في لحظة من اللحظات لم يكن أمام علماء الإنسان من الأنثروبولوجيين إلاَّ المشاهدة المحسوسة، وأحيانًا العَيْش في مجتمعات البحث لسنوات طِوال، لا يغادرون صغيرة ولا كبيرة إلاَّ واعتبروها إحدى دوالّ بحثهم. اليوم أضيفت إلى تلك التقنيات في المراقبة تقنية الصورة التي أسهمت أيقوناتها لأن تكون عاملا مهمًّا في التحليل.

فـ"كل ما يتعلق بالإنسان هو في الواقع أداة اتصال، ومن بين تلك الأدوات الصورة". هكذا يقول الكاتب البحريني محمد عبدالله العلي مؤلف كتاب: "أوراق من تاريخ البحرين" الصادر عن دار الساقي في بيروت، والذي يتناول موضوعات تاريخية واجتماعية متنوعة. يعرض العلي وجهة نظر لطفيا كايا كيف أن ذلك الاتصال "إذا ما أُرِيدَ له أن يكون فعالا، فيجب أن تُستَخدَم فيه لغة مشتركة تُفضي إلى فهم مشترك بين أطرافه. فتاريخ الصور في مجمله يقوم على نظام بَصَرِي مادته المؤشرات، وبالتالي فإن فهم الصورة يعتمد على تحليل تلك المؤشرات والأيقونات، وتحليل الرموز التي يتم تضمينها في مجال الصور، لذلك فإن الباحث يجب أن يفسر لا أن يصف".

قام المؤلف بحصر مجموعة من الصور "تضم ما يربو على ٢٨٠ شخصًا، تمَّ التقاطها لبحرينيين، وفي وجبة أخرى ٨٧ شخصًا. وهذه الصور يعود تاريخها للستينيات والسبعينيات من القرن المنصرف، بعضها صورٌ منفردة، والبعض الآخر - وهو الأكثر - صورٌ جماعية، التُقِطت في مواقع مختلفة، بعضها في مؤسسات تعليمية وأخرى في العمل، فضلا عن البيوت والأحياء السكنية القديمة والرحلات الترفيهية، وهي كلها قابلة لأن تُقرأ بشكل عميق، وفقًا للأدوات السيميولوجية. فقد كانت المشاهدة والإحساس الفيزيائي هو المعتَبَر في تلك الفترة، لذلك كانت أوصاف الشخص تُدوَّن حتى في جواز السفر، كطوله، ولون عينيه، وشعره والمميزات الأخرى في وجهه، من قبيل الشَّأْمَة أو الخال الأسود الذي يظهر أحيانًا في الوجه".

أراد الكاتب من ذلك أن يجري قراءة لتلك الصور في جانب مُحدَّد، يتعلق بالهيئة الجسمانية للبحريني في تلك الفترة، وعلاقاتها بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. لذلك لاحظ من تلك الصور أن "نسبة البُدَناء فيها معدومة في الوجبة الأولى من الصور، التي تضم ٢٨٠ شخصًا، أي بنسبة صفر بالمائة، وفي الوجبة الثانية التي تضم ٨٧ شخصًا لم يُوجد بينهم سوى بَدِين واحد، أي بنسبة لا تزيد على ١.١ بالمائة". وهو يُرجع ذلك إلى "نمط الحياة المختلف الذي كان عليه البحرينيون في تلك الفترة، من حيث نوع الطعام واستخدام المشي وسيلة لتنقلاتهم، إذ لم يكن مستغرَبًا أن تجد مَنْ يمشي" من بداية مدينة في شرق البحرين إلى قرية في غربها ويُعطي بذلك أمثلة لتلك الأماكن.

يضيف مؤلف الكتاب أنه وحتى عندما "تطورت الحياة قليلا في الستينيات والسبعينيات في البحرين كانت أعداد كبيرة من الطلاب البحرينيين يمشون إلى مدارسهم سيرًا على الأقدام إلى مدة تصل إلى خمسين دقيقة، وعندما يمرض الطالب فإن عليه أن يذهب إلى المستشفى مشيًا، لذلك كانت أجسام البحرينيين ما بين نحيفة ومعتدلة" وعندما "تتحسن النظم الغذائية والحياتية يزداد مؤشر كتلة الجسم الممشوق وينخفض عندما تصبح أقل فائدة، لذلك يصبح مؤشر كتلة الجسم مؤشرًا مهمًّا لفهم العمليات التاريخية، وأنماط الناس الزمانية، والمكانية، وارتباطاتهم الاجتماعية".

الكتاب لا يتحدث عن هذا الموضوع فقط بل عن موضوعات اجتماعية وتاريخية مختلفة بذات الوتيرة من الاستفاضة، كالعلاقات العائلية والجيرة والأصدقاء، ونمط الزواج والبيوت في تلك الفترة والدِّين والتديُّن وغيرها من العناوين.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الصور- الرئيس ميقاتي في بكركي

زار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بكركي.  

مقالات مشابهة

  • حزن كبير ومقابر جماعية في لبنان.. تقريرٌ أميركي يرصد المأساة!
  • هذه حقيقة السيدة اليزيدية التي كانت في قطاع غزة / فيديو
  • منذ صباح الجمعة .. الاحتلال يرصد إطلاق 100 صاروخ من لبنان
  • ذوو الاكتاف الباردة
  • الصور- الرئيس ميقاتي في بكركي
  • صفقة القرن القادمة بين اسرائيل وحماس
  • أسرار لغة الجسد: خمس نصائح لكسب القلوب والعقول
  • جيش الاحتلال يرصد طائرتين مسيرتين في «بات يام» جنوبي تل أبيب
  • 6 أعراض خطيرة تؤكد الإصابة بـ السرطان.. تعرفوا عليها
  • الشرعية تعرض على التحالف رؤية جديدة لتطوير القوات المسلحة اليمنية والدعم المطلوب لذلك