سودانايل:
2024-10-01@11:22:06 GMT

الشاعر المفكر الذي غادرعلى أجنحة الهوية

تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT

عرف الراحل محمد المكي إبراهيم من خلال نصوصه الشعرية و ديوانه " أمتي" الذي رسم ملامح و تفاصيل الإنتماء عنده، و معلوم أن محمد المكي بقدر عشقه لوطنه و محبته له كان أكثر ميلا في صوره الجمالية إلي استخدام الرمزية احد أدوات البلاغة التي تفتح أفاق واسعة في التخيلات، ألله ي خلاسية، يا حانة مفروشة بالرمل، يا مكحولة العينين، يا مجدولة من شعر أغنية ، ياوردة باللون مسقية ، بعض الرحيق أنا ، و البرتقالة أنت.

. محمد المكي تناول قضية التمايز بين المناطق في رمزية تبين قدرته التعبيرية يقول في أحدي قصائده.. هذي ليست إحدى مدن السودان ، من أين لها هذي الألوان، من أين لها هذا الطول التياه؟، لاشك قطار الغرب الشائخ تاه، و سألنا قيل لنا الخرطوم، هذي عاصمة القطر على ضفات النيل تقوم، عربات أضواء و عمارات، و حياة الناس سباق تحت السوط ، هذه يبدو كحياة الناس، خير من نوم في الأرياف يحاكي الموت، ما اتعسها هذي الأرياف، ما اتعس رأسا مشلول الأقدام، ما اتعس رأسالا تعنيه تباريح الأقدار...
محمد المكي هو أحد مؤسسي مدرسة الغابة و الصحراء في ستينيات القرن الماضي مع النور عثمان أبكر و محمد عبد الحي و يوسف عيدابي و آخرين و هي مدرسة أشتغلت على البحث عن "الهوية " من خلال الحقل الإبداعي.. بهدف الإجابة على السؤال الذي كان قد تم إثارته في عقد ثلاثينيات القرن الماضي من خلال مجلتي " الفجر و النهضة" حيث كان السجال دائرا بين المثقفين السودانيين في ذالك الوقت، و كان رواده محمد أحمد محجوب و محمد عشري و صديق عشري و عبد الحليم محمد و عرفات محمد عبد الله و آخرين.. أيضا السؤال كان مطروحا في حقل الإبداع الإدبي.. و جاء تأسيس مؤتمر الخريجين في 1938م حيث تعددت أجندة المؤتمر و وقف الحوار عن الهوية..
مدرسة الغابة و الصحراء التي يعتبر محمد المكي أحد روادها،و بدأت تنشط الحوارات الفكرية من خلال " مدرسة الأدب و الإبداع" و الملاحظ أن جل مؤسسيها شعراء و منهم من له أهتمامات أخرى في ضروب الفنون، و أصبحت المدرسة ساحة للحوار الفكري المنطلق للإجابة على الهوية، و المدرسة أصبحت منبر جاذبا للحوارات الفكرية، في ضروب الإبداع الأخر و نجد أجتهادات الدكتور أحمد الطيب زين العابدين الذي انطلق من حقل " الفن التشكيلي و طرح " قضية الهوية" بتبنيه لفكرة " السودانوية" هذا الجدل الذي أثارته مرة أخرى مدرسة الغابة و الصحراءو تمثل في شعر رواد المدرسة حيث كثرت فيه الرمزيات و المدرسة نفسها رمزية لها مدلولاتها المناطقية و الثقافية..
و محمد المكي لم يقف على حدود رمزية الشعر لكي يطرح تساؤلاته الوطنية، بل أختار أيضا الفكر طريقا لكي يبين فيه أطروحته الفلسفية في قضية الوطن حيث أصدر كتابه "الفكر السوداني و تطوره" حيث بدأ الكتاب أيضا بإشارة البحث عن الهوية" يقول ( حين دكت ارجال الغزاة امبراطوريات بعانخي و ترهاقا وحين طمرت رمال الصحراء حضارات نبته و مروي كانت الأرض السودانية فقدت مرة و إلي الابد لواء المبادرة الحضارية التي ظلت ترفعه طوال أجيال مترحقة و أصبحت مجموعة من البشر تعمرها يتيمة وضائعة، في عالم مضطرد التقدم و التمدن متجدد الحضارات، عندئذ لم يكن غريبا أن يستورد السودان الديانة المسيحية ، و أن تنهض على أساسها ثلاث دويلات سودانية هي: علوة و المقرة و النوبة و أن تظل تلك الدويلات ضعيفة و متنازعة حتى يكتسحها أمامه الغزو العربي الوافد.. من مدخل الكتاب يبدأ محمد المكي طرح تساؤلاته عن الهوية، و الرجوع للتاريخ و الممالك القديمة يبدأ البحث عن الهوية.. و في فقرة أخرى يقول المكي ( أن الميلاد الحقيقي للثقافة العربية في السودان بعهد الفونج. و لكن هذا لا يعني أن الثقافة العربية لم تدخل السودان إلا مع ذلك العهد لأنه ثابت أن الثقافة العربية أكتسبت مكانها المشروع بين ثقافات السودان، في طليعة الغزو و ليس على اعقابه فقد تسربت مع قوافل الحجيج. و في اخراج التجار و حقائب الدعاة و المسافرين، و على الدوام كان كان المسجد يقام و الأذان يدوي في ممالك السودان المسيحية لتأتي على صداه جحافل الفتح العربي بل أن تاريخ الثقافة العربية في السودان يضرب في أعماق التاريخ ) و يؤكد على تاريخ اللغة العربية في السودان بالقول ( حمل أولئك العلماء إلي السودان، اللغة العربية و الفلسفة الصوفية بوصفهما المظهرين الاساسيين للفكر في القرنين السادس و السابع عشر، أما العربية التي جاءوا بها فقد كانت لغة غير صافية و مليئة بالتعقيدات و التحريفات التي ادخلتها عليها عصور الانحطاط بحيث بدت غريبة على أذان الناس..
و يحاول محمد المكي يؤكد على الهوية من عدة مداخل في تمظهرات التاريخ إذا كان دخول العرب السودان أو اللغة الي تحمل الرموز و الإشارات الثقافية و أيضا التصوف باعتباره يحمل الثقافة الطهرانية و أداة لنشر الدين و يقول عنه عنه ( حمل العلماء الوافدين إلي السودان التصوف، و قد يبدو الأمر غير ذي بال، لآن المنطقة العربية بطولها و عرضها خضعت ذات يوم للتأثير الصوفي، و لكن الأمر يتخذ شكلا اشد خطورة بالنسبة للسودان، فقد دخله التصوف في ذات الوقت الذي بدأ فيه الدين الإسلامي يكتسح الديانات الوثنية و المسيحية من بين القبائل السودانية.. كان المكي يعتقد أن إثبات العروبة ليس وافدا مايزال على هامش لحمة المجتمع بل هو تطور و تماذج مع الثقافة و العادات و التقاليد و أصبح أحد ملامحها التي تشكل هويتها..
استطاع محمد المكي إبراهيم أن يجادل عبر الإبداع و صوره الجمالية المختلفة ورمزياته للتأكيد على الهوية، و إجابة على التساؤلات التي كانت قد طرحت في ثلاثينيات القرن الماضي.. بالفعل استطاع محمد المكي أن يسهم في تشكيل الوجدان السوداني و يرسم للهوية الوان زاهية من خلال أدواته الإبداعية و بحث الفكري في جدل الهوية.. رحم الله محمد المكي إبراهيم و نسأل الله له الرحمة و المغفرة و القبول الحسن. و الذي نقش حروفا في قلوب شعبه غير مطالب بالرجوع مادام يسكن قلوب الناس.. نسأل الله الرحمة و المغفرة...

