"الحوسبة الكمية".. بوابة المستقبل الرقمي وعصر جديد من الثورة التكنولوجية
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
◄تنافس دولي في مجال الحوسبة الكمية.. والصين تحرز تقدما في تجربة الاتصالات الكمية
◄ نجاح إجراء أول مكالمة مرئية عبر شبكة اتصالات كمية غير قابلة للاختراق
◄ شركات التكنولوجيا العملاقة تحقق تقدما علميا في صناعة المعالجات الكمية
◄ الحوسبة الكمومية تعتمد على استخدام قواعد فيزياء الكم
◄ الحواسيب الكمية قادرة على معالجة البيانات والمعلومات بطريقة سريعة
◄ يمكن استخدام الحوسبة الكمية في التشفير وتعزيز الأمان والخصوصية
◄ يستفيد الذكاء الاصطناعي من الحوسبة الكمية في تحليل البيانات
الرؤية - سارة العبرية
يؤكد عددٌ من المختصين أن الحوسبة الكمية تشكل نقلة نوعية ومستقبلا جديدا في مجالات التكنولوجيا وتطوير أدواب وممارسات الذكاء الاصطناعي، إذ تعتمد على أساسيات الفيزياء والرياضيات الكمية؛ لتسريع عمليات الحوسبة وتحليل البيانات، لافتين إلى أن الثورة المُقبلة في مجال المعلوماتية ستتحقق عن طريق الحوسبة الكمية، وذلك بفضل القدرات الهائلة التي تقدمها في معالجة المعلومات وإتمام المهام التي تعتبر مستحيلة لأقوى الحواسيب التقليدية.
ومن المتوقع أن يبلغ حجم سوق الحوسبة الكمومية 2.17 مليار دولار بحلول عام 2028، وفقًا للتقرير العالمي للعام 2022 حول سوق الحوسبة الكمومية.
ويوضح الدكتور ناصر بن محمد آل فنة مدير مكتب البرامج التقنية بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، أن الحوسبة الكمية أو الحوسبة الكمومية تعد طريقة جديدة للحوسبة باستخدام قواعد فيزياء الكم (Quantum Physics)؛ إذ إنَّ الحواسيب العادية تستخدم البتات التقليدية (Bits) المتمثلة في الصفر والواحد (0 1) وهي حالة التشغيل (1) وحالة الإيقاف (0)، في حين تستخدم الحواسيب الكمية الكيوبتات (Qubits) والتي تحتمل أن تكون "الكيوبت" الواحدة في حالة تشغيل وحالة إيقاف في نفس الوقت، مضيفًا أن هذه الميزة الفريدة تتيح للحواسيب الكمية معالجة المعلومات بطريقة مختلفة وغالبا ما تكون أسرع من الحواسيب العادية، كما يتيح ذلك للحواسيب الكمية القيام بالعديد من المهام في وقت واحد.
ويشير إلى أن الحوسبة الكمية ما زالت قيد التطوير وأن العالم مايزال على بُعد بضع سنوات من وجود حواسيب كمية فعالة وعملية ومتوفرة تجاريا.
من جانبه، يقول الدكتور سالم بن حميد الشعيلي مدير مشاريع الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، إن الحوسبة الكمية تختلف عن الحوسبة التقليدية في العديد من الجوانب بما في ذلك الوحدات الأساسية؛ إذ إن الحوسبة الكمية تستخدم الوحدات الكمومية بدلاً من البتات المستخدمة في الحوسبة التقليدية، وكذلك في التراكب والتشابك الكمومي حيث تعتمد الحوسبة الكمية على مفاهيم الفيزياء الكمية، مثل حالة التراكب الكمي والتشابك الكمي للقيام بمعالجة البيانات، إلى جانب القدرة على معالجة المعلومات الكبيرة والمعقدة؛ كما تتميز الحوسبة الكمية بالقدرة على معالجة المعلومات الكبيرة والمعقدة بشكل أسرع وأكثر كفاءة من الحواسيب التقليدية، وتُتيح الحوسبة الكمية إمكانية حل المشاكل الكبيرة والمعقدة، مثل محاكاة تفاعلات الجزيئات وتحليل الأمان في الشبكات، مبيّنا أنه من المتوقع أن تكون هذه المميزات مفيدة في العديد من المجالات في المستقبل، بما في ذلك المجالات العلمية مثل الكيمياء والفيزياء وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق وتحليل البيانات الكبيرة.
