كيف يمكن إنجاح السياسة الصناعية الأوروبية؟
تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT
ترجمة: قاسم مكي -
"السبب الأساسي للتفاوت بين إنتاجية الاتحاد الأوروبي والإنتاجية الأمريكية في منتصف التسعينات كان فشل أوروبا في الاستفادة من الثورة الرقمية الأولى بقيادة الانترنت سواء في تكوين شركات تكنولوجية جديدة أو دمج التقنية الرقمية في الاقتصاد. في الحقيقة إذا استبعدنا القطاع التقني سيكون نمو إنتاجية الاتحاد الأوروبي في السنوات العشرين الماضية مساويا بشكل عام لإنتاجية الولايات المتحدة.
مهما كانت أهمية ذلك الجزء (تسخير الثورة الرقمية) إلا إنه تَحَدٍّ واحدٍ فقط من بين التحديات الاقتصادية الاستراتيجية التي تواجه الاتحاد الأوروبي. التحديات الأخرى تشمل هشاشة إمدادات الطاقة والتحول الى الطاقة المتجددة وصعود الحمائية. يقدم دراغي في تقريره إطارا ومقترحات لكيفية الاستجابة لهذه التحديات تشمل المزيد من السياسات التدخُّلية التجارية والصناعية (السياسات التي تتدخل بها الحكومة في النشاط التجاري والصناعي لتعزيز للنمو بدلا عن تركه لقوى السوق وحدها - المترجم.) التحدي هو جعل هذه السياسات مُحدّدة الأهداف ومعقولة.
في الصناعات الدفاعية على سبيل المثال حجة البناء على نموذج شركة ايرباص تبدو قوية. فالقطاع الدفاعي الأوربي مقارنة بالولايات المتحدة بالغ التشظي. وستكون إندماجات الشركات عبر الحدود ضرورية.
هنالك مشاكل شبيهة في قطاع البنوك وأسواق رأس المال وإمدادات الطاقة. لأسباب متنوعة ترفض الحكومات السماح بالتكامل الضروري جدا عبر الحدود. هذا يعكس الى حد بعيد سياسةً قومية ومصالح الخاصة. نتيجة لذلك تستمر الحواجز الإجرائية. وما يُسعد أن مثل هذه العوائق كما يكشف تاريخ الاتحاد الأوروبي يمكن التغلب عليها بالإرادة السياسية. لكن هل ستتحقق تلك الإرادة؟
تحدي التحول الى "التقنية النظيفة" في قطاعي السيارات والطاقة أكثر تعقيدا. فكما جاء في تقرير دراغي "نسبة الى سرعة إيقاع الابتكار والتكاليف المنخفضة للصناعة والدعم الحكومي الذي يساوي أربعة أضعاف مثيله في بلدان الاقتصادات الكبرى الأخرى تهيمن الصين الآن على الصادرات العالمية للتقنيات النظيفة." هذا الواقع يوجد فرصا للمسارعة بتبني التقنيات الجديدة. ولكنه أيضا يهدد بتقويض صناعات مهمة في الاتحاد الأوروبي وباحتمال عزلها عن أجزاء من سلسة التوريد كالبطاريات لأنها تفتقر الى إمكانية الحصول على المواد الخام الحيوية. إجمالا، التدخل "الحكومي" حتمي. وقانون التجارة يسمح بذلك أيضا. أما التدخل "الفعَّال" فمسألة أخرى. لكن يجب أن يكون ممكنا إذا نفِّذ بعناية.
الثورة الرقمية موضوع آخر أيضا. من غير المعقول تخيل أن الاستثمار في نُسَخ أوروبية للشركات العملاقة مثل جوجل ومايكروسوفت وآبل وإنفيديا سيكون ناجحا. كما لن تفيد الإجراءات التجارية التقليدية (في التعامل مع هذه الشركات التقنية العملاقة.) فكيف يمكن للمرء عرقلة البحث بمحرك جوجل دون تطبيق قيود من النمط الصيني. كما لا يبدو من المعقول أن الأموال غير متاحة لتمويل فرص تقنية جذابة على الرغم من أن إصلاح أسواق رأس المال يجب أن يساعد على بناء صناعة أكبر في الاتحاد الأوروبي لرأس المال المغامر. لكن حقيقة أن استثمارات رأس المال المغامر في أوروبا بلغت فقط 20% من استثماراته في الولايات المتحدة عام 2023 لم تكن بسبب نقص في المدخرات ببلدان الإتحاد. بل نتيجة للفشل في إيجاد منظومة التقنية (البيئة التكنولوجية) المطلوبة.
