رحل حسن.. وبقي نصرُ الله
تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
غادرنا "بنية العودة" المُناضل الشهيد الرمز حسن نصر الله، ولقي مُناه ومسعاه الذي قرره بنفسه بكامل قواه العقلية والروحية والنفسية، بعد رحلة بحث شاقة ومُعقدة عن الشهادة في سبيل الله ولأجل فلسطين، والأقصى تحديدًا.
لأكثر من أربعة عقود، بحث سماحة السيِّد حسن نصر الله عن الشهادة مُبكرًا، حين التحق مع رفيق دربه عماد مُغنية بقوات حركة فتح الفلسطينية في منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، ثم بحث عنها في حركة المحرومين التي أسسها الإمام موسى الصدر، ثم بحث عنها في صفوف حركة أمل، واهتدى لها ونالها في صفوف "حزب الله".
وبما أنَّ الشهداء لا يموتون؛ بل يتوارون عن أعين العباد إلى حين، فقد رحل حسن وأبقى خلفه نصر الله، هذا النصر الذي سينسُجه شركاؤه وخلفاؤه في النضال، وكذلك أمنيات السيد حسن وعقيدته الراسخة التي رافقته في كل مراحل وأطوار حياته.
أكثر من 90 محاولة اغتيال فشلت في النيل منه، ويختاره الله شهيدًا ليرتقي في المحاولة الواحدة والتسعين، وفي نفس يوم وفاة الزعيم الخالد الذكر جمال عبدالناصر، الثامن والعشرين من سبتمبر، بعد أن كان من أبرز صُنّاع "طوفان الأقصى" المبارك، هذا الطوفان الذي مثّل رهانه الأخير على زوال الكيان وعودة فلسطين من النهر إلى البحر.
قليلٌ بحق سماحة السيد لقب "جيفارا العرب"، لكن بينهما قواسم مُشتركة، تتمثل أهمها في الضمير الحي وشغف نُصرة الحق والوقوف إلى جانب المظلوم.
قَتْلُ الكيان الصهيوني للسيد حسن بمساعدة رعاتهم وأعوانهم الإقليميين والدوليين، هو انتصار تكتيكي ونفسي لهم لا أكثر، مقابل مؤشرات النصر الإستراتيجي للمقاومة والتي لا حت للأعداء وأرعبتهم. فقد أذلَّهم سيد المقاومة وأرعبهم وبيَّن هشاشة العدو وأصناف طابور عملائه من الحالمين بالعبودية الصهيونية، والمُتفرِّدين بالانحطاط والضحالة.
تتدفق اليوم عشرات الروايات في توصيف عملية الاغتيال وتفاصيلها، وهي روايات تأتي في سياق ترميم النظرية الاستراتيجية للعدو "الخوف مقابل الكثرة"، والتي سوَّقها لنا لعقودٍ خلت من أجل كسر المعنويات، وتكريس الهزيمة النفسية، وتغييب العقل والوعي العربيين، وللقبول بـ"القضاء والقدر" الصهيو/أمريكي!
الروايات المختلقة لعملية اغتيال سيد المقاومة ورفاقه في الضاحية الجنوبية لبيروت، يُقصد منها غرس وتكريس سردية جديدة لكسر المعنويات، هذه المعنويات التي أذلّت الكيان ورُعاته، وكشفت زيفه وضحالته، وبوار سردياته في فجر السابع من أكتوبر المجيد.
حين غزا التتار المنطقة، واحتلوا بغداد عاصمة الخلافة والحضارة العربية، قال المؤرخون ومن عاصر الحدث "لقد انتهت العرب والعروبة ومشتقاتها"، وحين تولى العثمانيون الخلافة قيل "لقد انتهى العرب وتسيَّد الأعاجم"، وحين تدفقت جيوش الاحتلالات على الأقطار العربية قيل ذات الكلام والتوصيف مُجددًا، وحين غُرِسَ الكيان الصهيوني في قلب الأمة قيل "لقد مات العرب ومن تبقى منهم"، وحين وقعت هزيمة يونيو 1967م قيل "لقد ماتت الجيوش العربية"، وحين تمَّ تهجير المقاومة الفلسطينية وقيادتها إلى تونس عام 1982 قيل "لقد انتهت قضية فلسطين"، وبتهجير تلك القيادة وقبلها ترحيلها من الأردن عام 1970، وخروج مصر من الصراع ومعادلة القوة باتفاقية "كامب ديفيد"، قيل "لقد تحقق المشروع الصهيوني بكامله في الوطن العربي".