ويتابع أنه يمكن استخدام الحوسبة الكمية في مجالات مثل التشفير والتحسين الأمثل، فالتشفير الكمومي يعتمد على استخدام الخوارزميات الكمومية لتشفير البيانات وتحسين الأمان والخصوصية، أما التحسين الأمثل فيستخدم في مجالات مثل الأعمال التجارية والمالية والصناعية، وذلك عن طريق تحليل البيانات الكبيرة وتحسين قدرة الحوسبة على اتخاذ القرارات الأمثل، بينما التحليل الكمومي يمكن استخدامه في تحليل البيانات الكبيرة والمعقدة باستخدام الخوارزميات الكمومية لتحليل البيانات واستخراج المعلومات منها.
ويبيّن الشعيلي أن طريقة التعلم الآلي الكمومي في الحوسبة الكمية تعتمد على الخوارزميات الكمومية لتحليل البيانات وتحسين قدرة الحوسبة على التعلم، أما المحاكاة الكمومية تستخدم لمحاكاة العمليات الكمومية في الطبيعة، مما يُمكّن من تحليل البيانات وتطوير النماذج الرياضية.
ويوضح الدكتور ناصر بن محمد آل فنة أن الذكاء الاصطناعي يستفيد من الحوسبة الكمية من خلال تسريع العمليات الحسابية، وهو ما يُتيح المجال لتحليل البيانات وتدريب الذكاء الاصطناعي بكفاءة عالية، ويمكن للحواسيب الكمية تحسين البحث والتعلم الآلي، مما يجعل الأنظمة الأساسية للذكاء الاصطناعي أكثر فعالية ودقة وقدرة.
ويقول الدكتور سالم العشيلي: "هناك طرق متنوعة لكي يستفيد الذكاء الاصطناعي من الحوسبة الكمية، مثل تحسين الأداء وذلك بتحسين أداء الذكاء الاصطناعي عن طريق تسريع عمليات التعلم العميق وتحليل البيانات الكبيرة، وتحسين دقة التنبؤ إذ يمكن للحوسبة الكمية تحسين دقة التنبؤ في الذكاء الاصطناعي عن طريق تحسين قدرة الحوسبة على معالجة المعلومات الكبيرة والمعقدة، وأيضا تحسين الأمن والخصوصية عن طريق تطوير تقنيات التشفير الكمومي وتحسين قدرة الحوسبة على تحليل البيانات المشفرة، والقدرة على التفاعل مع البيئة عن طريق قدرة الحوسبة على محاكاة العمليات الكمومية في الطبيعة، إضافة إلى القدرة على التعلم الآلي بتحسين قدرة الحوسبة على معالجة البيانات الكبيرة وتحليلها بشكل أسرع وأكثر كفاءة".
آخر التطورات
لا تزال الحوسبة الكمية تصنّف على أنها مجال نظري بحت، ومع ذلك قامت بعض شركات التكنولوجيا العملاقة مثل جوجل و"أي بي أم" وآبل وإنتل، بإحداث تقدم عملي ملحوظ في هذا المجال، ففي شهر مارس الماضي نجحت جوجل في تصنيع معالج كمي يحمل اسم "برايستلكون" بقدرة تبلغ 50 كيوبيت، وهي قدرة تتجاوز قدرات الحواسيب التقليدية، مما يُعرف بالتفوق الكمي.
كما نجحت شركة إنتل في تصنيع معالجها "تانجل ليك" في بداية هذا العام، وكانت "آي بي أم" قد أعلنت في سبتمبر الماضي عن تحقيقها للتفوق الكمي بمعالجها.
ولم يقتصر هذا المجال على شركات التكنولوجيا فقط؛ بل تتنافس فيه الدول أيضا مثل الولايات المتحدة والصين، إذ حققت الصين تقدمًا كبيرًا في تجربة شبكات الاتصالات الكمية؛ حيث نجح علماء صينيون في إجراء تجربة تشابك كمي في العام الماضي، باستخدام شعاع ليزر من قمر صناعي واتجاه موقعين مختلفين بعد تشبيك فوتونين كميين، وبتغيير استقطاب أحدهما، أظهر العلماء أن توأمه الموجود على بعد 1200 كيلومتر قد اتبع نفس الاستقطاب، وهو ما يُظهر نجاح تجربة نقل المعلومات عبر الشبكة الكمية.
بالإضافة إلى ذلك، أجرى باحثون صينيون أول مكالمة مرئية باستخدام شبكة اتصالات كمية، ووصفوها بأنها غير قابلة للاختراق.
