انطلاقاً من سعيها الدائم لتعزيز الوعي الثقافي لدى الأجيال الصاعدة، نظمت مؤسسة ربع قرن لصناعة القادة والمبتكرين، برنامج “ربع قرن والعالم”، الذي أتاح الفرصة لمنتسبي مؤسساتها ممن تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 18 عاماً، في اكتشاف ثقافات وتقاليد دول العالم، مستهدفاً في نسخته الثانية التي استضافها نادي الشارقة الثقافي للشطرنج، ثلاث رحلات افتراضية إلى دولة فلسطين، والمملكة المغربية، وجمهورية كوريا الجنوبية.

وفي تجربة متفردة جمعت بين التعلّم والاكتشاف، انطلق برنامج “ربع قرن والعالم” لتقديم فرصة غنية تسهم في تنمية معارف المنتسبين وتعمّق فهمم للتراث الثقافي والفني للدول المختارة في مزيج بين الرحلات الافتراضية والورش التفاعلية، التي شهدت إقبالاً لافتاً من منتسبي مؤسسات ربع قرن الذين تجاوز عددهم 150 منتسباً ومنتسبة من أطفال الشارقة وناشئة الشارقة وسجايا فتيات الشارقة.

ولأول مرة، شهد برنامج ربع قرن والعالم في نسخته الثانية مشاركة استثنائية لشركة منصة للتوزيع من خلال حملتها “اقرأ أنت في الشارقة”، مما أضاف بعداً ثقافياً جديداً عبر تشجيع المنتسبين على القراءة والمعرفة، من خلال أهدافها النوعية التي تتجسد في تعزيز ثقافة القراءة لدى أفراد المجتمع وترسيخ مكانة الشارقة “عاصمةً ثقافية للعالم العربي”.

واشتمل البرنامج على جلسات قرائية تفاعلية وورش فنية مهارية، حيث استمتع المنتسبون برحلة افتراضية ثقافية شاملة إلى فلسطين، لمعايشة تجربة مفعمة بالتنوع والتفاعل، تضمنت جلسة قرائية استعرضت مجموعة مختارة من الكتب التي تناولت زوايا مختلفة تبرز التراث والثقافة الفلسطينية، بأسلوب السرد القصصي المستوحى من “الحكواتي الفلسطيني”.
واصطحبت الورشة الفنية، المنتسبين في رحلة إلى بستان الفلاح الفلسطيني تعرفوا من خلالها على أشهر النباتات شائعة النمو في فلسطين، ومراحل زراعتها، وقام كل منتسب بزراعة نبتة، بعد أن أتقنوا مهارات تزيين الأواني المخصصة للزراعة بفن التطريز الفلسطيني، في ورشة إبداعية ركزت على ترسيخ قيمة الاستدامة التي تتبناها دولة الإمارات العربية المتحدة في مختلف قطاعاتها.

وفيما يتعلق بثقافة كوريا الجنوبية، فقد كانت ورشة “فن التشكيل بالصدف” محوراً لورشة مهارية تعليمية، تعرف المنتسبون من خلالها على مهارات تزيين الميداليات بالصدف، في محاكاة لما يعرف بفن “ناجون جيلقي” الكوري، أحد أرقى وأقدم الفنون اليدوية التي تُعد جزءاً من التراث الثقافي في كوريا الجنوبية.

وتواصلت الرحلة الافتراضية إلى كوريا الجنوبية بورشة فن الطهي، التي تعلّم المنتسبون من خلالها مهارات تحضير طبق الـ”كيمباب”، أحد أشهر الأطباق الكورية، بجانب ورشة صنع قهوة الـ”دالقونا”، الكورية الشهيرة، إضافة إلى جلسة قرائية ممتعة أبحروا من خلالها إلى عمق الثقافة الكورية، ما بين أشهر الأكلات الشعبية واللغة والزي التقليدي وأشهر المعالم الثقافية والسياحية.

