لماذا لم يترك نصرالله الضاحية قبل اغتياله؟
تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT
كثيرة هي التساؤلات التي طُرحت عن سبب وجود أمين عام "حزب الله" الشهيد السيّد حسن نصرالله داخل الضاحية الجنوبية لبيروت، رغم التهديدات الكبيرة بقصفها وإثر الاستهدافات العديدة التي طالتها قبل عملية اغتياله يوم الجمعة الماضي.
التحصينات الموجودة تحت المباني الـ6 التي قصفها العدو الاسرائيلي في الضاحية لم تمنح نصرالله الحماية الكاملة من الإستهداف ، علماً أن الأخير كان يعلم ومعه قادة "حزب الله"، أنّ لدى إسرائيل الكثير من القنابل التي تمكنها من اختراق التحصينات الخراسانية، وبالتالي الوصول إلى أيّ هدفٍ تحت الأرض.
في بادئ الأمر، كانت الخطيئة الأولى التي ربما ارتكبها "حزب الله" هي اعتبار الضاحية الجنوبية منطقة آمنة لنصرالله وسط كل التهديدات الإسرائيلية التي طالته، وبعد كل الاغتيالات التي حصلت في المنطقة ذاتها.
بالنسبة لمصادر معنية بالشأن العسكري، كان يُفترض على الحزب، ومنذ اغتيال القيادي في حركة "حماس" صالح العاروري في كانون الثاني الماضي، أي قبل 10 أشهر من الآن، اللجوء إلى أماكن جديدة لنقل نصرالله إليها، وبالتالي تأمين حمايته كون الاستهدافات الإسرائيليّة باتت تطال منطقة قيادات مركزية.
رغم أن الخطر يُحيط بالضاحية، إلا أن مسألة إبقاء القيادات فيها لم يكن بالأمر السهل بينما البديل عن ذلك قد لا يكون متوافراً. السبب الأساس هو أن مسألة الانتقال في تلك المنطقة هي أسهل بكثير من الإنتقال ضمن جنوب لبنان، فقيادة "حزب الله" بقيت في الضاحية ولم تنتقل بأكملها إلى جنوب لبنان لتتحصن ضمن الأنفاق التي أسسها الحزب ومنها "عماد 4".
ضمنياً، فإن "حزب الله" كان يعرف تماماً ماهية أنفاق وأبنية الضاحية والتحصينات الموجودة فيها، ولهذا السبب كانت تعتبرُ مركز عمليات له من خلال مبانيها المحصنة والأنفاق المُجهزة والغرف التي لا يمكن لأحد الوصول إليها بسهولة طالما أنها مُحاطة بـ"حزام أمني" من "حزب الله".
كل هذه الأمور كانت تدفع بـ"الحزب" لإبقاء نصرالله ضمن الضاحية، وطالما أن القيادات الأخرى موجودة هناك وتحتاج لزيارة نصرالله باستمرار، فإنّ مسألة بقاء الأخير ضمن المنطقة تعتبرُ أمراً أساسياً لا يمكن تجاهله أو استبداله، والسبب هو أن وصول قيادات الحزب إلى نصرالله كان يُفترض أن يكون سهلاً ومؤمناً. أما في حال كان نصرالله في مكانٍ والقيادات في مكان، عندها فإنّ الإتصال سيكون أصعب كما أن قدرة الوصول الشخصي ستكون مهمة شبه مستحيلة في ظل الرقابة الأمنية الإسرائيلية والمتابعة الجوية التي تفرضها طائرات التجسس والاستطلاع.
الأمر الأبرز وراء ذلك هو أن نصرالله كان يحتاج إلى خطوط اتصالات آمنة وسلكية وبعيدة كل البعد عن أجهزة اللاسلكي و"البيجر" التي تمّ تفجيرها قبل نحو أسبوعين. في الواقع، فإن الضاحية الجنوبية لبيروت توفر لنصرالله شبكة الاتصالات التي يريدها، لاسيما أنَّ البنى التحتية لذلك موجودة هناك، ما يعني أن الانتقال إلى مكان آخر من دون وجود بنى تحتية للاتصالات، سيجعل من الصعب على نصرالله الاستمرار في قيادة "حزب الله" بسهولة، كما سيُصعب على القيادات الأخرى التواصل معه.