خوارزميات التعلم العميق
ويذكر الدكتور ناصر آل فنة أن خوارزميات التعلم العميق تعتمد على تدريب نماذج ذات طبقات متعددة لتمثيل ومعالجة البيانات، وفي الحوسبة الكمية يمكن استخدام هذه الخوارزميات لتطوير وتحسين خوارزميات الحوسبة الكمية نفسها، أو الاستفادة من قدرات الحواسيب الكمية لتسريع عمليات التدريب والتحليل في التعلم العميق، كما يرى أن الحواسيب الكمية سُتمكن من تحقيق تقدم كبير في مجال التعلم العميق عندما تصبح تقنية الحوسبة الكمية أكثر نضجًا واستقرارًا.
ويضيف: "النفق الكمي ظاهرة تمر فيها الجسيمات عبر حواجز لا ينبغي أن تكون قادرة على التغلب عليها الظروف التشغيلية الطبيعية في الحوسبة الكمية، ويمكن أن يكون النفق مفيدًا لإيجاد بعض الحلول المتطورة، ولكن يمكن أيضا أن يتسبب النفق في حدوث أخطاء؛ حيث قد تؤدي أحداث النفق غير المقصودة إلى فقدان المعلومات الكمية أو تؤدي إلى أخطاء حسابية، ,لمعالجة هذا الأمر يعمل المهندسون على تصميم كيوبتات أفضل، ويستخدمون تقنيات مبتكرة لتصحيح الخطأ الكمي، ويبحثون عن مواد أفضل لتعزيز العزل المادي والحماية للأجهزة الكمية، وفي حين أن النفق يمثل تحديا، فهو أيضا ميزة رئيسية تجعل الحوسبة الكمية فريدة من نوعها".
ويلفت الدكتور سالم الشعيلي إلى أنه يمكن للحواسيب الكمية تجاوز الحواجز الكمية وتحقيق قفزة نوعية في قدرتها على معالجة البيانات وذلك كون الحواسيب الكمية تعتمد على مفاهيم الفيزياء الكمية مثل التراكب الكمي والتشابك الكمي لتنفيذ عمليات المعالجة، وأنه بفضل هذه الخصائص الكمية ستعالج البيانات بشكل موازٍ وفعّال وتحليلها بسرعة أكبر من الحواسيب التقليدية.
التحديات
من أبرز التحديات في الوقت الحالي أن الأجهزة تُصدر ضوضاء عالية وهي عُرضة للقيام بعمليات حسابية خاطئة، بالإضافة إلى صعوبة قابلية التوسع مع زيادة عدد الكيوبتات التي تؤدي إلى المزيد من الأخطاء، ونقص خوارزميات الكم الفعالة لمهام الذكاء الاصطناعي، إذ لا تزال البرمجة الكمية حديثة العهد والتفاعل بينها وبين الأنظمة الحواسيب التقليدية يمثل تحديًا، كما أن هناك نقص في الخبراء المتمرسين في كل من الكم والذكاء الاصطناعي.
ويؤكد الدكتور سالم الشعيلي أن الحواسيب الكمية أصبحت مُكلفة جدًا وتحتاج إلى تقنيات وموارد متخصصة لتصميمها وتصنيعها، مما يجعلها غير متاحة للجميع، كما تتطلب الحواسيب الكمية مستويات عالية من التحكم والاستقرارية؛ حيث تتأثر نتائج الحسابات بالتداخلات الخارجية والتشويش، بالإضافة إلى أن الحواسيب الكمية تواجه التحديات الفيزيائية مثل الحفاظ على الاستقرارية الكمومية وتقليل الأخطاء الكمومية، كما تواجه التحديات الأمنية في تطوير تقنيات التشفير الكمومي وتحليل البيانات الحساسة، مما يتطلب مستويات عالية من الأمان والحماية.
ويرى الدكتور ناصر آل فنة أن الحوسبة الكمية لديها القدرة على إحداث ثورة في جوانب مختلفة من الذكاء الاصطناعي، وتُتيح عمليات محاكاة أكثر دقة للأنظمة مثل العمليات البيولوجية أو النماذج المناخية، ويمكن تسريع اكتشاف الأدوية بشكل كبير عن طريق الاستفادة من محاكاة ميكانيكا الكم للتفاعلات الجزيئية، وقد تحقق خوارزميات التعلم الآلي المحسنة بالحوسبة الكمية دقة أفضل ببيانات أقل أو دورات تدريب أقل، وتوفر الخوارزميات الكمية حلولًا في معالجة اللغة الطبيعية؛ حيث يمكن تحسين مهام مثل تحليل المشاعر أو الترجمة الآلية نظراً لقدرة الحواسيب الكمية على معالجة كميات هائلة من البيانات في وقت واحد.