وتميزت الرحلة الافتراضية إلى المملكة المغربية بتنوعها الثقافي الغني وتاريخها العريق، حيث تعرف المنتسبون على تقنيات فن الموزاييك وأهميته في الثقافة المغربية، بما أسهم في تحفيز الحس الفني، وأبدعوا في تصميم قطع فنية جمالية لطاولات وصحون واقية خشبية في مزيج بين فن الموزاييك والتشكيل بقطع الفسيفساء في أعمال جماعية بروح الفريق.

وفي جلسة قرائية تفاعلية تعرف المنتسبون على ثقافة وتقاليد المملكة المغربية، والزي التقليدي المغربي والزي الأمازيغي المبني على الحشمة بألوانه الزاهية، إضافة إلى زي المرأة الشمالية، إضافة إلى أبرز الصناعات والحرف اليدوية، وأشهر الآكلات الشعبية والحلوى المغربية، وفن تحضير الشاي المغربي، علاوة على استكشاف معالم المدن العريقة التي تجمع بين الطراز العربي والأمازيغي.

وتخلل فقرات البرنامج تقديم مقطوعات موسيقية كورية إضافة إلى الفنون الاستعراضية الفلسطينية والمغربية، التي اختبر المنتسبون من خلالها جمال التفاعل الثقافي، وعمّقوا معارفهم بتقاليد وثقافات هذه الدول، ضمن بيئة إبداعية تجمع بين الفن والتعليم والثقافة والسياحة.


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

شواطئ الأنثروبولوجيا.. الإنسـان والعــالم (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يتابع  البروفسور مارك أوجيه أستاذ الأنثروبولوجيا الفرنسي في كتاب "الأنثروبولوجيا والعالم الشامل" والذي نقلته إلى العربية رانيا الحسيني والصادر حديثا عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة بقوله: أما عن الخيال الأثنولوجى – وهو مصطلح أستخدمه أحياناَ – فهو خيال يتناول أو يبدأ بتساؤلات إثنولوجية أو أنثروبولوجية. فهو ليس الحبكة (البعض منها يلقى نجاحاَ كبيراَ)، ولكن على العكس، فهو يبرز ما تحمله لنا المعطيات العادية للحياة اليومية في العالم المعاصر، كمشكلة صحية أو الوصول لسن التقاعد أو رحلة في المترو على طريقة سارتر في رواياته الفلسفية (معتذرين عن عدم التواضع في هذه المقارنة)، فهي ليست – بالقطع – فلسفة، لكننا نتناول بعض المواضيع ذات الحساسية لدى القارئ فهي تهدف إلى رؤية من نوع آخر مكونة عن طريقها إثراء الأدب. وبتعبير آخر، إن رسالة الأنثروبولوجيا اليوم رسالة مضاعفة، فهي ظلت ويجب أن تظل نظاماَ مبنياَ على الواقع الميداني للاستعداد للقاءات جديدة. ومن حيث المنهج، إن تجربة الباحث أو الباحثة اللذين يقومان بملاحظة فردية لمجموعة كبيرة، من الضروري أن تقل هذه المجموعة لإمكانية دقة الملاحظة. 

إن الأنثروبولوجيا تعتبر أيضا مجموعة من المعارف التي يمتلكها المهنيون، والتي توضح عدة ثوابت أنثروبولوجية مهمة، يعرفها كل الناس بدرجات متفاوتة من حيث الدقة، لأنها تنظم وتكيف وجودهم في الحياة، وللأنثروبولوجيا أيضاَ رسالة نشر ورسالة تربوية، نظراَ لأنها تمتلك تجربة تاريخية متنوعة من حيث الزمان والمكان. وهي رسالة تبدو طبيعية وواضحة عندما يأخذها على عاتقه رجل أو امرأة لهما تجربة ميدانية، بعد أن احتكا عن قرب بمعوقات التجربة الأولى. 

