د. محمد بن عوض المشيخي **

 

يُعد العمل التطوعي من الركائز الأساسية لتطور المجتمعات التقليدية منها والمعاصرة على حد سواء؛ فقد عرفت البشرية عبر تاريخها الطويل من يتولى مساعدة الضعفاء والأخذ بأيديهم في النواحي المعنوية والمادية.

وهناك فارق بسيط بين العمل الخيري، الذي هو أشمل من العمل التطوعي، فالأخير يعتمد على الأول في الجوانب المالية واللوجستية بشكل عام؛ فالمتطوع للخير يلجأ في العادة إلى المؤسسات الخيرية التي تمد المتطوعين بكل اللوازم والتسهيلات المادية والقانونية لتحقيق الأهداف الإنسانية ونشر مظلة الخير والعطاء بين أفراد المجتمع.

وفي سلطنة عمان، تزخر مختلف ولاياتنا بالجمعيات الخيرية والفرق التطوعية التي تقدم العون والمساعدة لكل من يحتاج إليهما في هذا البلد العزيز. ولعلنا نتذكر في إعصار شاهين الذي ضرب سهل الباطنة قبل عامين وتحديدًا عام 2021، كيف توافدت الجموع وسواعد من مختلف مناطق السلطنة بشكل تلقائي لنجدة أبناء الباطنة ومساعدتهم للخروج من تلك العاصفة التي دمرت المباني وأغرقت الزرع وأصابت البعض وغيبتهم عن الحياة. فكانت هبّة ظفار في مقدمة تلك الطلائع التي وصلت إلى محافظتي شمال وجنوب الباطنة حاملة معها على ظهر الشاحنات المواد الغذائية الأساسية ومواد البناء والأثاث والأجهزة المنزلية، هذا فضلًا عن المعدات التي قامت بإزالة المخلفات عن البيوت وفتح الطرق للمدن والقرى المتضررة من الأمطار والإعصار.

وامتدادًا لهذا العطاء المستمر، اكتشفنا بالصدفة ودون موعد خلال سيرنا على الأقدام لاستكشاف أحد الأودية الشهيرة والمعروفة بـ"جزلوت" وهي منطقة نائية بعيدة وتنمو فيها أشجار اللبان؛ فريق "سواعد الخير" في موقع العمل التطوعي، الذي أخذ من هذه السواعد الوفية أكثر من أسبوع كامل؛ إذ كان العمل هذه المرة فتح طريق "عدنوب- جزلوت" شمال المغسيل، لقد وجدنا هؤلاء الرجال أصحاب الهمم العالية يعملون بصمت في تلك الأودية والشعاب بدون كلل وملل وبروح عالية وبعيدًا عن أضواء الإعلام، وذلك لفتح الطرق القديمة التي كانت تستخدم لنقل اللبان على ظهور الإبل والجمال قبل عدة عقود، كما إن هذه الطرق تسهل لأصحاب المنطقة رعي حيواناتهم من الإبل والأغنام في تلك الأودية والجبال الشاهقة.

تحية صادقة لهذا الفريق الذي يضم مجموعة من أبناء المحافظة ومن مختلف قبائلها الكريمة والتي فطمت على التضحية وعمل الخير والإيثار؛ فهذه هي ظفار المجد عبر التاريخ لم تنفرد بخيرها يومًا عن غيرها من محافظات سلطنتنا الحبيبة؛ بل مظلة خيرها تعم الجميع فكان هؤلاء الأشاوس يستخدمون البقال والحمير لنقل المعدات التي يستخدمونها يدوياً لحفر الصخور وإزالة الأتربة والأحجار لجعل الطريق سالكا للقافلات والمسافرين على الأقدام إلى منازل اللبان الشزري، وكذلك المواصلين سيرهم إلى عيدم وأجدورت في ولاية رخيوت.