ويشير إلى أنه يمكن أن تدعم قوة معالجة الحوسبة الكمية أيضا التحليلات والقرارات بصورة لحظية بناءً على تدفقات البيانات المكثفة، وعلى الرغم من عدم وجود الذكاء الاصطناعي بشكل مؤطر ومضبوط، إلا أن الجمع بين الذكاء الاصطناعي والبيانات المشفرة الكمية يمكن أن يؤدي إلى أنظمة أكثر أمانًا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی الدکتور ناصر یمکن استخدام على معالجة تعتمد على عن طریق فی مجال إلى أن
إقرأ أيضاً:
الاستثمار في عصر الذكاء الاصطناعي «استراتيجيات، فرص، وحوكمة»
في عالمنا متسارع التغير، يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولاً جذريًا في كيفية اتخاذ قرارات الاستثمار، وإدارة المحافظ، وتحسين العوائد. ورغم أن الإمكانيات الكاملة لهذه التقنية لن تتحقق على المدى القريب، إلا أن الذكاء الاصطناعي يُظهر بالفعل قدرات واعدة في تعزيز اتخاذ قرارات أذكى ورفع كفاءة خلق القيمة. المستثمرون اليوم يستفيدون من الذكاء الاصطناعي للبحث عن «ألفا»، أي العوائد الاستثمارية الإضافية، وبناء قدرات مؤسسية تُمهّد لمرحلة أداء متطور في المستقبل.
لطالما اعتمد اتخاذ القرار الاستثماري على البيانات والحُكم البشري. وتقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي طرقًا جديدة كليًا للعمل، من خلال تبسيط الإجراءات وكشف فرص كان من الممكن أن تغيب عن التحليل التقليدي.
إن قدرة الذكاء الاصطناعي على معالجة وتوليف البيانات على نطاق واسع يمكن أن تُحدث نقلة نوعية في مجال اكتشاف الصفقات، من خلال التعرف على الاتجاهات الخفية في السوق والفرص الواعدة. ويمكن للتحليلات المتقدمة أن ترصد الصناعات الناشئة أو الأصول التي لم تُقيَّم بعد بشكل مناسب، قبل أن ينتبه إليها المنافسون، مما يمنح المستثمرين ميزة تنافسية مهمة. وعند استخدام الذكاء الاصطناعي في مرحلة التحقق من الجدارة، يمكن أن يوفر رؤى أعمق عبر تحليل قواعد البيانات والمخاطر السوقية والجيوسياسية، بالإضافة إلى قياس المزاج العام في السوق، مما يتيح رؤية شاملة للاستثمارات المحتملة.
وبعد إتمام صفقة الاستحواذ، يمكن لإدارة المحافظ في الوقت الفعلي، والمدعومة بالذكاء الاصطناعي، أن تُسهم في تحقيق قيمة أكبر. وتُتيح هذه المرونة للمستثمرين تعديل استراتيجياتهم بشكل ديناميكي، والمحافظة على القيمة في الشركات ضمن محافظهم الاستثمارية. إن استخدام الذكاء الاصطناعي عبر دورة الاستثمار بأكملها لا يعزز الكفاءة فقط، بل يضمن أيضًا فعالية القرارات، من خلال الاعتماد على رؤى قوية واستشرافية للمستقبل.
من المكاسب التشغيلية
إلى إيجاد القيمة الاستراتيجية
من أجل صياغة استراتيجيتها في مجال الذكاء الاصطناعي وإدارة محفظتها الاستثمارية، تواصل «مبادلة» دراسة التوجهات الكبرى والاضطرابات والمتغيرات الناشئة التي تشكل ملامح الاقتصاد العالمي. وقد تناولت ورقة بحثية حديثة، أُعدّت بالتعاون مع صندوق (إم. جي. إكس) المتخصص في الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، وشركة «باين آند كومباني»، تحت عنوان «الذكاء الاستثماري: صندوق الاستثمار المستقبلي»، كيف تتعامل كبرى شركات الاستثمار حول العالم مع الذكاء الاصطناعي. وقد كشفت الورقة أن الاستخدام الحالي للذكاء الاصطناعي لا يزال في مراحله الأولية، إذ يُستخدم أساسًا لتعزيز كفاءة الأداء البشري، إلا أن الإمكانيات المتاحة لاستخدام هذه التقنية تبقى هائلة.
