، وبما يضمن تسكين الشارع الإسرائيلي، والتلاعب بالقوى الدولية والإقليمية، لتُستَكمل الحرب تاليا
مثلا، أعلن كيربي عن اغتيال نائب قائد كتائب القسام مروان عيسى قبل أن تعلن ذلك "إسرائيل"، وتبيّن أنّ تحرير أربعة أسرى إسرائيليين في النصيرات أُنجز بتعاون أمريكي إسرائيلي استخباراتي ولوجستي أفضى إلى استشهاد وإصابة أكثر من ألف فلسطيني!

جرى التعامل مع غزّة وفق استراتيجية التجزئة الموضوعية والتجزئة الشاملة، وذلك بالدخول المتدرّج إلى غزّة، منطقة منطقة، وصولا إلى احتلالها الكامل، مع جهد سياسي ودعائي يهدف إلى شراء الوقت، وتضليل العالم، وخداع المقاومين أنفسهم. إذ تبيّن أنّ كلّ مقترحات وقف إطلاق النار، كانت تقصد هدنة مؤقّتة تعيد الأسرى الإسرائيليين فحسب، وبما يضمن تسكين الشارع الإسرائيلي، والتلاعب بالقوى الدولية والإقليمية، لتُستَكمل الحرب تاليا، لكن في الوقت نفسه، كان الجهد السياسي هذا مرتبطا بالتجزئة التي تتقصّد الإقليم، لمنع جبهات الإسناد من انخراط أعمق في المواجهة، بإشاعة التفاؤل المستمرّ بإمكان إنجاز صفقة، إذ لن يعمد أحد إلى توسيع جهده القتالي بما قد يجرّ عليه حربا أكبر وعلى بلاده دمارا، أوسع ما دام احتمال وقف إطلاق النار ممكنا بصفقة!

عزل جبهات الإسناد بتخفيف وتيرة قتالها، استند إلى استراتيجيات تضليل منها التبشير المستمرّ بصفقة تبادل أسرى، هذا التبشير كان يصير أكثر كثافة في أوقات معينة، تماما كما بعد اغتيال فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية في بيروت، وإسماعيل هنية في طهران، حينما زعمت الولايات المتحدة أن صفقة بين حماس و"إسرائيل" على وشك الإنجاز، وهي الخديعة التي اعترف بها الإيرانيون أخيرا على لسان رئيسهم بزشكيان الذي قال: "القادة الأمريكيون والأوروبيون كذبوا عندما وعدوا بوقف إطلاق النار ما لم تردّ طهران على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية". ومن المحتمل جدّا أنّ مقترحات المبعوث الأمريكي إلى لبنان آموس هوكشتيان، لوقف إطلاق النار، وما أعلنه الفرنسيون عن مقترح فرنسي/ أمريكي لهذا الغرض، كان عملية تضليل لتوفير الظروف المناسبة لاغتيال الأمين لحزب الله حسن نصر الله، بعد منحه شيئا من الاطمئنان.

الأهمّ من ذلك، في استراتيجية الدفع المتدرّج نحو حرب كبيرة، وبما يتضمّن مخادعة جبهات الإسناد لتخفيض كفاءتها طوال المرحلة الأولى من الحرب (الحرب على غزّة)، هو التخويف المستمرّ من الحرب الشاملة، والإيحاء بأنّ الولايات المتحدة لا تريد هذه الحرب الشاملة. هذا التخويف بدا أنّه مؤثّر على جبهات الإسناد بداية الحرب، وهذا الإيحاء بدا فاعلا بحيث اعتقد مجمل الفاعلين، أنّ الولايات المتحدة بالفعل لن تسمح بانتقال الحرب إلى لبنان ما دام حزب الله ملتزما بقواعد اشتباك لا تتجاوز الأهداف العسكرية المادية في مساحة إسرائيلية محدودة، وهذا بنحو ما يفسّر استمرار الحزب على هذه القواعد حتى بعد اغتيال فؤاد شكر.