كل هذه الأمور تعتبرُ من العوامل الأساسية التي كانت تمنع نصرالله من الخروج باتجاه منطقة أخرى خارج الضاحية.. لكن السؤال الأبرز وراء كل ذلك هو التالي: هل سيعالج الأمين العام الجديد للحزب الثغرات الأمنية التي أحاطت بأمن نصرالله؟ هل سيبقى في الضاحية كما حصل مع الأمين العام الشهيد والقادة الآخرين؟
الأمور هذه برمتها يجب النظر إليها بعين الاعتبار، بينما الأمر الأهم هو أن البنية الاستخباراتية التي بناها الحزب في الضاحية ليست سهلة، فهي كانت صمام الأمان لنصرالله لكن الخرق الاستخباراتي الذي حصل أسس لتهديد نصرالله فعلياً وهذا ما حصل. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی الضاحیة حزب الله
إقرأ أيضاً:
معضلة ملكية أم تهديد للاستقرار؟ لماذا رفض الأردن خطة ترامب بشأن غزة؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
رفض العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بشكل دبلوماسي اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن تسيطر الولايات المتحدة على قطاع غزة، بينما تستقبل دول أخرى الفلسطينيين الذين يعيشون هناك، ورغم هذا الرفض، فقد حرص العاهل الأردني على إبقاء العلاقات مع واشنطن في إطار دبلوماسي، إذ وصف الرئيس الأمريكي بأنه "ضروري للسلام في الشرق الأوسط" وتعهد باستقبال المزيد من الفلسطينيين المحتاجين إلى الرعاية الطبية في الأردن، ويبدو أن هذا النهج الدبلوماسي أقنع ترامب بالتراجع عن تهديداته السابقة بشأن قطع المساعدات عن الأردن إذا لم يقبل خطته.
ورغم ذلك، فقد سلط هذا الاقتراح الضوء على المعضلة التي يواجهها الأردن في التعامل مع القضية الفلسطينية، خاصة وأن العلاقة بين الأسرة الهاشمية الحاكمة والفلسطينيين كانت دائمًا معقدة، وتحولت في بعض الأحيان إلى صراع دموي. فالأردن، الذي استقبل موجات متتالية من اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبة 1948، لا يستطيع تحمل تحولات ديموغرافية جديدة قد تؤدي إلى زعزعة استقراره الداخلي وإثارة التوترات السياسية والاجتماعية في المملكة. وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
لماذا يشكل اقتراح ترامب تهديدًا للأردن؟يعيش في الأردن عدد كبير من ذوي الأصول الفلسطينية، حيث يتراوح عددهم بين الربع والثلثين من إجمالي السكان. ومع أن الفلسطينيين في الأردن حصلوا على حقوق المواطنة، إلا أن اندماجهم الكامل في المجتمع الأردني ظل موضع جدل سياسي مستمر. ففي حين أن بعضهم يحتل مناصب بارزة في الاقتصاد والمجتمع، فإن الغالبية تعاني من الفقر والتهميش السياسي مقارنة بالمواطنين الأردنيين من أصول شرق أردنية.
زيادة أعداد اللاجئين الفلسطينيين قد تؤدي إلى تحولات ديموغرافية جديدة تزيد من حدة الانقسامات داخل المجتمع الأردني. فالملك عبد الله يسعى دائمًا إلى الحفاظ على التوازن الدقيق بين دعم القضية الفلسطينية من جهة، وحماية الهوية السياسية والمصالح الأردنية من جهة أخرى. وأي تغيير ديموغرافي كبير قد يؤدي إلى تقويض استقرار الحكم الهاشمي، خاصة وأن القوى المعارضة قد تستغل هذه القضية لانتقاد السياسات الحكومية.