كثيرةٌ هي أحلامهم وسردياتهم التي يتطاولون فيها على مشيئة الله، ومكانة هذه الأمة العظيمة بين الأمم، فيُقيِّضُ الله الأسباب بسببٍ وبلا سببٍ، سبحانه، فتنقلب عليهم.
مسؤول أمريكي سابق يعترف في ندوة عُقدت بالعاصمة الصينية بكين مؤخرًا بأنَّ بلاده تُنفق 90 مليار دولار للتضليل؛ أي لتضليلِ الرأي العام المحلي والعالمي وترسيخ وتسويق سرديات مُنافية للحقيقة. وبما أن الكيان الصهيوني ربيب أمريكا والغرب، فقد امتهن الكذب والزيف والتضليل، لتمرير سردياته على العرب أولًا، والعالم ثانيًا، ومنها اليوم تزييف تفاصيل عملية الاغتيال وطلاؤها بطلاء "بائد" عنوانه "الموساد اليد الطولى"!
العدو ورعاته في مرحلة الهروب إلى الأمام بلا شك، فقد أجبرتهم فصائل المقاومة ووحدة الساحات على اللهاث خلف أي نصرٍ كان، وتسمية الأشياء بغير أسمائها لأغراض لا تُحصى في نفوسهم المهزومة والمأزومة بتفاصيل ويوميات الطوفان.
النصر التكتيكي لا يلغي النصر الاستراتيجي للمقاومة؛ فالعدو يُقاتل الأرض، والمقاومة تُقاتل بالأرض ومع الأرض، والعدو يُقاتل اللهَ، والمقاومة تُقاتل باللهِ، والعدو يُقاتل بالتضليل، والمقاومة تُقاتل بالواقع. لقد تجسَّد على أرض فلسطين صراع كل الأضداد، وعلى رأسها صراع الحق والباطل، في حالةٍ غير مسبوقة في تاريخ الصراعات الإنسانية.. والله غالب على أمره.
قبل اللقاء: من يقرأ التاريخ، يقرأ المستقبل.
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
غادرها نصف المستوطنين.. معادلة حيفا والضاحية الجنوبية.. صواريخ حزب الله النوعية تعطّل عاصمة الكيان الاقتصادية
يمانيون – متابعات
تكاد مدينة حيفا تشبه الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، كلاهما بلا حياة، فقد عطّلت الغارات الجوية الإسرائيلية شديدة التدمير دورة الحياة اليومية في الضاحية، فيما شلّت صواريخ حزب الله النوعية العاصمة الكيان الصهيوني وأوقفت دوران عجلة المصانع الإستراتيجية فيها، وابتعدت السفن عن الميناء الشهير إلى عرض البحر، وتوقفت أعمال التنقيب عن الغاز والنفط في البلوكات المائية.
وتلقت مدينة حيفا، أمس الاثنين، عشرات الصواريخ الكبيرة التي سقطت في الكريوت ذات الثقل الاستيطاني، ودمرت المباني، وأشعلت الحرائق فيها، وفي السيارات.
وأظهرت المشاهد الواردة من حيفا أنّ الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ينفذ وعده بتحويل حيفا إلى كريات شمونة وجعلها مدينة خاوية ومهجورة.
وجاء قصف حيفا بعد وقت قليل من تصريح لوزير الحرب الصهيوني الجديد، يسرائيل كاتس، اعتبر فيه أنّ “الغارات الجوية التي تستهدف لبنان وأعمال القتل التي يقوم بها جيشه بأنّها تمثل صورة النصر التي تريدها إسرائيل”، وقال “لا هدنة ولا وقف لإطلاق النار حتى تحقق إسرائيل النصر”.
وقال حزب الله إنّ “قصف مدينة حيفا يأتي في إطار الدفاع عن لبنان وشعبه”، وفي بيانات سابقة قالت المقاومة إنّ “قصف حيفا يأتي أيضًا ردًا على الاعتداءات والمجازر التي يرتكبها العدو الإسرائيلي”.
ونزح عن حيفا نحو 300 ألف مستوطن منذ بدأت صواريخ حزب الله في 22 أيلول/سبتمبر من العام الماضي، تستهدف المنشآت العسكرية في شمال وجنوب حيفا، وارتفع هذا العدد إلى 400 ألف هم أكثر من نصف عدد السكان مع دخول العدوان الصهيوني على لبنان شهره الثاني.
