السحر الأسود ومياه الترعة
تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT
عالقة على أحد الجدران، يتخبطها الهواء يمينًا ويسارًا، لا تكاد تراها العيون، إلا عيون من وضعها، خرقة من القماش الأبيض في حجم إحدى قطع لعبة الطاولة، من أثر لابسها، حِيكت بطريقة متقنة ومتفردة، تخرج منها عروة صغيرة، والخيط الأخضر يحكم أطرافها.
حالة ذهول مشوبة بتعجب آنٍ دعتنى إلى طرح أسئلة عدة: ما هذا؟ وما الذي يوجد داخله؟ ومَنْ وضعه؟ ولماذا؟ ومَنْ المقصود به؟
كنت أنتظر إجابة.
ما زال الذهول مسيطرًا عليَّ، ودون تردد أخرجت الورقة، وفتحتها، لأفاجأ بما تحويه وما هو مكتوب فيها!
أخذت أحملق في سطورها.. حروف عربية متفرقة، متنافرة، مكتوبة بنوع من الحبر الأحمر، في صفوف متراصة بعضها فوق بعض، حتى وصلت إلى عشرة.
أعدت قراءتها غير مرة، لم أُدرك منها شيئًا، حاولت جاهدًا استقراءها لكن دون جدوى.
أفكار غريبة وعجيبة تناثرت فوق رأسي تُومئ بأسئلة تحتاج إلى إجابات شافية، أهذا ما يدعونه عملًا من أعمال السحر الأسود، الذي يفرقون به بين المرء وزوجه، أم ماذا؟
لجأت إلى محركات البحث لمعرفة أى معلومات، وإذ بها تقول، حسب ويكيبيديا، إن السحر الأسود أو السحر المظلم هو شكل من أشكال الشعوذة التي تعتمد على القوى الحاقدة أو الخبيثة المفترضة. السحر يمكن التذرع به واستخدامه للقتل أو السرقة أو الإذاء وأيضًا ليسبب سوء حظ أو تدمير شخص أو تحقيق مكاسب دون النظر إلى الآثار الضارة للآخرين.
ثلاثة أيام مرت كأنهم شهور والورقة معي، أبحث عن هويةٍ لها، من قام بها ولماذا، وبعد استشارات واستنارات ممن لهم خبرة في التعامل مع هذه الطلاسم، قالوا لي إنها من أعمال الشعوذة، فقررت التخلص منها، لكن كيف أتخلص منها؟ وهو الأمر الذي شغل ذهني أكثر، فظللت أبحث عن أفضل طريقة، هل أحرقها أم أقطعها وألقي بها في المهملات، أم ماذا أفعل؟
أفكار كثيرة راودتني إلى أن قررت التخلص منها، فهممت مسرعًا أعد الخطوات بعيدًا عن أعين الناس، في أستار الليل، والقيت بها في الترعة.
واستعذت بالله من الشيطان الرجيم.. فالقرآن الكريم كما أخبرنا المولى عز وجل عن السحر بأنه أمر مذموم ليس للتصديق بمفعوله، لأنه مبني على الخداع البصري كما جاء قول رب العزة في سورة الأعراف "فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم".. هذا ما أعتقده دائمًا.
إلى كل من يمارس أعمال السحر والدجل والشعوذة.. اتقوا الله فإن زلزلة الساعة شيء عظيم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: السحر الأسود أحد الجدران القماش الأبيض
إقرأ أيضاً:
خزعل الماجدي.. ابن المدينة الذي عبثَ بالثوابت وجادل المُقدس
بقلم : فالح حسون الدراجي ..
الكتابة عن الدكتور خزعل الماجدي ومنجزه الجدلي الصادم، محفوفة حتماً بالمخاطر، وتتطلب الحيطة والحذر، فهي عندي أشبه بالمشي على حافة ( جبل النار ) الشهير في تايوان، إذ قد تدفع حياتك ثمناً لأية غفلة أو سهو غير مقصود .
