إيران، التي رفعت راية “المقاومة” منذ عقود في وجه إسرائيل، تجد نفسها اليوم على مفترق طرق بعدما قدمت قرابين من الصف الأول في “محور المقاومة”. خسرت قادة بارزين مثل قاسم سليماني ورموز أخرى، ولم يكن الرد بالمستوى الذي توقعه البعض. رغم التصريحات الحادة والتهديدات بالانتقام، اتسمت ردود الفعل الإيرانية بالتردد والانتظار، ما يثير التساؤلات حول استمرارية النظام الإيراني وكيفية الحفاظ عليه في ظل هذه الضغوط.

إسرائيل من جهتها، تستمر في تنفيذ عمليات اغتيال واستهداف لمواقع دبلوماسية وعسكرية إيرانية وحلفائها في سوريا والعراق ولبنان، وحتى اليمن. ورغم أن إيران أرسلت رسائل إلى وكلائها الإقليميين مثل حزب الله والحشد الشعبي في العراق وجماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن للرد، إلا أن تلك الردود لم تكن بالمستوى الذي يتناسب مع حجم الخسائر التي تعرضت لها طهران.

 

الدولة العميقة: اللاعب الخفي في إيران

من الواضح اليوم أن القرار في إيران لا يقتصر على القيادة السياسية والدينية المعلنة، بل تُدار البلاد من قِبل شبكة واسعة من المصالح التي تضم رجال دين نافذين، ضباطًا عسكريين، رجال أعمال، تجارًا، وعلماء ذوي نفوذ داخلي وخارجي. هؤلاء الفاعلون في الدولة العميقة يسعون للحفاظ على استمرارية النظام مهما كان الثمن، حتى لو كان ذلك يعني تقديم تنازلات على مستوى الردود العسكرية أو السياسية على الاستفزازات الخارجية.

العمليات الأخيرة التي نفذتها إسرائيل، مثل اغتيال قادة الصف الأول في الحرس الثوري واستهداف مواقع دبلوماسية إيرانية في الخارج، تعكس مدى عمق الاختراقات الأمنية التي تعاني منها إيران. ورغم ذلك، يظل الرد الإيراني متحفظًا، مما يعزز نظرية أن الدولة العميقة تخشى الانجرار إلى مواجهة عسكرية غير متكافئة قد تُعرض مصالحها للخطر.

 

اغتيال إسماعيل هنية في طهران: نقطة تحول في الصراع

في خطوة غير مسبوقة، نفذت إسرائيل عملية اغتيال استهدفت رئيس حركة حماس، إسماعيل هنية، في قلب طهران. هذه العملية الجريئة زادت من تعقيد الموقف، حيث انتظر العالم العربي والإسلامي ردًا حاسمًا من إيران على هذا الاستفزاز المباشر. ورغم حجم العملية وأهميتها، فضلت إيران إرسال إشارات غير مباشرة من خلال وكلائها في المنطقة، مثل حزب الله والحشد الشعبي، بدلاً من الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.

هذا الاغتيال يعكس مدى تغلغل إسرائيل وقدرتها على تنفيذ عمليات معقدة حتى في مناطق يُفترض أنها محصنة أمنيًا مثل العاصمة الإيرانية.

 

الاختراقات الأمنية: البيجر وحرب التكنولوجيا

حادثة استخدام أجهزة البيجر لتحديد مواقع قادة حزب الله وقتل العشرات منهم تعتبر نقطة تحول في الحرب الإسرائيلية ضد محور المقاومة. تمكنت إسرائيل من استغلال التكنولوجيا لتوجيه ضربات دقيقة ومؤثرة، وهو ما يظهر تفوقها في هذا المجال. هذه الأجهزة، التي تم شحنها للحزب من قبل شركات مرتبطة بإسرائيل دون علمهم، أثبتت أنها وسيلة فعالة في تنفيذ عمليات اغتيال واسعة النطاق. وبعد هذا الهجوم، دعا أمين حزب الله أعضاءه إلى التخلي عن جميع وسائل الاتصال، بما في ذلك البيجر، تفاديًا للمزيد من الخسائر.