الأردن واللاجئون الفلسطينيون.. تاريخ من الأزماتمنذ نكبة 1948، استقبل الأردن موجات من اللاجئين الفلسطينيين الذين فرّوا أو طُردوا من أراضيهم بعد قيام دولة إسرائيل. واحتل الأردن الضفة الغربية والقدس الشرقية وضمهما عام 1950، لكنه فقد السيطرة عليهما بعد حرب 1967 لصالح إسرائيل، مما أدى إلى نزوح جديد لعشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى الأراضي الأردنية.
هذا التدفق المستمر للاجئين أدى إلى تصاعد التوترات بين الفلسطينيين والنظام الأردني، وبلغت ذروتها في أحداث أيلول الأسود 1970، عندما اندلعت مواجهات عنيفة بين الجيش الأردني والفصائل الفلسطينية المسلحة التي كانت تتخذ من الأردن قاعدة لعملياتها ضد إسرائيل. وبعد شهور من القتال، تمكنت القوات الأردنية من طرد منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان، مما شكل نقطة تحول في العلاقة بين النظام الأردني والفلسطينيين.
وفي عام 1988، أعلن الملك حسين فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، مما أدى إلى إلغاء الجنسية الأردنية لبعض الفلسطينيين المقيمين هناك، في خطوة تعكس رغبة الأردن في تجنب تحمل مسؤولية مستقبل الضفة الغربية، التي كانت منطقة نزاع رئيسية مع إسرائيل.
هل يشكل الفلسطينيون تهديدًا للنظام الأردني؟رغم أن الأردن كان دائمًا من أكبر المدافعين عن القضية الفلسطينية، إلا أن هناك مخاوف داخلية من أن يؤدي تدفق جديد للفلسطينيين إلى إعادة فتح جروح الماضي. فالتحدي الذي يواجهه الملك عبد الله ليس فقط التعامل مع ضغوط ترامب، بل أيضًا الحفاظ على الاستقرار الداخلي ومنع أي تصعيد في التوترات السياسية والاجتماعية داخل المملكة.
الملك عبد الله الثاني يدرك أن دعم القضية الفلسطينية يجب أن يكون في إطار يحافظ على استقرار الأردن. فالمملكة تعتبر نفسها حامية للأماكن المقدسة في القدس، وتلعب دورًا رئيسيًا في الدبلوماسية الإقليمية، لكنها في الوقت ذاته لا تستطيع تحمل موجات جديدة من اللاجئين الفلسطينيين، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
اغتيالات ومحاولات انقلاب.. لماذا يخشى الملك عبد الله من تكرار الماضي؟التاريخ الأردني مليء بالحوادث التي توضح مدى حساسية العلاقة بين النظام الهاشمي والفلسطينيين. فقد اغتيل الملك عبد الله الأول عام 1951 في المسجد الأقصى على يد فلسطيني اتهمه بالتفاوض سرًا مع إسرائيل. كما واجه الملك حسين محاولات اغتيال وتهديدات بالانقلاب من الفصائل الفلسطينية التي رأت في النظام الهاشمي حليفًا غير موثوق به.
اليوم، يعتمد الملك عبد الله الثاني في شرعيته السياسية على كونه داعمًا للقضية الفلسطينية، كما أن زوجته الملكة رانيا ذات أصول فلسطينية، وهو ما يمنحه مصداقية إضافية في هذا الملف. ومع ذلك، فإن أي خطوة يُنظر إليها على أنها تقويض للحقوق الفلسطينية أو قبول لمشاريع التهجير قد تشكل تهديدًا لحكمه، خاصة وأن الحركات المعارضة في الأردن قد تستغل ذلك لإثارة الاحتجاجات الداخلية.
هل تتراجع واشنطن عن خطتها؟مع رفض الأردن الصريح لمقترح ترامب، فإن مستقبل هذه الخطة يبدو غير واضح. فإدارة ترامب لم تكن متماسكة في طرحها لهذه الأفكار، كما أن مستشاريه فوجئوا بإعلانه عن اقتراح إجبار سكان غزة على مغادرة القطاع. ومن غير المرجح أن تستطيع الولايات المتحدة تنفيذ مثل هذه الخطة دون تعاون إقليمي واسع، وهو ما يبدو مستبعدًا في ظل المعارضة الأردنية والمصرية والفلسطينية.