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: محمد المکی عن الهویة من خلال

إقرأ أيضاً:

في وداع محمد المكي ابراهبم .بعض الرحيق انا والبرتقالة انت

في وداع محمد المكي ابراهبم .بعض الرحيق انا والبرتقالة انت
رحل عنا بالامس القريب قامة من قامات بلادي لا يقل شموخا عن جبال التاكا ولا عظمة عن نهر النيل الخالد شمسا سطعت في صحاري كردفان و رمال الابيض العروس ونخلة تطاول جزعها وعانقت سماوات الإبداع في غابات الدندر محمد المكي إبراهيم يا فتى الغابة الخلاسي و ابن الصحراء وفارسها.اذكر في العام 1996 وانا في الصف الاول الثانوي بمدرسة البحر الأحمر في بورتسودان كانت لدي عادة ما زلت احن لها كنت اطوف في نهاية الأسبوع على مكتبات المدينة بحثا عن الجديد من الكتب حيث كانت هواية الاطلاع وما زالت مرافقة لي في حياتي ولا مازال الكتاب هو خير جليس لي في كل الأزمنة افضله على الجميع. اذكر انني ذهبت إلى مكتبة الرفاعي واثناء تجوالي بين الارفف وقعت عيناي على ديوان امتي للشاعر الكبير محمد المكي إبراهيم و قد سعدت به ايما سعادة كطفل يرى وجهه اول مرة في المراءة على حد وصف
اديبنا
الفحل الطيب صالح. وكنت قد تعرفت ب شاعرنا الكبير من طريق اطلاعي على تجربة تيار الغابة والصحراء مع كوكبة من شعراء بلادي (واذكر هنا الراحلة ليلى
المغربي التي
كانت تقدم برنامج ثقافي شعري تحت هذا الاسم بالتلفزيون القومي). كان محمد المكي وكان صلاح احمد إبراهيم و محمد عبد الحي والرائع النور عثمان ابكر (ابن حي كوريا ببورتسودان).ظل محمد المكي علامة فارقة في فضاء الثقافة السودانوية بتجربته الشعرية الثرة. عرف بين ابناء جيله بشاعر الاكتوبريات فقد ظل وفيا لثورة أكتوبر حاضراً معها نتذكره كلما صدح العملاق وردي بصوته الشجي بأسمك الأخضر يا أكتوبر الأرض تغني و نستعيد معه لحظات خالدات من تاريخ هذا الشعب الأبي الذي قال فيه يوما معبرا عن حالات الانفعال
والعناد التي
تعتريه في اوقات النضال والثورة
باسمك الأخضر يا أكتوبر الأرض تغني