هذا التطور يسلط الضوء على مدى اعتماد إسرائيل على التكنولوجيا في حربها ضد المقاومة، وهو ما يضعف الموقف الإيراني وحلفائه في لبنان واليمن وسوريا.

 

الجواسيس الإسرائيليون: أداة إسرائيل الفعالة

إسرائيل كانت ولا تزال تعتمد على شبكات الجواسيس لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في الشرق الأوسط. في السابق، كانت الجاسوسية تقتصر على أفراد معدودين يتم تدريبهم بشكل مكثف للعمل في الدول العربية مثل مصر وسوريا. لكن في الوقت الحالي، أصبحت إسرائيل تعتمد على شبكات جواسيس واسعة داخل الأنظمة المستهدفة، بما في ذلك النظام الإيراني.

التقارير تشير إلى أن الجواسيس الإسرائيليين تمكّنوا من اختراق مواقع حساسة داخل إيران، وصولاً إلى الدوائر الداخلية لحزب الله اللبناني وحتى جماعة الحوثيين في اليمن. هذا الاختراق لا يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل يمتد إلى البنية التحتية والأمنية، ما يجعل إسرائيل قادرة على تنفيذ ضربات دقيقة واستهداف شخصيات هامة دون أن تتعرض لخسائر كبيرة.

 

استغلال التكنولوجيا الحديثة في الصراع مع العرب

منذ تأسيسها، جعلت إسرائيل من التكنولوجيا ركيزة أساسية في سياساتها العسكرية والاستخباراتية. واليوم، تستخدم هذه القدرات التكنولوجية في الصراع ضد محور المقاومة بشكل فعال. اغتيال القادة واستهداف المواقع الحيوية يأتي عبر استخدام أدوات متطورة، مثل الطائرات المسيّرة، البرمجيات المتقدمة، وأنظمة الاتصالات التي تساعدها في تنفيذ ضربات دقيقة بأقل تكلفة ممكنة.

إسرائيل لا تعتمد فقط على التكنولوجيا في الحروب التقليدية، بل تجند جواسيسها بشكل فعال داخل الدول العربية والإسلامية، مما يعطيها اليد العليا في هذا الصراع. المثال الأبرز على ذلك هو عمليات التجسس التي طالت إيران وحزب الله اللبناني وحتى الحوثيين في اليمن، والتي ساعدتها في تنفيذ عمليات دقيقة واغتيالات متتابعة.

 

اغتيال حسن نصر الله: انقسام الشارع العربي

أثار اغتيال أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، ردود فعل متباينة في العالم العربي. بعد سنوات من كونه رمزًا للمقاومة ضد إسرائيل، قُتل نصر الله في عملية دقيقة أثارت مشاعر مختلطة بين الشعوب. هناك من فرحوا بمقتله، خاصة في سوريا واليمن، متهمين حزب الله بالتورط في دعم النظام السوري والحوثيين في اليمن بالسلاح والمقاتلين. في المقابل، يرى آخرون أن مقتله يعد خسارة كبرى لمحور المقاومة الذي كان نصر الله أحد أهم رموزه على مدى سنوات طويلة.

هذا الانقسام يعكس تعقيد المشهد السياسي في المنطقة، حيث تتداخل الاعتبارات الإقليمية والمحلية لتشكيل موقف متباين من هذه العملية.

 

إسرائيل وجماعة الحوثيين: التهديدات القادمة

في خضم التصعيد العسكري والسياسي، بدأت إسرائيل في توجيه تهديدات مباشرة لجماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن. الجماعة، التي تعتبر جزءًا أساسيًا من محور المقاومة المدعوم إيرانيًا، بدأت تجد نفسها تحت المجهر الإسرائيلي. ومع تزايد التقارير عن دعم إيراني متواصل للحوثيين بالسلاح والتكنولوجيا، بدأت إسرائيل تشير إلى إمكانية استهداف قيادات الحوثيين بشكل مباشر.