وطبعاً فأن هذه الخطورة لم تاتِ بسبب موقف سياسي معارض أعلنه خزعل الماجدي، ولا بسبب تصريح يمس أحد الشخصيات النافذة في العراق أو في غير العراق، إنما المشكلة تكمن في أن الرجل ذهب في دراساته التاريخية واستنتاجاته البحثية إلى أبعد من المقبول، أقصد ان الرجل ذهب إلى الملعب الذي لايُسمح الذهاب اليه، ولم يكتفِ بالزيارة، والمناظرة، إنما راح يعبث بالثوابت الخالدة، ويخلخلها ويحفر عميقاً تحت أُسسها.. ولم يكتفِ بذلك ايضاً بل مضى إلى منطقة أخطر، وأشد حساسية، وهل هناك أخطر من منطقة الدين، سواءً اكانت يهودية او مسيحية او إسلامية الهوية.. ؟! ولعل المشكلة التي وضع خزعل نفسه فيها تتمثل في نيله من المقدس، فالشرقي مهما كان نوع مقدسه، مستعد للموت الف مرة دون أن يقبل المساس بمقدسه، حتى لو جاء ذلك بطريق البحث العلمي والجدل التاريخي، وحتى لو استحضر الباحث كل سندات الموروث، وكل الدلائل والأساطير وما يشهد له صحة نظريته وسلامة تطبيقاته، بما في ذلك المنحوتات والتماثيل والهياكل المتوفرة، والمخطوطات المحفوظة في المتاحف ..
نعم، فكل هذا لا يشفع للباحث لو تجرأ واقترب من مقدسه..
لقد اختلف الناس في ما يفعله الدكتور خزعل الماجدي وما يتعلل به في محاضراته الكثيرة، وكتبه الوفيرة، فثمة الملايين الذين يتفقون مع طروحاته وبراهينه ومشروعه بالكامل، بينما هناك الملايين الذين يختلفون معه، ويتهمونه بالإلحاد، والكذب، واستخدام حجة الأساطير للنيل من الكتاب المقدس وثوابت الأديان..
لقد فوجئت شخصياً بمشروع خزعل الماجدي، وما أحدثه من صدمة في رأس المجتمع الشرقي، وسبب مفاجأتي يعود إلى أني اعرف خزعل زناد الماجدي الطالب في ثانوية (قتيبة) في مدينة الثورة، وزميلي تقريباً في صفوفها، بخاصة ونحن بعمر واحد- فكلانا من مواليد 1951- وقد درسنا في ثانوية قتيبة بفترة زمنية واحدة، كما أني أعرفه كواحد من أبرز شعراء الجيل السبعيني الذي ضم سلام كاظم ورعد عبد القادر و كمال سبتي و شاكر لعيبي و هاشم شفيق وصاحب الشاهر وعبد الزهره زكي وعواد ناصر وحميد قاسم وكريم العراقي وغيرهم، وأعرف كم هو مخلص ومتحمس لمشروعه الشعري، لاسيما بعد صدور مجموعته الشعرية الاولى (يقظة دلمون) في العام 1980، والتي أكد فيها خطه الشعري المميز عن أقرانه شعراء الجيل السبعيني .. وإذا كانت دراسته التخصصية في الماجستير والدكتوراه قد رمت به خارج جغرافيا الشعر، وأهّلته إلى ان يكون باحثاً مُتخصصاً في علم وتاريخ الأديان والحضارات القديمة، فهو لعمري أمر لم اكن اعرفه قط، لاسيما بعد أن قطعت اخباره عني بسبب سفر كلينا، فصرنا في واقعَين متباعدين تماماً ..
بالمناسبة تحدثت قبل فترة مع احد الأخوة العراقيين الذين يقيمون في أستراليا، حول الدكتور خزعل الماجدي، وقد استغرب هذا الصديق كثيراً حين قلت له، إن الدكتور خزعل ابن مدينة الثورة، وخريج ثانوية قتيبة، ولا اعرف لماذا كان هذا الاستغراب، ولا أتذكر أيضاً تبريره على ذلك ..!
