(نجـــــــوم في الحــــرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمــد جمــال قنـــدول
الوزير السابق حاتم السر المستشار السياسي لرئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل لـ(الكرامة):
مسؤول مصري كبير وضعني في الصورة يوم الحرب..
البرهان دفعتي في الدراسة وابن منطقتي ..
القصة الكاملة والرواية الحقيقية للحرب لم تحكى بعد!!
يجب أن نجعل من هذه الحرب آخر الحروب بالسودان
المخازي والجرائم التي حدثت لا يفعلها سوداني
(….

.) هذا ما كشفت عنه الحرب
‫جار السوء من أكثر الظواهر المؤلمة والمحزنة في هذه الحرب
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.
ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار فيهنن دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو الوزير السابق حاتم السر المستشار السياسي لرئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، فإلى تفاصيل ما دار بالحوار:
أين كنت أول يوم في الحرب؟
عندما قامت الحرب كنت في القاهرة، أتيت إليها قادمًا من الخرطوم وذلك قبل الحرب باشهر ، وكنت مرافقًا لشقيقي الذي أتى مستشفيًا في زيارة علاجية.
كيف علمت بنبأ الحرب؟
ساهرت طويلًا يوم الجمعة، ولذلك صبيحة يوم السبت 15أبريل 2023 عندما تم الإعلان عن اندلاع الحرب، لم أكن أعلم بذلك، وناس البيت قرروا يتابعوا الأخبار وما يصحوني من النوم إلّا أنّ الوالدة-أطال الله عمرها- استخدمت صلاحياتها وأمرت بإيقاظي وإخباري بنبأ الحرب، وبالفعل نهضت منزعجًا ووجدت كل ناس البيت متحلقين حول التلفزيون، تابعت معهم قليلًا ثم فتحت الموبايل.
من هو أول شخص هاتفته؟
طبيعي جدًا أن تكون أول مكالمة مع السودان، ولكن خطوط الاتصال مع السودان لم تكن سالكة وكانت مشغولة وعليها ضغط شديد، في تلك اللحظات قلت أتصل مباشرة بالأصدقاء من قيادات الجيش لمعرفة حقيقة الأمر-” وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ “-ديل أكتر ناس ممكن تعرف منهم عواقب الأمور ومآلها وما تصير إليه.
من هي القيادات العسكرية التي فكرت في الاتصال بها؟
سبحان الله لدي شبكة علاقات معرفية واسعة داخل قيادة الجيش، فبحكم الزمالة أيام الدراسة فالقائد العام الفريق البرهان دفعتي في الدراسة، وكذلك رئيس هيئة الأركان الفريق محمد عثمان الحسين، وأيضًا الفريق مهدي رئيس القضاء العسكري دفعتي في الجامعة، وغيرهم كثير من المعارف والأهل من أبناء البسابير وحجر العسل من كبار ضباط الجيش السوداني، وبكل أسف كانت جميع خطوط هواتفهم خارج الخدمة.
إذن، كيف تصرفت بعد ذلك؟
اتصلت بصديق مسؤول مصري كبير وكان متابعًا ما يجري في قاعدة مروي الجوية فوضعني في الصورة الحقيقية، وعززت ذلك باتصال مع مسؤول أمني وعسكري في بعثة السودان الدبلوماسية بمصر، وتأكدت من أنها الحرب.
هل كنت تتوقع اندلاع هذه الحرب؟
نعم، كنت أكاد أرى الحرب بالعين المجردة نتيجة الاحتقان الذي كان سائدًا ونتيجة الإرهاصات والمقدمات التي كانت بائنةً، وكنت أقول إنّ انفجار الأوضاع العسكرية المسلحة بين الجيش السوداني الوطني وقوات الدعم السريع ما هي إلّا مسألة وقت ليس إلّا، وقد اثبتت الأيام صحة توقعاتنا.