إسرائيل ترى في الحوثيين تهديدًا محتملاً لأمنها القومي، خاصة مع تطور قدراتهم الصاروخية والطائرات المسيّرة التي قد تصل إلى العمق الإسرائيلي. هذا التهديد لم يعد مجرد احتمال، بل أصبح جزءًا من خطط إسرائيل للتعامل مع التهديدات القادمة من اليمن، والتي قد تطال قواعدها العسكرية أو مراكز حيوية في المستقبل القريب.

 

مصلحة النظام الإيراني في تجنب التصعيد المباشر

رغم كل التهديدات والضغوط المتزايدة، تواصل إيران نهجها في التعامل مع الاستفزازات الإسرائيلية بحذر. الدولة العميقة في إيران تدرك أن التصعيد العسكري المباشر مع إسرائيل قد يجلب تدخلاً أمريكيًا مباشرًا، وهو ما يسعى النظام لتجنبه بأي ثمن. بدلاً من ذلك، تفضل إيران استخدام وكلائها في المنطقة للرد بطرق غير مباشرة، مع الاحتفاظ بإمكانية الحوار أو التوصل إلى تسوية في نهاية المطاف.

ورغم تفوق إسرائيل التكنولوجي والعسكري، تظل طهران حريصة على الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة دون الانجرار إلى مواجهة شاملة. هذا النهج الحذر قد يكون محبطًا للبعض داخل إيران وخارجها، لكنه يعكس حرص النظام على البقاء واستمرارية نفوذه، حتى وإن تطلب ذلك تقديم المزيد من “القرابين” على مذبح المصالح الإقليمية.

 

رضوان حبيش1 أكتوبر، 2024 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام البنتاغون: إسرائيل أبلغتنا بهجوم الحديدة مقالات ذات صلة البنتاغون: إسرائيل أبلغتنا بهجوم الحديدة 1 أكتوبر، 2024 جريمة “العلم الوطني”.. الحوثيون يرفضون الإفراج عن قرابة 1000 شاب اعتقلوا خلال أيام 30 سبتمبر، 2024 الولايات المتحدة تعترف بإسقاط الطائرة الأمريكية الـ11 في اليمن 30 سبتمبر، 2024 الأرصاد يتوقع هطول أمطار متفاوتة الشدة على عدة محافظات 30 سبتمبر، 2024 اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليق *

الاسم *

البريد الإلكتروني *

الموقع الإلكتروني

احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.

