تداعيات اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله"
تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT
جمال بن ماجد الكندي
ساءنا كثيرًا نعي الأمين العام لحزب الله، بعدما كان شوكة في حلق المشروع الصهيوني مدة تزيد عن ثلاثة عقود من الزمان، وهذا ما جعل الأمة تستقبل نعيه بكل أسى وأسف؛ إنِّا لله وإنِّا إليه راجعون، ونسأل الله العلي القدير أن يثبت محاور المقاومة في وجه المشروع الصهيوني الغاشم وأعوانه في لبنان وفلسطين وفي جميع بلدان المسلمين، وأن يعقب القادة الراحلين من يسد الثغرة في كل المواقع والمراحل.
بدأت مقالي هذا بهذه الكلمات المختارة من رثاء سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عُمان في استشهاد السيد حسن نصر الله. وكما عودنا سماحته، فقد وقف مع كل القوى السياسية والعسكرية التي تكون بوصلتها فلسطين وسلاحها مصوباً ضد عنجهية وغطرسة وإرهاب الكيان الصهيوني.
كلمات الرثاء للشيخ الجليل الخليلي مُعبرة في مضامينها، وأول هذه المضامين، والتي اعتبرُها عابرة للطائفية المقيتة، أنها من أجل فلسطين ومن يُقاتل تحت هذه الراية. لذا كانت هناك كلمات عزاء من سماحته في اغتيال قائد حركة حماس إسماعيل هنية، واليوم للشهيد القائد "حسن نصر الله"، وخرجت من نفس النفس الذي يُساند المقاومة من أجل الأرض والعرض مهما كانت الآيديولوجية الدينية والفكرية التي يعتنقها صاحب هذا المبدأ، ما دامت من أجل قضية التحرير الوطني. ولأنَّ كليهما فكرهما واحد، وهو الجهاد والنضال ضد المشروع الصهيوني في المنطقة.
اغتيال السيد حسن نصر الله، يُعبِّر عن إفلاس على الأرض، وفشل يُعاني منه العدو الصهيوني، ومحاولة يائسة للهروب إلى الأمام وخلط الأوراق لتغيير الواقع المُر الذي يعيشه العدو الصهيوني في غزة ولبنان منذ معركة "طوفان الأقصى". نتنياهو يريد كسب نقاط من وراء اغتيال القادة العسكريين والسياسيين في حزب الله لضرب منظومة القيادة والسيطرة في الحزب ولفك ارتباطها بالجبهة الغزاوية، وبدأها بتفجيرات "البيجر" واللاسلكي في اليوم الثاني، ثم تلتها الاغتيالات وكان أهمها اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
وطبعًا، اغتيال قائد مثل السيد حسن نصر الله ليس بالأمر الهين، ووقع كالصاعقة على بيئة المقاومة في لبنان وعلى كل عربي ومسلم يتألم يوميًا لما يحصل في غزة من مجازر، ويدرك أن ما تفعله المقاومة اللبنانية في دعم أهل غزة المجاهدين يكسر شوكة الصهاينة في المنطقة، بالتعاون مع الجبهات الأخرى المساندة لإخوتنا في غزة الصمود. السيد حسن نصر الله ورفاقه دفعوا ثمن وقوفهم مع غزة، فسالت دماؤهم من أجل ما يؤمنون به، فنالوا الشهادة من أجل ذلك.
من هنا سنتحدث عن تداعيات غياب هؤلاء القادة السياسيين والعسكريين في المشهد السياسي والعسكري لحزب الله. وللإجابة على هذا السؤال نطرح سؤالين رئيسيين:
أولًا: هل البنية السياسية تنهار عندما يتم اغتيال قائد سياسي؟
الجواب هو أن إسرائيل اغتالت الأمين العام السابق لحزب الله السيد عباس الموسوي، وقيل في ذلك الوقت إن حزب الله انتهى سياسيًا وعسكريًا. ولكن تفاجأ الإسرائيليون بتعيين شاب في العقد الثالث من عمره، ليقود الحزب إلى النصر عام 2000، وهو تحرير جنوب لبنان والقضاء على أدوات إسرائيل (جيش لبنان الجنوبي) وأبرز قادته أنطوان لحد. ثم جاء نصر عام 2006 الذي أسس لمعادلة الردع العسكري بين الكيان الصهيوني والمقاومة الإسلامية في لبنان. وكما قال سماحة الشيخ الخليلي: "يعقب القادة الراحلين من يسد الثغرة في كل المواقع والمراحل".
