مع دخول القوات الإسرائيلية برّياً إلى جنوب لبنان اليوم الثلاثاء 1 أكتوبر/تشرين الأول 2024، نعود إلى فصل جديد من التصعيد المستمر في المنطقة، حيث لا تزال آلة الحرب تدور دون أن تبدو هناك نهاية في الأفق. الاجتياح البرّي ليس مجرد خطوة تكتيكية في سياق صراع مسلح متكرر، بل هو جزء من مخطط أوسع يعيد تذكيرنا بحقيقة أن السلام في هذه البقعة الملتهبة من الشرق الأوسط لا يزال بعيد المنال.

المعضلة الكبرى تكمن في أن هذه التحركات العسكرية لا تجلب سوى مزيد من العنف والكراهية، وتعيد إنتاج نفس السيناريوهات القديمة التي أثبتت فشلها في تحقيق أي تقدم نحو السلام. ومع استمرار الأطراف في اعتماد الحلول العسكرية، يصبح التساؤل ملحّاً: إلى متى سيظل لبنان ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، وضحية لمخططات الهيمنة والقوة؟

يتساءل الجميع الآن: إلى أين ستصل عدوانية إسرائيل؟ ومن الذي سيضع حدًا لها؟ إلى أين يمكن أن تصل عدوانيتها التي تتوسع بوتيرة متسارعة تحت ذرائع متعددة، كان آخرها اغتيال السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله؟

وصف زميلنا محمد شكر إسرائيل بأنها أشبه بكلب بيتبول جامح بلا طوق. لكن الواقع يشير إلى ما هو أعمق؛ فإسرائيل ليست بلا طوق، بل هي مكبلة بأيدي الولايات المتحدة التي تخفف قبضتها عنها بما يتوافق مع مصالحها. إذًا، المشكلة ليست في انفلات إسرائيل، بل في الأيدي التي تتحكم بها. والآن، وبذريعة حزب الله، يُدرج لبنان ضمن مخطط الإبادة. ومع ذلك، قبل التسرع في التحليل، ينبغي علينا التوقف قليلًا والتأمل في أبعاد هذا المشهد المتفاقم.

السبب الرئيس وراء عدم رد حزب الله وإيران حتى الآن بالقوة المتوقعة هو عجز حزب الله عن تحمل المزيد من الخسائر. فعلى الرغم من العداء العلني والشديد تجاه إسرائيل، ظل حزب الله يتجنب الانجرار إلى صراع عسكري مباشر. فالحزب لا يمثل لبنان بأسره، وأي حرب يدخلها منفردًا ستفرض كلفتها على كامل البلاد.

هذا التردد، الذي قد يُنظر إليه في البداية كمسؤولية وطنية للحفاظ على استقرار لبنان، تطور مع مرور الوقت إلى خمول يثير التساؤلات. في حين تستمر إسرائيل في الهجوم والقتل، وتستهدف قيادات الحزب العليا وصولًا إلى اغتيال حسن نصر الله نفسه، يبدو حزب الله وإيران وكأنهما لا يزالا يخشيان الخسائر، مترددين في الرد بالمثل. يتصرفان وكأنهما يلتزمان بصبر غير معتاد، مما يثير التساؤل: ماذا تبقى لحزب الله ليخسره بعد كل هذه الخسائر؟

في حين يترقب الجميع رد حزب الله على الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة، يواصل الاحتلال تحركه الإبادي نحو لبنان، وتتصاعد التكهنات بشأن احتمال توسيع هذه العمليات لتشمل سوريا. ومع اقتراب الصراع من الأراضي السورية، يطرح تساؤلٌ حيوي حول موقف إيران وروسيا، اللتين ترتبطان باتفاقيات دفاع مع النظام السوري. في الواقع، قد تكون جبهتا لبنان وسوريا فرصة جديدة للغرب، ولا سيما أوروبا وأميركا، للخروج من مأزق الجمود في أوكرانيا. التطورات الحالية توحي بأن هذا السيناريو قد لا يكون بعيد المنال.