لكني أتذكر أنه سألني إن كان الماجدي شيوعياً؟
فقلت له : كلا كلا لم يكن شيوعياً ولا حتى صديقاً للحزب الشيوعي، بل ولم يقترب أبداً من البيئة الشيوعية، فالرجل كان مشغولاً بمشروعه الشعري الذي قال بنفسه عنه يوماً : ” إنني، ومنذ نشأتي الثقافية لم أنشغل بشيء آخر سوى الكتابة. لم تجذبني إغواءات المال أو السياسة أو الاحزاب أو حتى الحياة الاجتماعية، بغوايتها البرّاقة بشكل خاص، وكان مشروعي الثقافي، منذ وقت بعيد، ماثلاً أمامي، ومضيت فيه، أطوّره ويطوّرني في اتجاه أهدافي الروحية والمعرفية، حتى أنجزت ما أنجزته.. لقد أدركت منذ صباي، أن الحياة الروحية للإنسان مهمة جداً كما الحياة المادية، ولكنني وجدت أن الدين يحتكرها بشكل كامل على وجه التقريب، فقررت أن أصحح الأمر، وكان أن وجدت الشعر أشمل من الأدب، وهو أيضاً عكس الدين، لا تقيده الأيديولوجيا، فاعتبرت الشعر ديانتي الأولى. كانت الحياة التي من حولي، كلها، مثبطة لي ولمشروعي، ولكنني كنت مصرّاً عليه وحده فقط، وكان يزداد وضوحاً، وتتكشف تفاصيله كلما مضى بي الوقت”.
ويكمل خزعل موضوعه قائلاً : ” لم أستلم في حياتي كلها، حتى الآن، منصباً أو وظيفة مهمة. ولم أسعَ إلى ذلك، ولم أحلم بثروةٍ سوى الكتب، ولم أضيّع وقتي إلا في القراءة والكتابة الثقافية، وما يناظرها بالمستوى نفسه في الحياة، وكنت، وما زلت، أحاسب نفسي بصرامة على هدر أي وقت أنفقه في أمورٍ جانبية. الحياة في العراق تشبه التدلّي على حافة هاويةٍ، نتعلم منها أن الموت تحت أقدامنا كل يوم، وعلينا أن نكتب موتنا مراراً كي ندفعه عنا في الواقع. وهذا نوع من الممارسة السحرية العميقة، حيث الكتابة تؤجل الموت سحرياً. لا يوجد هدر فرص وحيوات على وجه الأرض، أكثر مما يوجد في العراق. الأرقام المليونية لموت وقتل وهجرة وعذاب وفقدان ناس وخسارتهم لمواهبهم، وأرقام مليارية لنهب وسرقة ثروات البلاد وعبثية صرف الأموال، كل ذلك ليس له مثيل إلا في العراق، بلد ضاع في مهبّ الريح، ضيّعه سياسيون مهووسون بالفتن والجهل
، بلدٌ دمّره أهله قبل أن يدمّره الأعداء ومن حوله. عندما أدركت ذلك منذ زمن بعيد، ربما مع نهاية السبعينيات (حيث انفجار العنف الدموي مع مجيء صدام حسين للسلطة)، وسيطرة العنف الشامل على العراق، ودخوله أول حرب مليونية أيضاً، هي الحرب العراقية – الإيرانية أدركت أننا ذاهبون إلى حتفنا، صار الموت يتمشى في حياتنا جذلاً مرحاً، وصرت أشعر بأنني قابل للموت في أي لحظة، وبطريقة مجانية. ولذلك اتخذت قراراً مهماً في حياتي، وهو أن أنصرف كلياً إلى مشروعي الثقافي والشعري، وألّا أدع أمراً يحول دونه أو يعطّله. وعندما تشتغل بحاسة الموت، يلتهب كل شيء في حياتك، وتتحوّل أنت بذاتك إلى ورشات عمل داخلية تعمل بنشاط نوعي. لقد قررت أن أدافع عن نفسي بوجه صنّاع الموت، وكانت الكتابة سبيلي إلى ذلك. وكان لي ما أردت، عندما أبعدت نفسي عن كل ما يتعلق بالسياسة والمال والمنافع الاجتماعية. ولم أزل على هذا النهج حتى اللحظة.. وعلى الرغم من كل المتغيرات الشكلية في وضع العراق، غير أن هذا البلد المنكوب يزداد عنفاً واضطراباً.. وهكذا تراني أكتب، كي أدفع عني هذا الكابوس..”!
لم يتركني صديقي عند هذا الحد، إنما سألني :
وما هو رأيك بمشروع خزعل الماجدي؟
فضحكت، وقلت له: إنه مشروعه وليس مشروعي، ألم تقل أنت في سؤالك: (مشروع خزعل الماجدي) ؟!