إذن لماذا حدث ذلك؟ المسألة ليست أن الاتحاد الأوروبي يفتقر الى الناس. يحاجج المعلقون العليمون بأنه يعود بقدر كبير الى الإفراط في النظم الإجرائية. هنالك نوعان منها بالغا الأهمية هما تنظيم القطاع التقني تحديدا والتنظيم الأوسع نطاقا للاقتصاد، خصوصا سوق العمل، والذي يؤثر على نحو خاص على الاستثمارات المغامرة الجديدة التي لا يمكن التنبؤ بها. فإذا لم يكن بمقدورك تسريح العاملين لن تستطيع توظيفهم ولذلك ستذهب (باستثمارك) الى مكان آخر.
الخبير التقني المعروف جيدا بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا آندرو ماكافي وجَّه انتقادا قويا لسياسة الاتحاد الأوروبي. يقرّ ماكافي بأن حال صناعة التقنية في الاتحاد الأوروبي مُريعة. لكن المشكلة ليست عدم وجود المال. فحكومات الاتحاد تنفق على دعم البحث والتطوير نفس المبلغ (وكحصة من الناتج المحلي الإجمالي) الذي تنفقه الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة. نعم إنفاق الاتحاد "مُتَشَظٍّ" بين الدول الأعضاء. لكن ماكافي يقول تلك ليست هي المشكلة الوحيدة. فهو يحاجج بأنها "التدخل الحكومي في تلك المنظومة التقنيِّة ليس بالتمويل ولكن بالقوانين والإجراءات وبفرض القيود والأعباء الأخرى على الشركات."
يوضح محلل السياسات التقنية آدم ثيرير هذه النقطة بقوله "لقد وثَّقَت عدة دراسات مؤخرا التكاليف المرتبطة باللائحة العامة لحماية البيانات ومقاربة الاتحاد الأوروبي المتعسِّفة لتدفق البيانات بشكل أعم."
هذا يفرض تكاليف باهظة على الشركات المبتكرة وحتما كلما كانت الشركة أصغر كلما كانت الضريبة الضمنية أكبر. بالنظر الى هذا وأيضا الى الأسواق المتشظية للاتحاد الأوروبي لا عجب أن الولايات المتحدة تتقدمه كثيرا.
تطرح ورقة أعدها كل من أوليفر كوسته ويان كوتانليم ونشرتها جامعة بوكوني في ميلانو نقطة مهمة أخرى وأوسع نطاقا حول التنظيم الإجرائي. فالشركات الجديدة والنشطة يلزم أن تكون قادرة على تعديل نفقاتها بسرعة بناء على تطورات السوق. وبذلك فإن تكاليف إعادة الهيكلة والتي هي الى حد بعيد نتيجة لإجراءات حماية التوظيف أساسية، وفقا لمؤلفي الورقة. فكلما زادت تكلفة إعادة الهيكلة كلما أصبحت الشركة أكثر حذرا. وتراكميَّا، تتحول مثل هذه الإجراءات الحمائية إلى عائق.
يقرّ دراغي بأن التنظيم القانوني مسألة كبيرة. لذلك ذكر في تقريره أن "منظومة الاتحاد الأوروبي واسعة النطاق والصارمة (والتي تتمثل في السياسات المرتكزة على مبدأ التحوط والحذر) قد تقيِّد الابتكار كأثر جانبي. وتواجه شركات الاتحاد الأوروبي تكاليف أكبر لإعادة الهيكلة مقارنة بنظيراتها الأمريكية. يجعلها ذلك في وضع ضعيف جدا في القطاعات التي بها مستوى عالٍ من الابتكار ويحصل فيها الفائز على نصيب الأسد." بل مضى دراغي حتى الى التوصية بتعيين نائب جديد لرئيس المفوضية للتبسيط (للتقليل من الأعباء الإجرائية على الشركات - المترجم.) حظٌّ سعيدٌ لهذه المقاربة.
القضية فلسفية وسياسية. فالاتحاد الأوروبي بحاجة الى إيجاد طريقة تنظِّم القطاع التقني وفي ذات الوقت لا تخنق نمو اقتصاده. إنجاز ذلك يشكل تحديا ضخما.
•مارتن وولف كبير معلقي الاقتصاد بصحيفة الفاينانشال تايمز
•الترجمة خاصة لـ عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی
إقرأ أيضاً:
رئيس اتحاد الشركات يلتقي بنظيره في اتحاد الألعاب الترفيهية لبحث التعاون وتنظيم بطولات قادمة
استقبل محمد عثمان هارون، رئيس اتحاد الشركات، أحمد البكري، نظيره في اتحاد الألعاب الترفيهية، وذلك بمقر اتحاد الشركات الرياضي.
