علماء يطورون خوارزمية يمكنها التنبؤ بالزلازل الكبرى قبل حدوثها بأسابيع
تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT
تمكّن فريق بحثي بقيادة الأستاذ المساعد في المعهد الجيوفيزيائي بجامعة ألاسكا فيربانكس الأميركية تارسيلو جيرونا من تطوير نظام يعتمد على التعلم الآلي يمكنه تنبيه الناس بأيام أو شهور قبل وقوع زلازل كبرى.
توصل جيرونا إلى هذا الاكتشاف بعد دراسة الزلازل في ألاسكا وكاليفورنيا، وتحليل النشاط الزلزالي المنخفض الذي يسبق تلك الأحداث، بحسب دراسة حديثة نشرها الفريق في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز".
ويعد تعلم الآلة أحد فروع الذكاء الاصطناعي التي تُعنى بتحسين جودة النتائج بناء على دراسة كم كبير جدا من البيانات، ثم استنتاج أنماط محددة من تلك البيانات، وتحويل تلك الأنماط إلى قوانين احتمالية تستخدم مرجعا لتحليل البيانات الجديدة.
تسخير قوة تعلم الآلةاستخدم جيرونا، مع زميلته الجيولوجية كرياكيس دريموني من جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونخ، خوارزمية حاسوبية لتحليل كميات هائلة من البيانات الزلزالية. استهدفت الدراسة زلزال "أنكوريج" الذي حدث في عام 2018 وقد بلغت قوته 7.1 درجات، بالإضافة إلى زلزال "ريدجكريست" في كاليفورنيا الذي وقع بعده بعام بقوة تتراوح بين 6.4 و7.1 درجات. وأظهرت الدراسة نمطا من النشاط الزلزالي منخفض القوة قد سبق وقوع كلا الزلزالين بفترة تقارب 3 أشهر.
يقول جيرونا، في تصريحات خاصة للجزيرة نت، "لاختبار الخوارزمية مع زلازل ريدجكريست وأنكوريج، استخدمنا بيانات استرجاعية لمحاكاة كيفية أداء النظام لو تم تطبيقه في الوقت الفعلي. وقمنا بإدخال بيانات زلزالية لكلا الحدثين في الخوارزمية لتقييم ظهور النشاط الزلزالي الشاذ أو الإشارات الأولية، ووجدنا زلازل شاذة منخفضة القوة تسبق الزلزالين الكبيرين".
تنبأت الخوارزمية بأن احتمال حدوث زلزال كبير في غضون 30 يوما أو أقل عالية، إذ ارتفعت الاحتمالات بشكل حاد لتصل حوالي 80% قبل 3 أشهر من زلزال أنكوريج، وزاد الاحتمال إلى 85% قبل أيام قليلة من وقوعه. كما كانت هناك نتائج مشابهة لزلزال ريدجكريست، حيث ارتفع الاحتمال قبل 40 يوما من وقوعه الفعلي.
يفسر العلماء هذه الأنماط بأن النشاط الزلزالي المنخفض القوة الذي يحدث قبل الزلازل الكبرى يرتبط بزيادة كبيرة في ضغط السوائل المسامية داخل الصدوع الأرضية التي قد تغيّر من الخصائص الميكانيكية لهذه الصدوع، مما أدى إلى ظهور أنماط غير منتظمة.
يقول جيرونا للجزيرة نت "من حيث الإجراءات أو التدخلات العامة، فإن استنتاجنا هو أنه إذا أشارت الخوارزمية إلى ارتفاع احتمال وقوع زلزال كبير القوة، فيمكن للسلطات استخدام هذه المعلومات لتحديث مستويات التنبيه الزلزالي وتعديل تقييماتها وفقا لذلك. إن قرار إصدار تحذيرات بناء على هذه التحديثات يتطلب المزيد من المناقشات بين السلطات المحلية. وبصفتنا علماء، فإن دورنا هو توفير الأدوات التي تساعد السلطات المحلية على اتخاذ قرارات مستنيرة أثناء مثل هذه التقييمات".