كيف تصف الحرب الحالية الدائرة في البلاد؟
السودان عرف الحروب مبكرًا، والشعب السوداني شهد كل فنون وجنون الحروب، ولكنه لم ير في تاريخه مثل هذا الصنف من الحروب. نعم الحرب الحالية مختلفة وليست كسابقاتها، فهي ذات طبيعة غير مسبوقة، وتتميز باتساع نطاقها الجغرافي الشامل، وتداخل البعدين الدولي والإقليمي، فهي ليست حربًا أهليةً على الإطلاق، بل إنّها عدوان أجنبي على السودان، ويكفي دليلًا على صحة ما نقول إنّ هذه المخازي والجرائم التي حدثت أثناء الحرب لا يمكن أن يفعلها سوداني ولا تشبه سلوك السودانيين.
ما هي الإجراءات الاحترازية التي قمت بها حين اندلاع الحرب؟
على الرغم بأنّ هذه الحرب لم تكن مباغتةً ولا مفاجئةً بل كانت متوقعة وإرهاصاتها واضحة وبائنة، إلّا أن لا أحد قام باتخاذ أية إجراءات احترازية قبلية، والسبب لأنه ما كان في إنسان سوداني يتوقع ولا في الخيال مثل هذا الذي حصل!! أما الاحترازات البعدية فلم تكن ذات جدوى لأنّ من قاموا بها لم تشفع لهم، فيكفي أنّ بعض الناس نجحوا في إخراج وترحيل جزءٍ من ممتلكاتهم من العاصمة وخزنوها في بعض الولايات، ولكن سرعان ما وصلتها الحرب هناك وكان مصيرها الشفشفة المعروفة والضياع.
ما هي أسباب اندلاع الحرب؟
السودان عرف الحروب منذ أمدٍ بعيد، وتتعدد أسبابها، ولكن تظل نتائج الحرب التي لا خلاف حولها واحدة وهي: الموت، والدمار، والخراب، والفقر، والنزوح، والتشرد، وتقسيم البلاد وضياع الموارد البشرية والطبيعية، عليه لكي نجعل من هذه الحرب آخر الحروب في السودان يجب على أهل السودان تنظيم ملتقياتٍ علمية لطرح أسئلة جوهرية حول أسباب اندلاع الحروب واستمرارها؟، وكيفية معالجة جذورها وتجنب تكرارها في المستقبل؟ حتى نخرج بلادنا من الوقوع في دوامة دائرة الحرب الشريرة. وباختصارٍ شديد فإنّ الحرب الدائرة حاليًا أسبابها سياسية قديمة متجددة، والصراعات الداخلية والتدخلات الأجنبية زادت أوارها اشتعالًا، والقصة الكاملة والرواية الحقيقية لهذه الحرب لم تحكى بعد.
عادة فقدتها مع الحرب؟
هذه الحرب غيرت مجرى حياة السودانيين بالكامل، وأجبرت الناس على انتهاج نمط حياتي جديد ما كنا نعرفه ولا يشبهنا كسودانيين (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
تجربة مؤلمة عايشتها أيام الحرب؟
إنّ هذه الحرب المؤلمة إن كان فيها خيرًا فإنّها فرزت المواقف وبينت معادن الناس وفضحت الخونة، وكشفت بما لا يدع مجالًا للشك أن ما ظللنا نردده على عقود طويلة عن تفرد الأمة السودانية بعادات وتقاليد راسخة تحض على الخير وتنهى عن المنكر وتتمسك بالقيم والمثل والأخلاق الحميدة، ما هي عند البعض منا إلّا مجرد فقاعات في الهواء، فقد كشفت هذه الحرب زيف وباطل الوجه القبيح لبعض السودانيين وبالذات جيران السوء الذين حذر منهم نبينا صلّ الله عليه وسلم‫، فليس هناك أسوأ من الجار الذي استغل ظروف الحرب وهتك أسرار جاره، وأشاع أخباره، وسرق متاعه وأغراضه، لقد شاهدنا وسمعنا بجيران في هذه الحرب تحولوا إلى “شواطين” وعفاريت، الواحد فيهم يسرقك إن غفلت عن متاعك وأغراضك، يخونك ويغدر بك، ويتلصص عليك ويؤذيك، يوشي بك ويتجسس عليك، ويشكوك ويحرض عليك، يغار منك ويحسدك، يدعو عليك ويتمنى زوال النعمة عنك. وظاهرة جار السوء تعد من أكثر التجارب المؤلمة والمحزنة في هذه الحرب.
