يمانيون/ تقرير/ علي الدرواني
“نحن لا نهزم، إن انتصرنا ننتصر، وإن استشهدنا ننتصر”.. بهذه الكلمات العميقة اختصر شهيدنا العظيم، فلسفة لا يدركها إلا قليل من الناس، فالنصر الذي وعد الله به لعباده، هو شيء يختص به، وما النصر إلا من عند الله، والهزيمة لا يمكن أن تنال من أولياء الله، والسائرين على نهج القرآن وفي سبيل الله، هذا الطريق ليس فيه مكان للهزيمة، ولا لأدنى معنى من معانيها، هذا على المستوى الروحي الدقيق والإيماني العميق.
والأمر لا يختلف كثيرا عن الميدان المادي الملموس، الذي يكون انعكاسا لعالم الروح والإيمان، سواء شعرنا به أم لم نشعر، ومهما كانت فداحة اغتيال شهيد الأمة سماحة أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، تعني الكثير بالنسبة للمقاومة، وكذلك بالنسبة للعدو الإسرائيلي، ولا يمكن بأي حال التقليل من أثرها على عدة مستويات، إلا أن ذهاب العدو الإسرائيلي لتصوير أن مجرد الاغتيال وكأنه النصر المطلق يدحضه الكثير من الحقائق عن المقاومة وبيئتها وتركيبتها، ولذلك، فإن هناك عدة أسباب تشير إلى أن المقاومة لن تهتز بأي شكل من الأشكال، بل بالعكس ستزيد جذوة الصمود والتحدي والإصرار على كسر الغرور الصهيوني:
الهيكلية المؤسسية
لقد بُني حزب الله على أسس مؤسسية قوية، وهو من أكثر المنظمات الغير حكومية تنظيما، سواء على المستوى العسكري والسياسي، صحيح أن سماحة الشهيد السعيد، كان حلقة وتاجا يجمع بين خصائص القيادة العسكرية والسياسية، إلا أنه أيضا كان علامة على وجود كوادر قيادية لا تقل أهمية بالقدر الذي يمكنها من مواصلة المشوار في الجهاد وتحقيق الانتصار، فالحزب بهيكلته القيادية لا يعتمد على شخص واحد. رغم أن السيد نصر الله يتمتع بشعبية ورمزية كبيرة، إلا أن الحزب يعتمد على نظام قيادة جماعي يشمل مجلس شورى يتخذ القرارات الاستراتيجية. هناك أشخاصا آخرون في الحزب قادرون على تولي القيادة واستمرار العمل، وحمل راية النصر إن شاء الله.
الإيمان والمبادئإن المقاومة الإسلامية تمتلك خلفية إيمانية راسخة، مستمدة من القرآن الكريم، المشبع بثقافة الجهاد والتضحية، ويمثل وجود كيان العدو الإسرائيلي بما هو عليه من وحشية، ترجمة واضحة لكل آيات القران الكريم، التي تحث على قتاله ومواجهته، كعدو لدود للامة، يتضح كل يوم مدى الوحشية والإجرام والعدائية المفرطة التي يكنها لأمة الإسلام وشعوبها، وما قتله للنساء والأطفال، وسحق عظام المدنيين والابرياء، الا واحدة من تجليات تلك الوحشية والعداوة، والتي يركز السيد عبدالملك الحوثي عليها، في كل الخطابات الأسبوعية، من أجل فضحها وفضح الكيان ومنع بعض من الذين يحاولون الاقتراب منه بالتطبيع وغيره.
هذه الخلفية العقائدية القرآنية، موجودة لدى كل حركات المقاومة الإسلامية في المنطقة، وعلى وجه الخصوص في فكر حزب الله، وهي بهذا تتجاوز الشخصيات. بحيث تصبح القضية الأساسية التي تقاتل من أجلها المقاومة، وهي الدفاع عن الأرض والمقدسات ومحاربة العدو الإسرائيلي، ليست مرتبطة بشخصية معينة. بل هي مرتبطة برؤية أيديولوجية راسخة تضمن استمرارية الحركة حتى في غياب القادة.
