سؤال النازح الغزي اليومي: ما أخبار منزلي؟
تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT
غزة- 5 أشهر كاملة مرّت على عطاف أبو الجديان عقب نزوحها من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، وهي لا تعلم شيئا عن مصير منزلها الذي تركته مُرغمة.
كانت هذه الأم الفلسطينية (47 عاما) تُمنّي نفسها أن المنزل سليم ولم تهدمه قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأنها ستعود إليه بعد انتهاء الحرب لتقطنه مع أسرتها المكونة من زوجها و3 أبناء مكفوفين، ويعاني أحدهم من ضمور دماغي.
وغادرت عطاف منزلها رابع أيام الحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعد تعرض المنطقة التي تقطنها لوابل من قذائف الاحتلال، ونزحت إلى مركز إيواء بمدينة دير البلح وسط القطاع.
الأم عطاف أبو الجديان تعتبر أن هدم منزلها أصعب حدث في حياتها (الجزيرة) خبرٌ صاعقةومنذ ذلك الوقت، لم يكد ينقضي نهار، إلا وتتصل عطاف بأقاربها ومعارفها الذين لم يغادروا شمالي القطاع لتسألهم عن مصير المنزل، دون جدوى، حيث إنه يقع في منطقة قريبة من أماكن وجود قوات الاحتلال، إلى أن جاءها خبر هدمه بشكل كامل في شهر مارس/آذار الماضي، وهو ما وقع عليها كالصاعقة.
وتقول للجزيرة نت "لم ينكسر ظهري على تربية أولادي المكفوفين الثلاثة طوال 27 عاما، لكن هدم منزلي كسر ظهري، عمري ما يئست ولا تعبت، أعاني وأشعر بمتعة المعاناة في تربية أولادي وأنا صابرة، لكن تدميره هدمني، لم أمر بأصعب من ذلك".
ورغم إعاقتهم البصرية، حصل اثنان من أبناء عطاف أبو الجديان على درجة البكالوريوس من كلية الآداب في تخصص اللغة الإنجليزية.
مراكز الإيواء في غزة مكتظة بالنازحين الذين يعيشون أوضاعا قاسية (الجزيرة)وتُكمل "كنت في منزلي مستورة، والآن نعيش في خيام بلا كرامة ولا نعرف ماذا ينتظرنا، وحينما تنتهي الحرب لن أجد بيتي الذي كنت أعيش فيه بعزة وكرامة".
وبعد انتهاء العدوان، تخطط عطاف أبو الجديان للعودة لبيتها وإقامة خيمة على أنقاضه والعيش فيها، مضيفة "على الأقل سأكون بكرامتي على بيتي وأرضي".
سنة مرت على الحرب الإجرامية المروعة التي تشنها إسرائيل على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأسفرت عن استشهاد أكثر من 41 ألف شخص وإصابة أكثر من 96 ألفا آخرين، إضافة إلى 10 آلاف مفقود.
ومنذ الأسبوع الأول للحرب، شردت إسرائيل مئات الآلاف من الفلسطينيين من مناطق سكنهم، وخاصة من شمالي القطاع، إلى جنوبه، ويعيشون في مراكز إيواء مصنوعة من الخيام وسط ظروف معيشية قاسية.
النازحون يعيشون في مراكز إيواء تفتقد لأبسط مقومات الحياة (الجزيرة) "ضاع شقاء العمر"بدوره، نزح أبو محمد الخالدي من منزله في الشهر الأول للحرب، نظرا لموقعه القريب من محور "نتساريم" الذي يفصل شمالي القطاع عن جنوبه. ويسكن حاليا في خيمة بمركز إيواء بدير البلح.
وعلى مدار شهرين، ظل يحاول الاطمئنان على منزله البالغة مساحته حوالي 150 مترا مربعا، من خلال زيارته بشكل خاطف وبحذر شديد، أو الاتصال ببعض جيرانه ممن بقوا قريبين من المكان.
ويقول للجزيرة نت "كنت أذهب للاطمئنان عليه عبر طرق فرعية، وأُحضر منه بعض الأغراض الشخصية، ثم توقفت بسبب الخطورة الشديدة واكتفيت بالاتصال هاتفيا ببعض المعارف".
