العمل الخيري المُمتد من "سواعد الخير" إلى "سعود بهوان"
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
يُعد العمل التطوعي من الركائز الأساسية لتطور المجتمعات التقليدية منها والمعاصرة على حد سواء؛ فقد عرفت البشرية عبر تاريخها الطويل من يتولى مساعدة الضعفاء والأخذ بأيديهم في النواحي المعنوية والمادية.
وهناك فارق بسيط بين العمل الخيري، الذي هو أشمل من العمل التطوعي، فالأخير يعتمد على الأول في الجوانب المالية واللوجستية بشكل عام؛ فالمتطوع للخير يلجأ في العادة إلى المؤسسات الخيرية التي تمد المتطوعين بكل اللوازم والتسهيلات المادية والقانونية لتحقيق الأهداف الإنسانية ونشر مظلة الخير والعطاء بين أفراد المجتمع.
وفي سلطنة عمان، تزخر مختلف ولاياتنا بالجمعيات الخيرية والفرق التطوعية التي تقدم العون والمساعدة لكل من يحتاج إليهما في هذا البلد العزيز. ولعلنا نتذكر في إعصار شاهين الذي ضرب سهل الباطنة قبل عامين وتحديدًا عام 2021، كيف توافدت الجموع وسواعد من مختلف مناطق السلطنة بشكل تلقائي لنجدة أبناء الباطنة ومساعدتهم للخروج من تلك العاصفة التي دمرت المباني وأغرقت الزرع وأصابت البعض وغيبتهم عن الحياة. فكانت هبّة ظفار في مقدمة تلك الطلائع التي وصلت إلى محافظتي شمال وجنوب الباطنة حاملة معها على ظهر الشاحنات المواد الغذائية الأساسية ومواد البناء والأثاث والأجهزة المنزلية، هذا فضلًا عن المعدات التي قامت بإزالة المخلفات عن البيوت وفتح الطرق للمدن والقرى المتضررة من الأمطار والإعصار.
وامتدادًا لهذا العطاء المستمر، اكتشفنا بالصدفة ودون موعد خلال سيرنا على الأقدام لاستكشاف أحد الأودية الشهيرة والمعروفة بـ"جزلوت" وهي منطقة نائية بعيدة وتنمو فيها أشجار اللبان؛ فريق "سواعد الخير" في موقع العمل التطوعي، الذي أخذ من هذه السواعد الوفية أكثر من أسبوع كامل؛ إذ كان العمل هذه المرة فتح طريق "عدنوب- جزلوت" شمال المغسيل، لقد وجدنا هؤلاء الرجال أصحاب الهمم العالية يعملون بصمت في تلك الأودية والشعاب بدون كلل وملل وبروح عالية وبعيدًا عن أضواء الإعلام، وذلك لفتح الطرق القديمة التي كانت تستخدم لنقل اللبان على ظهور الإبل والجمال قبل عدة عقود، كما إن هذه الطرق تسهل لأصحاب المنطقة رعي حيواناتهم من الإبل والأغنام في تلك الأودية والجبال الشاهقة.
تحية صادقة لهذا الفريق الذي يضم مجموعة من أبناء المحافظة ومن مختلف قبائلها الكريمة والتي فطمت على التضحية وعمل الخير والإيثار؛ فهذه هي ظفار المجد عبر التاريخ لم تنفرد بخيرها يومًا عن غيرها من محافظات سلطنتنا الحبيبة؛ بل مظلة خيرها تعم الجميع فكان هؤلاء الأشاوس يستخدمون البقال والحمير لنقل المعدات التي يستخدمونها يدوياً لحفر الصخور وإزالة الأتربة والأحجار لجعل الطريق سالكا للقافلات والمسافرين على الأقدام إلى منازل اللبان الشزري، وكذلك المواصلين سيرهم إلى عيدم وأجدورت في ولاية رخيوت.
لقد امتد عطاء فريق "سواعد الخير" الذي تأسس عام 2017 ليشمل مختلف ولايات محافظة ظفار، فأبرز الشخوص في هذا الفريق- كما وصفه لي زميله في الفريق سعيد- التاجر (مؤمن المسهلي)، والذي يعد الأب الروحي لتلك السواعد الخيرة، إضافة إلى مساهمته بالكثير من المعدات والنواحي المادية لتحقيق أهداف الأعمال التطوعية لهذا الفريق المميز الذي انخرط في صفوفه عدد كبير من المؤمنين بالعمل التطوعي خلال السنوات الماضية، فأصبح بحق فريق "سواعد الخير" اسمًا على مسمى؛ فالكرم والتضحية والعطاء بلا حدود من خصال ومزايا أعضاء الفريق.
ولعل طريق القوافل والمعروف بـ"حركاك" التاريخي الذي يربط مدينتي مرباط وسدح بمواقع اللبان الحوجري عبر سلسلة جبال سمحان التي يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر أكثر من 2200 متر، واحد من أهم الطرق التي أنجزها الفريق خلال السنوات الماضية.
لا شك أن الأعمال التطوعية مكملة للمشاريع الحكومية وليس بديلا عنها، ولكن يتميز العمل التطوعي والخيري بسرعة التنفيذ والوصول إلى الفئات المحتاجة بعكس بيروقراطية المشاريع الحكومية والصعوبة والتأخير عند التنفيذ، فضلاً عن التكاليف التي قد تسند في بعض الأحيان بدون مناقصات لشركات مُعينة.
