ترجمة: أحمد شافعي -

لكي نفهم السبب الذي يجعل ضربة إسرائيل مدمرة لحزب الله خطرا عالميا يهز إيران وروسيا وكوريا الشمالية بل والصين، فعلينا أن نضع هذه الضربة في سياق الصراع الأوسع الذي حل محل الحرب الباردة بوصفه إطارا للعلاقات الدولية اليوم.

بعد غزو حماس لإسرائيل في السابع من أكتوبر، ذهبت إلى أننا لم نعد بعد في الحرب الباردة أو ما بعدها، وإنما نحن في مرحلة ما-بعد-ما-بعد-الحرب-الباردة، وهو صراع بين "تحالف الاحتواء" المؤقت ـ ويضم البلاد اللائقة غير الديمقراطية جميعا بالضرورة التي ترى مستقبلها الأفضل مع تحالف بقيادة الولايات المتحدة يدفع العالم إلى مزيد من التكامل الاقتصادي والانفتاح والتعاون لمواجهة التحديات العالمية من قبيل تغير المناخ.

وهذا التحالف يواجه "تحالف المقاومة" بقيادة روسيا وإيران وكوريا الشمالية، بأنظمة حكم استبدادية قاسية تتخذ من معارضتها لعالم الاحتواء ذي القيادة الأمريكية ذريعة لعسكرة مجتمعاتها وفرض قبضة حديدية على السلطة.

كانت الصين تقف فيما بين المعسكرين لأن اقتصادها يعتمد على الاتصال بتحالف الاحتواء في حين أن قيادة حكومتها تشترك مع تحالف المقاومة في كثير من الغرائز والمصالح الاستبدادية.

عليكم أن تروا حروب أوكرانيا وغزة ولبنان في سياق هذا الصراع العالمي. كانت أوكرانيا تحاول الانضمام إلى عالم الاحتواء في أوروبا سعيا إلى التحرر من فلك روسيا والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وإسرائيل والمملكة العربية السعودية كانتا تحاولان توسيع عالم الاحتواء في الشرق الأوسط بتطبيع العلاقات فيما بينهما.

حاولت روسيا أن تمنع أوكرانيا من الانضمام إلى الغرب (ممثلا في الاتحاد الأوروبي والناتو) وحاولت إيران وحماس وحزب الله أن تمنع إسرائيل من الانضمام إلى الشرق (بروابط مع المملكة العربية السعودية). لأن أوكرانيا لو انضمت إلى الاتحاد الأوروبي، لأوشكت الرؤية الاحتوائية لأوروبا "المكتملة الحرة" أن تكتمل ولأوشكت عزلة حكم فلاديمير في روسيا أن تكتمل.

ولو كان أتيح لإسرائيل أن تطبع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، لما كانت غاية ذلك أن وسعت وحسب تحالف الاحتواء توسعة هائلة في المنطقة ـ وقد اتسع التحالف فعليا بالاتفاقات الإبراهيمية التي أنشأت روابط بين إسرائيل وبلاد عربية أخرى ـ بل لأوشكت أن تعزل إيران ووكلاءها من قبيل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والميلشيات الموالية لإيران في العراق، وجميعها تدفع ببلادها إلى حالة الدولة الفاشلة.

في الحقيقة لا يمكن لكلام أن يصف مدى الكراهية التي كانت تنصب على حزب الله وزعيمه حسن نصر الله ـ الذي لقي مصرعه في ضربة إسرائيلية يوم الجمعة ـ في لبنان وكثير من العالم العربي السني والشيعي بسبب اختطافه للبنان وتحويله إياه إلى قاعدة للإمبريالية الإيرانية.

لقد تحدثت في العطلة الأسبوعية إلى أوريت بيرلوف التي ترصد وسائل التواصل الاجتماعي العربية لمعهد دراسات الأمن الوطني في إسرائيل فوصفت لي طوفان منشورات مواقع التواصل الاجتماعي من لبنان والعالم العربي التي احتفلت "بما أصاب" حزب الله وحثت الحكومة اللبنانية على إعلان وقف لإطلاق النار من جانب واحد بحيث يتسنى للجيش اللبناني أن ينتزع السيطرة على جنوب لبنان من حزب الله ويسبغ الهدوء على الحدود. فاللبنانيون لا يريدون أن تتدمر بيروت دمار غزة ويخشون حقا من عودة الحرب الأهلية، حسبما شرحت لي بيرلوف. ولقد استدرج نصر الله اللبنانيين بالفعل إلى حرب مع إسرائيل لم يرغبوا فيها قط، لكن إيران أمرت بها.

يأتي هذا على قمة غضب عميق من انضمام حزب الله لبشار الأسد في "سحق" الانتفاضة الديمقراطية في سوريا. فيكاد هذا يطابق موت الساحرة الشريرة في (ساحر أوز) ولذلك يوجه الجميع الشكر الآن لدوروثي (أعني إسرائيل).

لكن هناك الكثير من العمل الدبلوماسي الذي يجب القيام به لتحويل نهاية نصر الله إلى مستقبل أفضل مستدام للبنانيين والإسرائيليين والفلسطينيين.

لقد كانت إدارة بايدن-هاريس تقيم شبكة تحالفات لإعطاء ثقل استراتيجي لتحالف الاحتواء المؤقت ـ من اليابان وكوريا والفلبين واستراليا في الشرق الأقصى، مرورا بالهند والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن، ثم مرورا بالاتحاد الأوروبي والناتو. وكان حجر زاوية المشروع كله هو اقتراح فريق بايدن بتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهو أمر السعوديون مستعدون للقيام به بشرط أن توافق إسرائيل على بدء مفاوضات مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية من أجل حل الدولتين.