وبعد حوالي شهرين، جاء الخبر الذي كان الخالدي (50 عاما) ينتظره ويخشاه، وهو هدم قوات الاحتلال منزله بالكامل وتسويته بالأرض، والذي كان قد اشتراه قبل الحرب بنحو 3 أشهر بقرابة 70 ألف دولار.
وتسبب ذلك بصدمة كبيرة له حيث يقول "حينما أفكر بهدم المنزل، أُصاب بأزمة نفسية، لكن أحاول أن أنسى حتى أقدر أعيش، حتى الآن أنا في صدمة، هذا شقاء العمر، هذا منزلي الذي وضعت فيه كل ما أملك وبقي 10 آلاف دولار من ثمنه ديونا عليّ لم أدفعها".
وقرر الخالدي أن يبني خيمة على أنقاض بيته عقب انتهاء الحرب، والإقامة فيها، آملا أن تسارع الدول الصديقة للشعب الفلسطيني بإعادة إعمار القطاع، أو -على الأقل- توفير خيام "قابلة للحياة".
ورغم المخاطرة الكبيرة التي تصل إلى حد الموت برصاص الطائرات الإسرائيلية المسيّرة أو قذائف الدبابات، يصر عادل فرج الله على تفقد منزله بنفسه، بين الفينة والأخرى. ويقول للجزيرة نت "آخر مرة زرت منزلي، كانت قبل يومين، كانت مخاطرة كبيرة".
يقع منزل الشاب الفلسطيني جنوبي محور "نتساريم"، ونزح عنه قبل 5 أشهر، ويقيم حاليا في مركز إيواء بمدينة دير البلح. ويوضح أن منزله متضرر بشكل جزئي بفعل قذائف الدبابات الإسرائيلية، لكنه قابل للترميم والسكن بعد انتهاء الحرب.
نازحون في مراكز إيواء في غزة دمر الاحتلال منازلهم (الجزيرة) حلم العودةوفي آخر زيارة له، انطلق فرج الله من مخيم النصيرات باتجاه منزله الكائن جنوبي وادي غزة، مصوبا بصره نحو السماء لتلافي خطر المسيّرات الإسرائيلية الصغيرة "كواد كابتر"، وتستخدمها قوات الاحتلال لاغتيال الفلسطينيين. ولم يمكث فيه أكثر من 5 دقائق، وعاد أدراجه بسرعة قبل اكتشافه من هذه القوات.
كما يُجري -بشكل شبه يومي- اتصالات ببعض جيرانه الذين يقيمون في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" القريبة من المكان، عله يجد لديهم معلومات حول حالة منزله.
ويحلم فرج الله باليوم الذي تنتهي فيه الحرب ويتمكن من العودة لبيته، حيث سيعمل على تنظيفه وترميم ما تهدم منه، وتغليف شبابيكه بالنايلون كي يتمكن من السكن فيه مجددا.
خليل عيطة يخشى تكرار مأساة نكبة 1948 (الجزيرة)وعلى خلاف سابقيه، لا يجد خليل عِيطة معاناة في الاطمئنان على حالة منزله الذي نزح عنه بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد أن سكنت فيه شقيقته مع أسرتها إثر فقدانها منزلها.
ويقول للجزيرة نت إن بيته الكائن في شمالي مدينة غزة، متضرر جزئيا بفعل قذائف الدبابات، لكنه صالح للعيش. ويشعر بالراحة نظرا لعيش أخته فيه، فهذا "يحميه من السرقة" ويوفر له وسيلة للاطمئنان على وضعيته.
ويخشى عيطة من إمكانية عدم سماح إسرائيل له ولمئات الآلاف من النازحين من العودة لشمالي القطاع، وتكرار ما حصل في نكبة 1948. ويؤكد "أنا خائف جدا من تكرار النكبة وعدم قدرتنا على العودة لمنازلنا، هناك مخطط إسرائيلي لتهجير بقية السكان والاستيطان اليهودي في أراضينا".
وطردت العصابات المسلحة الصهيونية عام 1948، غالبية عرب فلسطين عن ديارهم عبر إرهابهم بالمذابح وقصف قراهم بالطائرات، ولم تسمح لهم بالعودة منذ ذلك الوقت.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قوات الاحتلال شمالی القطاع للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
غزة ما بعد الحرب.. سنوات من العمل ومليارات الدولارات لإنقاذ القطاع
بعد أكثر من 14 شهرًا على هجمات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، تحوّل القطاع إلى مشهد مأساوي أشبه بـ«مدينة أشباح»، حيث تحولت شوارع المدن إلى أودية ترابية، وأصبحت رائحة الموت والدماء تخيم على الأجواء.