لقد امتد عطاء فريق "سواعد الخير" الذي تأسس عام 2017 ليشمل مختلف ولايات محافظة ظفار، فأبرز الشخوص في هذا الفريق- كما وصفه لي زميله في الفريق سعيد- التاجر (مؤمن المسهلي)، والذي يعد الأب الروحي لتلك السواعد الخيرة، إضافة إلى مساهمته بالكثير من المعدات والنواحي المادية لتحقيق أهداف الأعمال التطوعية لهذا الفريق المميز الذي انخرط في صفوفه عدد كبير من المؤمنين بالعمل التطوعي خلال السنوات الماضية، فأصبح بحق فريق "سواعد الخير" اسمًا على مسمى؛ فالكرم والتضحية والعطاء بلا حدود من خصال ومزايا أعضاء الفريق.

ولعل طريق القوافل والمعروف بـ"حركاك" التاريخي الذي يربط مدينتي مرباط وسدح بمواقع اللبان الحوجري عبر سلسلة جبال سمحان التي يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر أكثر من 2200 متر، واحد من أهم الطرق التي أنجزها الفريق خلال السنوات الماضية.

لا شك أن الأعمال التطوعية مكملة للمشاريع الحكومية وليس بديلا عنها، ولكن يتميز العمل التطوعي والخيري بسرعة التنفيذ والوصول إلى الفئات المحتاجة بعكس بيروقراطية المشاريع الحكومية والصعوبة والتأخير عند التنفيذ، فضلاً عن التكاليف التي قد تسند في بعض الأحيان بدون مناقصات لشركات مُعينة.

إن أكثر ما يحتاجه فريق "سواعد الخير" اليوم بعد النجاح المبهر، الاعتراف الرسمي من وزارة التنمية الاجتماعية وكذلك الدعم الحكومي من المحافظة وبلدية ظفار ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، وكذلك التغطية الإعلامية من القنوات التلفزيونية والإذاعية العامة والخاصة للإنجازت التي تحققت، وذلك لتشجيع المواطنين على التطوع، والتجار على عمل الخير، وقبل ذلك كله تكريم المتميزين من الفريق من الجهات المختصة بالعمل التطوعي.

وقبل الختام، لا يمكن الحديث عن العمل الخيري في السلطنة، دون الإشارة إلى واحد من رموزه الشامخة في سماء السلطنة، الذي كانت في أيامه الذهبية تغطي مظلته الجميع ناشرة الخير والرخاء والاستقرار بين أفراد المجتمع، إنه الشيخ سعود بن سالم بهوان- طيب الله ثراه-، فقد حمل هذا الرجل العظيم راية العمل الخيري في البلاد بلا منازع، فكان عطاء المرحوم منقطع النظير، خاصة في محاربة الفقر، وذلك من خلال بناء مدن للمساكين والمحتاجين وبيوت لليتامى، وتوزيع وجبات الإفطار على الطلبة في المدارس، والتموين الذي شمل البدو والحضر في الولايات والصحاري العُمانية، بينما وزعت الرواتب لكل من طرق بابه من المحتاجين، هذا فضلاً عن تبرعه لوزارة الصحة بـ17 مليون ريال لبناء مركز للقلب في مسقط.

كم هو جميل أن نحلم اليوم بوجود شخص مثل سعود بهوان من بين عشرات التجار الذين تزيد ثرواتهم عن الشيخ سعود، فهل نجده؟

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مصر الخير: مبادرة إفطار صائم تجسيد لقيم التكافل الاجتماعي

أكد المدير التنفيذي للبرامج بمؤسسة "مصر الخير" أحمد علي، أن مبادرة إفطار صائم تجسيد لقيم التكافل الاجتماعي، لافتا إلى أن مؤسسة مصر الخير تنفذ المبادرة للعام الثالث عشر على التوالي، وتعمل في 27 محافظة مختلفة، وللصعيد والمناطق الحدودية الأولوية القصوى.