كسبت "إسرائيل" بفضل إدارة أمريكا للحرب الوقت كلّه، فأخذت تستعد للانتقال للجبهة اللبنانية منذ شهور، وحينما صارت الخطط جاهزة، وجّهت "إسرائيل" ضربات تهدف إلى شلّ الحزب، من تفجير البيجرات واللاسلكي إلى اغتيال إبراهيم عقيل إلى اغتيال الأمين العامّ للحزب حسن نصر الله، في خطوة تمهيدية لتأسيس واقع سياسي جديد يجري تعزيزه بعملية برّية متدرجة داخل لبنان.

كسبت "إسرائيل" بفضل إدارة أمريكا للحرب الوقت كلّه، فأخذت تستعد للانتقال للجبهة اللبنانية منذ شهور، وحينما صارت الخطط جاهزة، وجّهت "إسرائيل" ضربات تهدف إلى شلّ الحزب، من تفجير البيجرات واللاسلكي إلى اغتيال إبراهيم عقيل إلى اغتيال الأمين العامّ للحزب حسن نصر الله، في خطوة تمهيدية لتأسيس واقع سياسي جديد يجري تعزيزه بعملية برّية متدرجة
وإذن، كانت أمريكا تريد حربا إقليمية يمكن السيطرة عليها، تنتقل فيها من مكان إلى آخر، وتعمد فيها إلى تعمية الخصم، وتقييد فاعليته، بإنتاج سياسات التضليل وكسب الوقت. ويمكن ملاحظة أنّ الولايات المتحدة غطّت الحرب الإسرائيلية على لبنان بالأساليب نفسها التي غطّت بها الحرب على غزّة، فالخطوط الحمراء الأمريكية بخصوص رفح انمحت تماما، وهكذا انمحت الاعتراضات الأمريكية على الدخول البرّي إلى لبنان.

لا يعني ذلك أنّ الحرب بدأت وأمريكا قد وضعت في رأسها سلفا أنّها ستصل بها إلى لبنان وربما تاليا إلى البرنامج النووي الإيراني أو تغيير النظام في إيران، ولكنها وضعت في رأسها الفحص المتدرج للاحتمالات السياسية والعسكرية، بإنجاز الأهداف خطوة خطوة، وذلك بالاستناد إلى المشاريع الموضوعة أصلا منذ عقود لتغيير الشرق الأوسط، والتي ظلّت تتجدد مرورا بخطة ترامب، وصولا لمشروع التطبيع الذي جاءت به إدارة بايدن، وبالعودة إلى مشروع المحافظين الجدد والذي كان من معالمه حرب تموز/ يوليو 2006 مع حزب الله، بعد حرب العراق 2003، إذ أفشل صمود الحزب في تموز 2006 محاولة الانتقال بالمخطط من البوابة اللبنانية.

كان دائما ثمّة خلاف بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" حول كيفية التعامل مع الخطر الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني على التوازن في المنطقة ومن ثمّ التفوق الإسرائيلي، ولكن الخلاف لم يكن أبدا على كونه خطرا ولا على ضرورة إزالته، ولكن فقط على الكيفية؛ هل يكون بالحرب أو بالضربات التي من شأنها أن تستدعي الحرب، أم بالحصار وتحريض الشعب على نخبته الحاكمة ومحاولة العبث بالنخبة الحاكمة واللعب على تناقضاتها انتظارا لوفاة المرشد. ومن الممكن، المنطق المتدرج للحرب من الممكن أن يقف عند حدود معيّنة، أدناها توفير الموقع السياسي الأفضل للاحتلال ليتمكن من فرض شروطه من موقع الأقوى، وأعلاها تدحرج الحرب بحسب المعطيات الميدانية والسياسية وصولا إلى ما يسميه "تغيير الترتيب في الشرق الأوسط"، وفي المنتصف بينها فرض منطقة عازلة في جنوبيّ لبنان، واستمرار السعي لتفكيك حزب اللهوالحالة هذه، أن تكون وفاة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، قد كانت عملية اغتيال في سياق التأثير على توازنات النظام الراهنة، وعلى مستقبله. وترجيح نظرية الاغتيال هذه بات له رواج الآن في أوساط المراقبين أكثر من قبل.