جثث متناثرة دون دفن، وأخرى تحت الأنقاض في ظل نقص حاد في الأدوات اللازمة لانتشالها، القطاع يعيش كارثة إنسانية غير مسبوقة، ومستقبل سكانه وأطفاله يظل مجهولًا في ظل هذا الدمار، فكيف سيكون شكل غزة بعد الحرب؟ وما هي خطة إعادة الإعمار إذا جرى التوصل إلى هدنة لوقف إطلاق النار؟
إلى أين مستقبل غزة؟قال مدير مركز العرب للأبحاث والدراسات في فلسطين، ثائر أبو عطيوي، إن مستقبل قطاع غزة وإعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب يحتاج لسنوات عديدة، نظرا لحجم الدمار الكبير الذي لحق بالمباني العمرانية والسكينة وقطاع المؤسسات وكافة المرافق العامة والبنية التحتية.
وأضاف أنه وفقًا لآخر إحصائية صادرة قبل أيام، تصل حجم الخسائر الأولية للحرب على قطاع غزة إلى 37 مليار دولار، ومن الممكن أن تفوق بكثير الاحصائيات القيمة المالية المذكورة لتصل إلى 80 مليار دولار، لإعادة الإعمار وإزالة الأنقاض والركام والتخلص منها، من أجل التهيئة لإعادة البناء والإعمار من جديد.
وأضاف لـ«الوطن» أن حجم الدمار الكبير التي ستخلفه الحرب بعد انتهائها يحتاج إلى جهود مكثفة ومتواصلة عربية وعالمية وأن يكون حجم الدعم المالي يتوافق مع حجم الدمار؛ لأننا نتحدث عن تدمير السواد الأعظم من قطاع غزة وضمن مساحات كبيرة وشاسعة تحتاج لدول عديدة وإمكانيات لوجستية وخطط وبرامج عملية ورصد التكلفة عبر احصائيات دولية موثقة حتى يتم وضوح الصورة لكيفية البدء في الإعمار كخطوة أولى على طريق الانجاز.
وأشار إلى أن إزالة الأنقاض والركام والحطام الذي أخلفته الحرب جراء القصف والتدمير المتواصلة من طائرات ودبابات وجرافات الاحتلال في الوقت الحالي وقد تخلفه أكثر في حالة استمرارها، وعدم وقف إطلاق النار يحتاج على أرض الواقع سنوات لإزالته، كما يحتاج إلى معدات وإمكانيات لوجستية للعمل وايدي عاملة ذات خبرة واختصاص، ومن ثم تجرى مرحلة الانطلاق الثانية لإعادة الإعمار.
إعادة إعمار غزة مرهون بتجاوب المجتمع الدوليوأشار إلى أن مستقبل قطاع غزة للبناء وإعادة الإعمار من جديد مرهون بتجاوب المجتمع الدولي بأكمله، ومرهون أيضا بدعم الأشقاء من كل الدول العربية، وهذا ضمن تبني مشروع عربي عالمي لإعادة الإعمار يحمل على عاتقه كل أعباء متطلبات الإعمار الجديدة في ظل هدم وإزالة مخيمات ومدن ومناطق بأكملها عن الخارطة الجغرافية لقطاع غزة، ولم يعد لها أثر أو وجود سوى أطنان من الركام يدلل على أن هناك كانت مباني عمرانية وسكنية قبل الحرب، وأن حجم الدمار الكبير يعتبر أكبر نكبة منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1948، فلم يعد في قطاع غزة سوى معالم وإطلال عن عمران وبنيان.
وأكد أن واقع غزة بعد الحرب يتطلب جهودًا إنسانية وإغاثية واسعة النطاق تمتد لثلاث إلى خمس سنوات على الأقل، لتلبية احتياجات أكثر من مليون ونصف نازح ومشرد، بعدها، يمكن البدء في الحديث عن إعادة الإعمار، وهي عملية يُقدّر أنها تستغرق عشر سنوات على الأقل لاستعادة غزة إلى ما كانت عليه قبل الحرب.