عندما كنت وزيرًا، هل كانت لديك علاقة بالمتمرد “حميدتي”؟
لا أعرفه ولا يعرفني، لا رأيته ولا رآني، وأول مرة في حياتي ألتقيه وجهًا لوجه كان ذلك في إحدى زياراته الرسمية لمصر وهو نائبًا أول لرئيس مجلس السيادة، أتى لزيارة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني والسلام عليه قبل ذهابه لمقابلة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي،و وكانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي أشاهده فيها.
هل تعرضت لمضايقات وتهديد من الميليشيا؟
وو
أنا لم أكن موجودًا في البلد أيام الحرب، لكن قبل أن أغادر إلى الخارج خزنت عفشي وممتلكاتي وأغراضي الشخصية كلها في شنط وصناديق وأغلقتها داخل شقة في الخرطوم، وشيء طبيعي جدًا أن يصيبها ويلحق بها ما أصاب الشعب السوداني من اقتحام لحرمة الشقة وسرقة ونهب محتوياتها بالكامل، وتدمير وتخريب بعض الممتلكات ذات القيمة التراثية المهمة والتي لا تعوض، ولن أنسى أبدًا فظاعة الانتهاكات والجرائم الوحشية التي ارتكبها اللصوص والحرامية والبلطجية الذين يعملون تحت رعاية وحماية الميليشيا.
مأساة عايشتها أيام الحرب؟
مآسٍ عديدة على المستويين الخاص والعام، ولكن تظل خسارتنا في استشهاد صديقنا ودفعتنا الشهيد عبد الفتاح حاج عثمان كرتي خسارةً لا تعوض ومأساةً لا تنسى، وهو كان صديقًا مشتركًا بيننا والرئيس عبد الفتاح البرهان كأبناء دفعة ومنطقة، وكان مكتبه يرحمه الله مكان لقاء أصدقاء المدرسة.
إحساس اللجوء بعيدًا عن الوطن؟
هذه ليست المرة الأولى التي أخوض فيها على المستوى الشخصي تجربة اللجوء والعيش في المنفى محرومًا من الوطن والأهل، فقد عشتها لعقدين من الزمان معارضًا “الإنقاذ” متجولًا بين عواصم العالم، ولكنّ إحساس الغربة والمنفى لم يكن بهذه الدرجة الحالية من المرارة، وذلك لاختلاف الظروف والمعطيات بين تلك التجربة وهذه الأخيرة. في هذه المرة يواجه اللاجئون السودانيون صعوبات اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية متفاقمة، يتضايقون عندما يرددون على مسامعهم “نازحون، لاجئون، وأجانب”، يعيشون حياة الغربة يأكلون ويشربون ويلبسون بلا طعمٍ وبلا روحٍ، والشعور والإحساس العام لدى السودانيين في المنافي بأنهم عالقون بين رحى مطرقة بعض بلدان مضيفة لا ترغب فيهم، وبين سندان وطن لا يسعهم العودة إليه في ظل استمرار الحرب.