هل من الممكن أن تصير الإدارة الأمريكية الآن إلى قناعة بإمكان إنجاز الأهداف ضدّ إيران بتطوير مسار الحرب؟! هذا يبقى احتمالا قائما لا ينبغي إغفاله، وقد سبق لي التحذير من استبعاد نقل الحرب الموسعة إلى لبنان في مقالة كتبتها في 24 حزيران/ يونيو بعنوان "عن خيارات الاحتلال الصعبة.. هل من مواجهة أوسع مع حزب الله؟"، تحاول أن تقرأ خيارات الاحتلال التي من الممكن أن تغري بها إنجازاتُ الحرب، أو الوضع الاستراتيجي القائم الذي لا يمكن أن يقبل الاحتلال باستمراره. وبالمنطق نفسه، فإنّ المنطق المتدرج للحرب من الممكن أن يقف عند حدود معيّنة، أدناها توفير الموقع السياسي الأفضل للاحتلال ليتمكن من فرض شروطه من موقع الأقوى، وأعلاها تدحرج الحرب بحسب المعطيات الميدانية والسياسية وصولا إلى ما يسميه "تغيير الترتيب في الشرق الأوسط"، وفي المنتصف بينها فرض منطقة عازلة في جنوبيّ لبنان، واستمرار السعي لتفكيك حزب الله.

هذا يعني أنّ الحرب شاملة، ولكن بالتدريج، والخطوات التالية في هذا المسعى المتدرج ليست محسومة سلفا، وإن كانت الخطط كلها موضوعة سلفا، ومن ثمّ فالقرار بالتأكيد يهتدي بتلك الخطط، ولكنه يتحدد وفق المعطيات السياسية والميدانية، بحيث يتبيّن هل ستفضي هذه الخطوة في الحرب إلى خطوة أخرى أم لا، وإن كان ثمّة خطوة أخرى فما هي؟

x.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل الإيرانيون حزب الله إيران إسرائيل امريكا غزة حزب الله مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة جبهات الإسناد من الممکن أن إطلاق النار إلى اغتیال إلى لبنان وصولا إلى حزب الله

إقرأ أيضاً:

حماس: إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها وقادرون على بناء غزة

أكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس  خليل الحية، مساء الأربعاء،15 يناير 2025 ، أن إسرائيل فشلت في تحقيق أي من أهدافها في قطاع غزة خلال حرب الإبادة الجماعية، مشددا على أن الفلسطينيين قادرون على بناء غزة من جديد.

جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده الحية بعد دقائق من إعلان رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن نجاح الوسطاء في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بغزة، لافتا إلى أن تنفيذه سيبدأ الأحد المقبل.

أبرز ما جاء في كلمة الحية

في هذه اللحظة التاريخية من جهاد شعبنا ونضاله المستمر على مدار عقود -والتي سيكون لها ما بعدها- نتوجه بكل عبارات الفخر والشموخ والثناء إليكم يا أهلنا وشعبنا في غزة الأبية.

 يا دُرّة الطائفة المنصورة، يا أهل غزة العظام، يا أهل غزة الكرام، يا أهل الشهداء والجرحى والأسرى والمفقودين، يا من صدقتم الوعد وصبرتم وتجرعتم الآلام ما سبقكم بها أحد، ولاقيتم ما لم يلاقه أحد، وأديتم الأمانة على حقها وأنتم أهلٌ لها، فديتم لحظة الفداء، وقدّمتم لحظة العطاء، وصبرتم في مواقع الصبر، وجاهدتم في مواطن الجهاد، ونلتم من الشرف أعظمَه بإذن الله.

هنيئا لكم رباطَكم وجهادَكم وصبرَكم وعطاءَكم وتضحياتِكم {سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}. 

نقف في هذه اللحظة بالتحية والإجلال أمام قوافل الشهداء، من الأطفال والنساء والشيوخ والعلماء والمجاهدين والأطباء والإعلاميين، ورجال الدفاع المدني ورجال الأمن والحكومة والشرطة، ورجال العشائر والعائلات.

 نحيي كل أولئك الذين ارتقوا في أشرف معركة وأعظم قضية، معركة الدفاع عن القدس والأقصى في طوفان الأقصى، والتحية كل التحية لمن بقي بعدهم ثابتاً على العهد، وواصل وأكمل الطريق وحمل الراية من بعدهم. 

