سياسة الإقليم المحترق.. دول الجوار تدفع الثمن البيئي لجرائم الاحتلال بغزة
تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT
إلى جانب كل ما تسببت به من كوارث هائلة لا يمكن لعقل طبيعي أن يصدقها، تسببت العمليات العسكرية للاحتلال في قطاع غزة بتلوث بيئي كبير وصف بأنه "غير مسبوق"، مما عرض المجتمع الغزي لمخاطر التلوث المتزايد في التربة والمياه والهواء، إلى جانب مخاطر الأضرار التي لا يمكن إصلاحها للنظم البيئية الطبيعية، وفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وعلى ما يبدو، فإن الأضرار لا تتوقف عند ذلك، مع ظهور مؤشرات على تأثر دول الجوار، لا سيما مصر ولبنان والأردن، إلا أن التحقيقات في الأثر البيئي الناجم عن الحرب في غزة وعلى محيطها ليست قادرة على تحديدها بشكل قياسي ومنطقي، لأن الحرب مستمرة ولا نهاية تلوح في الأفق.
وتشير الأرقام الأولية إلى تضاعف كمية الانبعاثات الكربونية في غزة لأكثر من 3 مرات عما كانت عليه خلال أول 60 يوما من الحرب، حين بلغت نحو 281 ألف طن، وتفاقم حالة الطوارئ المناخية العالمية، التي تتجاوز بكثير ثاني أكسيد الكربون الانبعاثات من القنابل والطائرات، بحسب دراسة يقودها فريق من جامعة كوين ماري في لندن.
مصر المتضرر الأكبرتعتبر مصر وبالتحديد شمال سيناء منطقة حدودية مع قطاع غزة، وهذا عامل جعلها أكثر الدول المجاورة ضررا من الحرب الإسرائيلية في القطاع، إذ تراجعت جودة الهواء خلال الأشهر الماضية في مصر، وينطبق ذلك على المناطق الحدودية مع قطاع غزة كالعريش.
بدوره، يقول مستشار وزارة البيئة المصرية الأسبق، حسام محرم في تصريح لـ "الجزيرة نت" إن مظاهر التلوث الناتجة عن الحرب الإسرائيلية في غزة تتعدد على 3 مستويات، ويتمثل الأول في التلوث الموضعي في المناطق المتضررة من العمليات الحربية، ولا يتجاوز كثيرا النطاق الضيق لتلك العمليات مثل الضوضاء وبعض الملوثات المحدودة الانتشار.
أما المستوى الثاني، هو التلوث القابل للانتقال بصورة أو بأخرى إلى المناطق المحيطة في دول الجوار، والتي تشمل بعض الملوثات العابرة للحدود، مثل ملوثات الهواء التي تنتقل بحركة الرياح وكذلك ملوثات مياه البحر والمياه الجوفية التي تنتقل مع حركة المياه إلى الشاطئ في الدول المجاورة.
والمستوى الثالث هو التلوث ذو التأثير على المستوى العالمي عبر التغيرات المناخية، مثل غازات الاحتباس الحراري التي انطلق جزء منها نتيجة العمليات الحربية، والغازات الناتجة عن التفجيرات وإلقاء القنابل واستخدام الذخائر المختلفة.
بدأ أثر هذه المخاطر في الظهور بالفعل، وقد حذرت وزيرة البيئة من تأثير تداعيات الحرب على بيئة البحر الأحمر وتهديد التنوع البيولوجي. وكان المجلس العربي للمياه قد حذر كذلك مما أسماه العمل الإجرامي الذي يقوم به الاحتلال من التأثير المباشر على المياه الجوفية في القطاع من خلال إغراق الأنفاق بضخ مياه البحر الأبيض المتوسط المالحة فيها بواسطة مضخات كبيرة.
وقال المجلس إن تدهور نوعية مياه الخزانات الجوفية وزيادة ملوحتها نتيجة خلط مياه البحر المالحة سيجعل معالجة هذه النوعية مستحيلة، إلى جانب اضطراب النظام البيئي وتعطيل النظم البيئية المحلية، مما يؤثر على السواحل البحرية والبرية، وفقدان سلالات كثير منها.
كيف تأثر الأمن الغذائي في لبنان؟أشارت النتائج الأولية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن المزارعين اللبنانيين سجلوا خسائر كبيرة في المناطق الحدودية مع فلسطين المحتلة، تمثلت في تلف الأراضي وتلوث كيميائي للمنتجات الزراعية، وتلوث بقايا المتفجرات التي تسببت في انعدام خصوبة التربة.