هناك استياءٌ عام لما وصلت إليه حال القوى الوطنية، بل وإنّها متهمة مع (تقــــدم) بأنّها أشعلت فتيل الحرب بفعل الصراعات؟
أولًا دعنا نُقر ونعترف بأنّ التدهور الكبير والاضمحلال والتراجع أصبح سمةً بارزةً في كل الاتجاهات والمجالات ولم يعد حصريًا على القوى السياسية السودانية لوحدها، هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى فلا أوافق على إصدار أحكام معممة باتهام كل القوى السياسية السودانية بأنّها أشعلت فتيل الحرب، فمن ساهموا في إشعال الحرب معروفين بسيماهم، ويقال إنّ الحروب كاشفة، وهي بالفعل كذلك، فقد كشفت هذه الحرب مواقف القوى السياسيةع السودانية بمنتهى الوضوح والصراحة وفرزت الألوان البيضاء والسوداء ولا مكان بعد اليوم للرمادي متعدد الوجوه. هذه الحرب عرت المواقف، وكشفت الحقائق، ولم تترك شيئًا لم تدخل فيه وتؤثر عليه: الاقتصاد، السياسة، الرياضة، الثقافة، الاجتماع، العلاقات الأُسرية، الانتماءات الدينية والعلاقات الخارجية مع الدول، وحددت بشكلٍ قاطعٍ من هو الصديق ومن هو العدو وعلى من تعتمد.
هنالك اتهامات أيضًا للأحزاب، بأنّ قرارها أصبح مُختطفًا من الخارج؟
هذا اتهام خاطئ يدحضه أنّ غالبية الأحزاب السياسية السودانية وطنية الانتماء وسودانية التوجه ولا تتلقى تعليمات خارجية، وهذا لا يمنع وجود حالات اختلال في التقديرات السياسية لبعض الأحزاب السودانية.
والصحيح هو: أنّ الأزمة السودانية جرى تدويلها وصارت اليوم حربًا بالوكالة بين قوى خارجية، وأنّ السودانيون إجمالًا سُلبوا القدرة على التأثير في مسار مستقبلهم، بعد أن بات القرار الخاص بالأزمة السودانية في أيدي اللاعبين الدوليين والإقليميين، والقضية خرجت من أيدي السودانيين لأيادي المجتمع الدولي والإقليمي، وهو غير عاجز عن وقف الحرب في السودان إن أراد!! ولكنه ليس راغبًا ولا جادًا في تحقيق ذلك!!
كيف تقرأ الراهن السياسي على ضوء التطورات الأخيرة؟
التطورات الأخيرة العسكرية والأمنية والسياسية الداخلية والخارجية تشير إلى قرب نهاية هذه الحرب، ولا يمكن ضمان الأمن والسلامة والاستقرار في السودان سوى من خلال عملية سياسية شاملة تُرسي آليات حكم متوافق عليها، وتضع حدًّا لإفلات المجرمين من العقاب، وتيسّر إعادة الدمج ونزع السلاح وصولًا إلى جيش واحد موحد، وتوفر القدرة على الوصول إلى القضاء والعدل، وتفضي إلى تشكيل سلطة مدنية من كفاءات وخبرات سودانية مستقلة وغير حزبية تقود المرحلة الانتقالية وصولًا لانتخابات حرة ونزيهة مراقبة دوليًا، يختار فيها الشعب السوداني بإرادته الحرة من يحكمه.
كلمة أخيرة؟
أنصح الأُسر غير المرتبطة ببرنامج علاج أو تعليم بالخارج التفكير في العودة إلى أحضان الوطن والاستقرار في الولايات الآمنة، فالعيش في ربوع الوطن لا يقدر بثمن، وكما قيل لا يعرف قيمة الوطن إلّا من كابد مشقة المنفى والغربة.