إن التقدم التكنولوجي السريع في العالم المعاصر يغير يومياَ وبلا توقف علاقتنا بالمكان والزمان. إنه الاستنتاج الذي يغذي التشاؤم عند مفكر مثل بول فيريليو تجاه ظهور مكان وزمان جديدين. حتى لو كان عندنا وعى بأننا نوجد في عالم تقاس به المسافات بالسنوات الضوئية، وكليه الحضور واللحظية تصبحان المثل الأعلى المعلن للنظام الشامل على الأرض (العولمة). ولكن المكان والزمان هما المادة الأولية لكل بناء رمزي، ولكل بنية اجتماعية ولكل عمل فردى، فتهيئة المكان واستخدام الوقت يحددان ويلخصان أساس الأنشطة الإنسانية منذ العصور المظلمة. وربما برجوعنا إلى هذه المواضيع الرئيسية أتيحت لي الفرصة لخلق ظروف لقاءات مع أولئك الذين يقلقون، ويشغل بالهم هذه السرعة المذهلة. إن علم الأنثروبولوجيا الذي يتخصص أساسا في دراسة العلاقات الاجتماعية في مكان ما وداخل سياقها، معنى في المقام الأول بتطور العالم الحديث الذي يتلخص في هاتين الكلمتين المترابطتين؛ التمدن والعولمة. 

فالمشهد الحضري الحديث ينبع من مجهود مضاعف للتوفيق بين أزمنة الماضي المختلفة من ناحية، وبينها والحاضر من ناحية أخرى. لقد تجمعت الآثار التاريخية على مر العصور في المدينة الأوروبية، لكنه تراكم معقد وغير منظم، بما أن التدمير دائما ما صاحب البناء أو إعادة البناء. إن المدينة الأوروبية الحديثة شيدت وتطورت على تراكم وتجميع واع للتاريخ، وللطرز المعمارية والعمران. وقد عرفت هذه العملية اثنين على الأقل من التحولات. وفى القرن التاسع عشر، أعيد تصميم كثير من المدن (في باريس البارون أوسمان)، وظاهرة التراكم والتعايش قد أصبحت في نظر الرومانسيين الجدد اتحاداَ حقيقيا. 

ومن المنظور الفردي ومنظور قلب المدينة، إن العالم الحالي هو عالم الانقطاع والمحرم، عالم متناقض مع الرؤى الشاملة التي ننظر إليها من خلال ترتيباتنا السينمائية والتليفزيونية، لأن الجماليات السائدة في العالم الشمولي هي جماليات المسافة التي تؤدى بنا إلى تجاهل كل تأثيرات الانقطاع. إن الصور التي التقطتها أقمار المراقبة، والمشاهد الجوية تجعلنا نعتاد على رؤية شاملة للأشياء، كما يحدث في الطرق والقطارات السريعة. فللبؤس جمالة إذا ما نظرنا إليه من أعلى ومن بعيد. وأبراج المكاتب أو المساكن تؤثر على نظرتنا وتكيفها، فتدفق السيارات على الطرق السريعة، وتحليق الطائرات فوق المطار، أو إيجار المراكب الشراعية الكبيرة التي تدور سريعا حول الأرض وتحت العين الساهرة لكاميرات التلفاز، تكون صورة عالم، يدور فيه كل شيء بسهولة ويسر. 

إذا كان المشهد ما فوق الحديث يعتبر أساسا منظرًا مدنيًا، فيجب أن نضيف أن التمدن يغير المدينة بتمدين الكوكب كله. فامتداد النسيج الحضري ظاهرة تتوافق مع زيادة مساحات أو أماكن الحركة المرورية، والاستهلاك، والاتصالات. هذا التضاعف يكون له آثار في كل من الحيز الحضري وعلى النظرة التي تشكل المنظر. لقد تحولت " المراكز التاريخية تدريجيا إلى متاحف، وإمكان لزيارة السائحين القادمين من بعيد. ثم تحولت المتاحف إلى آثار، تثير أحيانا فضولا أكثر من الأشياء التي تعرضها. والنمو الحضري ينعكس كما لو كان يسعى إلى تحويل المدينة إلى ضواحٍ. 

