غرائز بقاء إيران تعرقل دعم حزب الله
تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT
رغم سلسلة الضربات التي تعرض لها "حزب الله" في لبنان وآخرها مقتل أمينه العام حسن نصر الله، استبعدت إيران، الاثنين، وجود أي نية لها لإرسال مسلحين من أجل دعمه، كما قالت على لسان الناطق باسم وزارة خارجيتها، ناصر كنعاني إنه "ليس لديها أي قوات وكيلة في المنطقة".
ويستند الموقف الإيراني بعدم "إرسال قوات"، وفقا لكنعاني، على فكرة أن حكومتي لبنان وحماس "لديهما القدرة والقوة اللازمتين لمواجهة" إسرائيل، لكن وكما يوضح خبراء ومراقبون لموقع "الحرة" ترتبط الأسباب بأبعاد أكبر، تتصدرها "غرائز البقاء".
وقياسا بغيره من الوكلاء، لطالما وصفت تقارير غربية حزب الله بـ"درة التاج الإيرانية". ورغم أن لطهران أذرع أخرى في المنطقة، لم تصل إلى المرتبة التي وصل إليها الحزب اللبناني، وزعيمه حسن نصر الله، الذي اغتيل الجمعة بضربة إسرائيلية مع قادة كبار آخرين.
وتشير تصريحات المسؤولين الإسرائيليين في الوقت الحالي إلى أن حملتهم على وكيل إيران في المنطقة (حزب الله) ستتواصل، ومن المرجح أن تنعكس تفاصيلها الجديدة في المرحلة المقبلة بعمليات توغل بري.
وفي حين أن "حزب الله، المصنف منظمة إرهابية في الولايات المتحدة، يتوعد بصد المحطات الجديدة للحملة ضده، تثير النقطة التي تقف عندها طهران عدة تساؤلات لا ترتبط بأسباب استبعاد طهران نية إرسال مسلحين لدعمه فحسب، بل بالتقارير التي سلطت الضوء عليها وسائل إعلام غربية.
ونقلت مجلة "تايم" الأميركية، الاثنين عن مصدر وصفته بـ"المطلع"، أن إيران "تعمل على نقل آلاف المسلحين إلى المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان".
وأضاف المصدر للمجلة، أنه "خلال الشهرين الماضيين غادر عدة آلاف من المسلحين العراق بالفعل إلى سوريا"، لافتا إلى أن ذلك يعني أن طهران "تستعد لتعزيز قوة الردع لديها".
وجاء ذلك بعد تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" أشارت فيه أيضا إلى أن إيران تحاول "نقل آلاف المقاتلين إلى المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا".
"سببان وراء النأي بالنفس"ويعتقد أرمان محموديان، وهو زميل باحث في معهد الأمن العالمي والقومي ومحاضر في جامعة جنوب فلوريدا، أن "إيران كانت تتجنب إرسال قوات للمشاركة المباشرة في الصراع بين إسرائيل وحزب الله لسببين رئيسيين".
ويشرح لموقع "الحرة" السبب الأول بقوله إنه "من المرجح أن تدرك إيران أن خوض صراع مباشر مع إسرائيل سوف يضطر الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، إلى التدخل".
وهذا من شأنه أن يؤدي إلى صراع غير متكافئ إلى حد كبير، حيث لا تملك إيران سوى فرصة ضئيلة للنجاح، بحسب الباحث.
ويضيف أن السبب الثاني يستند إلى عامل "الجبهة الداخلية لإيران".
وتدرك إيران تمام الإدراك هشاشة اقتصادها والاضطرابات الداخلية المستمرة، وفقا لمحموديان.
وعلى أساس ذلك يرى أن "الانخراط في حرب خارجية في ظل هذه الظروف أمر محفوف بالمخاطر، لأنه قد يؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في الداخل".
لكن وفي المقابل، يقول الباحث في الشأن الإيراني، سعيد شارودي، إن حديث إيران عن عدم وجود نية لإرسال قوات لدعم "حزب الله" لا يعني "الانكفاء عن الحزب اللبناني ومحور المقاومة".
ويضيف لموقع "الحرة" أن الذي تعنيه إيران "هو وجود شعوب تتعرض لاحتلال إسرائيلي وقادرة على الوقوف ضده وضد الدول الداعمة لإسرائيل المتمثلة بالولايات المتحدة وبريطانيا".
وأسفرت حملة الضربات الإسرائيلية عن نزوح أكثر من مليون شخص داخل لبنان، وقسم منهم توجه إلى سوريا مع عشرات آلاف اللاجئين السوريين، فضلا عن مقتل المئات من الأشخاص.
وفي غضون ذلك، كانت إسرائيل تمكنت قبل اغتيال نصر الله وبعده من قتل قادة الصف الأول في "حزب الله"، وأبرزهم فؤاد شكر وإبراهيم عقيل.
"غرائز بقاء"ويشير الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، إلى وجود حالة "من عدم الاتساق في الموقف الإيراني حيال الحرب القائمة في جنوب لبنان".
ويربط علوش في حديثه لموقع "الحرة" هذه الحالة بعدة أسباب، أولها عدم وجود انسجام في الموقف بين المحافظين المتشددين داخل النظام في طهران وبين الإصلاحيين والتيار السياسي الذي يسعى للحد من تداعيات الحرب ومخاطرها على إيران.
ويذهب السبب الثاني باتجاه "قلق إيران من أن يؤدي المزيد من التورط العلني في الحرب إلى تشكيل تهديد وجودي ضدها".
ويعتقد الباحث أن الإيرانيين "يحاولون النأي بأنفسهم قدر الإمكان".
ويرى من ناحية أخرى أن السبب الثالث وراء الموقف الإيراني السائد حاليا تجاه "حزب الله" قد يكون مرتبطا بمحاولة من جانب طهران لإرسال رسائل متضاربة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، "من أجل رفع تكاليف الاندفاعة الإسرائيلية في لبنان على الطرفين".
ولا يستبعد الباحث محموديان وجود "بعض الخلاف داخل القيادة العليا الإيرانية حول كيفية التعامل مع الصراع الحالي بين حزب الله وإسرائيل".
لكنه يعتقد أن "أولئك الذين يدعون إلى التدخل المباشر ـ سواء عسكريا أو دبلوماسياـ يشكلون أقلية في الوقت الحالي".
و"نظرا لغرائز البقاء لدى الجمهورية الإسلامية" على حد تعبير الباحث فمن غير المرجح أن "تدفع نسبة كبيرة من قياداتها العسكرية أو الاستخباراتية أو الدبلوماسية إلى حرب مع إسرائيل من شأنها أن تهدد وجود النظام ذاته".
"في وضع صعب"ومنذ بدء الحرب في غزة بعد هجوم السابع من أكتوبر الذي شنته حركة "حماس"، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة، لم يسجل لإيران أي انخراط مباشر في الحرب الدائرة والمستمرة حتى الآن.
ومع ذلك كانت قد سجّلت موقفا عندما أعلنت قصف إسرائيل بمسيرات وصواريخ، ردا على قصف سفاراتها في العاصمة السورية دمشق.
ورغم أن زعيم حماس السياسي قتل على أراضيها لم تنفذ أي رد حتى الآن، لكنها ما تزال تلوح به.
ويوضح الباحث علوش أن "إيران في وضع صعب للغاية وجميع الخيارات لديها تنطوي على مخاطر عالية".
وفي حين أنها لا تريد أن تتورط في الحرب لا تريد أيضا في المقابل أن ترى حزب الله يتعرض لتهديد وجودي.
ومن الواضح، بحسب رؤية علو،ش أن "أهداف الحرب الإسرائيلية في لبنان تتجاوز مسألة إعادة سكان المنطقة الشمالية وإزالة تهديد حزب الله إلى تكريس وضع جديد في الصراع مع الأخير".
ويعتقد الباحث أن "بنيامين نتانياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي) ينظر إلى هذه اللحظة على أنها فرصة ثمينة من أجل تقويض القدرة العسكرية لحزب الله لحد كبير أو التفكير بتدميره وتغيير الحالة السياسية في لبنان".
و"يتفق الجميع في إيران الآن على رفع مستوى الدعم لأبعد الحدود لحزب الله، بعد مقتل نصر الله. ويشمل ذلك الشق المالي والسياسي والعسكري والتكنولوجي"، بحسب قول الباحث الإيراني، شارودي.
ويتصور أن "هذا الدعم الذي ستقدمه إيران سيغير الكثير من المعادلات لصالح حزب الله، ويزيد الضعف الإسرائيلي".
"لن تتورط بشكل مباشر"وحزب الله اللبناني ليس وكيل إيران في المنطقة فقط، بل هو "جزء من العقيدة الدفاعية الإيرانية"، حسبما يوضح الباحث في العلاقات الدولية علوش.
وبالتالي، يقول علوش إن "أي تغير عليه سيكون له انعكاسات كبيرة على إيران، على مستوى دورها في لبنان وحضورها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحضورها في ديناميكيات السياسة الإقليمية، وعلى مستوى الأمن الإيراني المباشر والعقيدة الدفاعية الإيرانية".
ويستعبد الباحث أن تتورط إيران بشكل مباشر في الحرب.
ويعتقد أنه "ربما تراهن على حرب طويلة الأمد وقتال بري بين حزب الله وإسرائيل يؤدي إلى عدم تحقيق الأخيرة لأهدافها".
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن "الوضع القائم حاليا مرتفع المخاطر بالنسبة لطهران وحزب الله".
كما أن الحرب أبعد من معادلة إسرائيل والحزب اللبناني، وتأخذ الصبغة المتعلقة بتشكيل شرق أوسط جديد"، بحسب علوش وكما أعلن مؤخرا نتانياهو.
ومن جهته، يعتبر الباحث الإيراني شارودي أن "إسرائيل ليست الجهة التي ستشكل الشرق الأوسط الجديد، بل محور المقاومة"، حسب قوله.
ويوضح أن "الشيء الذي لا يمكن لإيران أن تتصوره هو أن يضعف حزب الله"، وأن "ما يتم سماعه على لسان المسؤولين الإيرانيين هو كلام دبلوماسي ولا يعكس الحقيقة القائمة في طهران".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی المنطقة وحزب الله نصر الله حزب الله فی لبنان فی الحرب إلى أن
إقرأ أيضاً:
خبير عسكري: إسرائيل تقصف ضاحية بيروت لتثبيت الردع لا ترميمه
قال الخبير العسكري العميد إلياس حنا إن إسرائيل تريد منع حزب الله من استعادة توازنه والتأثير أيضا على بيئته الحاضنة، معتبرا قصف ضاحية بيروت الجنوبية قد يكون لأهداف استخباراتية بعيدة المدى.
جاء ذلك في تعليق حنا على القصف الإسرائيلي الذي استهدف مبنى بمنطقة الحدث في الضاحية الجنوبية اليوم الأحد، في حين نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن "حزب الله خزن أسلحة كبيرة ومهمة في الموقع المستهدف".
ولاحقا، أعلن الجيش الإسرائيلي أن طائرات حربية "دمرت بنية تحتية استخدمت لتخزين صواريخ دقيقة لحزب الله بالضاحية الجنوبية لبيروت".
تصاعد أعمدة الدخان إثر غارة إسرائيلية على مستودع بمنطقة الحدث عند الضاحية الجنوبية لبيروت#الأخبار pic.twitter.com/Y2tldVk0pq
— قناة الجزيرة (@AJArabic) April 27, 2025
وأوضح حنا -في حديثه للجزيرة- أن استهداف الضاحية يعني استهداف معقل حزب الله، ومنع إعادة إعمارها، لافتا إلى أن الهدف قد يكون ثانويا من أجل تتبع أهداف استخباراتية إسرائيلية بعيدة المدى.
وحسب الخبير العسكري، فإن إسرائيل ترسل رسالة عبر هذا القصف "لتؤكد ما تملكه من معلومات استخباراتية أو تنفي ذلك مثل وجود شخصيات معينة"، مشيرا إلى أنها "ستراقب كيف ستتصرف هذه الشخصيات في هذه الحالة".
إعلانولخص حنا هذه العملية بـ"اختبار المنظومة"، واصفا إياها بـ"الرابحة لإسرائيل"، إضافة إلى كونها حربا إعلامية ونفسية إسرائيلية.
وتواصل إسرائيل -رغم سريان وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024- استهدافها جنوب لبنان بذريعة مهاجمة أهداف لحزب الله، إذ ارتكبت أكثر من 1342 خرقا، مما خلّف 117 قتيلا و362 جريحا على الأقل.
ووفق حنا، فإن إسرائيل تحاول التحكم بسماء لبنان وفرض سيطرتها عليه عبر قواعد اشتباك جديدة ترتكز على "البقاء في مواقع معينة في الجنوب، والتحليق والخروج متى تشاء من دون محاسبة".
وتؤكد تل أبيب بقصفها الضاحية الجنوبية أنها أمام "مرحلة جديدة عنوانها انتهاء عهد حزب الله وقياداته الوازنة" -حسب حنا- الذي قال إن جيش الاحتلال يحاول تثبيت الردع لا ترميمه.
التبرير الإسرائيليووصف الخبير العسكري التبرير الإسرائيلي بوجود أسلحة في الموقع المستهدف بـ"السخيف"، مرجعا ذلك إلى عدم وجود انفجارات متتابعة وغياب أضرار في المناطق المحيطة.
وأعرب عن قناعته بأن إمكانية عودة حزب الله إلى الحرب "صعبة" بسبب رغبته في الاهتمام بالبيئة الحاضنة وإعادة تأهيل نفسه، لافتا إلى أن القصف الإسرائيلي قد يحمل أهدافا غير عسكرية.
وحسب الخبير العسكري، فإن إسرائيل تستهدف دوائر حزب الله، وهي: القيادة والسيطرة، والبنية التحتية التي تشغل البعد العسكري، والوحدات العسكرية. ونجحت في ذلك إلى حد ما.
وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/أيلول 2024، مما أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص.
وقد تنصل الجيش الإسرائيلي من استكمال انسحابه من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير/شباط الماضي -خلافا للاتفاق- إذ نفذ انسحابا جزئيا ويواصل احتلال 5 تلال لبنانية رئيسية، ضمن مناطق احتلها في الحرب الأخيرة.
إعلانكما شرعت إسرائيل أخيرا في إقامة شريط حدودي يمتد إلى كيلومتر واحد أو كيلومترين داخل أراضي لبنان.