التجربة التاريخيةليست هذه المرة الأولى التي تفقد المقاومة قيادتها، وتاريخ المقاومة اللبنانية، وكذلك حركات المقاومة الأخرى في العالم، مليء بحالات استشهاد قادة كبار، إلا أن الحركات لم تضعف أو تنهار. بل على العكس، غالبًا ما كانت هذه الاستشهادات تزيد من عزيمة الأتباع وتوحد الصفوف وتزيد الدعم الشعبي، والامثلة كثيرة، من المقاومة في فلسطين، ولبنان واليمن، فقد استشهد الشيخ أحمد ياسين 22 مارس 2004، ود عبدالعزيز الرنتيسي 17 أبريل 2004 من حماس، عام 2004، لكن حماس تمكنت بعد استشهادهما بأقل من عام، من تحرير غزة، 15 اغسطس عام 2005 ، وكذلك الحال مع المقاومة الإسلامية في لبنان عندما اغتالت “إسرائيل” السيد عباس الموسوي أمين عام حزب الله، 16 فبراير 1992، الا أن حزب الله تمكن من تحرير لبنان بعد استشهاده بثمان سنوات، في العام 2000.
وكانت دماء الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، سبتمبر 2004، وقودا لتجدد روح الجهاد في المسيرة القرآنية بقيادة أخيه السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، والتي أحرزت الانتصارات تلو الانتصارات، حتى اطاحت بكل أذيال واشنطن وعملائها في اليمن، وأصبحت اليوم تخوض حربا اسنادية لغزة في مواجهة أعتى طغاة العالم الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي.
هذه التجارب التاريخية تؤكد أن دماء القادة إنما تكون وقودا جديدا يجدد معنويات الحركات التحررية الإيمانية ، في ظل مشروع متكامل لا يتأثر باستشهاد قادته إلا بما يعزز العمل وروح التضحية والجهاد والسير على الخط والمضي في نفس النهج.
الاحترافية العسكرية والسياسية
عندما نتحدث عن نموذج حزب الله فهو ليس مجرد حركة مقاومة، بل يمتلك ذراعًا عسكرية منظّمة واحترافية، بالإضافة إلى بُعد سياسي نشط في الساحة اللبنانية والإقليمية. هذه التركيبة المتكاملة تجعل من الحزب أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات القيادية، وما تحدث عنه اليوم الشيخ نعيم قاسم نائب أمين عام حزب الله، موضحا أنه “في هيكيلية حزب الله هناك نواب للقادة وبدائل احتياط جاهزة عند إصابة القائد في أي موقعٍ كان”. وهذا أمر طبيعي في أي هيكل عسكري، يعمل قادته في الميدان، ومعرضون في أي لحظة للشهادة، بل هو ادعى في حالة حزب الله، الذي يخوض حرب اسناد لغزة في مواجهة الكيان المجرم على مدى عام تقريبا.
هذه الاحترافية، تجعل الحزب قادرا على ملء الفراغ القيادي بكل سهولة ويسر، مع ألم الفقد، لا سيما لقادة من أمثال الصف الأول في الحزب، وكما قال سماحة الشهيد العظيم، السيد حسن نصر الله، عندما تم اغتيال الشهيد الحاج عماد مغنية، بأن عماد قد ترك خلفه ألف عماد، يواصلون السير والجهاد.