هذه هي العقيدة التي يقاتلون من أجلها، فهي متجذرة فيهم، لأنهم يعتقدون جازمين بأنها سبيلهم إلى إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة. فكيف لنتنياهو أن يغلب قومًا هذه عقيدتهم؟ لذا، مهما قتل الصهاينة من أبطال ورموز المقاومة، فلن تتوقف حركات التحرر الوطني؛ لأنها فهي فكرة لا تموت بموت قادتها، ولأن القادة يخلفهم قادة غيرهم.
لذلك، فإن الجانب السياسي لهيكلية حزب الله لن يتأثر تأثرًا كبيرًا، وستظهر خلال الأيام المقبلة هيكلية جديدة، بعد أن تكون هناك مراجعات في البنية السياسية والعسكرية للحزب. ومع أن المُصاب كبير باستشهاد السيد حسن نصر الله بسبب طول رئاسته وشخصيته القيادية البارزة، فهو أيقونة في الجهاد. لكن هؤلاء القادة يعلمون أنهم مستهدفون، ويعملون دائمًا على تمكين البديل في أي وقت.
ثانيًا: هل البنية العسكرية انهارت عندما اُغتيل القادة العسكريون في حزب الله؟
لا ننكر أنَّ البنية العسكرية أصيبت إصابات بالغة باغتيال قادة كبار في عملية الاغتيالات الأخيرة قبل اغتيال السيد حسن نصر الله. وأرادت إسرائيل ضرب منظومة القيادة والسيطرة، فهل نجحت في ذلك؟
النجاح والفشل يُقاسان بالميدان. والميدان العسكري مُستمر في المواجهة مع الكيان الصهيوني؛ فالصواريخ وصلت إلى عمق الأراضي المحتلة، والشلل في حيفا والشمال تتحدث عنه وسائل الإعلام الصهيونية. وإسرائيل لم تستطع إلى الآن فك شفرة المنظومة الصاروخية وتدمير هذا المخزون الكبير.
مشغلو ورامو هذه الصواريخ في الميدان وفي أنفاق لم يستطع العدو الصهيوني الوصول إليها وإليهم. القصف الذي يقوم به هو قصف عشوائي، ولم يستطع به إيقاف صواريخ المقاومة اللبنانية التي تتجاوز كل يوم مديات معينة وفق حسابات المقاومة. خروج هذه الصواريخ وإصابتها لكل جغرافيا فلسطين المحتلة هو فشل كبير، في حين تدعي إسرائيل أنها قضت على 50 بالمائة من القدرة الصاروخية للمقاومة اللبنانية.
هذه المعطيات السياسية والعسكرية تنبئنا بأنَّ إسرائيل بعيدة جدًا، وهذا حسب تحليل بعض قنوات الإعلام الصهيوني، عن القضاء على قدرات حزب الله، وكل ما تستطيع فعله هو قتل المدنيين، كما فعلت وتفعل في غزة.
بالمقارنة مع غزة ذات الجغرافيا الصغيرة والمحدودة، لم يستطع الجيش الإسرائيلي تحقيق أهدافه المعلنة، وأهمها تحرير الأسرى. فهل يستطيع عبر حربه الواسعة التي بدأها في لبنان إعادة مهجري الشمال كما يدعي نتنياهو؟
الوقائع على الأرض تُكذِّب ذلك، والصواريخ الموجهة للمراكز العسكرية قد تُوجَّه إلى العمق السكاني، كما يفعل الكيان الصهيوني، وعندها سيكون نتنياهو تحت ضغط الشارع الإسرائيلي وستتغير المعادلة، خاصة وأنَّ جبهة اليمن دخلت على الخط بضربها عمق الكيان الصهيوني، بعد أن كانت تحاصره بحريًا، مع الجبهة العراقية التي قد تقول كلمتها الفاصلة بخصوص القواعد الأمريكية في العراق.