جاء اللقاء، في إطار بحث سبل التعاون بين الاتحادين خلال الفترة المقبلة، بهدف تعزيز الأنشطة الترفيهية وتوسيع قاعدة المشاركة في البطولات التي ينظمها اتحاد الشركات.
ناقش الطرفان خلال الاجتماع الألعاب الترفيهية التي من المتوقع أن تكون جزءًا من بطولات اتحاد الشركات القادمة، والتي تشمل ألعابًا شهيرة مثل الطاولة، الدومينو، والفوت فولي.
وأكد الجانبان على أهمية تضافر الجهود لإنجاح البطولات واستقطاب المزيد من المشاركين.
وقال محمد عثمان هارون: "يأتي هذا اللقاء في إطار حرصنا على تعزيز الأنشطة الترفيهية والرياضية داخل مجتمع الشركات. نحن نسعى لخلق بيئة ترفيهية تنافسية تجمع بين المرح والتحدي، ونسعد بالتعاون مع اتحاد الألعاب الترفيهية لإثراء هذه التجربة."
ومن جانبه، أعرب السيد أحمد البكري عن سعادته بالتعاون المرتقب، قائلاً: "نشكر اتحاد الشركات على اهتمامهم بالألعاب الترفيهية وفتح الباب أمام تعاون مثمر. نتطلع لإقامة بطولات نوعية تساهم في نشر هذه الألعاب بشكل أوسع وتعزز روح الترفيه والمرح بين جميع المشاركين."
يُعد اتحاد الشركات أحد أقدم الكيانات الرياضية في مصر التي تُعنى بتنظيم الأنشطة الرياضية والترفيهية بين العاملين في مختلف الشركات والمؤسسات. تأسس الاتحاد بهدف تعزيز النشاط البدني والتواصل الاجتماعي بين موظفي الشركات، إضافة إلى خلق بيئة تنافسية تساهم في رفع الروح المعنوية وتشجيع التفاعل بين العاملين.
بدأ الاتحاد أنشطته منذ عقود، حيث عمل على تنظيم بطولات رياضية متنوعة تشمل رياضات جماعية مثل كرة القدم وكرة السلة والطائرة، ورياضات فردية مثل التنس وتنس الطاولة والجري. وقد توسعت أنشطة الاتحاد بمرور الوقت لتشمل ألعابًا ترفيهية، مما يعكس اهتمامه بتلبية مختلف الأذواق والمستويات الرياضية.
ويُعد اتحاد الشركات منصة مهمة لاستثمار الطاقات الإيجابية لدى العاملين في بيئات العمل، حيث نجح في تطوير العديد من المواهب واكتشافها عبر مشاركتها في البطولات والمسابقات. علاوة على ذلك، يُسهم الاتحاد في ترسيخ مفهوم الرياضة كأسلوب حياة بين الشركات والأفراد على مستوى الجمهورية.
يهدف اتحاد الألعاب الترفيهية إلى الترويج العديدة من الألعاب كأنشطة تجمع بين التسلية والتحدي، وتشجيع المنافسة الصحية في أجواء مليئة بالمتعة والروح الرياضية.
تأسس الاتحاد لتعزيز الألعاب الشعبية والترفيهية التي تعد جزءًا من الثقافة المجتمعية، مثل الطاولة، الشطرنج، الدومينو، والبيلياردو. ومع مرور الوقت، توسعت أنشطة الاتحاد لتشمل ألعابًا عصرية مثل الفوت فولي، البولينج، والـ"Darts"، ليواكب التطورات ويفتح المجال أمام أنشطة رياضية جديدة تتناسب مع الأجيال الحالية.
يعمل الاتحاد على تنظيم بطولات محلية ودولية، بالتعاون مع مؤسسات وهيئات مختلفة، بهدف نشر هذه الألعاب على نطاق أوسع واكتشاف المواهب.
كما يركز على إدخال البعد الترفيهي في الأنشطة الرياضية لجعلها متاحة للجميع، بما يعزز الترابط الاجتماعي ويساهم في استثمار أوقات الفراغ بشكل إيجابي ومفيد.
واستطاع الاتحاد على مدى السنوات الماضية أن يكون جسرًا بين الرياضة والترفيه، مما جعله جزءًا أساسيًا من المشهد الرياضي والثقافي.