الحقول اشتعلت قمحا ووعدا وتمني

والكنوز انفتحت في باطن الأرض تنادي

باسمك الشعب انتصر

حائط السجن انكسر والقيود انسدلت جدلة عرس في الأيادي.
وتفجرت دواخلنا عشقا و ذابت حبا حين خص نساء بلادي بنفحة من غزل عفيف شفيف انتشر وعطر ارجاء الزمان والمكان وهو نشد الله يا خلاسية التي خلد بها ذاك الرحيق الذي تبقى منه وتلك البرتقالة التي حسم عبرها جدل
الهوية الذي
ارهق المثقفين من ابناء بلادي.

الله يا خلاسية

يا وردة
باللون مسقية

بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت

يا مملوءة الساقين أطفالا خلاسيين

يا بعض زنجية وبعض عربية

وبعض أقوالي أمام الله

كلما ذهبت إلى مدينة الرسول زائرا لا تفارق ذهني ابدا تلك اللوحة التي جسدها حبا في مدح طيبة وقبرا ضمته لسيد المرسلين واصفا تلك المدينة. مدينة الهدى والنور بما نسال الله ان يكون شفيعا ومؤنسا له في قبره

ﻣﺪﻳﻨﺘُﻚَ
ﺍﻟﺤﺪﻳﻘﺔُ
ﻳﺎ
ﺭﺳـﻮﻝَ
ﺍﻟﻠﻪ

ﻛُﻞّ
ﺣﺪﺍﺋﻖِ
ﺍﻟﺪُﻧﻴﺎ
ﺃﻗﻞُ
ﻭﺳﺎﻣﺔً


ﺣُﻀﻮﺭ

ﻫﻨﺎﻟﻚَ
ﻟﻠﻬﻮﺍﺀِ
ﺃﺭﻳﺠُﻪُ
ﺍﻟﻨَﺒﻮﻯ

ﻣﻮﺻﻮﻻً
ﺑﺄﻧﻔﺎﺱِ

ﺍﻟﺴﻤﺎﺀِ
ﻭﻛﺄﺳﻬﺎ
ﺍﻟﻜﺎﻓﻮﺭ

ﻫﻨﺎﻟِﻚَ
ﻟِﻠﺜﺮﻯ
ﻃﻴﺐٌ

ﺑﺪﻣﻊِ
ﺍﻟﻌﺎﺷﻘﻴﻦ
ﻭﻟﺆﻟﺆٌ
ﻣﻨﺜﻮﺭ

ﻫﻨﺎﻟِﻚَ
ﻟِﻠﻀُﺤﻰ
ﺣَﺠﻞٌ

ﺑﺄﺳﻮﺍﺭِ
ﺍﻟﺒﻘﻴﻊ

ﻭﺧﻔﺔٌ
ﻭﺣُﺒُﻮﺭ

رحم الله شاعرنا الفذ محمد المكي إبراهيم بما قدم لشعبه ونعزي انفسنا وكل ابناء شعبنا في ارجاء المعمورة سالين الله ان يعيد الامن والامان لبلدنا وان يجمع السودانيين على كلمة سواء ويوقف هذا النزيف و يوفق بين القلوب ليعم السلام ارجاء الوطن.

yousufeissa79@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • رحل الشاعر محمد المكي إبراهيم (1939-2024) الموت في زمن الشتات
  • الشاعر محمد المكي ينعي نفسه ويرثي وطنه في هذه القصيدة
  • في وداع محمد المكي ابراهبم .بعض الرحيق انا والبرتقالة انت
  • من هو محمد المكي إبراهيم الذي تصدر جوجل بخبر وفاته؟
  • الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم|معلومات عن رائد القصيدة العربية
  • وفاة الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم.. الموت في زمن الشتات ورحيل هرم شعري ناطق
  • محمد المكي إبراهيم .. زاد (الأكتوبريات) وخيار ( الخلاسية)
  • السودان يودع محمد المكي إبراهيم
  • الموت يغيب الشاعر السوداني الكبير محمد المكي إبراهيم