تداعيات اغتيال السيد حسن نصر الله ستُترجم سياسيًا بوحدة الصف وراء قيادة جديدة، وبثبات الرؤية في استنزاف العدو الصهيوني وإجباره على وقف القتال في الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، وفق شروط المقاومة. هذا الأمر سيحصل عندما تزداد الصواريخ على حيفا والشمال وتل أبيب.
فهل تتحمل إسرائيل صواريخ جبهات إسناد غزة؟!
إنَّ اغتيال السيد حسن نصر الله سيؤلم إسرائيل أكثر من تألمها عندما كان حيًا؛ لأنَّ شهادته في سبيل ما يؤمن به ستكون وقودًا لمن يأتي بعده، وهذا ما ستدركه إسرائيل في القريب العاجل.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
صمود غزة يفتك بـ “اقتصاد الكيان الصهيوني”
يمانيون../
يتعرض العدو “الإسرائيلي” لخسائر اقتصادية فادحة نتيجة عدوانه الغاشم على غزة، هذه الخسائر ليست مجرد أرقام، وإنما تمثل تجسيدا حقيقيا للأثر العميق لعمليات المقاومة. فقد بلغت تكلفة الحرب مستويات قياسية، حيث تأثرت قطاعات حيوية بشكل غير مسبوق، ما أثر بشكل كبير على الحياة اليومية لملايين الصهاينة.
تشير الخسائر البشرية التي تكبدها العدو إلى أن صمود المقاومة الفلسطينية أمام العدوان كان له دور محوري في إحباط المخططات الإسرائيلية. ومع تزايد التقارير التي تُظهر تدهور سمعة الاقتصاد الإسرائيلي، يبدو أن المقاومة -رغم التصعيد- قد تمكنت من فرض واقع جديد أثر في قدرة “إسرائيل” على السيطرة. لم تعد هذه الحقائق قابلة للتجاهل، خاصة مع التصريحات المتزايدة من خبراء ومحللين “إسرائيليين”، إذ يؤكدون أن خسائر الاقتصاد “الإسرائيلي” منذ عملية طوفان الأقصى حتى الآن قد بلغت حوالي 100 مليار دولار، وما زالت هذه الخسائر تتصاعد.
يعاني الاقتصاد الإسرائيلي أيضاً من تأثيرات الأحداث الحالية في غزة، التي تستنزف موارد “إسرائيل” عسكرياً وتكبّد خزينة الكيان مليارات “الشيكلات”. بالإضافة إلى ذلك، تستمر عمليات المقاومة الفلسطينية -المعززة بصواريخ ومسيرات الإسناد اليمني- في تحقيق نجاحات في العمق الإسرائيلي، في وقت تعاني فيه “إسرائيل” من الحظر البحري المستمر على حركة ملاحة سفنها والسفن المتعاونة معها في البحر الأحمر.
الكلفة الاقتصادية باهظة
في مقابلة أجرتها صحيفة “معاريف”، أدلى أفيغدور ليبرمان بتصريحات قوية ضد من يسمى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكداً أن الأخير “قاد إسرائيل إلى الدمار ولا يعرف إدارة أي شيء”. وفي إطار حديثه، أضاف ليبرمان أن نتنياهو يسعى فقط لضمان بقائه في السلطة لأطول فترة ممكنة، في وقت تواجه فيه “إسرائيل” التهديدات الوجودية، وتدخل في أزمة متعددة الأبعاد هي الأعمق منذ إنشائها، تجلت في القتلى والجرحى من “الجنود” والمستوطنين، بالإضافة إلى الكلفة الاقتصادية الباهظة”.