وقال المدير التنفيذي بمؤسسة مصر الخير، في مداخلة لقناة "النيل" للأخبار، اليوم الخميس، "إنه تم تقسيم الحملة لعدة أجزاء، على رأسها الأشخاص الأكثر استحقاقا وفق المعايير المطلوبة، من خلال كرتونة الخير التي تضم المواد الغذائية الأساسية للأسرة، أو من خلال كرتونة سند العيلة التي توفر أكتر من ٦٥ كيلو مواد غذائية وبروتين، لتأمين الإفطار لأسرة كاملة طول شهر رمضان، أو من خلال كارت المواد الغذائية الذي يستخدمه المستحق من خلال سلاسل المحلات التجارية.


وأضاف أن المؤسسة، توفر أيضا خدمة الخيام لإفطار الصائمين أيا كانت حاجاتهم، وحريصة على أن تكون الموائد مبهجة لإدخال السرور على الأسر، وخاصة الأطفال الذين سيتمكنون من استخدام المكتبات المتنقلة التابعة لمصر الخير لحين موعد الإفطار، وحضور التواشيح والمنتديات الثقافية بعد الإفطار. 


وأشار علي، إلى أن المؤسسة لديها قاعدة بيانات بالتعاون مع 5 آلاف جمعية شريكة، بهدف توفير قائمة بمعايير الأشخاص المستحقة للدعم في النطاق الجغرافي الذي تعمل به، ويتم التأكد من العينات العشوائية حتى لا يكون فيها أي شكل من أشكال المجاملات. 


وأوضح أنه على الراغبين في التطوع للمؤسسة، الاتصال برقم الخط الساخن للالتحاق بأقرب نقطة لهم، أو التوجه لأحد المكاتب الميدانية بفروعها المختلفة لتسجيل رقم التطوع خلال شهر رمضان. 


وشهدت وزيرة التضامن الاجتماعي مايا مرسي، إطلاق مؤسسة "مصر الخير" للعام الثالث عشر على التوالي حملة "إفطار صائم"، وذلك بحضور الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، والدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، والسيد محمد جبران وزير العمل، والسادة المحافظين، وسفراء الدول العربية، والسفيرة نبيلة مكرم، رئيس الأمانة الفنية للتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، والدكتور علي جمعة ،رئيس مجلس أمناء مؤسسة مصر الخير ، والدكتور محمد رفاعي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة مصر الخير.


وتأتي الحملة تحت شعار "رمضان الخير من مصر الخير" بهدف إدخال الفرحة والسرور على المستحقين طوال أيام شهر رمضان المبارك، حيث تطلقها مؤسسة " مصر الخير" سنويا، وذلك استعدادا لشهر رمضان المبارك ،والتي تهدف إلى توفير منتجات مختلفة لإفطار الصائمين على مدار أيام شهر رمضان المبارك في جميع المحافظات على مستوى الجمهورية بما يتناسب مع احتياجاتهم.
 

مقالات مشابهة

  • اليمن.. حيث الجبال تتكئ على سواعد الرجال
  • «بيت الخير» تنفق 9,7 مليون في عام لدعم المرضى
  • المتطوع صهيب الرومي: النساء والشابات لعبن أدوارًا كبيرة في العمل الخيري
  • صباح الخير يا مصر يستعرض آخر المستجدات بشأن علي معلول
  • فريق طبي سعودي يبدأ تنفيذ برنامج (أمل) السعودي ‏التطوعي في عدد من مشافي دمشق
  • مصر الخير: مبادرة إفطار صائم تجسيد لقيم التكافل الاجتماعي
  • «الإفتاء»: اغتنموا بركات شهر شعبان.. «تحمل الخير والبركة للعباد»
  • الخير: سلام دخل بـلعبة المحاصصة في تشكيل الحكومة
  • محافظ الشرقية يتفقد مستشفى الأربعين الخيري بالعاشر من رمضان
  • وفد طبي سعودي يبدأ عمله التطوعي في مشافي دمشق ‏