يمانيون:
2024-09-30@21:43:09 GMT

رحيلٌ في ذروة التشبُّث

تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT

رحيلٌ في ذروة التشبُّث

عبدالله حسن الحُمران

بمقاييسِنا وبمعاييرِنا الأمرُ مترامي الأحزان، متعدِّدُ الوجع، استثنائيُّ الشماتة، نكادُ -لعِظَمِ هَولِه- نشعُرُ أنه لو صرخ الأحرارُ على امتداد الأرض كلهم في لحظة واحدة صرخةً يسمعُ بها مَن بين الخافقَينِ لما كفاهم ولما أُعطِيَ الموقف حقه، نشعر بالأسى والقهر للحد الذي يجعلنا نتمنى لو أننا مع الأمين، أَو أننا سبقناه.

لكن بالمقاييس والمعايير الإلهية أبى اللهُ أن يستقبِلَ سماحةَ العشق إلا كما استقبل جده، وكما استقبل خاتم أنبيائه قبله بالعُمر نفسه (فوق الستين)، والتوقيت نفسه (ربيع الأول) وفي يوم جمعة.

والله أعظمُ وأكرم وأعدل من أن يكسرَنا ويجبرَ أحفاد القردة المجرمين قَتَلَةِ الأنبياء، والله أسمى وأعظم من أن يفت أكبادنا ويُصلِحَ عملَ المفسدين، والله أعزُّ وأحكم من أن يترك الأحرارَ المجاهدين والسائرين إليه فريسةً لليُتم والشماتة، إنما أراد الله في ذروة تشبثنا بالأشخاص أن يوقظنا ويحييَ فينا الدرسَ الذي قدمه لخليله إبراهيم وحفيده يعقوب، ويحيي الدرسَ الذي قدمه لخاتم أنبيائه حينما انتزع منه عَمَّه الحمزة في ذروة احتياجه إليه ليقول لنا ولكل أُولئك الأصفياء: إبراهيم ويعقوب ومحمد (عليهم صلوات الله وسلامه) لا ترتبطوا في مسيرتِكم بالأشخاص، ولا تتركوا محبَّتَكم لهم تطغى على محبةِ الله ومعيتِه.

الأمورُ لا تأتي جُزافًا، والعظائم لا تأتي اعتباطًا (وكل شيء عنده بمقدار) والسنن جارية لا تتقاطع مع مسيرة الحياة، ولو قُدِّرَ لعظيمةٍ أن توقف مسيرة الحياة فلن نجد أعظم من مغادرة سيد الأولين والآخرين لهذه الحياة جديرة بذلك، ومع ذلك استمرت الحياة رغم ما اكتنفها من مآسٍ بعد مغادرته، لكنها استعصت وتماثلت للاستمرار.

وفي الحياة محطات من الأسى لفقد عظماء يظن معاصروها وقتذاك بل يتيقنون أنها خطُّ النهاية، لكن الحياة بعد كُـلّ محطة تنتفضُ وتتوثَّبُ للاستمرار:

فقدتِ الأُمَّــةُ رائدَها باستشهاد الإمام علي (ع) فهل توقفت الحياة أم صار الإمام إماما لكل الإنسانية؟

فقدتِ الأُمَّــةُ الحسين (ع) فهل توقفت الحياة أم سارت الأجيال بعده مردّدة: لبيك يا حسين؟

فقدتِ الأُمَّــةُ الإمامَ الخميني فهل توقفت الحياة أم اكتسحت جذوة الثورة الجغرافيا على امتداد الإقليم؟ وهل مات الخميني أم صار كابوسًا يقضُّ مضاجعَ المستكبرين؟

فقدتِ اليمنُ حسينَ العصر، فهل توقفت الحياة أم صارت اليمن منطلقًا لمشروع تنويري يزلزل عروشَ الطغاة والمستكبرين؟

واليوم يصحو السائرون إلى الله على فاجعة رحيلِ أبيهم، ولئن شئنا أن نكونَ دقيقي التوصيف فالحقيقة أن هذا الرحيل مطلَقًا ليس فاجعةً ولا مأساة ولا ثلمة في جسد المقاومة والجهاد.

نحن قلنا إن الأمور لا تأتي جزافًا ولا اعتباطًا، وأقدارُ الله حتمية، وحكمتُه ربما لا ندركها…

هل كان الله عاجزاً عن أن ينجيَ وليَّه من هذا الاستهداف؟ قطعًا لا، وتعالى الله عن ذلك علوًّا كَبيرًا.