الروح المعنوية والشهادة
في ثقافة المقاومة، دائما ما ينظر إلى استشهاد القادة غالبًا بأنه تكريس للمبادئ، وإثبات على صحة التوجه، وصدق النوايا، لدى القادة خصوصا، فهم لا يدفعون بجنودهم إلى الميدان، ليبقوا بعيدين عن خطر القتل، وشرف الشهادة، بل هم في مقدمة الصفوف، حتى وإن كان هناك بعض الإجراءات الأمنية الضرورية لمثل تحركات أمين عام حزب الله، السيد نصر الله، ولهذا تُعتبر شهادة القادة مصدر قوة، وتُلهم المزيد من المقاتلين المجاهدين، الصادقين، وتعزز حالة الصدق والوفاء، و في حالة استشهاد السيد نصر الله، فإن ذلك لا يمكن إلا أن يكون وقودا، دافعا نحو الوفاء، من أهل الوفاء، ليس في لبنان وحزب الله فقط، بل في عموم الأمة الإسلامية جمعاء، والتي كانت تنظر إلى سماحة السيد، قائدا فذا وصلبا، وعنيدا ، مرغما انوف الصهاينة، وترى فيه اليوم رمزا من رموز التضحية والفداء، ما يدفع شباب الأمة ، وقد دفع قادتها أرواحهم رخيصة في سبيل الله، إلى التحول صواريخ شهادة، وتضحية وفداء، في ميدان العزة وفي سبيل الله، وحتما فإن الشهيد السعيد السيد نصرالله سيتحول رمزيته إلى “شهيد المقاومة”، مما يعزز التفاني والإصرار بين جماهير الأمة وشبابها ومناصري القدس والاقصى.
لذلك، رغم أن استشهاد شخصية بحجم السيد نصر الله قد يكون له أثر عاطفي ونفسي كبير على المناصرين، فإن المقاومة بفضل هيكليتها وقيمها، وبفضل الإرث الذي تركه القادة، لن تهتز بشكل يضعف قدرتها على الاستمرار في مواجهة التحديات.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: أمین عام حزب الله السید نصر الله إلا أن
إقرأ أيضاً:
العدو وهدف ضرب (وحدة الساحات)..!
في خطابه في (الكنيسبت) قال الإرهابي الصهيوني (نتنياهو) إن قرار الهجوم على حزب الله، اتخذ على أعلى المستويات، والهدف هو (ضرب وحدة الساحات) وأيضا لأن الشهيد السيد حسن نصر الله كان (يمثل العقبة الحقيقية أمام قيام شرق أوسط جديد، وأمام توسيع الاتفاق الإبراهيمي)، وأضاف (نتنياهو) قائلا (إن نصر الله لم يكن مجرد أمين عام حزب الله ولكنه الأقرب لخامنئي الذي ينصت لنصر الله ويلبي كل ما يطلبه)..!
كلمة (نتنياهو) أمام أعضاء الكنيست كانت مجرد كلمة رجل حاقد قاتل وضليع في الإجرام، سرد سلسلة من الأكاذيب التي لم يصدقها أعضاء الكنيست ورافقها صراع وصخب وضجيج، اضطر على إثرها رئيس الكنيست إلى استدعاء الشرطة لإخراج عائلات الأسرى، كما تم إخراج عدد كبير من أعضاء الكنيست الذين وصفوا نتنياهو بالكذاب..!
ما يمكن استشرافه على ضوء خطاب هذا المجرم، هو رؤيته لوحدة الساحات وأهمية ضربها وتمزيق جسورها ومن أجل ذلك اتجه الصهاينة إلى لبنان بهدف تحقيق هذا الهدف الذي يعد أهم إنجاز إن تحقق لنتنياهو وأمريكا وعشاق الشرق الأوسط الصهيوني، أعضاء الاتفاق الإبراهيمي سيئ الصيت، المحرم شرعا، وكل من قبل به يعد مرتداً عن دين الله..!
وحدة الساحات عملية أربكت الكيان وأهانت قدراته العسكرية والأمنية وانهكت قواه على مختلف المجالات الحياتية، وهذا الذي دفع الرجل للتوجه نحو لبنان بعد أن أدرك فشله في قطاع غزة، فحاول خلط الأوراق بهدف إشغال العالم وإلزامه بالبحث عن حلول تؤدي لوقف الحرب، ولكن وفق شروط نتنياهو، وهذا ما التقطه البعض من العرب وبتوجيه من أمريكا، حين هرولوا مباشرة نحو ( بيروت)، بعد دقائق من سماعهم نبأ استشهاد السيد حسن نصر الله، على اعتبار أن استشهاد الأمين العام كفيل بانهيار الحزب وتسليمه بكل متطلبات أعداء المقاومة، وهذا الشعور كان حاضرا حتى في رؤية بعض الفعاليات اللبنانية، التي ارتعبت من حجم الاغتيالات وبشاعة الدمار الذي تعرضت له الضاحية والمناطق الحدودية مع فلسطين، فسارعوا إلى استغلال اللحظة ومطالبة الحزب بقبول وقف إطلاق النار، ومنهم من ذهب بعيدا حين طالب بنزع سلاح الحزب، فيما الحكومة اللبنانية سارعت لتبني قرار 1701، معلنة استعدادها إرسال الجيش إلى الحدود مع فلسطين.!
لكن الرد جاء من المقاومة التي أعادت ترتيب أوضاعها وامتصاص الصدمة، لتبدأ رحلة مواجهة مؤلمة واجهتها قوات الاحتلال على الحدود، فالدمار الذي أحدثته طائرات الاحتلال، لم يؤد إلى إرباك المقاومة ولم يسهل مهمة الاجتياح البري، إذ وجد الصهاينة أمامهم مقاومة صلبة وعنيفة وغير متوقعة..
غير أن الأجمل في موقف المقاومة هو ما قامت به مؤخرا من رد عملي على خطاب نتنياهو أمام الكنيست، الذي أكد في خطابه تدمير 80٪ من قدرات حزب الله الصاروخية، ومع انتهائه من خطابه وجد حراسه يسوقونه قسرا نحو الملاجئ، لأن صواريخ حزب الله ولأول مرة تصل لمنطقة (تلابيب) لم تصل إليها من قبل، فأنزلت قرابة أربعة ملايين مستوطن إلى الملاجئ، تعرض المئات منهم لإصابات بسبب التدافع والتزاحم..!
كان هذا ردا كافيا من الحزب على أكاذيب نتنياهو الذي زاد السخط عليه من قبل المستوطنين، الذين صعدوا من حدة خطابهم ضد نتنياهو وحكومته وعصابته الإجرامية، والمؤسف أن الكيان الصهيوني المنهار، أصبح في حالة إرباك غير معهودة ويحسب بقاؤه صامدا لأمريكا والأنظمة العربية المرتهنة التي تعمل على إسناده ومساعدته حتى لا ينهار..!
بغض النظر عن الحراك الدبلوماسي والتسريبات عن مساعٍ وتفاهمات ورحلات مكوكية واتصالات وتواصلات تجريها أطراف إقليمية ودولية برعاية أمريكية هدفها فصل وحدة الساحات التي أخفق نتنياهو عسكريا في فصلها، الأمر الذي دفع واشنطن إلى المسارعة لتقديم المبادرات ومحاولة إنجاز تطبيق القرار 1701 الذي صدر بعد حرب 2006م.. لبنان حكومة تريد تطبيق القرار مع الملاحق التي سوف تضيفها واشنطن على القرار، فيما الصهاينة لهم تعديلات جوهرية على بنود القرار، فيما المقاومة ملتزمة بتطبيق القرار حرفيا دون تعديلات أو إضافة، ولكي يجبر الصهاينة الحزب على قبول تعديلاتهم أو على الأقل قبول تعديلات واشنطن التي لا تختلف كثيرا عن تعديلات الصهاينة، فأمريكا التي هرولت لوقف إطلاق النار في لبنان، لم تفعل هذا حبا في لبنان وشعبه، بل خوفا على كيانها اللقيط من ضربات المقاومة ورغبة منها في تمرير فكرة فصل وحدة الساحات وفصل لبنان بعيدا عن غزة وفلسطين التي من أجلهما ضحى الحزب بقادته العظام أمثال السيد حسن الذي سقط شهيدا على طريق القدس..
خلاصة القول إن الصهاينة والأمريكان يستحيل أن يحققوا في لبنان أو في فلسطين بالمفاوضات ما لم يتمكنوا من تحقيقه في الميدان.. وهذا ما تأكد من خلال تداعيات الميدان خلال المرحلة الأخيرة ولا تزال المقاومة في لبنان وفلسطين تقدم إنجازات تعقد رغبات أمريكا والكيان الصهيوني اللذين أجبرا على فتح نافذة التفاوض، بعد أن كان شعارهما الوحيد هو (الاستسلام) من قبل المقاومة سواءً في لبنان أو في فلسطين..!