كابل- في سابقة هي الأولى من نوعها، أعلنت كل من كندا وأستراليا وألمانيا وهولندا أنها ستقاضي حركة طالبان أمام محكمة العدل الدولية، بسبب الانتهاكات التي وصفتها بالجسيمة والممنهجة لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق المرأة، الأمر الذي رأى فيه مراقبون تهديدا لمكتسبات الحركة على الساحة الدولية.

وأعلن وزراء خارجية هذه الدول الأربع، الأحد الماضي، عن خطتها في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وقالت إنها تخطط لإحالة حكومة حركة طالبان إلى محكمة العدل الدولية.

وهذه هي المرة الأولى التي تهدد فيها دول أعضاء في الأمم المتحدة بإحالة دولة أخرى إلى محكمة العدل الدولية بتهمة التمييز بين الجنسين، وسيكون لدى حكومة طالبان 6 أشهر لتقديم ردها قبل أن تعقد محكمة العدل الدولية جلسة الاستماع الرسمية. وتقول هذه الدول إن لدى طالبان الوقت الكافي لتغيير سلوكها تجاه النساء.

واتهم وزراء خارجية الدول الأربع حركة طالبان بانتهاك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والميثاق العالمي لحقوق المرأة الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1979 ووقعت عليه أفغانستان عام 2003، وطالب الوزراء بمحاسبة طالبان على انتهاكها المتكرر لحقوق المرأة الأفغانية.

وصفت هذه الدول الأربع قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصدره زعيم حركة طالبان الشيخ هبة الله أخوند زادة بأنه محاولة لإسكات نصف الشعب الأفغاني، وإبعاد المرأة الأفغانية عن الحياة العامة.

ستمنح المساعي الأوروبية لمقاضاة طالبان النساء الأفغانيات منصة جديدة أمام الرأي العام العالمي (غيتي) ازدواجية المواقف

ووصفت حكومة حركة طالبان الخطوة الأوروبية بأنها سلسلة من الضغوط التي تمارس ضد طالبان لتغيير موقفها بشأن تطبيق الشريعة الإسلامية، وأنها ليست معنية بإرضاء الآخرين، والحركة ملتزمة بإعطاء الحقوق التي منحتها الشريعة وأن هناك جهات تقدم معلومات كاذبة إلى المجتمع الدولي لتشويه سمعة حكومة حركة طالبان.

يقول نائب المتحدث باسم حكومة حركة طالبان حمد الله فطرت للجزيرة نت "هناك ازدواجية في المواقف تجاه أفغانستان، ونرى أن القرار الأوروبي يفتقر للمصداقية والموضوعية، ويخدم الجهات التي تقوم بنشر الدعاية ضد أفغانستان، وهناك محاولات لتشويه سمعتنا ولا يوجد التمييز ضد أحد في أفغانستان".

ويرى خبراء الشأن الأفغاني أن القرار الأوروبي خطوة مهمة بالنسبة لمعارضي حكومة حركة طالبان، حيث يوفر لهم منصة تحظى بدعم أوروبي وهذا الأمر يقلق طالبان، ويؤخر عملية الاعتراف بالحكومة التي شكلتها حركة طالبان بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان عام 2021.

وحسب مصدر في الخارجية الأفغانية، فإن قيادة طالبان تعمل على تقييم تداعيات القرار الأوروبي وتأثيره على مستقبل العلاقات الأفغانية مع المجتمع الدولي.

يقول الباحث في العلاقات الدولية عبد الكريم أحمدي للجزيرة نت "القرار الأوروبي مهم للغاية وسوف يمنح النساء منصة جديدة مهمة أمام الرأي العام العالمي، وأما المعارضة التي فشلت حتى الآن في كسب من يدعمها فسوف تحاول أن تستفيد من الموقف الأوروبي لتعزيز موقفها دوليا".

ويرى أحمدي أن "على حركة طالبان أن تراجع موقفها من تعليم البنات، وعمل المرأة الأفغانية في ظل ثقافة وعادات المجتمع الأفغاني".

وتأسست محكمة العدل الدولية بموجب الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة عام 1945 لحل النزاعات بين الدول الأعضاء. وتتكون المحكمة من لجنة مكونة من 15 قاضيا يتم انتخابهم من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وقراراتها ملزمة قانونا وغير قابلة للاستئناف، ولكن المحكمة لا تملك إلا القليل من الأدوات اللازمة لتنفيذها.