فمن بين 30 شركة استثمار مباشر استطلعت آراؤها، يبلغ إجمالي أصولها تحت الإدارة 3.2 تريليون دولار، لا يتوقع سوى 2% من الشركاء العموميين تحقيق قيمة كبيرة قائمة على الذكاء الاصطناعي خلال هذا العام، بينما توقّع 93% منهم تحقيق فوائد تتراوح بين متوسطة وكبيرة خلال السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة. الشركات الرائدة في هذا المجال بدأت بالفعل في التقدم على منافسيها من خلال تكوين فرق متخصصة من علماء البيانات. وقد بدأت بعض هذه الفرق منذ أكثر من عقد من الزمن، مما أتاح لها إنشاء بيئة رقمية متكاملة وتفعيل مجموعة من العناصر الأساسية لبناء ميزة تنافسية في إدارة الاستثمار. وعندما طُرِح السؤال حول: أين تكمن أعظم فرص خلق القيمة عبر الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي؟ أشار المستثمرون إلى تحسين أداء الشركات الموجودة ضمن محافظهم الاستثمارية. ووفقًا للدراسة، فإن 18% من الصناديق بدأت فعليًا في تحقيق قيمة تشغيلية من خلال تطبيقات عملية للذكاء الاصطناعي داخل هذه الشركات. وتتخذ العديد من الصناديق نهجًا فاعلًا من خلال تقديم أدوات ومنصات تتيح لتلك الشركات متابعة تحركات المنافسين والتعرف على فرص الاستحواذ السريعة، وثمة أيضًا صناديق تعمل على إقناع شركات محفظتها بتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي لاستخدامات محددة، وتوفّر لها الفرق المختصة والأدوات اللازمة والتدريب المطلوب لتنفيذ ذلك.
بناء شركات استثمارية
مدعومة بالذكاء الاصطناعي
السؤال الأهم الذي يشغل كبار مسؤولي الاستثمار حول العالم هو: كيف يمكن الاستعداد للاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي؟ والإجابة تبدأ بوضع استراتيجية بيانات مناسبة وبنية أساسية قوية، إلى جانب أنظمة حوكمة صارمة وآليات للتحقق من مصادر البيانات وضمان الالتزام بالمعايير. إن الشركات الاستثمارية تمتلك كميات ضخمة من البيانات، والقدرة على إدارتها بفعالية يمنحها ميزة تنافسية كبيرة.
من المتوقع أن تؤدي تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى تغييرات هيكلية في طبيعة عمل المؤسسات. حيث ستصبح الفرق أصغر حجمًا وأكثر تركيزًا على المناصب القيادية، كما ستتطور المهارات المطلوبة من الموظفين، إذ سيعمل خبراء في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي جنبًا إلى جنب مع محترفي الاستثمار. ويُتوقّع أن يشهد دور خبراء الاستثمار أنفسهم تطورًا كبيرًا، وقد بدأت العديد من الصناديق بالفعل في تدريب فرقها لاكتساب الكفاءة في مجال الذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك، فإن الإمكانيات التحويلية للذكاء الاصطناعي يجب أن تقترن بتبنٍّ مسؤول وأخلاقي للتقنية، فالحوكمة المتينة والأطر الأخلاقية هي عناصر أساسية لتعظيم فرص الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وتقليل المخاطر المترتبة على الآثار الجانبية غير المتوقعة.
الذكاء الاصطناعي
باعتباره محركًا استراتيجيًا
ومع إعادة تشكيل الذكاء الاصطناعي التوليدي لمشهد الاستثمار، سيتّسع الفارق بين الرواد والمتأخرين. أولئك الذين يحتضنون الإمكانيات الكاملة لهذه التقنية، إلى جانب التزامهم بالحوكمة المسؤولة، سيحققون فرصًا غير مسبوقة في إيجاد القيمة. وفي «مبادلة»، لا نرى الذكاء الاصطناعي باعتباره تطورًا تقنيًّا فحسب، بل فرصة لتعزيز التكامل بين الغاية والربحية، وتسريع بناء مستقبل أفضل وأكثر مرونة للأجيال القادمة.
إن الطريق إلى الأمام يتطلب قيادة جريئة، وتعاونًا فعّالًا، وتركيزًا لا يتزعزع على التأثير بعيد المدى. وسيساعد ذلك القطاع المالي في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتحويله إلى ميزة تنافسية حقيقية وفارقة. ومع اعتبار الذكاء الاصطناعي محركًا استراتيجيًا، تصبح آفاق الابتكار والمرونة بلا حدود.
هذه المقالة جزء من الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي.