صالح الحارثي **

 

لا شك أن الثابت المطلق الغني عن التعريف الذي لا يتغير في السياسة الخارجية لسلطنة عُمان هو التأكيد دائمًا وأبدًا على مبدأين مهمين؛ وهما: احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتبنيها في المقام الثاني إرساء أسس الحوار منهجًا لمعالجة كافة القضايا والتحديات الدولية من أجل "احتواء التصعيد والتوتر وحقن الدماء عبر الاحتكام للحوار العاقل وقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية".

وقد جاء الخطاب السنوي الذي ألقاه معالي السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي وزير الخارجية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين، مؤكدًا تلك الأسس والثوابت، وكان واضحًا في صياغته، دقيقًا في مفرداته، جليًا في معانيه، موجزًا في عباراته، مُلخِّصًا لحالة الغليان والنزيف الدموي الذي يُعيشه هذا الكون جراء الاحتقان السياسي والاقتتال والحروب التي أتتْ على الأخضر واليابس ونشرتْ البؤس والفقر والخراب والدمار بين سكانه، نتيجة غياب العدالة وازدواج المعايير وتهميش سيادة القانون والاستقواء على الضعيف؛ فانتشرت بذلك الفوضى واستعلى أزيز الرصاص على لغة الحوار وزادت الهوة بين أمراء الحروب وصانعي السلام فاتسع الشق على الراتق ولم يعد للأمم المتحدة بأعضائها الكُثر قوة ولا حيلة في لملمة الأمور وحلحلة القضايا غير قوة السلاح الذي أصبح الصوت الأعمى والأصم في عالم طغى عليه التعطش للدم وروح الانتقام وثقافة الهيمنة والاستعلاء والاستبداد.

إنَّ العالم اليوم كما جاء في كلمة عُمان بحاجة ماسة إلى إحياء صحوة الضمير وتغليب صوت العقل والحكمة لبسط "سيادة القانون الدولي وتطبيقه، تحقيقًا للعدالة والسلام وبما يعكس رؤية الأمم المتحدة لعالم يعم فيه الأمن والاستقرار والسلام والرخاء للجميع" سعيًا نحو بلوغ الهدف الأسمى من ميثاق الأمم المتحدة في "تجسيد آمال الشعوب وتحقيق تطلعاتها في التنمية والحياة الهانئة الكريمة"، وبما "يكفل لسائر الأقطار والشعوب حق العيش في سلام وأمان وكرامة".

ولأنَّ الغاية نبيلة والمقاصد عظيمة فلم تألو سلطنة عُمان جهدًا على مدى نصف قرن وأكثر من مسيرة نهضتها الحديثة المباركة في حلحلة الخلافات وجمع الفرقاء على طاولة واحدة إيمانًا منها بأن الحوار يصنع التطور والازدهار، والقطيعة تُخلّف الضغينة  والدمار، وقد نجحت في ذلك فكانت قبلة الناشدين للسلام وواحة للأمن والأمان.

إنَّ العالم المشحون بالخوف والقلق من شبح الحروب جاء إلى هذه المنظمة الدولية حاملاً معه مخاوفه وجراحه، فعسى أن يجد منها وهو يلملم اليوم أوراقه عائدًا أدراجه إلى بلاده، ما تطمئن إليه النفوس وتشفى به الجراح وينتهي معه البؤس والشقاء.

 

** سفير سابق

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

فوق الأمم المتحدة

حمل خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل أيام، مجموعة كبيرة من التحديات الخارجة على أعراف وتقاليد المجتمع الدولي، ومن بينها هجومه الحاد على المنظمة الدولية نفسها.