نقف بإجلال أمام القادة الشهداء الذين تناثرت أشلاؤهم في هذه المعركة القائد الشهيد إسماعيل هنية أبو العبد والقائد الشهيد يحيى السنوار أبو إبراهيم، والقائد الشهيد صالح العاروري أبو محمد، والإخوة في القيادة السياسية والعسكرية للحركة في القطاع.

 نقف بإجلال أمام الشهداء من كل الفصائل المقاومة والمجاهدة لا نستثني منهم أحداً، ونقول لهم ولشعبنا ربح البيع قادتنا وشهداءنا ربح البيع بإذن الله، وإنها لتجارة مع الله لا تبور وإننا سنواصل على درب القادة الشهداء حتى النصر أو الشهادة بإذن الله. 

لقد شكلت معركةُ طوفان الأقصى منعطفاً مهماً في تاريخ قضيتنا ومراحل مقاومة شعبنا العظيم، وستستمر آثارُ هذه المعركة ولن تتوقف بانتهاء هذه الحرب. 

 ما حدث في السابع من أكتوبر من إعجاز وإنجاز عسكري وأمني قامت به نخبة كتائب القسام سيبقى مفخرةً لشعبنا ومقاومتنا تتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل، وقد أصابت كيان العدو في مقتل، وسيستعيد شعبُنا كامل حقوقه، وسيندحر هذا الاحتلال عن أرضنا وقدسنا ومقدساتنا عما قريب بإذن الله تعالى.

 إن ما قام به الاحتلال وداعموه من حرب إبادةٍ وحشية، وجرائمَ نازيةٍ، ومعاداة للإنسانية، على مدى 467 يوماً سيبقى محفوراً في ذاكرة شعبنا والعالم وإلى الأبد، كأبشع إبادة جماعية في العصر الحديث، بكل ما فيها من أصناف الألم والعذاب وألوان المعاناة.

 فصول حرب الإبادة ستبقى وصمة عار على جبين الإنسانية والعالم الصامت المتخاذل، ولن ينسى شعبُنا كل من شارك في حرب الإبادة، سواء من وفر لها الغطاء السياسي والإعلامي، أو من قدموا آلاف الأطنان من القنابل والمتفجرات التي أُسقطت على رؤوس أهلنا وأبنائنا وبناتنا في قطاع غزة، ونؤكد أن كل هؤلاء المجرمين سيلقون جزاء ما قدموا وفعلوا ولو وبعد حين.

 بالرغم مما تعرض له شعبنا من أهوالٍ وشدائدَ تشيب لها الولدان، فإننا نرفع رؤوسنا بمقاومتنا ونفخر بأبطالنا ومقاومينا، وبشعبنا الصابر، ولن يرى عدوُّنا منا لحظة ضعف ولا انكسار.

 نقول باسم الأيتام والأطفال والأرامل وأصحاب البيوت المهدمة وأهالي الشهداء والجرحى والمكلومين، باسم كل الضحايا، باسم كل قطرة دم سالت، وباسم كل دمعة ألم وقهر، نقول باسمهم: لن ننسى ولن نغفر، نعم، لن ننسى ولن نغفر، وليس منا ولا فينا من يفرط بحق كل هذه الآلام والتضحيات.

 لقد حاول الاحتلال منذ بَدء العدوان تحقيقَ العديد من الأهداف، أعلن بعضها وأخفى البعض الآخر، فقال صراحةً أنه يسعى لإنهاء المقاومة والقضاءِ على حماس، واستعادةِ الأسرى بالقوة العسكرية، وتغييرِ وجه المنطقة، فيما كان هدفُه المبطن، تصفيةَ القضية وتدميرَ القطاع والانتقامَ من أهله وتهجيرَهم، والقضاءَ على إرادة شعبنا بالحرية، وتدميرَ كلِ معاني الأملِ، وإنهاءَ آثارِ العبورِ المجيد في السابع من أكتوبر.

 لكنَّ الاحتلالَ المجرم اصطدم بصلابة شعبنا، وتشبثه بأرضه، ففشل في تحقيق أيٍّ من أهدافه السرية أو المعلنة، فقد ثبتَ شعبُنا في أرضه، لم يرحل أو يهاجر، وكان الدرعَ الحصينَ لمقاومته.