Δ

شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصة ٢٦ سبتمبر.. شعلة الأمل المتقدة بالحرية 27 سبتمبر، 2024 الأخبار الرئيسية قرابين إيران لاستمرارية النظام: بين تضحيات النظام والمواقف المترددة 1 أكتوبر، 2024 البنتاغون: إسرائيل أبلغتنا بهجوم الحديدة 1 أكتوبر، 2024 جريمة “العلم الوطني”.. الحوثيون يرفضون الإفراج عن قرابة 1000 شاب اعتقلوا خلال أيام 30 سبتمبر، 2024 الولايات المتحدة تعترف بإسقاط الطائرة الأمريكية الـ11 في اليمن 30 سبتمبر، 2024 الأرصاد يتوقع هطول أمطار متفاوتة الشدة على عدة محافظات 30 سبتمبر، 2024 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لك ٢٦ سبتمبر.. شعلة الأمل المتقدة بالحرية 27 سبتمبر، 2024 أفكر بمعنويات الجيل الذي صنع الثورة 22 سبتمبر، 2024 سبتمبرنا وسبتمبرهم.. وعد الحرية والقيود 22 سبتمبر، 2024 العودة المستحيلة 22 سبتمبر، 2024 شرف سبتمبر الثورة 20 سبتمبر، 2024 الطقس صنعاء غيوم متفرقة 19 ℃ 23º - 19º 49% 2.42 كيلومتر/ساعة 23℃ الثلاثاء 25℃ الأربعاء 26℃ الخميس 26℃ الجمعة 24℃ السبت تصفح إيضاً قرابين إيران لاستمرارية النظام: بين تضحيات النظام والمواقف المترددة 1 أكتوبر، 2024 البنتاغون: إسرائيل أبلغتنا بهجوم الحديدة 1 أكتوبر، 2024 الأقسام أخبار محلية 28٬020 غير مصنف 24٬183 الأخبار الرئيسية 14٬678 اخترنا لكم 7٬012 عربي ودولي 6٬860 غزة 6 رياضة 2٬322 كأس العالم 2022 72 اقتصاد 2٬229 كتابات خاصة 2٬071 منوعات 1٬989 مجتمع 1٬833 تراجم وتحليلات 1٬761 ترجمة خاصة 47 تحليل 11 تقارير 1٬595 آراء ومواقف 1٬526 صحافة 1٬482 ميديا 1٬390 حقوق وحريات 1٬306 فكر وثقافة 893 تفاعل 813 فنون 477 الأرصاد 302 بورتريه 63 صورة وخبر 36 كاريكاتير 32 حصري 21 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل English © حقوق النشر 2024، جميع الحقوق محفوظة   |   يمن مونيتورفيسبوكتويترملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويترملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 1 ديسمبر، 2022 “طيران اليمنية” تعلن أسعارها الجديدة بعد تخفيض قيمة التذاكر 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 4 يوليو، 2024 دراسة حديثة تحلل خمس وثائق أصدرها الحوثيون تعيد إحياء الإمامة وتغيّر الهوية اليمنية 26 فبراير، 2024 معهد أمريكي يقدم “حلا مناسباً” لإنهاء هجمات البحر الأحمر مع فشل الولايات المتحدة في وقف الحوثيين أخر التعليقات Abdaullh Enan

نور سبتمبر يطل علينا رغم العتمة، أَلقاً وضياءً، متفوقاً على...

SALEH

تم مشاهدة طائر اللقلق مغرب يوم الاحد 8 سبتمبر 2024 في محافظة...

محمد عبدالله هزاع

يا هلا و سهلا ب رئيسنا الشرعي ان شاء الله تعود هذه الزيارة ب...

.

نرحو ايصال هذا الخبر...... أمين عام اللجنة الوطنية للطاقة ال...

issam

عندما كانت الدول العربية تصارع الإستعمار كان هذا الأخير يمرر...

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الحوثیین فی الیمن الدولة العمیقة محور المقاومة تنفیذ عملیات فی المنطقة نصر الله حزب الله فی تنفیذ

إقرأ أيضاً:

أي حزب وأي لبنان وأي إيران؟

مؤلمةٌ المشاهدُ الوافدة من لبنان. مخيفةٌ ومروعة. جثثٌ تقيم تحت الأنقاض وبيوتٌ محروقة أو مهجورة. مليون نازح. رقم قياسي في تاريخ البلاد. بعضهم يفترشون الأرضَ في قلب العاصمة وينام آخرون في سياراتهم لتعذر العثور على سقف. كائنات معدنية قاتلة تجتاح الخريطة بكاملها. تنقل رائحة الموت إلى كلّ الجهات ومعها رائحة القلق والذعر.

يشعر اللبناني العادي بالظلم والبؤسِ والعزلة. ليس لديه رقمٌ للاتصال به. لا رئيس في القصر للرهان على صوته أو دوره. ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يفعل ما في استطاعته. ورئيسُ مجلس النواب نبيه بري لا يملك تفويضاً لبلورة صيغة كافية لإقناع الوسيط الأميركي بلجم آلة القتل الإسرائيلية. ولا يستطيع المواطن الاتصال بـ«حزب الله» الذي يملك ترسانة صاروخية كان يعتقد أنَّها كافية للردع.

تفاصيل عملية اغتيال حسن نصر الله!.. خطة دموية استمرت 72 ساعة و80 طناً من المتفجرات ما الذي يعنيه نتنياهو ب”تغيير واقع الشرق الأوسط”؟

ثمة من يتحدَّث عن «عشرة أيام هزَّت لبنانَ وركائزه». بدأت بانفجار أجهزةِ الاتصال في السابع عشر من الشهر الحالي وانتهت في السابع والعشرين منه مع اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله. تعرَّض الحزب لما يشبه الكسر في عموده الفقري. تعرض لضربة غير مسبوقةٍ أصابت قياداته وآلته العسكرية وأظهرته مكشوفاً في بلد مكشوف.