في السياق، يكشف التقرير الصادر عن منظمة “لاتيت” للإغاثة الإنسانية أنه -بالإضافة إلى التحديات الأمنية والعسكرية الراهنة- هناك حرب أخرى، وهي “الحرب على الفقر، حيث تواجه “إسرائيل” اختباراً أخلاقياً يتطلب التضامن والمسؤولية المتبادلة. ويعد هذا الاختبار عاملاً حاسماً في تحديد مدى صمود المجتمع وقوته أو ضعفه عند مواجهة هذه الأزمات”.
وحسب صحيفتي “يديعوت أحرونوت” و”إسرائيل اليوم”، يوضح التقرير أن تكاليف المعيشة التي كانت مرتفعة بالفعل قبل الحرب، شهدت تفاقماً ملحوظاً بسبب الظروف الحالية، ما تسبب في ضغوط لزيادة الأسعار، وخصوصاً في قطاع المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية. وكشفت الأرقام أن متوسط الإنفاق الشهري للأسر المدعومة بلغ 10,367 شيكلاً (ما يعادل 2,870 دولاراً)، وهو أعلى بنسبة 1.7 مرة من متوسط صافي دخلها الشهري البالغ 6,092 شيكلاً (1,686 دولاراً).
ويظهر التقرير أن 78.8% من الأسر المدعومة من “حكومة” العدو تعاني من الديون، مقارنة بـ26.9% من عامة السكان، فيما عانى 65% من متلقي المساعدات من تدهور أوضاعهم الاقتصادية، بالإضافة إلى 32.1% من عامة الناس خلال العام الماضي. تقوم هذه الأرقام بتسليط الضوء على عمق الأزمة الإنسانية التي تؤثر على فئات مختلفة من الصهاينة.
كذلك، تشير النتائج إلى التأثير على الأطفال والمراهقين الذي أحدثته الحرب، حيث تأثرت الإنجازات الأكاديمية لـ44.6% من الأطفال المدعومين بشكل كبير مقارنة بـ1.14% في صفوف عموم السكان. بل ووجد أن خُمس الأفراد الذين تلقوا المساعدات أفادوا بأن أحد أطفالهم ترك المدرسة أو اضطر للانتقال إلى مدارس داخلية بسبب الضغوط المالية.
وبالنظر إلى فئة كبار السن من اللصهاينة، تظهر التقديرات أن 81.7% من هؤلاء المستفيدين يعانون من الفقر، و52.6% في فقر مدقع. كما يُعاني أكثر من ثلثهم (34.8%) من انعدام الأمن الغذائي الشديد، و60.4% من كبار السن المدعومين اضطروا للتخلي عن الأدوية أو العلاج الطبي بسبب عدم قدرتهم على تحمل التكاليف.
ويؤكد تقرير “لاتيت” أن العائلات داخل كيان العدو تعيش في حالة من الخوف المستمر من نفاد الطعام، وعدم قدرتها على تأمين وجبات متوازنة لأطفالها. ومع تصاعد التحديات، تنبأ مؤسس شركة “لاتيت” والرئيس التنفيذي للمنظمة بأن التوقعات المستقبلية ليست مطمئنة، حيث من المتوقع أن تؤدي الإجراءات الاقتصادية المخطط لها -مثل زيادة ضريبة القيمة المضافة وشروط التأمين- إلى تفاقم معاناة الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع. هذه الوقائع تكشف عن أزمة شاملة يمر بها الكيان المؤقت.
هشاشة الوضع الاقتصادي الإسرائيلي
تشير التقارير الأخيرة من “إسرائيل” إلى أن الاقتصاد يعاني من تقلبات حادة نتيجة العدوان على غزة، ما يعكس عدم جدوى هذا العدوان بدلالة تأثيره المدمر على الاستقرار الاقتصادي حيث أصبح الكيان الصهيوني مقصداً للمضاربين الذين يستغلون الظروف الصعبة لجني الأرباح. فبدلاً من الاستقرار، تتعرض الأسواق للارتباك، ما يبرز فشل “إسرائيل” في تحقيق أهدافها العسكرية. تعكس تصرفات المضاربين حقيقة يأس المستثمرين وفقدانهم الثقة في مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي.
