أولويات لحصانة لا تنكسر..
تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT
جعلت سلطنة عمان سداد الدَّين العام أولوية أولى ومهمة جدا، فإذا بنا نشهد خلال أقل من خمس سنوات جعل الدَّين العام في أدنى مستوياته، ولا يزال ينخفض كل يوم، ولا شك عندي أن هذه الأولوية أتت لحماية وحصانة البلاد وسيادتها وأمنها وأمانها، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه من سداد هذا الدَّين، وسداد ديون الشركات الحكومية مثل أوكيو.
وهناك أولويتان تحتاجان إلى الاهتمام نفسه لخطورتهما، منها ضرورة تشغيل الشباب، وإيجاد الحلول السريعة حتى لا تتراكم الأعداد وتنفلت، ومعالجة التهديد الديموغرافي؛ فعدد المواليد العمانيين بحسب الإحصاءات بدأ في الانخفاض، وهو سيؤثر خلال سنوات قليلة على المنحنى السكاني الذي يعد معتدلا حاليا، ليعاني التشوهات ومشاكلها، فأكبر مشاكل الغرب اليوم بسبب تشوّه هذا المنحنى وما يسببه من أزمات ومشاكل بنيوية لها علاقة بالتهديد الديموغرافي في عالم فقد مكابحه، وظهرت عدوانية البعض بلا مواربة للاستيلاء والسيطرة والتحكم وكسر الآخر وإبادته، وصارت المنظمات الدولية وقراراتها بلا قيمة حقيقية أمام منطق القوة والاعتداءات الغاشمة.
وكذلك أولوية الأمن الغذائي للبلاد؛ فما أزال أتذكر حديث أجدادنا أنه لولا ما كان يجود به سهل الباطنة في السلطنة من غذاء لمات أكثر الناس جوعا على ساحل الخليج إبان الحربَين العالميتَين الأولى والثانية، وها نحن منذ ما يقارب العامين نسمع السياسيين وهم يحذرون من حرب عالمية ثالثة في العالم العربي والإسلامي، كالرئيس البيلاروسي لوكاشينكوف، والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وجوزيف إبستاين المحلل والباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، وطلال أبو غزالة وغيرهم، وليكون الجوع أحد مضاعفاتها ونتائجها.
بالنسبة لي لم يمر يوم من حياتي منذ طفولتي إلى اليوم دون أن يخلو من أخبار الحروب على العالم العربي وفيه، سنوات وسنوات والعالم العربي على صفيح ساخن، فليس ببعيد أو غريب أن يجد نفسه في معمعة الحرب العالمية الثالثة.
د. طاهرة اللواتية إعلامية وكاتبة عُمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
من حيفا 1948م إلى غزة 2025م: التهجير القسري مستمر.. والمقاومة لا تنكسر
في 22 أبريل 1948، اجتاحت العصابات الصهيونية مدينة حيفا لتنفيذ واحدة من أبشع المجازر، حيث راح ضحيتها أكثر من 150 شهيدًا من المدنيين الفلسطينيين، إضافة إلى عشرات الجرحى. بدأ العدوان بقصف مدفعي عنيف، تلاه اقتحام المنازل وإطلاق النار العشوائي على السكان العزل. الآلاف من العائلات الفلسطينية فروا نحو ميناء المدينة في محاولة للنجاة، لكن رصاصات الاحتلال طاردتهم هناك، ليُجبروا على التهجير القسري.
ما حدث في حيفا كان جزءًا من خطة صهيونية شاملة لطرد الفلسطينيين من مدنهم وقراهم، وتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين. خطة “دالت”، التي كانت تهدف إلى طرد الفلسطينيين وإحلال المستوطنين مكانهم، شملت العديد من المدن الفلسطينية الكبرى مثل يافا، واللد، والرملة، وصفد. في ذلك الوقت، كانت الأنظمة العربية متخاذلة، ولم تُظهر القدر الكافي من الإصرار على دعم فلسطين، مما سمح للاحتلال بتنفيذ المجازر دون مقاومة حقيقية. بل وصل الأمر في بعض الحالات إلى التواطؤ ضد القضية الفلسطينية، حيث تواطأ بعض القادة العرب مع الاحتلال الصهيوني أو اختاروا الحياد، مما سمح له بمواصلة انتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني.
على مدار سنوات، كانت القضية الفلسطينية محط نقاش في القمم العربية، لكنها بقيت حبرًا على ورق دون تأثير حقيقي. أما في عام 2025، تغير المشهد بشكل جذري. لم تعد فلسطين مجرد قضية تُطرح في الخطابات الرسمية، بل أصبحت جوهرًا لحراك المقاومة في المنطقة. اليوم، يتألف محور المقاومة من اليمن، لبنان، العراق، إيران، بالإضافة إلى كل الأحرار حول العالم الذين يرفضون الصمت ويؤمنون بحق الفلسطينيين في التحرر والعودة. هذه القوى لم تكتفِ بالشعارات، بل اتخذت خطوات عملية لدعم غزة في صراعها ضد الاحتلال، مؤكدة أن تحرير الأرض الفلسطينية ليس مجرد حلم، بل هدف واقعي يُسعى لتحقيقه.
اليمن، بقيادة السيد القائد عبد الملك الحوثي، يقدم مثالًا حيًا يثبت أن المقاومة الحقيقية لا ترتكز على دعم الأنظمة العربية التي تقاعست عن مساندة القضية الفلسطينية، بل تعتمد على القوى التي تؤمن بحق الشعوب في التحرر والكرامة. وفي ظل تهاون الأنظمة العربية في تقديم الدعم الجاد لفلسطين، كان هناك رجال من محور المقاومة في اليمن ولبنان والعراق وإيران، إلى جانب أحرار العالم الذين يقفون بكل إخلاص مع القضية الفلسطينية ويكرسون جهودهم لدعمها بكل ما يملكون.
لكن في المقابل، وإلى اليوم، لا يزال التآمر من بعض الأنظمة العربية مستمرًا، حيث يتواصل التخاذل تجاه القضية الفلسطينية، بل وأحيانًا يتخذ شكل التواطؤ المباشر مع الاحتلال. وفي هذا السياق، برزت خطوات التطبيع من قبل بعض القادة العرب مع الكيان الصهيوني، مما يعمق الجراح الفلسطينية ويمنح شرعية للاحتلال. في وقتٍ يتعرض فيه الشعب الفلسطيني في غزة لعدوان متواصل وتهجير قسري جديد، نجد أن بعض الأنظمة العربية تفضل المساومات السياسية مع الاحتلال الصهيوني أو تبدي انحيازًا لأجندات خارجية على حساب الدعم الفعلي لفلسطين. هذا التواطؤ المستمر، بما في ذلك التطبيع، يعمق الجراح الفلسطينية ويعطي شرعية للاحتلال، في وقت كان يجب فيه أن تكون الأمة العربية جبهة موحدة خلف فلسطين.
الوضع في غزة اليوم ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل هو صراع وجودي ضد الاحتلال الذي يستهدف شعبًا صامدًا على أرضه. وكما لم يتمكن الاحتلال من كسر إرادة الفلسطينيين في 1948، فإنه اليوم يواجه مقاومة متجذرة وشعبًا يرفض الخضوع. في الماضي، كانت الحسابات السياسية تمنع الدعم الفعلي، أما اليوم، فإن غزة تقف على خط المواجهة، مستندة إلى محور مقاومة يزداد قوة وثباتًا. رغم سعي الاحتلال لتكرار المآسي السابقة من تهجير وقمع، إلا أن غزة اليوم تقف بثبات، عصية على الانكسار.
ختامًا.. ورغم التخاذل الذي خذلت فيه الأنظمة العربية القضية الفلسطينية لعقود، يبقى محور المقاومة صامدًا في تأكيده أن فلسطين ليست قضية دول ومصالح بل قضية حق وعدالة لا يمكن التنازل عنها. محور المقاومة لن يتخلى عن القضية الفلسطينية مهما كانت التحديات، وسيظل يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى تحقيق النصر. وكما قال السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي: “لستم وحدكم، فالله معكم، ونحن معكم. نتألم لآلامكم، نحزن لحزنكم، ونتحرك بكل ما نستطيع لنصرتكم.” هذا الالتزام الثابت يعكس عزيمة المقاومة التي لن تتوقف حتى تتحقق العدالة والحرية لفلسطين.