 تَمترسَ مقاومونا أبناءُ كتائب القسام، أولئك الأبطال الذين أذهلوا العالم أجمع ببطولاتهم وعملياتهم الاستثنائية، واستمروا حتى آخر لحظة من لحظات هذه الحرب، يقاومون بشرف وأخلاق، في الدفاع والهجوم، ونفذوا عملياتٍ نوعيةً، بجرأةٍ لم يرَ العالمُ مثلَها، واستبسال قَلّ نظيرُه، وهم يضعون العبوات ويطلقون القذائف وينصبون الكمائن ويقاتلون من نقطة صفر، ويثخنون في العدو حتى جعلوا آلياتِ الاحتلال توابيتَ متفحمةً.

 نحيي كلُّ المقاومين من فصائل المقاومة الأبطال، ونخصُّ منهم أبناءَ سرايا القدس إخوةَ الدرب والسلاح في الجهاد الإسلامي، وكانوا نموذجاً للمقاتل الفدائي الحر، وباعوا أرواحهم رخيصة في سبيل الله ومن أجل وطنهم ودفاعا عن شعبهم.

نحن اليوم نُثبت أن الاحتلال لم ولن يهزم شعبَنا ومقاومتَه بفضل الله ومعيتِه، ولم يحقق سوى الخرابِ والدمارِ والمجازرِ بحق شعبِنا، ولم يأخذ أسراه إلا باتفاق مع المقاومة بوقف الحرب والعدوان وصفقة تبادل مشرفة.

 نقول بثقة ويقين: إن صمودَ شعبِنا وعظيمَ تضحياتِه وبسالةَ مقاومتِه قد أجهض وأفشل أهداف الاحتلال المعلنة والمستترة من هذه الحرب، ولا زالت إرادة شعبنا حرةً أبية نقية، لا تشوبها شائبةٌ من تخاذل أو ضعف، بل بقي عزيزاً شامخاً حتى آخر لحظة بفضل الله.

 شعبَنا الوفيَّ المعطاء .. إننا ونحن نعلن عن الوصول لاتفاق وقف الحرب والعدوان، نستذكر بكل كلمات الشكر والامتنان، كلَّ من وقف معنا ومع شعبنا ومقاومتِنا في اللحظات القاسية.

 نخص بالذكر هنا الإخوةَ في جبهات الإسناد: في لبنان الشقيق، حيث الإخوةُ في حزب الله الذين قدموا مئات الشهداء من القادة والمجاهدين على طريق القدس، وعلى رأسهم سماحةُ الأمين العام السيد حسن نصر الله وإخوانه في القيادة.

 نستذكر كذلك مساندة الإخوة في الجماعة الإسلامية، وما قدمه الشعبُ اللبناني من مقاومة وتضحياتٍ كبيرةٍ وصبر عظيم، دفاعاً وإسناداً لشعبنا الفلسطيني، وقد أبلَوْا بلاءً حسناً، وحوّلوا حياةَ الاحتلال إلى جحيم وتشريد، في مشهد تضامن وإسناد حقيقي، يجسد أُخوّة الإسلام والعروبة.

  كما نستذكر الإخوةَ في اليمن أنصار الله -إخوان الصدق- الذين تجاوزوا البعد الجغرافي، وغيّروا من معادلة الحرب والمنطقة، وأطلقوا الصواريخَ والمُسيَّرات على قلب الاحتلال وحاصروه في البحر الأحمر، 

  نستذكر أيضا جهد الإخوةَ في الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي دعمت مقاومَتنا وشعبَنا، وانخرطت في المعركة ودكت قلبَ الكيان في عمليتيْ الوعد الصادق (1) و(2)، والمقاومةَ العراقية التي اخترقت كلَّ العوائق، لتساهمَ في إسناد فلسطين ومقاومتِها، ووصلتْ صواريخُها ومُسيّراتُها إلى أراضينا المحتلة.

 نحيي كذلك أهلَنا وشبابَنا الثائر في الضفة الغربية وخاصة في مخيم جنين البطولة، وفي القدس والداخل المحتل، وشعبَنا في المنافي والشتات، وشعوبنا العربية والإسلامية.