ليس بسيطاً أن يتَّخذ بنيامين نتنياهو قراراً بحجم اغتيال نصر الله وهو يعرف أنَّه اللاعب الأولُ في لبنان ولاعبٌ إقليمي بارز في «محور الممانعة» الذي تقوده إيران. ويعرف أنَّ هذا الاغتيال لا يقل خطورة عن اغتيال الجنرال قاسم سليماني. والأخطر من كل ذلك أن يعتبر نتنياهو أنَّ اغتيال نصر الله كان ضرورياً لإحداث تغيير في التوازنات التي حاول مع رفيقه سليماني تثبيت قواعدها في الشرق الأوسط. أظهر حجم الضربات الإسرائيلية في لبنان أنَّ إسرائيل أطلقت انقلاباً على موقع «محور الممانعة» في المنطقة، وهو انقلاب على المشروع الإيراني بكامله. وليس بسيطاً أيضاً أن يقولَ بايدن وهاريس إنَّ الاغتيال «حمل قدراً من العدالة لضحايا» زعيم «حزب الله».

بعض الماضي يساعد في فهم أخطار الحاضر. كان ذلك في 1982. كان اسم رئيس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغن واسم وزير دفاعه أرييل شارون. ذهبنا إلى مقر اللاعب الأول في لبنان يومَها وكان اسمه ياسر عرفات. سألناه عن التهديدات الإسرائيلية فأجاب: «إذا ارتكب شارون حماقة مهاجمة لبنان، عليه الاستعداد لاستقبال سيل من النازحين من مستوطنات الجليل».

وكانت منظمة التحرير الفلسطينية تستخدم صواريخَ الكاتيوشا ضد الجليل لتذكر العالم ومعه إسرائيل بقضيتها، وأن لا أمن للدولة العبرية من دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم. وقياساً بترسانة «حزب الله» كانت ترسانة منظمة التحرير شديدة التواضع. وبعد أسابيع، أطلقت إسرائيلُ عملية «سلامة الجليل» التي حوَّلها شارون حصاراً لبيروت انتهى بمغادرة عرفات وقوات المنظمة لبنان. اعتبرت إسرائيل أنها لا تستطيع التعايش مع تحول حدودها مع لبنان حدوداً إسرائيلية – فلسطينية.

قصة اليوم مختلفة. «حزب الله» لبناني وقواته من أبناء بيئته لكن إسرائيل استغلت «حرب المساندة» التي أطلقها غداة «طوفان الأقصى» لاستنتاج أن حدودها مع لبنان تحولت حدوداً إسرائيلية – إيرانية. اعتبرت حكومة نتنياهو أن يحيى السنوار نفذ شيئاً يشبه ما كان لوّح به «حزب الله»، وهو اقتحام الجليل. قرَّرت إسرائيل إسقاط ما اعتبرته حدوداً إسرائيلية – إيرانية في جنوب لبنان وربَّما لرهانها على أنَّ أي انخراط إيراني مباشر في المعركة سيؤدي إلى مواجهة إيرانية – أميركية تبرّر وضع المنشآت النووية الإيرانية على لائحة الأهداف.

المشاهد اللبنانية كارثية. بلد بكامله تحت النار. البلد مكشوف والحزب مكشوف. مسلسل الغارات لا يتوقف ومعه مسلسل الاغتيالات. كشفتِ الحرب خللاً هائلاً في ميزان القوى. الآلة العسكرية الإسرائيلية توظف تقدُّمَها التكنولوجيَّ الهائلَ في عملية انقضاض لا ترحم.