ورغم أنه ليس الهجوم الأول من نوعه، إلا أنه يكشف، هذه المرة، ما وصلت إليه الغطرسة الإسرائيلية في تعاملها مع أعلى هيئة دولية في النظام العالمي القائم، وما وصلت إليه العلاقة القديمة الجديدة، المثيرة للجدل، بين الجانبين.
عندما تأسست هيئة الأمم المتحدة مع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، بهدف حل المشكلات والنزاعات العالمية والحفاظ على السلم والأمن الدوليين، لم تكن إسرائيل قد ولدت بعد، وعندما أُنشئت في عام 1948، سعت بكل قوة لنيل الاعتراف من قبل الأمم المتحدة. لكنها قبل ذلك وبعده، رفضت الالتزام بقرار تقسيم فلسطين لعام 1947، والذي يمنحها 55 بالمئة من الأراضي الفلسطينية، لتستولي في النهاية على نحو 78 بالمئة من تلك الأراضي، في أول صفعة توجهها للمنظمة الدولية، ومع ذلك فقد حصلت على هذا الاعتراف بفضل الدعم الغربي لها.
ومنذ ذلك التاريخ توالت صفعاتها للأمم المتحدة، بدءاً من عرقلة عمل وأنشطة الوكالات والمؤسسات التابعة لها في الأراضي الفلسطينية، وصولاً إلى حرب غزة، حيث وضعت نصب عينها تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» باعتبارها الشاهد الدولي الوحيد على المأساة الفلسطينية. ومنذ ذلك التاريخ أيضاً، لم تنفذ إسرائيل قراراً واحداً من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة والهيئات الأممية الأخرى، يتعلق بفلسطين، ناهيك عن معظم القرارات المتعلقة بالحروب العربية الإسرائيلية.
اليوم، يرى نتنياهو أن الأمم المتحدة «منحازة» وتحولت إلى «مهزلة مثيرة للازدراء» في ظل الصحوة الدولية التي استفاقت أخيراً على حجم التضليل والادعاءات الناجمة عن السردية الإسرائيلية، والتي هيمنت على الغرب لعقود طويلة.
وبالتالي فقد صبت إسرائيل جام غضبها على الأمم المتحدة ومؤسساتها، بدءاً من محكمة العدل الدولية مروراً بالمحكمة الجنائية الدولية وصولاً إلى «الأونروا» وغيرها من المؤسسات، قبل أن يطال هذا الغضب الأمين العام للمنظمة الدولية. ووصل الأمر بنتنياهو في خطابه المتعالي أن يتعهد بتصحيح ما يعتبره «الأخطاء والادعاءات التي لا أساس لها» التي ارتكبتها الأمم المتحدة بحق «إسرائيل»، والقائمة على ما يسمى «معاداة السامية».
وفي كل الأحوال، لم نسمع منذ تأسيس الأمم المتحدة وحتى الآن عن قيام مسؤول أو زعيم دولي، بخلاف المسؤولين الإسرائيليين، بمهاجمة المنظمة الدولية من على منبر الأمم المتحدة. كما لم نسمع أيضاً عن قيام أي مسؤول أو زعيم دولي بإطلاق التهديدات ضد الآخرين أو ترهيب جزء كبير من العالم من على منبر الأمم المتحدة.
غير أنه لا يمكن تصور أن يقوم بذلك أي مسؤول إسرائيلي آخر، بمعزل عن الحماية التي تتمتع بها إسرائيل في العالم الغربي، والتي من دون شك تجعل منها دولة «فوق القانون» بامتياز.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: غوتيريش يشعر بالقلق
  • الإعلام الحكومي خلال استقباله وفدًا من الأمم المتحدة: المنظمات الدولية أداؤها ضعيف في إغاثة وتأمين شعبنا
  • الوزير صباغ: لا يمكن فصل جرائم سلطات الاحتلال الإسرائيلي وعدوانها المستمر على سورية عن الدور التخريبي الذي انتهجته بعض الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث واصلت تلك الدول انتهاك سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها عبر استمرار وجود قوات
  • الأمم المتحدة تكشف عن عدد النازحين من لبنان إلى سوريا منذ بدء التصعيد
  • فوق الأمم المتحدة
  • عُمان تؤكد رؤيتها الثابتة في تبني أسس الحوار والتسامح لمعالجة القضايا والتحديات
  • عُمان تؤكد رؤيتها الثابتة في تبني أسس الحوار والتسامح لمعالجلة القضايا والتحديات
  • المبعوث الأمريكي للسودان يسافر إلى كينيا وإثيوبيا لمواصلة الجهود الدبلوماسية
  • وزير الخارجية: الأجيال الشابة تطرح استفسارات مشروعة عن جدوى المنظومة الدولية