إن التحولات الاقتصادية التي يشهدها السوق “الإسرائيلي” تؤكد أن العدوان لم يحقق أهدافه، بل ساهم بدلاً من ذلك في تعزيز صمود المقاومة وزيادة هشاشة الوضع الاقتصادي في “إسرائيل”. ومن المتوقع أن تشير التطورات المستقبلية إلى استمرار هذا الاتجاه، ما يعزز الأمل في تحقيق نتائج إيجابية تعكس ما أنجزته جهود المقاومة من انتصارات مستمرة.
تستمر الأحداث في “إسرائيل” في كشف واقع اقتصادي متزعزع، حيث أدت التطورات الجارية إلى خلق بيئة مواتية للانتهازية المالية. تظهر التغيرات السريعة في أسعار العملات -مثل الشيكل- تقلبات غير مسبوقة؛ فعلى سبيل المثال، انخفض “الشيكل” بشكل حاد إلى أكثر من 4″ شيكل” لكل دولار في بداية العدوان على غزة.
هذه التغيرات تعكس عدم استقرار الوضع الاقتصادي في الكيان ، وهو ما يخلق صورة مواتية للمستوطنين الصهاينة عن انهيار النظام المالي وضعف أجهزة الإدارة الاقتصادية للكيان. كما ازدهرت التقلبات فور بداية العدوان، ومع التوصل لاتفاق مع لبنان يظل اقتصاد العدو الإسرائيلي في حالة عدم استقرار مستمر، مع تذبذبات تفوق تلك التي شهدها اليورو في ذات الفترة.
وتشير دراسات لخبراء ومحللين متخصصين في الاقتصاد الاسرائيلي إلى أن المضاربين يستخدمون أدوات مالية متطورة ومعرفة عميقة بالسوق، ما يمنحهم ميزة تنافسية لا تتوفر للآخرين. فالعديد من الصهاينة يجدون صعوبة في فهم أسباب تراجع السوق أمام الظروف الإيجابية، وهذا يُظهر الفجوة بين الخبراء والمستثمرين غير المحترفين. كلما زاد عدم استقرار السوق، زادت فرص الربح للمضاربين، ما يعكس فشلاً في “مجتمع” المستثمرين الأوسع.
الدراسات أثبتت أن السياسات الـ”حكومية” الفاشلة في معالجة الأمور داخل الكيان وخلق انقسامات عميقة في لدى المستوطنين بأنه تتحول “إسرائيل” إلى ملعب مالي مفتوح للمضاربين، حيث تسهم الصراعات السياسية والاجتماعية، ومغالطات ما يسمى بـ”الإصلاحات القانونية المتعلقة بالعدالة”، إلى عمق ما وصل إليه حال الانقسامات في داخل الكيان وما باتت تلعب من دور بالغ الأهمية في زيادة الهوة بين الاستقرار والثقة في السوق. على سبيل المثال، شهدت “إسرائيل” احتجاجات واسعة ضد هذه الإصلاحات، ما أثر على الثقة في أجهزة إدارة الكيان المؤقت وأدى إلى انخفاض في الاستثمارات الأجنبية. بينما يستفيد المضاربون من هذه الفوضى، فإن المستوطنين العاديين يشعرون بارتباك حول كيفية تأثير الأحداث على استثماراتهم ومدخراتهم.
كما تشير التغيرات الاقتصادية غير المدروسة والتي ساهمت في تفتيت الثقة ووضعت الكيان المؤقت في موقف يمكن وصفه بكونه ملعباً للمضاربين. ذلك ما أكده “عيران هيلدسهايم” المراسل الاقتصادي لموقع “زمن إسرائيل” بالقول إن “هذا التدهور الاقتصادي يسلّط الضوء على حقيقة كارثية مفادها أن سياسات الـ”حكومة” الحالية لم تخلق انقساما وصدعا داخليا فحسب، بل غيّرت أيضا وضعها الاقتصادي من قوة تجتذب العديد من الاستثمارات، إلى ملعب مالي للمضاربين من جميع أنحاء العالم، ممن يستغلون عدم الاستقرار والاضطرابات التي تمر على “إسرائيل” لجني الأرباح” وفق مراسل المقع.