قبل أسبوعين فقط كان من المستحيل على أي مراقب تخيل مشاهد من هذا النوع. كان الانطباع أنَّ «حزب الله» قوة متراصة يصعب تحقيق اختراق عميق فيها، وإن كان يتوقع حدوث اختراقات على هوامشها. لم يحدث أن تعرَّض فصيلٌ مسلح لمثل ما يتعرَّض له الحزب. «حماس» المطوّقة في غزة لم تتعرَّض لشيء مشابهٍ على رغم الدمار الواسع الذي لحق بها وبالقطاع.

لماذا الحوثيون سعداء للغاية بالهجمات الإسرائيلية؟! الحوثيون يوسعون العلاقات خارج محور إيران خنجر البحر الأحمر.. رسم خارطة صعود الحوثيين خلال العشرية السوداء

من يستطيع إخراجَ لبنان من هذا الجحيم؟ وما هو الثمن؟ وهل يستطيع «حزب الله» الموافقةَ على إخراج جبهة جنوب لبنان من المواجهة مع إسرائيل بعد كل ما لحق به؟ وما هو خياره الآخر؟ وأين تقف إيران؟ هل كانت تملك فرصةً للتدخل غداة اليوم الأول من الأيام العشرة الرهيبة؟ هل هي غير قادرة أم غير راغبة؟

أسئلة كثيرة ستطرح عندما تتوقَّف عاصفة النار. كيف سيقرأ «حزب الله» الزلزال الذي استهدفه مع بيئته؟ كيف ستكون علاقة قيادته الجديدة مع إيران في غياب نصر الله الذي كان معترفاً له بدور الشريك أو ما يقترب منه؟ كيف ستكون علاقات الحزب داخل «البيت اللبناني» خصوصاً إذا اقتضى وقف النار تطبيقاً جدياً للقرار 1701 ودوراً جدياً للجيش اللبناني إلى جانب «اليونيفيل» هناك؟

أسئلة كثيرة. كيف سيعيد الحزبُ بناءَ نفسه وتحديد دوره في ضوء موازين القوى والدروس؟ ملامح الحزب بعد العاصفة ستؤثر بالضرورة على ملامح لبنان وترميم مؤسساته وإعادة جمع حجارة وحدته ورسم موقعه الإقليمي. وماذا عن وحدة الساحات؟ وأي إيران سنرى بعد هدأةِ العاصفة وبأي دور إقليمي في لبنان وخارجه؟ وأي سوريا سنرى إذا نجحت في محاولتِها البقاء خارج العاصفة مستفيدة من الوسادة الروسية وترميم بعض علاقاتها العربية؟

*نشر أولاً في صحيفة “الشرق الأوسط”

يمن مونيتور30 سبتمبر، 2024 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام تفاصيل عملية اغتيال حسن نصر الله!.. خطة دموية استمرت 72 ساعة و80 طناً من المتفجرات مقالات ذات صلة تفاصيل عملية اغتيال حسن نصر الله!.. خطة دموية استمرت 72 ساعة و80 طناً من المتفجرات 30 سبتمبر، 2024 ما الذي يعنيه نتنياهو ب”تغيير واقع الشرق الأوسط”؟ 30 سبتمبر، 2024 نتنياهو: نتبع خطة منهجية لتغيير واقع الشرق الأوسط 30 سبتمبر، 2024 ارتفاع عدد ضحايا الغارات الإسرائيلية على الحديدة غربي اليمن 30 سبتمبر، 2024 اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليق *

الاسم *

البريد الإلكتروني *

الموقع الإلكتروني

احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.