فلماذا هذا التوقيت ونحن بمقاييسنا أحوجُ ما نكون إلى بقائه؟ ولو لم يكن إلا لأجلِ أن تنقسم المسؤولية على اثنين بدلًا من واحد لوحده!!

في الحقيقة نحن بحضرة:

أربعينَ عاماً من العمل في سبيل الله بلا كلل ولا ملل ولا سَأَمٍ ولا تَبَرُّمٍ ولا تنصل.

أربعين عاماً حربًا سجالًا مع الصهاينة بكل مكرهم وخبثهم وقبحهم.

أربعين عاماً من الدوران في فلك آل رسول الله “صلوات الله عليه وعليهم أجمعين” بكل أفجاعهم وأحزانهم.

أربعين عاماً من انتظار الشهادة والرفاق كُـلّ يوم يرتقون أمام ناظريه.

أربعين عاماً وهو يَرُصُّ لبنات الوَلَهِ والعشق في قلوب محبيه لبنةً لبنةً، بصدقه، بالتزامه، بحكمته، بشجاعته، بوفائه، بكل ما فيه.

أربعين عاماً من الانتصارات والتضحيات جعلته يجمعُ القلوب، ويأخُذُ بتلابيبها. حتى قلوب كارهيه وخصومه.

أربعين عاماً من الامتداد العلوي، فلم يغب من علي (ع) إلا جسدُه.

لا يليقُ بسجلٍّ كهذا متخمٍ بالمكرمات أن يُختَمَ إلا بالشهادة؛ إذ لم يعد هناك متسعٌ للمزيد ولا للبقاء، وليس من المروءة ولا من الوفاء أن نستكثرَ عليه أن يترجَّلَ عن جواده، وأن يُلقيَ عصا الترحال، وينامَ مطمئنًا أن وراءه إرثًا من الوعي ومن القادة والرجال ما سيجعلُ الصهاينة يلعنون الساعةَ التي استساغوا فيها فكرةَ التخلُّصِ منه.

فلينَمْ سماحة العشق قريرَ العين، ولنا في الله وفي أبي جبريل كُـلُّ العزاء والعوض.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: أربعین عاما

إقرأ أيضاً:

محمد عبدالسلام: رحيل القائد العظيم حسن نصر الله خسارة فادحة

وقال محمد عبدالسلام في تغريدة له عبر موقع "إكس"، "نتقدم إلى أمة حزب الله وحركات التحرر في العالم بعظيم المواساة على هذه الخسارة الفادحة برحيل القائد العظيم السيد حسن نصرالله وقد نال ما تمناه وسام الشهادة بعد عقود من الزمن مجاهداً مقداماً قل نظيره في التاريخ المعاصر".

وأضاف "وببركة قيادته الحكيمة لحقت بإسرائيل والمستكبرين هزائم متتالية، ودماؤه ستكون لعنة تطارد الكيان الصهيوني حتى اقتلاعه".

وتابع محمد عبدالسلام "ومن قائد فذ لأعظم حركة تحرر في العالم إلى قائد الشهداء على طريق القدس، إلى عائلته الشريفة وشعبه ومقاومته وأمته إنه طريق الجهاد يكرم الله عباده المخلصين بالنصر أو الشهادة وكلاهما نصر".

وأشار إلى أن السيد حسن نصرالله ما عرفت معه الأمة إلا الانتصارات وختم حياته الجهادية بنصر الشهادة .. مضيفاً "إن لوعة فراقه لن تفت من عضد إخوانه من بعده، بل تمنحهم قوة إلى قوتهم ليواصلوا طريق المقاومة والجهاد حتى النصر".

مقالات مشابهة

  • الدويري: عناصر حزب الله قادرة على القتال حتى لو فقدت الاتصال مع قياداتها
  • 30 عاما تمر على رحيل “أسطورة الراي” الشاب حسني
  • سقط على أرض الملعب.. رحيل لاعب أرسنال السابق عن 46 عاما
  • عبدالسلام: رحيل القائد العظيم حسن نصر الله خسارة فادحة
  • محللون: إلى أين تتجه الأوضاع بلبنان بعد رحيل نصر الله؟
  • محمد عبدالسلام: رحيل القائد العظيم حسن نصر الله خسارة فادحة
  • تحالف العزم ينعى نصر الله: فقدت الأمة قائداً شجاعاً ومجاهداً عظيماً
  • حماس تعلن التضامن مع حزب الله بعد رحيل أمينه العام: طوفان الأقصى مستمرة
  • "حياة" فقدت الحياة.. تاريخ مليئ بالكفاح والعمل للأم المثالية بشمال سيناء