مشيرا إلى أن المضاربين -المعروفون بقدرتهم على اتخاذ قرارات سريعة- يعتمدون على تحليل التغيرات اللحظية في السوق. على سبيل المثال، يمكن للمضاربين “شبه أسماك القرش” أن يستفيدوا من الأخبار غير المؤكدة، مثل الشائعات حول التوصل إلى اتفاقات سياسية أو عسكرية، ليشتروا الأصول قبل أن ترتفع قيمتها. وقد أظهرت البيانات أن البنوك الكبرى مثل “جيه بي مورغان” و”غولدمان ساكس” قد حققت أرباحا كبيرة من تلك التغيرات، حيث توقعت تقارير أن تحقق هذه البنوك ما يصل إلى 475 مليون دولار من عمليات التداول المتعلقة بالسندات و”الشيكل”.
وأكد أن من المتوقع أن يكسب البنك الأمريكي الرائد جيه بي مورغان 70 مليون دولار من هذه المعاملات، ما يجعله أكبر رابح بين البنوك العالمية العشرة، ويشير النمو الرقمي إلى نشاط غير عادي وإيجابي في الأصول “الإسرائيلية”، وبالتحديد في عام يتسم بنشاط تداول ضعيف نسبياً، ومن المتوقع أن يسجل بنك “غولدمان ساكس” و”سيتي غروب” أرباحاً كبيرة نتيجة لذلك.
خاتمة
تشير التطورات الاقتصادية في “إسرائيل” إلى أن العدوان على غزة لم يؤد فقط إلى نتائج عسكرية غير محمودة، بل أسفرت أيضاً عن تفكيك الأساس الاقتصادي للكيان المؤقت. إن هذه البيئة من الفوضى توفر فرصة للمستثمرين المتخصصين، بينما تترك المستوطنين العاديين في حالة من الارتباك وعدم اليقين.
تتجلى قوة المقاومة الفلسطينية في غزة كرمز للصمود والعزيمة، حيث تبرز الأحداث الأخيرة مؤشراً على أن هذا الصمود يأتي في إطار الحق الطبيعي للفلسطينيين في نيل حريتهم واستعادة أراضيهم. تشهد “إسرائيل” اليوم نتائج العدوان التي تعكس الفشل في تحقيق الأهداف العسكرية، وبينما تعاني من تصاعد الفقر وأزمات اقتصادية خانقة، تتأكد حقيقة أن المقاومة لا تزال تمثل حجر الزاوية في النضال الفلسطيني.
يشير الواقع الاقتصادي في الكيان إلى أن الصمود الذي أبدته غزة لم يكن مجرد رد فعل، بل هو جزء من مسيرة طويلة نحو التمكين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، يتوجها القدس عاصمة لها. الفشل الاقتصادي الذي تواجهه “إسرائيل” اليوم هو نتيجة مباشرة لثبات الفلسطينيين ولإرادتهم في المقاومة، ما يبرز الفجوة بين ادعاءات القوة العسكرية والواقع الملموس.
في مواجهة هذه الظروف، يبقى الأمل قائماً بأن المقاومة ستكون سنداً لتحقيق الأمن والاستقرار للشعب الفلسطيني، ويجب أن يتم تعزيز هذا الصمود عبر التضامن والتنظيم، ليتمكن الفلسطينيون من العبور نحو غد مشرق ومزدهر، حيث تستعاد الحقوق المسلوبة وتُحقق الأهداف الوطنية. إن المسيرة نحو الاستقلال وبناء الدولة المستقلة على كامل التراب الفلسطيني باتت أكثر وضوحاً، في ظل هذا الصمود المتواصل.
أنصار الله – يحيى الربيعي