ونتيجة لاستخدام الاحتلال الإسرائيلي قذائف الفوسفور، سجل لبنان زيادة في تلوث المحاصيل ومصادر المياه، مما انعكس سلبا على الماشية والإنسان، وتصدر الزيتون والحبوب والمحاصيل الشتوية والخروب قائمة المحاصيل المتضررة.
ويؤكد الخبير البيئي عماد حمدي، في حديثه لـ "الجزيرة نت"، أن أكاسيد الفسفور التي تترسب تؤثر على خصوبة التربة فيما بعد بشكل كبير، حتى لو تم استخدامها بعد سنوات في الزراعة، أما الأحماض المستخدمة تؤثر على حياة النبات بشكل أساسي.
ويضيف أن القنابل التي يرميها الاحتلال ولا تنفجر هي بمثابة قنابل موقوتة، لبقائها في التربة ومع الوقت من الممكن أن تنفجر وتؤدي إلى كارثة إنسانية وبيئية.
ولم تكن الحيوانات بمعزل عن الصراع، إذ سجلت خسائر كبيرة في الماشية والدواجن وتربية الأحياء المائية، وكما سجل التقرير قتل ما يقارب 200 ألف طائر و700 رأس من الماشية، وتدمر 250 خلية نحل، مما انعكس على فئة الصيادين الذين يعتاشون على هذه المهنة.
ويرى محرم أن بعض الغازات الناتجة عن إلقاء القنابل الشديدة الانفجار تنتقل إلى دول الجوار من خلال حركة الرياح، إذ أظهرت تقارير بيئية في الدول المجاورة لغزة ارتفاعا في بعض مؤشرات تلوث الهواء.
ولا شك أن هناك أضرارا تلحق بالأمن الغذائي في المناطق المتضررة نتيجة التلوث الذي يطال الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي في قطاع غزة والمناطق التي تقع في محيطه، وفق حديثه.
ويقول محرم إن بعض المواد الكيميائية التي تلقى أو التي تصل إلى التربة والبيئة الأرضية نتيجة العمليات الحربية تؤدي إلى تلويث التربة، مما يؤثر على النباتات والمزروعات، ومنها تنتقل إلى الحيوان ومن ثم إلى الإنسان، أو تنتقل مباشرة من النبات إلى الإنسان الذي يتغذى على تلك النباتات والمزروعات والحيوانات من خلال مراحل السلسلة الغذائية.
إلى جانب ذلك، يضيف الدكتور في القانون الدولي البيئي، علي الحموري في تصريح لـ "الجزيرة نت" نوعا آخر من التلوث وهو تلوث المياه، وذلك بتسرب المواد الكيميائية والملوثات إلى مصادر المياه الجوفية والسطحية، مما يؤثر على جودة المياه في المناطق المجاورة.
ما الحل؟يتفق الخبراء الذين قابلناهم على أن الاحتلال الإسرائيلي يتبنى مجموعة من الإستراتيجيات والتكتيكات من بينها تدمير أو حرق البيئة لدى الخصم، بهدف تدمير الموارد الطبيعية، بجانب العمل على رفع معدلات التلوث وبالتالي انخفاض الصحة العامة وارتفاع معدلات الأمراض وزيادة الوفيات، فيما يعد إبادة شبه جماعية بشكل غير مباشر عبر تدمير الأوساط البيئية والموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي والمرافق.
إذ يقول محرم إن الحرب على قطاع غزة بمثابة تطبيق نموذجي لهذه الإستراتيجيات الشيطانية حيث ساهمت القنابل والمتفجرات والأسلحة التي استخدمت في تدمير البيئة ورفع مؤشرات التلوث البيئي، وتدمير وتلويث نسبة لا يستهان بها من الموارد الطبيعية وتدمير متزايد للتنوع البيولوجي في القطاع.
أما عن الحلول، فيقول الحموري إنه "من الممكن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، هناك عدة خطوات وإجراءات دولية يمكن اتخاذها لمحاسبة مجرمي الحرب في إسرائيل على الأضرار البيئية والإنسانية".
ويضيف أن هناك خيارا آخر وهو "اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية إذ يمكنها في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها جميع الأطراف في النزاع، بما في ذلك إسرائيل، وقد بدأت المحكمة بالفعل تحقيقات في هذا السياق".
ويؤكد الحموري ضرورة إيجاد محكمة جنائية دولية للبيئة، لتوحيد المفاهيم والأحكام والآليات لمواجهة الجرائم الدولية ضد حقوق الإنسان البيئية، بما في ذلك جرائم الإبادة البيئية والتدمير المناخي وعدم الحياد المناخي، يعد أمرا ضروريا.
بالإضافة إلى ذلك، يجب التأكيد على صياغة قانون دولي يهدف إلى تجريم الإبادة البيئية وإدراجها ضمن الجرائم الدولية التي تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. هذا القانون سيمكن المحكمة من تطبيق العقوبات على مرتكبي جرائم تدمير البيئة وانهيار المناخ، وهي من أكثر القضايا التي تستدعي تحرك دولي لحماية البيئية والإنسانية، وفق حديثه.
وأخيرا، رغم أن البيئة تخضع لحماية القانون الدولي الإنساني، مع تأكيد اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي أن تدميرها يشكل جريمة حرب، فإننا نفتقر إلى أي خطوات لحمايتها أمام احتلال ينتهج سياسة تدمير البيئة العابر للحدود.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات دول الجوار فی المناطق إلى جانب قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
بعد قرارات ترامب| الحرب الجمركية تصل إلى التعليم.. تخفيض عدد التأشيرات وزيادة الرسوم تدفع الطلاب الصينيين بعيدًا عن الحلم الأمريكي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أصبحت قرارات إلغاء التأشيرات وخفض تمويل الجامعات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مصدر قلق للطلاب الدوليين. ويواجه الطلاب القادمون من الصين تحديات إضافية بسبب الحرب التجارية بين واشنطن وبكين وتزايد التشهير بالمواطنين الصينيين، وفقًا لطلاب وخبراء في هذا المجال.
وفي هذا السياق، عندما تم تأجيل تسجيل ياو، طالبة الأحياء البالغة من العمر 25 عاما، في برنامج الدكتوراه بسبب خفض التمويل في جامعتها الأمريكية، انضمت إلى قائمة متزايدة من الطلاب الصينيين الذين يستكشفون وجهات أخرى.
أمريكا تحظر منح التأشيرات للطلاب الصينيينوقالت «ياو»، المقيمة في شيكاغو، "اعتدت أن أعتقد أن السياسة بعيدة عني، ولكن هذا العام شعرت حقا بتأثير السياسة على الطلاب الدوليين"، ورفضت إعطاء اسم جامعتها المحتملة.
ظلت الصين تُشكّل أكبر هيئة طلابية دولية في الولايات المتحدة لمدة 15 عامًا، حتى تجاوزتها الهند العام الماضي. ووفقًا لبيانات "أوبن دورز"، بلغ الأثر الاقتصادي للطلاب الصينيين على الاقتصاد الأمريكي 14.3 مليار دولار أمريكي في عام 2023.
ولكن داخل الولايات المتحدة، تم تصوير المجتمع باعتباره تهديدًا للأمن القومي - يشبه الجواسيس الذين أرسلهم الحزب الشيوعي الصيني - وهددوا باقتراح تشريع يمكن أن يمنعهم من دخول الجامعات.
ونقلت وكالة رويترز، حديثها مع 15 طالبا صينيا، ثمانية منهم في الولايات المتحدة، والذين قالوا إن المشكلات المتراكمة أدت إلى زيادة المخاوف الأمنية وتكثيف القيود المالية، مما أجبرهم على إعادة التفكير في حلمهم الأمريكي.
منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تم حذف أكثر من 4700 طالب من قاعدة بيانات الهجرة الأمريكية، مما يجعلهم عرضة للترحيل.
شكل الطلاب الصينيون 14% من 327 تقريرًا لإلغاء التأشيرات جمعتها حتى الآن جمعية المحامين الأمريكيين للهجرة.
مع التهديدات التي أطلقتها الولايات المتحدة بشأن التأشيرات وخفض التمويل، بدأ الطلاب الصينيون يعيدون التفكير في حلمهم الأمريكي، حيث اختار بعضهم الآن الجامعات الأقرب إلى وطنهم.
في الشهر الماضي، أرسلت اللجنة الخاصة بالصين في مجلس النواب الأميركي رسائل إلى ست جامعات تطلب معلومات عن سياسات التسجيل للطلاب الصينيين في برامج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات المتقدمة، وتتساءل عن مشاركتها في الأبحاث الممولة من الحكومة الفيدرالية.
وكتب رئيس اللجنة جون مولينار، أن نظام تأشيرات الطلاب في الولايات المتحدة أصبح "حصان طروادة لبكين" الذي يوفر الوصول غير المقيد إلى مؤسسات البحث العلمي الكبرى ويشكل تهديدا للأمن القومي.
التلويح بالأمن القوميوحثت وزارة الخارجية الصينية الولايات المتحدة على "التوقف عن التلويح بالأمن القومي كذريعة كاذبة" لاتخاذ إجراءات تمييزية وتقييدية تستهدف طلابها.
واقترح الجمهوريون في مجلس النواب الأمريكي أيضًا "قانون وقف التطفل الشيوعي الصيني من خلال الدفاع عن الضمانات الفكرية في الأوساط الأكاديمية" والذي من شأنه أن يوقف تأشيرات الطلاب للمواطنين الصينيين.
قالت لجنة المائة، وهي مجموعة من الأمريكيين الصينيين البارزين ومقرها نيويورك، إن مشروع القانون يخون القيم الأمريكية ويضعف زعامة الولايات المتحدة في العلوم والتكنولوجيا والابتكار.
قال تشين ييران، أستاذ بجامعة ديوك، إن فكرة أن الطلاب الصينيين يسارعون إلى العودة إلى ديارهم لمساعدة بكين في المنافسة مع الولايات المتحدة هي فكرة خاطئة.
وأوضح تشين: "معظمهم لا يزالون يرغبون في البقاء في الولايات المتحدة. إنهم ينتمون إلى عائلات من الطبقة المتوسطة، ويدفعون الملايين (باليوان) لهذه السنوات القليلة، ويريدون استرداد استثماراتهم".
وأفادت الجامعات خارج الولايات المتحدة منذ ذلك الحين باهتمام متزايد بهذا المشروع.
قالت مديرة جامعة بوكوني الإيطالية في الصين الكبرى، سمر وو، إن الجامعة تلقت العديد من الاستفسارات من الطلاب.
وأضافت أن "العديد من الطلاب قالوا إنهم بسبب (الوضع السياسي) يتطلعون أكثر إلى بلدان أخرى، لأنهم لا يعرفون ماذا سيحدث إذا ذهبوا إلى الولايات المتحدة".
وكانت المؤسسات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تواجه أيضًا منافسة من الجامعات الصينية التي ارتفعت تصنيفاتها العالمية في السنوات الأخيرة.
وقالت بيبا إيبل، مؤلفة تقرير عن الطلاب الصينيين في مركز أبحاث التعليم البريطاني (HEPI)، إن "السمعة المتنامية للجامعات المحلية في الصين، فضلًا عن زيادة التمويل المخصص للبحث والتطوير، تجعل المؤسسات الصينية أكثر جاذبية".
تظل الولايات المتحدة الوجهة الأكثر بحثًا عن الصين على مواقع Keystone Education Group الإلكترونية، لكن الاهتمام انخفض بنسبة 5% منذ إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية الإضافية، مع انخفاض عمليات البحث عن برامج الدكتوراه بنسبة 12%.
ستؤثر الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على بكين بنسبة 145% على سلع بقيمة 400 مليار دولار يبيعها المنتجون الصينيون في السوق الأمريكية سنويا، كما ستؤدي إلى تباطؤ النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
الصين أكثر حساسيةوقال مارك بينيت، مدير قسم الرؤى في شركة كيستون: "ربما تكون الصين أكثر حساسية للتحولات في الظروف الاقتصادية والسياسات الدولية... التي تؤثر على ميزانيات الأسر والقدرة الإجمالية على تحمل تكاليف مواصلة التعليم في الولايات المتحدة".
وفي هونج كونج، قالت الجامعة الصينية في هونج كونج إن ترتيبات التأشيرة التي تسمح للخريجين بالبقاء والبحث عن عمل جعلت المدينة وجهة شعبية.
لي واحدة من هؤلاء الطلاب. بعد ثلاث سنوات في نيويورك، قررت عدم خوض إجراءات التقديم الشاقة للحصول على البطاقة الخضراء الأمريكية، واختارت الانتقال إلى هونغ كونغ لإكمال دراساتها العليا والعمل.
"عندما أدركت أن هناك إمكانيات أخرى قد تكون موجودة في حياتي، لم أعد أشعر بالإحباط الشديد إزاء ما أملكه الآن"، كما قال لي.
العدد الورقي