من يقف حجرة عثرة ضد استكمال مشروع رباعية الأندلس لوليد سيف وحاتم علي؟
تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT
قبل أشهر قليلة أعلن الكاتب الكبير الدكتور وليد سيف عن انتهائه من كتابة مسلسل "غرناطة.. آخر الأيام"، وهو الجزء الأخير المنتظر من رباعية الأندلس التاريخية التي استهلها رفقة المخرج المبدع الراحل حاتم علي بمسلسل "صقر قريش" الذي أنتج سنة 2002 وتلاه "ربيع قرطبة" في السنة الموالية، وفي 2005 أبصر مسلسل "ملوك الطوائف" النور؛ ومنذ ذلك الوقت ظلت الأخبار متضاربة حول موعد استكمال الرباعية بسقوط غرناطة وبالتالي توثيق بصري من الطراز الرفيع لدروس الأندلس المكتنزة بالعبر والخلاصات المريرة.
حين بادر الدكتور وليد سيف لإماطة اللثام عن الجزء الرابع تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي وحتى منابر الإعلام المختلفة مع الخبر، ما دفع الكثيرين لاستنتاج وجود جهة إنتاجية جديدة ستتبنى المشروع؛ شخصيا بادرت للحديث عن الموضوع وأبديت توجسا منطقيا مما سيؤول إليه العمل، لا سيما بعد رحيل عرابه الثاني حاتم علي "الأمين" على نصوص وليد سيف، ما جعلنا أمام ثنائية لن تتكرر قدمت سلسلة أعمال ملحمية كان آخرها مسلسل "عمر".
ومن هذا المنطلق لا بد أن نتساءل: أليس من المريب أن كاتبا بحجم الدكتور وليد سيف "غائب" أم "مغيب" عن الدراما التلفزيونية منذ ذلك العمل الذي أنتج سنة 2012؟ ولماذا تم "وأد" المسلسلات التاريخية بتلك الصورة البشعة التي نراها اليوم، وحتى إذا وجدت نراها مفصلة على المقاس وبعيدة كل البعد عما تعودنا عليه في أوج ازدهار الدراما السورية على سبيل المثال؟
اليوم نعود لفتح ملف سلسلة الأندلس ونحن نرى أغلب شركات الإنتاج الذائعة الصيت عربيا والقادرة على تحمل تكاليف إنتاج الأعمال الضخمة قد أعلنت عن جدول أعمالها، وبرمجت مسلسلاتها التي تنوي خوض السباق الرمضاني بها. ومجددا لا أثر للعمل التاريخي المنتظر الذي هلل له الكثيرون مستبشرين بإمكانية رؤيته في الموسم الجديد؛ رغم أن سيلا جارفا من الأسئلة سيظل معلقا حتى إشعار آخر وأهمها: من المخرج الأجدر على تعويض حاتم علي ويكون "أمينا" على النص كما يصر دائما وليد سيف ويشترط؟
وهل المناخ الذي نفذت فيه الثلاثية ونجاحها في كسر "الحصار" المفروض على الأعمال الجادة الصادحة بالحقيقة بدون مساحيق تجميل ما زال سائدا لدى الفضائيات العربية اليوم؟
وإذا كان كل هذا ممكنا؛ فلماذا تأخر هذا الجزء كل هذه الفترة من الزمن؟ وما الذي تغير اليوم حتى تعدل أو انقلب المزاج العام فجأة؟ وهل بعض الجهات التي تروج لجديتها في تبني المسلسل حاليا ستقبل بنص مكتنز بالإسقاطات المعاصرة ويضع الإصبع على الجرح دون مواربة كما تابعنا في الأجزاء الأولى، أم هي مجرد محاولات للسطو على المشروع وتسطحيه كما اعتدنا أن نرى في الأعوام الأخيرة؟
المؤكد أن الدكتور وليد سيف مطالب بتوضيح سبب "الارتباك" المستجد وأيضا الجهات التي أبدت جديتها في استكمال المشروع وشروطها الجديدة؛ ذلك أن الوضع الحالي للدراما العربية لا يبشر بوجود رغبة حقيقية نحو التغيير والعودة لجادة الصواب لا سيما ونحن نعيش "أزهى" عصور ما يسمى "البان أراب" وتعريب المسلسلات التركية وبميزانيات فلكية، في إهانة واضحة للطاقات والكفاءات العربية سواء في عالم الإخراج والكتابة والتمثيل وأيضا في محاولات بئيسة للهروب من واقعنا وقضايانا وهمومنا الآنية.