وتهدف الأنثروبولوجيا إلى رفض ومحاربة كل الذين يتملقون أو ينتقدون الاختلافات الثقافية، وفقا لقراء غير علمية لعلماء السلالة، متناسين في كلتا الحالتين أن هذه الاختلافات لا تحترم في حد ذاتها، ولكن لأنها نسبية، وإلى هذا الحد تكون قابلة للتجاوز. 

نحن بدأنا ننشغل بمستقبل كوكب الأرض. وهذا اهتمام نبيل فيما يخص مستقبل البشرية بشكل عام، وفيما يخص أيضا الجزء الإنساني العام الموجد في داخل كل واحد فينا. إن مستقبل كوكب الأرض ليس مستقبل الأفراد الذين هم نحن، ولا مستقبل أطفالنا لكنه مستقبل كل البشرية القادمة التي تربطها بنا من الأخوة الجوهرية. إن القلق على مستقبل هذا الكوكب مثل جسد يهان يشعرنا بوحدة وضعنا الإنساني الواحد. يوجد اليوم تناقض أكيد بين الاهتمامات البيئية للدول التي يقال عنها المتقدمة والرغبة في تقدم الدول الناشئة أو المتخلفة. فالحرص على حماية كوكب الأرض قد يبدو أحيانا ترفا للأثرياء الحريصين على تثبيت هيمنهم، كيف يمكن أن نهرب من الشكوك في رغبة تأمين مستقبل الإنسان بشكل عام، بينما ننسى جزءا من الإنسانية؟

فرسالة الأنثروبولوجيا في مكانتها المتواضعة والمهمة تهدف إلى تذكير البشر بأن العلاقات الرمزية التي تجمعهم وتجعلهم يفكرون في هوية كل فرد منهم تقع في إطار زمني ومكاني. هذا التذكير ما هو إلا تحذير ضد كل مجاز يهدف إلى استبدال واقع الروابط الاجتماعية بوهم روابط افتراضية من خلال خلط بين الوسائل والأهداف. ونحن كلنا مرتبطون بالغزو العلمي، لأننا ننتمي إلى الجنس البشرى. فالإنسان بصفة عامة موجود في داخل كل فرد. وكل آخر هو أيضا " أنا ". وخارج هذه المعادلة لا توجد قط بشرية. 

مقالات مشابهة

  • أمانة منطقة الرياض تنظّم “جلسات حوارية” في المسرح الثقافي ضمن الخيمة الثقافية
  • شواطئ الأنثروبولوجيا.. الإنسـان والعــالم (2)
  • سلطان بن أحمد القاسمي يشهد افتتاح معرض “روائع الفنون من متحف الشارقة للحضارة الإسلامية” في المتحف الوطني العماني
  • الشارقة تعزز جسور التواصل الثقافي العالمي في معرض لندن للكتاب
  • ترسيخ مكانة الشارقة في المشهد الثقافي في "لندن للكتاب"
  • عبد الرحمن المطيري يشيد بالإنجازات التي حققها لاعبو ولاعبات الكويت في الأولمبياد الخاص “تورينو 2025”
  • “اليونيسيف”: أطفال فلسطين يواجهون أوضاعا مقلقة للغاية
  • «مجموعة العمل المغربية من أجل فلسطين» تدين «العدوان الثلاثي» على الشعب اليمني
  • هل يتحول ملف المياه إلى “حرب جديدة” بين الجزائر والمغرب؟
  • “فتح الانتفاضة”: العدوان الأمريكي لن يثني الشعب اليمني عن مواصلة وقوفه مع فلسطين