وشوهدت عشرات السيارات وهي تغادر حيفا، مساء أمس، نحو تل أبيب في أحدث موجة نزوح من المدينة بعد القصف الصاروخي الذي طال تجمعاتها الاستيطانية.
وقصفت المقاومة مدينة حيفا ومنشآتها العسكرية أكثر من 70 مرة خلال 50 يومًا من العدوان الصهيوني على لبنان، وتستهدف صواريخ حزب الله حيفا بشكل شبه يومي، ويتعرض الكريوت إلى قصف مستمر، وهو تجمع استيطاني كبير يقع إلى الشمال من المدينة التي تعتبر العاصمة الاقتصادية “لإسرائيل” ويتحرك عبر خليجها الشهير 70% من تجارة السلاح والنفط والغاز والصناعات الدقيقة والثقيلة.
ويضم خليج حيفا قواعد عسكرية بحرية للمراقبة ورصد البحار بالإضافة إلى مراسي للبوارج الحربية والغواصات ومخازن السلاح البحري ومراكز للتدريب والصيانة.
وتعتبر قاعدة “ستيلا ماريس” واحدة من أهم القواعد البحرية العسكرية التي أنشأها كيان العدو في خليج حيفا وسط المنشآت المدنية في قلب الميناء، ويستهدف حزب الله “ستيلا ماريس” باستمرار منذ منتصف، أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بصواريخ نوعية وطيران مسيّر انقضاضي.
وتستضيف “ستيلا ماريس” قطع الأسطول السادس الأمريكي بشكل دائم في قاعدة أمريكية ثابتة في ميناء حيفا الذي يضم ثاني أكبر مصفاة للنفط تقوم عليها صناعات كيمياوية ضخمة.
هذا وعطّلت صواريخ حزب الله الإنتاج في مجمّع الصناعات العسكرية التابع لشركة رفائيل في منطقة زوفولون القريبة من الكريوت، وينتج هذا المجمع الضخم التي تديره وتشرف عليه وزارة الحرب منذ تأسيسه أنظمة القبة الحديدية والمضادات الجوية والأسلحة الدقيقة ضد الدروع وأنظمة المراقبة البحرية والجوية والتشويش على الطائرات والصواريخ، كما تقوم بإنتاج الطائرات المسيرة على اختلاف أنواعها بالإضافة إلى أنظمة الأمن السيبراني.
ويعمل جيش من المستوطنين في مجمع رفائيل يسكنون في الكريوت وخصوصًا في كريات يام وكريات موتسكين وكريات موصقين وكريات بياليك وفي مستوطنة عين هميفراتس.
ويعمل نحو 5 آلاف مستوطن من سكان التجمعات الاستيطانية حول حيفا في الميناء وفي الشركات الصناعية بقسمَيها المدني والعسكري بالإضافة إلى الصناعات النفطية ومشتقاتها، وتجبر الشركات عمالها على العمل لتعويض حركة الموانئ في إيلات وأشدود بعدما شلها الحصار البحري اليمني، لكن صواريخ حزب الله جعلت الحياة أكثر صعوبة في حيفا وخليجها.
واستهدفت المقاومة مؤخرًا قاعدة ومطار رامات ديفيد العسكري الواقع جنوب شرق حيفا برشقة نوعية من صواريخها، وهذا المطار الذي تقلع منه طائرات أف 15 وأف 16 والطيران المسير نحو لبنان وسوريا وبقية الدول المجاورة يلعب دورًا محوريًا في الاعتداءات الجوية المتواصلة ضد لبنان، وهو ما يسمح به موقعه الجغرافي في شمال فلسطين المحتلة.
وباتت التجمعات الاستيطانية في حيفا تشعر بأثار الحرب التي أشعلها الكيان في الشمال ضد لبنان، وغادر نخبة العمال المختصين حيفا إلى الخارج ورفعوا عدد المغادرين إلى أكثر من مليون مستوطن بحسب إحصائيات متداولة في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وفي السياق، قال منتحل صفة رئيس بلدية حيفا إنّ “الضربة الاقتصادية التي تعرضت لها مدينة حيفا غير مسبوقة فكل شيء متوقف والمحلات مقفلة والشوارع خالية”.
وكشفت الفيديوهات التي صوّرها المستوطنون أمس ولم تتمكن رقابة الجيش الإسرائيلي من حجبها أو حذفها فورًا مدى قدرة صواريخ حزب الله في فرض معادلات ردع جديدة يجب أن تفهمها حكومة بنيامين نتنياهو.
———————————————————-
المصدر: يونيوز..