أخيرًا نحيي احتفالات الجالياتعغ السودانية العفوية التي خرجت في كل العواصم فرحًا بانتصارات الجيش السوداني على الميليشيا.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: اندلاع الحرب هذه الحرب فی هذه

إقرأ أيضاً:

لا للحرب- شعار انقضى عهده وتجاوزته القوى المدنية والفصائل، وحتمية السلام هي الأبقى

شعار "لا للحرب" يعكس موقفًا محوريًا في الخطاب السياسي بالسودان، لكنه يُفسّر ويُقدّم بشكل مختلف بين القوى المدنية والعسكريين. كل فصيل حزبي أو تيار سياسي يضفي رؤيته الخاصة على هذا الشعار، وفقًا لأجندته وموقفه من الصراع. هنا تحليل لمضمون الخطاب لكل فصيل:
القوى المدنية
القوى المدنية في السودان، خاصة تلك التي تشمل قوى الحرية والتغيير والجماعات الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني، تستخدم شعار "لا للحرب" لتعزيز رؤيتها لحل النزاعات بطريقة سلمية ورفض العنف كوسيلة لحسم الصراعات السياسية. مضمون خطابهم يدور حول:
الحل السلمي والتفاوض: القوى المدنية ترى أن الحروب والصراعات المسلحة تزيد من تعقيد الأزمات ولا تحقق الاستقرار. لذا، تدعو إلى مفاوضات شاملة تشمل جميع الأطراف، وترى أن الحوار هو السبيل الوحيد لتحقيق التغيير والإصلاح.
دولة القانون والديمقراطية: تركز القوى المدنية على ضرورة بناء دولة مدنية قائمة على سيادة القانون والعدالة الانتقالية، وتعتبر أن إنهاء الحرب هو خطوة ضرورية لإعادة بناء المؤسسات الديمقراطية في السودان.
رفض التدخل العسكري في السياسة: القوى المدنية تستغل هذا الشعار لرفض سيطرة العسكريين على السلطة، حيث تعتبر أن استمرار الحروب يُستخدم كذريعة من قبل العسكريين للبقاء في السلطة وتأجيل الانتقال الديمقراطي.
حماية المدنيين الشعار يحمل دعوة لحماية المدنيين من ويلات الحروب والنزاعات المسلحة، خاصة في مناطق النزاع مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث تعاني المجتمعات المحلية من التداعيات الكارثية للصراعات.
العسكريون
العسكريون، سواء من القوات المسلحة السودانية أو الدعم السريع، لديهم مقاربة مختلفة لشعار "لا للحرب". في معظم الأحيان، يعتبرون الحروب جزءًا من استراتيجيتهم لحماية الأمن القومي أو المحافظة على الوحدة الوطنية. مضمون خطابهم يعكس:
الأمن والاستقرار العسكريون يرون أن الحروب أحيانًا ضرورية للحفاظ على الأمن والاستقرار، خاصة في مواجهة التهديدات الأمنية من الحركات المسلحة أو الجماعات المتمردة. شعار "لا للحرب" قد يتم تفسيره في سياق استتباب الأمن من خلال "الحسم العسكري".
الحفاظ على السيادة خطاب العسكريين يتحدث عن أهمية الحفاظ على سيادة الدولة السودانية ووحدة أراضيها، وأن الحرب أداة مشروعة في حال تهديدات داخلية أو خارجية تمس السيادة.
مكافحة الإرهاب والتمرد يستخدم العسكريون الحرب كوسيلة لمكافحة ما يعتبرونه "تمردًا" أو "إرهابًا"، ويشددون على أن الحفاظ على السودان يحتاج إلى قوة عسكرية فاعلة تتصدى لمثل هذه التهديدات.
دور الجيش كضامن للوحدة الوطنية كثير من العسكريين ينظرون إلى الجيش على أنه المؤسسة الوحيدة القادرة على ضمان وحدة السودان، ويعتبرون أن الحروب أداة لتأمين هذه الوحدة. في خطابهم، هناك إشارة إلى أنهم "لا يرغبون في الحرب" لكنهم مستعدون لخوضها إذا لزم الأمر لحماية السودان من التفكك أو الفوضى.