الأمر الواضح للجميع أن ما يدفع إسرائيل لهذا العدوان ليس مجرد البحث عن الأمن، بل تحركها أصبح بعيدًا عن أي تفسير منطقي ضمن قواعد العلاقات الدولية المتعارف عليها. فإسرائيل تجاوزت سلوكيات الدول التقليدية لتصبح جهازًا للإرهاب والتهديد. ما تفعله ليس من أفعال الدول بل هو إرهاب ممنهج، يدفع اليهود الذين جمعتهم من كل أصقاع العالم نحو مغامرة غير أخلاقية وغير عقلانية، ستجعلهم في نهاية المطاف ضحاياها. إنها مشروع يضر بالآخرين كما يضر بنفسها وباليهود أنفسهم، وكأنها تكتب أسوأ فصول تاريخهم.

إسرائيل اليوم تمثل استثناءً خطيرًا في مفاهيم العلاقات الدولية والقانون والنظام. هذا الاستثناء نابع من تمردها على كل القواعد، وهو تمرد تدعمه قوى عالمية تستخدمه بشكل استبدادي ومتعجرف، دون أي رادع حقيقي.

القدرة على التصرف كاستثناء تعكس في جوهرها مظهرًا من مظاهر الهيمنة وفق منطق القوة، حيث تتجلى الهيمنة في القدرة على التحرك خارج حدود القواعد المتعارف عليها. ومع ذلك، لا يمكن لأي هيمنة أن تستمر طويلًا إذا اعتمدت باستمرار على الاستثناءات. الولايات المتحدة والنظام العالمي الحالي، اللذان وفّرا لإسرائيل هذا المجال الاستثنائي دون قيود، يقتربان الآن من مواجهة حدودهما وربما نهايتهما.

العدوانية المتزايدة التي توجهها إسرائيل نحو لبنان لن تتوقف عند هذا الحد، بل يبدو جليًا أن هذا الاستثناء الذي تمارسه سيصبح تهديدًا للبشرية جمعاء. إسرائيل اليوم تمثل تهديدًا شاملًا للإنسانية، ففي عالم يمنح هذه المساحة الواسعة لتفسير ديني صهيوني متشدد، لن يكون أحد بمأمن من هذا التعصب المتنامي.

النظام العالمي الذي بُني لرعاية هذا التعصب، فقد كل ادعاءاته السابقة بالنورانية والديمقراطية، والعلمانية وحقوق الإنسان والعقلانية. فقد تم التضحية بجميع هذه القيم، التي استغرقت البشرية قرونًا لتطويرها، على مذبح استثنائية إسرائيل.

في هذا السياق، لم يعد العالم قادرًا على الادعاء بأنه يحمل شعلة الديمقراطية أو حقوق الإنسان، فقد تم التضحية بهذه القيم لصالح استثناءات مدعومة من قوى دولية نافذة. كيف يمكننا التحدث عن الديمقراطية بينما يتم تجاهل حقوق الفلسطينيين وحقهم في تقرير المصير؟ كيف يمكن أن ندعي حماية حقوق الإنسان بينما تتواصل انتهاكات إسرائيل بحق المدنيين بلا مساءلة أو عقاب؟ إن هذا التناقض الصارخ بين القيم المعلنة والواقع الفعلي يكشف زيف الادعاءات الغربية بالدفاع عن حقوق الإنسان.

إن هذا الوضع المختل يتطلب إعادة التفكير في النظام العالمي برمته. إذا كانت القوى الكبرى ترغب حقًا في الحفاظ على استقرار العالم وتعزيز قيم الإنسانية، فيجب أن تعيد النظر في دعمها للاستثناءات التي تهدد الأسس التي قام عليها النظام الدولي. يجب أن يكون هناك عودة إلى القيم التي تمَّ تطويرها بعد قرون من الحروب والصراعات؛ قيم العدالة والحقوق المتساوية لجميع الشعوب.

ختامًا، لا يمكن للعالم أن يستمرّ في هذا المسار الذي يدعم الاستثناءات على حساب القيم العالمية. لقد أصبح واضحًا أن استمرار دعم النظام العالمي لاستثنائية إسرائيل يقوض كل ما حققته البشرية من تقدم حضاري وقانوني.