وهنا المشكلة.

انتبهوا أشد الانتباه إلى خطبة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأم المتحدة يوم الجمعة. إنه يفهم تماما الصراع القائم بين تحالفي المقاومة والاحتواء الذي أتحدث عنه. بل لقد كان أساسيا في خطبته في الأمم المتحدة في واقع الأمر.

كيف هذا؟ رفع بيبي خريطتين خلال خطبته، إحداهما تحمل عنوان "النعمة" والأخرى عنوانها "النقمة". أظهرت خريطة النقمة سوريا والعراق وإيران بالأسود بوصفها تحالفا حائلا بين الشرق الأوسط وأوروبا. والخريطة الثانية، أي النعمة، أظهرت الشرق الأوسط وفيه إسرائيل والسعودية ومصر والسودان بالأخضر، مع سهم أحمر ذي اتجاهين يمثل جسرا يربط عالم الاحتواء الأسيوي بعالم الاحتواء الأوروبي.

لكنكم لو دققتم النظر في خريطة النقمة التي رفعها بيبي لرأيتم أنها أظهرت إسرائيل ـ بلا حدود مع غزة والضفة الغربية المحتلة من إسرائيل (وكأنما تم ضمهما بالفعل، وهذا هو هدف الحكومة الإسرائيلية الحالية).

وهذه هي المشكلة. فالقصة التي يريد بيبي أن يحكيها للعالم هي أن إيران ووكلاءها هم العقبة الأساسية أمام تمدد عالم الاحتواء من أوروبا عبر الشرق الأوسط وصولا إلى منطقة المحيطين الهادئ والهندي.

وأنا أختلف مع هذا. فحجر أساس هذا التحالف الكلي هو تطبيع العلاقات السعودي الإسرائيلي القائم على المصالحة بين إسرائيل والفلسطينيين المعتدلين.

لو مضت إسرائيل الآن قدما وبدأت حوارا حول دولتين لشعبين مع سلطة فلسطينية تم إصلاحها، وقبلت بالفعل اتفاقية أوسلو للسلام، فسيكون ذلك ضربة دبلوماسية قاضية من شأنها أن تصاحب الضربة القاضية العسكرية التي وجهتها إسرائيل للتو إلى حزب الله وحماس.

من شأن ذلك أن يعزل تماما قوى المقاومة في المنطقة وينزع عنها درعها الزائف إذ تقول إنها المدافعة الحقيقية عن القضية الفلسطينية. ولا شيء أقدر من ذلك على زعزعة إيران وحماس وحزب الله وروسيا، بل والصين.

ولكن من أجل القيام بذلك يجب على نتنياهو أن يأخذ مخاطرة سياسية تفوق حتى المخاطرة العسكرية التي أخذها للتو بقتل قيادة حزب الله.

سيكون على نتنياهو أن يقطع ما بينه وبين حزب الله الإسرائيلي ـ أي تحالف العنصريين الاستيطانيين اليهود اليمينيين المتطرفين والمسيحانيين الذين يريدون أن تسيطر إسرائيل سيطرة دائمة على الأراضي الممتدة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط دونما حدود بينهما ـ تماما كما ظهر في خريطة بيبي في الأمم المتحدة. هذه الأحزاب هي التي تبقي بيبي في السلطة/ ولذلك فإنه سوف يحتاج إلى أن يستبدل بها أحزابا وسطية إسرائيلية أعرف أنها سوف تتعاون معه في حال قيامه بهذه الخطوة.

وإذن هذا هو التحدي الكبير الذي يواجهنا اليوم: الصراع بين عالم الاحتواء وعالم المقاومة يصفو إلى أمور كثيرة، لكن أهمها اليوم هو عزم نتنياهو على إتباع ضربته لحزب الله في لبنان بضربة سياسية مماثلة لحزب الله في إسرائيل.

• توماس فريدمان كاتب مقال في الشؤون الخارجية في صحيفة نيويورك تايمز، ومؤلف كتاب "من بيروت إلى القدس".

** خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العربیة السعودیة الشرق الأوسط بین إسرائیل حزب الله

إقرأ أيضاً:

بايدن يدعو إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله

دعا الرئيس الأميركي جو بايدن، السبت، إلى وقف إطلاق النار، بعد حملة القصف الإسرائيلي الواسعة على معاقل حزب الله اللبناني.

وقال بايدن ردا على سؤال أحد الصحفيين عما إذا كان الغزو البري الإسرائيلي للبنان أمرا حتميا: "حان الوقت لوقف إطلاق النار".

مقالات مشابهة

  • بالفيديو.. العواملة يفضح كابرانات الجزائر ويكشف السبب الحقيقي الذي عجل بفرض الفيزا على المغاربة
  • ما أبرز التحديات التي ستواجهها إيران وحزب الله في مرحلة ما بعد نصر الله؟
  • "أسوشيتيد برس": الصراع بين إسرائيل وحزب الله ينذر بحرب شاملة قد تمتد لجميع أنحاء المنطقة
  • عاجل | بلومبرغ عن مصدر مطلع: حزب الله وإيران ضعفا ولم يعد أمامهما سوى خيارات قليلة ومن غير المرجح أن يصعدا الصراع
  • بلومبيرغ: هكذا تنزلق إسرائيل وحزب الله شيئا فشيئا نحو حرب شاملة
  • اغتيال نصر الله.. بين تحركات حزب الله وإيران وخطط إسرائيل
  • بايدن يدعو إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله
  • بايدن: ندعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس أمام حزب الله وحماس
  • يديعوت أحرونوت: توقيت الصراع بين إسرائيل وحزب الله غير مناسب لإيران