مواقف الفصائل الحزبية
الأحزاب اليسارية والتقدمية (مثل الحزب الشيوعي) تتبنى موقفًا رافضًا للحروب تمامًا، وتعتبرها استمرارًا لنظام الهيمنة العسكرية. خطاب هذه الأحزاب يؤكد على الحاجة للسلام العادل والشامل من خلال الحلول السياسية والمفاوضات، ويرفضون بشدة استخدام القوة في حل النزاعات الداخلية.
الأحزاب القومية والإسلامية (مثل المؤتمر الوطني وحركة الإصلاح الآن): تدافع أحيانًا عن استخدام القوة المسلحة كأداة لحماية الدولة من "التمرد" أو "الفوضى". قد تتبنى موقفًا أقل وضوحًا بشأن شعار "لا للحرب"، لكنها تركز على ضرورة وجود جيش قوي لحماية وحدة الدولة ضد التهديدات، مع الإشارة إلى أن الحروب فرضت عليهم.
الحركات المسلحة (مثل حركة تحرير السودان والحركة الشعبية): هذه الحركات تتبنى خطابًا مزدوجًا. من جهة، تدعو إلى "لا للحرب" وترى أن السلام هو الحل الأمثل، لكنها ترى في حمل السلاح ضرورة لمواجهة ما تصفه بالظلم والتهميش. لذا، خطابهم غالبًا ما يكون مرتبطًا بشروط سياسية لتحقيق السلام، منها العدالة والمساواة.
التحليل العام
التباين الأيديولوجي كل فصيل يستخدم شعار "لا للحرب" وفقًا لأيديولوجيته وقراءته للواقع. القوى المدنية تميل إلى تبني الشعار بمعناه الحرفي لتعزيز الحوار والديمقراطية، بينما العسكريون وبعض الحركات المسلحة قد يتبنون موقفًا أكثر براغماتية، حيث يرون الحرب كأداة لتحقيق السلام بشروطهم.
تأثير الجمهور شعار "لا للحرب" يُستخدم من كل فصيل للتأثير على الشارع السوداني وكسب تعاطف الجماهير. القوى المدنية تستهدف الفئات المتعلمة والشباب والناشطين، بينما العسكريون يوجهون خطابهم إلى الفئات التي ترى في الجيش ضمانة للأمن.
الصراع بين المدنية والعسكرية يتجلى في الشعار الانقسام الواضح بين الرؤية المدنية التي تطالب بتغيير جذري وسلمي وبين الرؤية العسكرية التي تسعى إلى الحفاظ على النظام والاستقرار من خلال الحسم والقوة.
شعار "لا للحرب" يتخذ معانٍ مختلفة بين القوى المدنية والعسكريين في السودان. القوى المدنية تراه كدعوة لإنهاء العنف وتعزيز التحول الديمقراطي، بينما العسكريون يرونه كوسيلة لتحقيق الأمن والاستقرار في ظل التهديدات المستمرة.
هل تجاوز الوضع علي الأرض هذا الخطاب السياسي والشعار
نعم، يبدو أن الوضع على الأرض في السودان قد تجاوز في كثير من الأحيان الخطاب السياسي والشعارات مثل "لا للحرب". على الرغم من أن هذا الشعار يعكس نوايا السلام والرفض للعنف، إلا أن الأحداث الميدانية وتطورات الصراع السوداني تجاوزت هذا الخطاب، لأسباب عدة، منها:
التصعيد العسكري المستمر
على الأرض، يستمر الصراع المسلح بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع، إضافة إلى النزاعات في مناطق أخرى. الحرب لم تعد مجرد وسيلة للحفاظ على السلطة أو فرض الهيمنة السياسية، بل أصبحت جزءًا معقدًا من الصراع الذي يشمل عوامل إقليمية، قبلية، وسياسية. الأحداث العسكرية المتكررة والمعارك العنيفة تجاوزت الشعارات السلمية، حيث أصبحت الحلول السياسية بعيدة المنال في ظل غياب الإرادة الحقيقية للتفاوض ووقف إطلاق النار.