إن استعادة القيم الحقيقية التي تمثل الأساس لعالم أكثر عدلًا واستقرارًا تتطلب موقفًا حازمًا في مواجهة هذه السياسات الاستثنائية التي تهدد سلامة الإنسانية برمتها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات النظام العالمی حقوق الإنسان حزب الله

إقرأ أيضاً:

الدويري: هذه سبل إسرائيل لمنع وصول السلاح لحزب الله والاجتياح البري وشيك

قال الخبير العسكري اللواء فايز الدويري إن الحصار العسكري -الذي تقول إسرائيل إنها فرضته على لبنان– يعني قطع سبل الإمداد على حزب الله وليس عن لبنان كبلد، مشيرا إلى أن الاجتياح البري يبدو وشيكا.

وأضاف الدويري -في تحليل للمشهد العسكري على شاشة الجزيرة- أن الطبيعة الجغرافية تساعد على فرض هذا الحصار، مشيرا إلى أن عشرات السفن الحربية كانت توجد أحيانا مقابل المياه اللبنانية قبل اندلاع الحرب أساسا.

وأوضح أن الحديث الإسرائيلي يتمحور حول حصار عسكري في وقت تتواصل فيه العمليات العسكرية مما يعني أنه لا يوجد حصار كالمفروض على غزة والذي يتحكم من خلاله الاحتلال حتى في دخول الطعام والشراب.

لكن الحصار العسكري الذي تتحدث عنه إسرائيل بلبنان يعني أنه سيشمل منافذ حزب الله وليس لبنان -كما يقول الدويري- دون أن يستبعد أن توسع إسرائيل الحصار ليشمل كل لبنان في حال عجزت عن منع عمليات التهريب والتسلل بشكل كامل.

مراقبة البحر والجو

وأشار الخبير العسكري إلى أن الحدود الجنوبية للبنان ملاصقة لفلسطين المحتلة وبالتالي هي ليست مصدر توريد، في حين الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا تضم طرقا تخدم حياة الدولة اللبنانية، وكذلك السفن التجارية ومطار الحريري الذي ما زال يعمل حتى الآن.

وقال إن إسرائيل قد تستخدم سلاحها الجوي في فرض هذا الحصار من الحدود الشرقية والشمالية لمنع وصول أى إمدادات للحزب، وقد تقصف مطار رفيق الحريري ومرفأ بيروت في حال رد حزب الله على اغتيال حسن نصر الله بشكل كبير.

وفي البحر، ستحاول إسرائيل أيضا منع وصول أي أسلحة للحزب -وفق الدويري- الذي أشار إلى أن بعض الأيام كانت تشهد وجود 19 سفينة حربية إسرائيلية قبالة المياه الإقليمية.

وفيما يتعلق الاجتياح البري، قال الدويري إنه يبدو وشيكا بعد كل ما تم من تدمير وقتل قادة عسكريين وفرض حالة اجتماعية معينة خلال الأيام الماضية.

وختم بالقول إن اغتيال نصر الله أحدث ارتباكا في صفوف حزب الله، وهو أمر قد يغري إسرائيل بالدخول برا.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تحذر إسرائيل من عواقب الاجتياح البري في لبنان
  • إسبانيا تحث إسرائيل على وقف التوغل البري في لبنان
  • قبل التوغل البري.. تقرير يكشف ما فعلته إسرائيل في لبنان
  • إعلام إسرائيلي: مجلس الوزراء يوافق على الدخول البري للبنان
  • عاجل - أمريكا تعلق على دخول إسرائيل البري في لبنان
  • واشنطن بوست: خطط إسرائيل بالتوغل البري في لبنان متوافقة مع أميركا
  • خارجية فرنسا: على إسرائيل تجنب الاجتياح البري في لبنان
  • بعد اغتيال نصر الله.. إسرائيل تتجه لخطوة الاجتياح البري في لبنان
  • الدويري: هذه سبل إسرائيل لمنع وصول السلاح لحزب الله والاجتياح البري وشيك