الرد المحتمل

ويقول خبراء القانون إن الشكوى في محكمة العدل الدولية تمر بـ5 مراحل، ففي المرحلة الأولى تسجل القضية على أنها انتهاك لميثاق الأمم المتحدة، ثم يبدأ التحقيق في المجال الذي وقع فيه الانتهاك، ثم ينظر القضاة في القضية، ويصدر القرار في المرحلة الرابعة، وفي المرحلة الأخيرة يتم تنفيذ قرار المحكمة عبر مجلس الأمن.

يقول الخبير القانوني عبد الشكور خان للجزيرة نت إن قرار الدول الأوروبية التقدم برفع دعوى إلى محكمة العدل يمر عبر قناتين، مجلس الأمن أو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، معبرا عن اعتقاده بأن "حركة طالبان بطبيعتها سوف تتجاهل القرار الذي سيصدر من المحكمة، وهذا يعقد طبيعة العلاقة مع المجتمع الدولي، لأنها سابقة في التاريخ الأفغاني، وما دام لا يعترف المجتمع الدولي بحكومة طالبان فهي ترى أنها غير ملزمة بتنفيذ قرار يصدر من المؤسسات الدولية".

يقول محللون سياسيون إن عدم الاعتراف بحكومة طالبان من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لا يمنعها من محاكمتها أو إصدار الحكم ضدها، لأن الأمم المتحدة تعتبر أن طالبان تحكم أفغانستان بحكم الأمر الواقع، وعليها نفس الالتزامات التي تقع على عاتق الحكومة الرسمية.

ويرى الخبير القانوني عبد الكبير رضوان متحدثا للجزيرة نت أنه يمكن لهذا القرار في حال صدوره أن يؤثر على مساعي دول لتطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع طالبان، ويضع حدا لتصرفات طالبان تجاه المرأة الأفغانية، لافتا إلى وجود اختلاف في موقف قيادة طالبان بشأن حقوق المرأة الأفغانية، الذي ألقى بظلاله على علاقة طالبان بالعالم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات محکمة العدل الدولیة حکومة حرکة طالبان المرأة الأفغانیة القرار الأوروبی المجتمع الدولی الأمم المتحدة للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة وشريعة الغاب

د. سليمان المحذوري

abualazher@gmail.com

 

بنهاية الحرب العالميّة الأولى تأسست عصبة الأمم المتحدة وتحديدًا في عام 1919م كأول منظمة دوليّة هدفت بشكل رئيس إلى الحفاظ على السلام العالمي؛ وذلك من خلال منع قيام الحروب، وضمان الأمن المشترك بين الدول، والحدّ من انتشار الأسلحة، وتسوية المنازعات الدوليّة عبر إجراء المفاوضات والتحكيم الدولي. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها عصبة الأمم في تحقيق أهدافها إلا أنّها أخفقت في حلّ كثير من النزاعات الإقليميّة والدوليّة، وفرض هيبتها على جميع الدول بلا استثناء، وازداد ضعف هذه المنظمة بانسحاب أعضاء دائمين منها مثل اليابان وإيطاليا وألمانيا.

وفي نهاية المطاف أدّى ذلك إلى قيام الحرب العالمية الثانية عام 1939، وبالتالي حلّ عصبة الأمم رسميًا. ومن الأسباب الرئيسة لفشل هذه المنظومة الدوليّة أنّ أعضاء المجلس التنفيذي يتكون من الدول العظمى التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الأولى، وكانت ترفض التصديق على القرارات التي تصدر عن عصبة الأمم أو الخضوع لها أو حتى التجاوب معها بسبب تعارض مصالحها الحيوية مع تلكم القرارات.

وفي ظل الفراغ الدولي وعدم وجود منظمة دولية تُعنى بالحفاظ على السلام والأمن العالميين بات من الضروري سد هذا الفراغ، فولدت الأمم المتحدة عام 1945 لتحقيق ذات الأهداف التي فشلت عصبة الأمم في تحقيقها، وهي منع الحروب، ودعم القانون الدولي، وتسوية المنازعات بين الدول.

وفي سبيل تحقيق هذه الغايات تمارس الأمم المتحدة مسؤوليتها من خلال عدة أجهزة ووكالات متخصصة لعل أبرزها محكمة العدل الدولية التي "تتولى تسوية المنازعات القانونية التي تقدمها إليها الدول الأطراف وفقًا لأحكام القانون الدولي". وفي عام 2002 أُسست المحكمة الجنائية الدولية للنظر في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية إلى جانب جرائم الإبادة الجماعية. ومن الأجهزة الرئيسة كذلك في هذه المنظمة مجلس الأمن الذي تقع على عاتقه المسؤولية الأساسيّة في صون السلم والأمن الدوليين. وللمجلس خمسة عشر عضوًا، خمسة دائمين وهي: الصين، وفرنسا، وروسيا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، وعشرة غير دائمين. وبموجب ميثاق الأمم المتحدة على جميع الدول الأعضاء الامتثال لقرارات مجلس الأمن؛ إلا أن هذه الدول الخمس لها حق استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع أي قرار يصدر عن هذا المجلس.

حاولت الأمم المتحدة جاهدة ممارسة مهماتها رغم التحديات في السنوات الأولى من إنشائها، لا سيما مع اشتداد الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي آنذاك والولايات المتحدة. وبنشوء الصراعات الإقليميّة والدوليّة كان من الواضح أنّ هذه المنظمة تسيطر عليها الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن بما يتماشى مع مصالحها الخاصة، وتحالفاتها المرسومة. وتبعًا لذلك فقدت مصداقيتها لدى بقية الدول الأعضاء في المنظمة فضلًا عن الشعوب خاصة في قارتي آسيا وإفريقيا. ولعل طوفان الأقصى الذي اندلع في السابع من أكتوبر عام 2023 قد عرّى هذه المنظمة، حيث بات واضحًا وضوح الشمس اتباعها لسياسة الكيل بمكيالين بعيدًا عن الأهداف التي أنشئت من أجلها. وفي هذا السياق استخدمت الولايات المتحدة عدة مرات حق النقض ضد جميع القرارات التي دعت إلى وقف إطلاق النار في غزة رغم تأييدها من غالبية الدول، ولعل آخرها حتى اللحظة إيقاف قرار وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة بتاريخ 4 يونيو 2025 خدمةً للمشروع الصهيوني في المنطقة، وتثبيتًا للاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية. ورغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي في تدمير غزة، وقتل النساء والأطفال والمدنيين الذين وصل عددهم إلى أكثر من 56000 شهيد حتى كتابة هذه السطور وفقًا للإحصاءات الرسميّة، وتشريد السكان، والإمعان في تجويعهم على مرآى ومسمع العالم أجمع؛ حيث تشهد غزة إبادة جماعية، وتطهير عرقي لا مثيل له وسط صمت وخذلان وتواطؤ العالم المتحضر؛ بيد أنّ المنظّمة الدولية لا تحرك ساكنًا ما خلا إصدار بيانات الشجب والإدانة والقلق التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع؛ بينما أمريكا وهي عضو دائم في مجلس الأمن مستمرة في استخدام "الفيتو" ضد أي قرار أممي من شأنه إيقاف هذه المجازر اليومية.

وبعد هذا كله، وكل الشواهد تؤكد ازدواجية المعايير في تطبيق قرارات الأمم المتحدة ناهيكم عن نفوذ وسطوة الدول الخمس العظمى على المنظّمة؛ ألا يُشير ذلك إلى تشابه الأسباب التي أدت إلى نهاية عصبة الأمم سابقًا؟ وهل بقيت ثمة ثقة في المنظمة الحالية بعد أن فقدت مصداقيتها؟ وهل الكيان الاسرائيلي فوق القانون الدولي؟ ومع هذه المعطيات وفي ظل التكتلات الدولية الحاليّة ألا يُعد ذلك بمثابة المسمار الأخير الذي سيدق في نعش هذه المنظومة الدوليّة؟

 

 

 

 

 

 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • كينيا والسباق الأممي على استضافة المقرات الدولية خارج نيويورك
  • الأمم المتحدة وشريعة الغاب
  • الأمم المتحدة تحذر ألمانيا: أفغانستان ليست آمنة للترحيل
  • الحجازي: على عائلة المريمي مقاضاة الدبيبة أمام محكمة العدل الدولية
  • الأمم المتحدة تعترف بفشلها في حماية الشعب فلسطين
  • الأمم المتحدة: فشلنا في حماية الشعب الفلسطيني
  • موسكو تقرر الاعتراف بحكومة طالبان الأفغانية.. والأخيرة تصفه بالقرار الشجاع
  • أول دولة.. روسيا تعلن اعترافها رسميا بالحكومة الأفغانية
  • روسيا تعترف رسميا بإمارة أفغانستان الإسلامية التي تقودها حركة طالبان
  • التوقيع على خطة عمل للتعاون بين وزارة العدل واليونيسف