التأثير الإنساني الكارثي
الأوضاع الإنسانية الكارثية في مناطق النزاع، خاصة في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، جعلت شعار "لا للحرب" يبدو غير واقعي، حيث يعيش الملايين تحت تهديد القتل والنزوح والمجاعة. تطور الوضع ليصبح قضية وجودية بالنسبة للمدنيين، الذين يعانون من انعدام الأمن والاحتياجات الأساسية، بينما تظل القوى السياسية والمسلحة مشغولة بمعاركها.
تداخل المصالح الإقليمية والدولية
الوضع في السودان أصبح معقدًا بشكل كبير نتيجة لتدخلات قوى إقليمية ودولية تدعم مختلف الأطراف. هذه التدخلات تزيد من تعقيد الأزمة، حيث أن الجهات الخارجية قد تكون لديها مصالح لا تتماشى مع إنهاء الحرب أو تسوية النزاعات سلمياً. هذا التأثير الخارجي أدى إلى زيادة عسكرة الصراع وجعله أكبر من مجرد خطاب سياسي داخلي.
ضعف المؤسسات السياسية والمدنية
في ظل الانهيار المستمر للدولة السودانية ومؤسساتها، يبدو أن الخطاب السياسي المدني، الذي يدعو إلى السلام والديمقراطية، أصبح أقل فعالية. القوى السياسية المدنية تواجه تحديات كبيرة في ظل ضعفها أمام قوة العسكريين والجماعات المسلحة. ما يزيد من تعقيد الوضع هو عدم قدرة هذه القوى على فرض نفوذها أو التأثير الفعلي على الأطراف العسكرية لوقف القتال أو الدخول في حوار جدي.
تفكك التحالفات السياسية
التحالفات السياسية التي كانت تقف وراء شعار "لا للحرب"، مثل قوى الحرية والتغيير، تآكلت بشكل كبير مع مرور الوقت. انقسامات هذه القوى وتحالفاتها المتغيرة أثرت على فعاليتها في الضغط من أجل السلام، مما جعل شعار "لا للحرب" يفقد زخمًا سياسيًا، خاصة مع عدم وجود تحالف قوي ومستدام يدعمه.
تغير المزاج الشعبي
مع استمرار الحرب وتزايد معاناة الشعب السوداني، تغير المزاج الشعبي تجاه الشعارات السياسية. المدنيون الذين كانوا يدعمون "لا للحرب" أصبحوا أكثر تشاؤمًا وانهزامًا في ظل غياب نتائج ملموسة. بالنسبة للكثيرين، لم يعد الشعار يعكس واقعهم اليومي من الخوف والجوع والنزوح، بل أصبح يُنظر إليه كجزء من الخطاب النخبوي الذي لا يرتبط مباشرة بحياتهم المأساوية على الأرض.
التحول من السياسة إلى البقاء
الأوضاع على الأرض دفعت العديد من السودانيين للتركيز على البقاء بدلاً من القضايا السياسية الكبرى مثل السلام أو الديمقراطية. في ظل غياب الأمن وانتشار الفوضى، أصبح الكثيرون مشغولين بتأمين حياتهم اليومية والبحث عن ملاذ آمن بدلاً من المشاركة في النقاش السياسي.