كل ما سبق يفسر سبب حالة الفرح والنشوة العارمة التي عمت على السوشال ميديا بعد إعلان خبر إمكانية رؤية مسلسل "غرناطة.. آخر الأيام"، ويكشف بجلاء توق المشاهد العربي للأعمال الجادة الأصيلة التي تحمل بصمات مبدع بحجم وليد سيف افتقدناه طويلا؛ ولكن لحدود اللحظة يبدو أن "الحلم " كان كبيرا (اسوة بأحد أعمال حاتم علي الاجتماعية ونقصد مسلسل "أحلام كبيرة")، وأن العودة للدراما التاريخية الصادحة بالحقيقة سيتأجل مجددا، وأن الواقع الحالي لا يتسع للجيل الموهوب المسكون بهواجس الأوطان وقضاياها، والدليل أن كاتبا عملاقا آخر رحل عن دنيانا قبل أسابيع قليلة حزنا وكمدا بعد أن ضاق ذرعا بالتأجيلات وأنه صار عاطلا عن العمل، وهو من نسج أهم الروائع التلفزيونية الاجتماعية العربية وأقصد الكاتب حسن سامي يوسف.
الخلاصة أننا لن نلوم تيم حسن حين خلع رداء "المعتمد بن عباد" و"محمد بن أبي عامر" وأصبح "جبل شيخ الجبل وتخلت نسرين طافش عن "صبح البشكنجية" وارتدت بدلة رقص عزيزة وقادت جوقتها، وترك جمال سليمان أشعار "ابن زيدون" وحنكة "صقر قريش" وتحول إلى "مندور أبو الذهب"، لان مقاييس العصر "تغيرت" وما باليد حيلة..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات وليد سيف الأندلس حاتم علي الدراما الأندلس دراما وليد سيف حاتم علي مدونات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حاتم علی
إقرأ أيضاً:
رباعية القيادة العلمية .. من هنا نبدأ
إذا تابعنا التفاعل على حسابات شركة تيسلا موتورز على وسائل التواصل الاجتماعي، وقمنا بمقارنته مع الحراك على حساب إيلون ماسك -المؤسس المساعد لمصانع تيسلا، ومديرها التنفيذي- سنجد أن الجمهور يتفاعل مع قائد الابتكار بشكل مضاعف، وهي طبيعة البشر في كل مكان وزمان، فالمنتج النهائي للابتكار مهما بلغت عظمته إلا أن الاهتمام يتمحور دائمًا حول العقل المبتكر الذي أنتجه، والذي بوسعه أن ينتج ابتكارات أخرى عظيمة ومؤثرة، وهذا الذي جعل من موضوع القيادة والإدارة في العلوم حديث الساعة، ومحور النقاشات الفكرية والفلسفية، ولكن السؤال المهم هو من أين نبدأ في تسخير قوة العلم عبر القيادة الناجحة والمتمكنة؟ قبل ذلك كله، يشهد العالم تغييرات في قدرات التكنولوجيا متعددة الأبعاد، والتي تتمثل في الابتكارات التحويلية، والتقنيات المتقدمة، وبذلك أصبحت القطاعات العلمية والبحثية والابتكارية قطاعات اقتصادية في المقام الأول، وفضلًا عن ذلك، تحتاج هذه القطاعات للقدرات والكفاءات العلمية الضخمة، والاستثمارات الهائلة الموجهة في الإنفاق على البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والابتكار، وتعد مخرجات البحوث العلمية من أهم مدخلات صناعة القرارات وصياغة الخطط والسياسات، كما يتمتع المجتمع العلمي بمكانته المميزة مع مجموعة من الاختلافات، والقواسم المشتركة عبر السياقات التنظيمية الأكاديمية منها والصناعية، وفي ريادة الأعمال، وهذا بدوره يفرض ضرورة التركيز بشكل استراتيجي على الإدارة والقيادة العلمية، ورغم عدم وجود فوارق جوهرية في ملفات الإدارة، وموضوعات القيادة في جميع القطاعات، إلا أن القيادة العلمية لها مفاتيحها التي تتلاءم مع طبيعة المجتمع العلمي. فإذا سألنا أنفسنا عن الصورة النمطية للباحث أو المبتكر، نجد أن الفكرة السائدة التي تعمّقت في أذهاننا هي تلك التي تصور عالمًا في المختبر، ويقوم بالتجارب بمفرده لتحقيق الاختراعات العلمية الخارقة، وهذا التأطير قد ظل عالقًا في التفكير المجتمعي والمؤسسي، ونتجت عنه ثقافة سادت الأوساط الأكاديمية والبحثية التي ظلت لعقود طويلة تنظر إلى الباحثين والمخترعين كأفراد مستقلين، وبأنهم يخوضون تجربة الاكتشافات العلمية وهم مدفوعون ذاتيًا وجوهريًا بالفضول العلمي، والطبيعة الواثقة والموجهة بالضمير نحو سبر أغوار المعرفة لصالح البشرية، وفي السياق نفسه، تبدو عملية إنتاج المعرفة وكأنها مسعى موضوعي خالٍ من العناصر الإنسانية والاجتماعية التي تتطلب الإدارة، وهذا التأطير هو الذي تسبب في تهميش محور الإدارة والقيادة العلمية، وقد بدأت الأوساط الفكرية والفلسفية مؤخرًا في التركيز على أهمية الإدارة