Δ

شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقف وماذا عن فلسطين؟ 28 سبتمبر، 2024 الأخبار الرئيسية أي حزب وأي لبنان وأي إيران؟ 30 سبتمبر، 2024 تفاصيل عملية اغتيال حسن نصر الله!.. خطة دموية استمرت 72 ساعة و80 طناً من المتفجرات 30 سبتمبر، 2024 ما الذي يعنيه نتنياهو ب”تغيير واقع الشرق الأوسط”؟ 30 سبتمبر، 2024 نتنياهو: نتبع خطة منهجية لتغيير واقع الشرق الأوسط 30 سبتمبر، 2024 ارتفاع عدد ضحايا الغارات الإسرائيلية على الحديدة غربي اليمن 30 سبتمبر، 2024 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لك وماذا عن فلسطين؟ 28 سبتمبر، 2024 ‏تهامة تقاوم وسبتمبر لا يموت في حضن الخيانة 27 سبتمبر، 2024 سبتمبر الرمز الحي 26 سبتمبر، 2024 الفضيلة اختيار 25 سبتمبر، 2024 ٢٦ سبتمبر.. ثورة تتجدد وكهنوت يلفظ الانفاس 24 سبتمبر، 2024 الطقس صنعاء غيوم متفرقة 18 ℃ 25º - 18º 26% 1.14 كيلومتر/ساعة 25℃ الأثنين 25℃ الثلاثاء 25℃ الأربعاء 25℃ الخميس 25℃ الجمعة تصفح إيضاً أي حزب وأي لبنان وأي إيران؟ 30 سبتمبر، 2024 تفاصيل عملية اغتيال حسن نصر الله!.. خطة دموية استمرت 72 ساعة و80 طناً من المتفجرات 30 سبتمبر، 2024 الأقسام أخبار محلية 28٬015 غير مصنف 24٬183 الأخبار الرئيسية 14٬673 اخترنا لكم 7٬012 عربي ودولي 6٬859 غزة 6 رياضة 2٬322 كأس العالم 2022 72 اقتصاد 2٬229 كتابات خاصة 2٬070 منوعات 1٬987 مجتمع 1٬833 تراجم وتحليلات 1٬761 ترجمة خاصة 47 تحليل 11 تقارير 1٬595 آراء ومواقف 1٬525 صحافة 1٬481 ميديا 1٬389 حقوق وحريات 1٬306 فكر وثقافة 893 تفاعل 813 فنون 477 الأرصاد 302 بورتريه 63 صورة وخبر 36 كاريكاتير 32 حصري 21 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل English © حقوق النشر 2024، جميع الحقوق محفوظة   |   يمن مونيتورفيسبوكتويترملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويترملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 1 ديسمبر، 2022 “طيران اليمنية” تعلن أسعارها الجديدة بعد تخفيض قيمة التذاكر 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 4 يوليو، 2024 دراسة حديثة تحلل خمس وثائق أصدرها الحوثيون تعيد إحياء الإمامة وتغيّر الهوية اليمنية 26 فبراير، 2024 معهد أمريكي يقدم “حلا مناسباً” لإنهاء هجمات البحر الأحمر مع فشل الولايات المتحدة في وقف الحوثيين أخر التعليقات Abdaullh Enan

نور سبتمبر يطل علينا رغم العتمة، أَلقاً وضياءً، متفوقاً على...

SALEH

تم مشاهدة طائر اللقلق مغرب يوم الاحد 8 سبتمبر 2024 في محافظة...

محمد عبدالله هزاع

يا هلا و سهلا ب رئيسنا الشرعي ان شاء الله تعود هذه الزيارة ب...

.

نرحو ايصال هذا الخبر...... أمين عام اللجنة الوطنية للطاقة ال...

issam

عندما كانت الدول العربية تصارع الإستعمار كان هذا الأخير يمرر...

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تعلن بدء غزو جنوب لبنان
  • البنتاغون: إسرائيل أبلغتنا بهجوم الحديدة
  • هاليفي بعد ضربة اليمن.. إسرائيل ستواصل محاصرة إيران
  • غارات إسرائيل على اليمن.. ضربات معقدة لشل قدرات الحوثيين
  • أي حزب وأي لبنان وأي إيران؟
  • إسرائيل تضرب قلب اليمن: هل تستهدف الحوثيين أم تدمر حياة المدنيين؟
  • هل توقف إسرائيل هجمات الحوثيين بعد تحويل اهتمامها إلى جبهة اليمن؟
  • خبراء: اغتيال حسن نصر الله فرصة لزعيم الحوثيين
  • لمحاربة إسرائيل.. إيران تلوح بإرسال قوات إلى لبنان خلال أيام