إن أكثر ما يحتاجه فريق "سواعد الخير" اليوم بعد النجاح المبهر، الاعتراف الرسمي من وزارة التنمية الاجتماعية وكذلك الدعم الحكومي من المحافظة وبلدية ظفار ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، وكذلك التغطية الإعلامية من القنوات التلفزيونية والإذاعية العامة والخاصة للإنجازت التي تحققت، وذلك لتشجيع المواطنين على التطوع، والتجار على عمل الخير، وقبل ذلك كله تكريم المتميزين من الفريق من الجهات المختصة بالعمل التطوعي.
وقبل الختام، لا يمكن الحديث عن العمل الخيري في السلطنة، دون الإشارة إلى واحد من رموزه الشامخة في سماء السلطنة، الذي كانت في أيامه الذهبية تغطي مظلته الجميع ناشرة الخير والرخاء والاستقرار بين أفراد المجتمع، إنه الشيخ سعود بن سالم بهوان- طيب الله ثراه-، فقد حمل هذا الرجل العظيم راية العمل الخيري في البلاد بلا منازع، فكان عطاء المرحوم منقطع النظير، خاصة في محاربة الفقر، وذلك من خلال بناء مدن للمساكين والمحتاجين وبيوت لليتامى، وتوزيع وجبات الإفطار على الطلبة في المدارس، والتموين الذي شمل البدو والحضر في الولايات والصحاري العُمانية، بينما وزعت الرواتب لكل من طرق بابه من المحتاجين، هذا فضلاً عن تبرعه لوزارة الصحة بـ17 مليون ريال لبناء مركز للقلب في مسقط.
كم هو جميل أن نحلم اليوم بوجود شخص مثل سعود بهوان من بين عشرات التجار الذين تزيد ثرواتهم عن الشيخ سعود، فهل نجده؟
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
1500 زائر لليوم الخيري بـ"المدرسة المصرية" في مسقط
مسقط- الرؤية
نظمت المدرسة المصرية مسقط فعالية "اليوم الخيري 2024" الأولى والأكبر من نوعها في المدرسة، برعاية صاحبة السمو السيدة حجيجة بنت جيفر آل سعيد، وبحضور سعادة خالد راضي، السفير المصري المعتمد لدى سلطنة عُمان، وبالتعاون مع جمعية دار العطاء.
وشارك في الفعالية أكثر من 1500 زائر وضيف من الطلبة والطالبات وأولياء الأمور وأسر المعلمين والكثير من الضيوف من محبي العطاء والخير، وسيتم توجيه 50% من ريع الخير لدعم مبادرات جمعية دار العطاء.
وشهد افتتاح اليوم الخيري حضور عددٍ من كبار الزوار وفي مقدمتهم سعادة محمد علي بوغازي السفير الجزائري في سلطنة عُمان وحرمه، وسعادة الشيخ نجيب الزدجالي عضو مجلس الشورى عن ولاية مطرح، والشيخ ياسر الزدجالي عضو المجلس البلدي، وأعضاء البعثة الدبلوماسية بالسفارة المصرية المستشار السياسي محمد عبد المنعم، والعقيد أ.ح بحري محمد جمعة ملحق الدفاع المصري، والقنصل المصري منة الله ضياء، والمكرم السيد شاندار علي شاه بخاري ممثل فخري للسفارة الباكستانية وأحد رواد العمل التطوعي والمجتمعي، وممثلي مكتب المدارس الدولية في وزارة التربية والتعليم بسلطنة عُمان، فضلاً عن رئيس وأعضاء مجلس إدارة المدرسة.
وأشادت صاحبة السُّمو السيدة حجيجة بنت جيفر آل سعيد بجهود المدرسة وإطلاقها لهذه المبادرة المُميزة خاصة أنها تستهدف دعم واحدة من أعرق وأكبر الجمعيات الخيرية في سلطنة عُمان.
وأقيمت هذه الفعالية برعاية بلاتينية من شركة موريا للتنمية السياحية، وبنك عُمان العربي، وشركة مصر للطيران، ورعاية ذهبية من شركة الدُرة، وشركة يونايتد فارما، وشركة وي ديزاين، وإكسترا عُمان وشركة المنتهى للدعاية والإعلان، وديتامين جاميز.
وقال أسامة كفافي رئيس مجلس إدارة المدرسة المصرية مسقط: ""سُعداء بالنجاح الذي حققه اليوم الخيري والذي يُؤكد أنَّ المدرسة المصرية بمسقط تُعد جزءاً لا يتجزأ من النسيج المجتمعي في سلطنة عُمان، وتحرص على المساهمة بدورٍ فاعل في المجتمع المحلي، وهدفنا هو غرس قيم العطاء والخير في عقول أبنائنا الطلبة والطالبات من مختلف الجنسيات وتعريفهم بأهمية المساهمة الفاعلة في المجتمع المحلي".
وتضمن اليوم الخيري أركاناً متعددة، أحدها مخصص لجمعية دار العطاء لتجميع وتغليف الملابس ووضعها في الصناديق المخصصة للجمعية، إضافة إلى الركن العُماني والركن المصري والركن الجزائري والركن والموسيقي والركن الفني.