الوضع على الأرض في السودان تجاوز بكثير خطاب "لا للحرب" الذي تتبناه القوى السياسية والمدنية. في ظل التصعيد العسكري المستمر، وتفاقم الأوضاع الإنسانية، وتداخل المصالح الإقليمية والدولية، وغياب الحلول السياسية الفعالة، أصبح الصراع أعمق وأكثر تعقيدًا من أن يحل بشعار سياسي. يتطلب الأمر تحركات أكبر من مجرد شعارات، تشمل وقفًا حقيقيًا لإطلاق النار، وضغطًا دوليًا جادًا، وحوارًا سياسيًا يشمل جميع الأطراف لتحقيق السلام المستدام
الأوضاع العسكرية المتفاقمة على الأرض في السودان، إلى جانب التشابكات الإقليمية والدولية، قد جعلت من شعارات مثل "لا للحرب" تبدو أحيانًا غير واقعية في ظل الظروف الراهنة. على الرغم من أهمية هذا الشعار في الخطاب السياسي المدني، فإن الواقع الميداني يعكس تجاوزًا لهذا الخطاب. عدة عوامل ساهمت في هذا التجاوز
التصعيد العسكري استمرار العمليات العسكرية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، إلى جانب النزاعات في مناطق أخرى مثل دارفور وكردفان والنيل الأزرق، يجعل السلمية تبدو بعيدة المنال.
الحرب باتت أداة لتحقيق السيطرة السياسية، مما يقلل من فرص تطبيق الحلول السياسية.
الأوضاع الإنسانية الحرب أدت إلى كارثة إنسانية، مع معاناة الملايين من النزوح والجوع وانعدام الأمن. شعار "لا للحرب" رغم نُبله، أصبح لا يعبر عن الواقع اليومي للمدنيين الذين يواجهون تحديات وجودية.
التدخلات الإقليمية والدولية المصالح الخارجية تزيد من تعقيد الصراع السوداني، حيث تدعم بعض القوى أطرافًا معينة في الصراع. هذه التدخلات تمنع حدوث تسوية سلمية سريعة، وتعزز عسكرة الصراع.
ضعف المؤسسات السياسية والمدنية القوى المدنية تفتقر إلى القدرة الفعلية للضغط من أجل السلام أو تحقيق أي تقدم ملموس في المفاوضات السياسية، مما يقلل من فعالية خطابها.
تحول المزاج الشعبي المدنيون الذين كانوا يأملون في تحقيق السلام عبر الحوار أصبحوا يشعرون بالتشاؤم واليأس بسبب طول أمد الصراع وانعدام الحلول الواقعية.
التحول من السياسة إلى البقاء مع تزايد الأزمات، انصب تركيز الكثير من المواطنين على البقاء، مما جعل الخطاب السياسي حول السلام يبدو أقل إلحاحًا مقارنة بالصراع من أجل الحياة اليومية.
بناءً على هذه العوامل، يبدو أن الصراع في السودان دخل مرحلة تتجاوز فيها الشعارات السياسية البسيطة مثل "لا للحرب"، وأصبح يتطلب حلولًا أعمق تتضمن وقف إطلاق النار، مشاركة شاملة للأطراف المتصارعة، وضغطًا دوليًا فعالًا من أجل إنهاء الأزمة.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • قطر وبربادوس والوقوف مع الحق السوداني والإنساني
  • ممنوعة من التمثيل بدون أسباب.. القصة الكاملة لأزمة راندا البحيري
  • وفاة الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم.. الموت في زمن الشتات ورحيل هرم شعري ناطق
  • عاجل - السر الأكبر.. لماذا لا يفتح حزب الله النار الكاملة على إسرائيل رغم الهجمات؟
  • من المحاكم إلى الاعتذار.. القصة الكاملة لـ صلح شيرين عبد الوهاب وشقيقها
  • القصة الكاملة للاعب مؤمن زكريا بعد اكتشاف أعمال سحرية له بإحدى المقابر
  • هل مرض مؤمن زكريا بسبب السحر؟.. القصة الكاملة
  • لا للحرب- شعار انقضى عهده وتجاوزته القوى المدنية والفصائل، وحتمية السلام هي الأبقى
  • من «حامي الأرواح» إلى «منتهك الثقة».. أطباء التحرش بالأقصر ومقطع صوتي يكشف عن المستور (القصة الكاملة)