في ممارسات المجتمع العلمي، وأن الإنتاج المعرفي يبدأ بإرساء القيادة العلمية. فقد يكون من الصعب على فرق البحث العلمي الإلمام بجميع الأبعاد الاجتماعية والتنظيمية العديدة للإنتاج المعرفي، فجميع هذه الفرق تضم المختصين بالحقول المعرفية، وهم باحثون قضوا سنوات من حياتهم في دراسة التخصصات العلمية والحقول المعرفية ليصبحوا باحثين أكفاء وناجحين، ولكن قد تنقصهم المهارات الإدارية والقيادية، فإما أن تكون الدراسة لا تتضمن تخصصات فرعية في الإدارة، أو أن الدورات القصيرة في القيادة التي انضموا إليها تنطبق عليها المقولة الإدارية «ناقصة في أفضل الأحوال، وغائبة في أسوأ الأحوال»، وهذا ما يفرض أهمية اكتشاف وبناء مهارات القيادة والإدارة التي تناسب العمل المعرفي والتخصصي، وبذلك فإن المهارات المعرفية هي أولى رباعية القيادة العلمية. وكما لا يمكن فصل العملية المعرفية عن الدوائر المؤسسية الأخرى، مثل القطاعات المانحة للتمويل، والقطاعات الإنتاجية، وعالم الأعمال، والمجتمع، فإن المهارات الاجتماعية تشكل أهمية بالغة مع طبيعة العمل البحثي والابتكاري المعقدة والإبداعية في آن واحد، إذ يشكل رأس المال الاجتماعي البعد الثاني من رباعية القيادة العلمية، وخاصة لكون عملية إدارة ممارسات المجتمع البحثي والابتكاري هي تفاعلية بين حاملي المعرفة، ومنتجي التقانة، والمستفيدين منها، والممولين لها، وطلبة العلم، مما يضع على القيادة العلمية أعباءً كثيرة مقارنةً بالقيادة الإدارية، ويستوجب إرساء نماذج الممارسات والقيادة التي تأخذ في الاعتبار خلق مناخات عمل تراعي أخلاقيات البحث العلمي والابتكار، وتزويد الباحثين والعلماء والمبتكرين بمهارات اتصال تمكنهم من نقل الأفكار المعقدة بفعالية إلى الفئات غير المتخصصة، وهي مهارة حيوية في عالم اليوم وللمستقبل، إذ يتوجب على المجتمع العلمي التواصل الفعال مع صناعي السياسات، ووسائل الإعلام، والمجتمع لتعزيز بناء الشراكات الاستراتيجية القادرة على استقطاب التمويل، وزيادة الوعي بالقضايا العلمية، وبناء الثقة بأهمية المعرفة والعلوم في معالجة التحديات المعقدة بصورة تتماشى مع القيم والاحتياجات المجتمعية، وإبراز دور المخرجات البحثية والمعرفية في دعم اتخاذ قرارات أكثر استنارة، وأكثر فاعلية على إحداث الأثر المنشود. لقد أصبحت طبيعة البحث العلمي والابتكار أكثر تعددًا للتخصصات، وتكاملًا مع المؤسسات والقطاعات، مما يستوجب الفهم الواعي بأهمية المهارات التنفيذية التي تمثل البعد الثالث من رباعية القيادة العلمية، فبناء فرق التطوير التقني، وإدارة التمويل البحثي، وتتبع ديناميكيات المهام البحثية، والتقريب بين وجهات النظر والمهارات والخبرات المتنوعة، وتحري المرونة والكفاءة في التعامل مع تعقيدات التمويل، والامتثال للحوكمة المؤسسية هي في صميم تنفيذ المشروعات البحثية والابتكارية، ومع تنامي دور الباحثين والعلماء في دعم التوجهات الاستراتيجية بعيدة المدى، فقد أصبحت القيادة العلمية في أمس الحاجة إلى مهارات التفكير الاستراتيجي، وهنا يأتي البعد الاستراتيجي لتكتمل رباعية القيادة العلمية، إذ تعد العقلية الاستراتيجية ضرورية في دعم المبادرات التي لديها القدرة على تحويل المجالات العلمية إلى فرص اقتصادية واجتماعية، مع استشراف الاتجاهات المستقبلية، وتحديد فرص الابتكار، والمساهمة في تشكيل الأجندة العلمية. إن القيادة العلمية الرصينة ليست مجرد إضافة اختيارية للعملية المعرفية، ولكنها عنصر أساسي في بلورة دور المجتمع العلمي في النمو الاقتصادي والاجتماعي، وتأصيل إنتاج المعرفة لكونه مسعى إنسانيًا عميقًا يبدأ بإرساء ركائز قيادية تتكامل فيها المهارات المعرفية، والذكاء الاجتماعي، وكفاءة العمل التنفيذي، والحس الاستراتيجي القادر على إتاحة مزيج فريد من الدقة المعرفية، والفكر الإبداعي، وروح التعاون والتكامل، حيث تتميز البيئة المهنية للعمل البحثي والابتكاري بكونها معقدة ومتعددة الأوجه ومتطلبة، من حيث ترسيخ الثقافة، وتنمية الباحثين للانتقال بسلاسة بين الأبعاد الاجتماعية والتنظيمية للممارسات العلمية بما يساهم في تعزيز جودة الإنتاج المعرفي. |