 نعبر عن عميق شكرنا وتقديرنا للإخوة الوسطاء الذين بذلوا جهوداً مُضنية وجولاتٍ متعددة من المفاوضات منذ اليوم الأول، للوصول إلى وقف العدوان وحرب الإبادة على شعبنا، ونخص منهم الإخوةَ في دولة قطر الشقيقة، وجمهورية مصر العربية الشقيقة.

نستذكر كذلك المواقف المضيئة للعديد من الدول التي وقفت معنا في مختلف الميادين: الإخوةَ في تركيا وجنوب إفريقيا والجزائر وروسيا والصين وماليزيا وإندونيسيا وبلجيكا وإسبانيا وإيرلندا، وأحرارَ العالم.

  نشكر كلَ من وقف معنا بالكلمة والقلم والصوت والصورة، والمَسِيرة والمظاهرة، وسلاحِ المقاطعة، وبالجهد السياسي والدبلوماسي والقانوني، ورفع صوتَه ضد العدوان والظلم، على مستوى المنطقة والعالم، أولئك الأحرار الذين كسروا مؤامرة الصمت وفضحوا جرائم الاحتلال ضد الإنسانية في غزة، وأدركوا حقيقة المشهد.

 نحن الآن أمام مرحلة جديدة في غزتنا الأبية هي مرحلةُ البناء والمواساة وإزالة آثار العدوان وإعادة الإعمار، مرحلةُ التضامن والتعاطف، التي من خلالها نؤكد للعالم أننا شعب حر يبني ولا يهدم، ويعمّر ما يخربه الاحتلال.


 أهلنا في غزة، كما كنتم رجالاً في الحرب ستكونون رجالاً بعد الحرب –كما عهدناكم، نحن أمام مرحلة المرحمة، فنتراحم فيما بيننا ونتكاتف، فَإن مَا أصابنا من لأواءَ وألمٍ كبير، ولكنْ عظمةُ هذا الشعب أكبرُ وأخلاقُه أعظم.

 قادرون –بعون الله أولاً- ثم بمساعدة الإخوة والأشقاء والمحبين والمتضامنين، أن نبنيَ غزةَ من جديد، وأن نخففَ من الآلام، ونداويَ الجراح، ونمسحَ على رؤوس الأيتام، ونكفكفَ دموعَ المكلومين، ونرسمَ البسمةَ على الشفاه التي سلبت الحربُ بسمتها، كما أن أسرانا الأبطال على موعد مع فجر الحرية بإذن الله.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين أول تعقيب من الرئيس المصري على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حماس تصدر بيانا حول الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النَّار والعدوان على غزة مخيم جنين - 5 شهداء بقصف إسرائيلي على حارة الدمج الأكثر قراءة سعر صرف الدولار والدينار مقابل الشيكل اليوم الخميس 09 يناير أجواء غائمة وشديدة البرودة - أحوال طقس فلسطين اليوم بالصور: شهداء بينهم أب وأطفاله الثلاثة – آخر تطوّرات الحرب على غزة "اليونيسيف" تكشف عدد شهداء الأطفال بغزة منذ بدء العام 2025 عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • حماس: إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها وقادرون على بناء غزة
  • رئيس الوزراء الفلسطينى: لابد للسلطة أن تدير غزة بعد الحرب
  • إسرائيل تخشى سيناريو 2006... هذا ما قد يقوم به حزب الله
  • إسرائيل تخشى سيناريو حزب الله 2006
  • كيف ساهمت إسرائيل في اغتيال sليما.ني و المhندس
  • العاهل الأردني: وقف الحرب على غزة الخطوة الأولى للتوصل لتهدئة شاملة بالمنطقة
  • ما تاريخ صفقات التبادل التي أجرتها إسرائيل مع دول عربية وفصائل المقاومة؟
  • ما تاريخ صفقات التبادل التي أجربتها إسرائيل مع دول عربية وفصائل المقاومة؟
  • ماذا تعني الحكومة الميثاقية التي يطالب بها حزب الله؟.. نخبرك ما نعرفه
  • ماذا تعني الحكومة الميثاقية التي يطالب فيها حزب الله اللبناني؟.. نخبرك ما نعرفه