ويؤكد الباحثون أن الخوارزمية يجب أن تخضع لعملية تدريب جديدة مع كل زلزال كبير يحدث لتعزيز دقتها. كما ينبغي تدريبها ببيانات محلية في كل منطقة ودولة قبل تطبيقها لمراعاة الفروقات الإقليمية والحد من الإنذارات الكاذبة. يوضح جيرونا "من المهم ملاحظة أن هذا المشروع مستمر، وإحدى خطواتنا التالية هي اختبار الخوارزمية في مناطق إضافية لتحديد ومعالجة أي قيود محتملة بشكل أكبر، والتحدي الرئيسي هو الحاجة إلى عدة عقود من سجلات البيانات الزلزالية القوية".
ورغم الإمكانيات الواعدة لهذا النظام، فإنه يحمل تحديات كبيرة. فالأخطاء في التنبؤات، سواء كانت تحذيرات زائفة أو تنبؤات فاشلة، يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة، إذ قد تؤدي الإنذارات الكاذبة إلى ذعر غير ضروري واضطراب اقتصادي وفقدان الثقة.
ثورة التعلم الآلي في علوم الزلازللكن الفائدة الكبرى لهذا النظام الجديد تكمن في استخدام التعلم الآلي لاستكشاف البيانات الزلزالية الضخمة. إذ تنتج مراكز رصد الزلازل الحديثة مجموعات ضخمة من البيانات يمكنها، عند تحليلها بشكل صحيح، أن توفر رؤى قيمة حول مسببات الأحداث الزلزالية، وهو ما يمكن أن يلعب فيها التعلم الآلي والحوسبة العالية الأداء دورا محوريا من خلال تمكين الباحثين من التعرف على الأنماط الهامة التي قد تشير إلى زلزال وشيك.
يسمح هذا النهج باكتشاف الأنماط الدقيقة التي قد تفوتها الملاحظة البشرية، كما يكشف عن علاقات معقدة وغير خطية بين الأحداث الزلزالية التي تتجاهلها الطرق التقليدية عادة. بالإضافة إلى ذلك، سيسرع استخدام التعلم الآلي من التعرف على العوامل المحتملة ومقارنتها بالطرق الجيوفيزيائية والجيوكيميائية الأخرى، وذلك بفضل التسجيل الروتيني لفهارس الزلازل.
وبتحديث النماذج وتحسينها باستمرار مع توفر بيانات جديدة، قد تتعزز قدرتها على التكيف ويقل احتمال الإنذارات الكاذبة بمرور الوقت. يضيف جيرونا "نعتقد أن هذا النهج يمثل تقدما واعدا في قدرات التنبؤ بالزلازل من خلال استخدام تقنيات تحليلية متطورة وبيانات شاملة. وأتوقع أن تدمج طرق التنبؤ بالزلازل في الوقت الفعلي مناهج وخوارزميات متعددة في المستقبل".
وبينما يستمر الباحثون في اختبار الخوارزمية، تتطلع وكالات مراقبة الزلازل إلى كيفية تبني هذه الطريقة. يقول جيرونا "يعتمد الجدول الزمني لوكالات مراقبة الزلازل لتبني هذه الطريقة على عدة عوامل، بما في ذلك نتائج التحقق والاختبار الجاريين، فضلا عن ردود الفعل من التطبيقات التجريبية. بالإضافة إلى ذلك، سيعتمد التكامل الناجح لهذه الطريقة على تطوير البنية الأساسية اللازمة والتعاون مع الباحثين الآخرين وأصحاب المصلحة المعنيين لضمان تحذيرات فعالة وفورية من الزلازل عبر مناطق مختلفة".
ويختتم جيرونا "سنعمل بشكل وثيق مع علماء الزلازل والجيولوجيين من مناطق مختلفة لتكييف النموذج مع الخصائص التكتونية المحددة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين قدراته على التنبؤ".
تفتح هذه الدراسة نافذة جديدة على إمكانية التنبؤ بالزلازل قبل وقوعها بفترات طويلة، وهو إنجاز قد ينقذ حياة آلاف بل ملايين البشر، ويقلل من حجم الخسائر الاقتصادية التي تعقبها، ولكن لا تزال هناك تحديات كبيرة أمام تطبيق التقنية على نطاق واسع. ومع استمرار الباحثين في تحسين النظام واختباره، قد يكون عالمنا على أعتاب ثورة جديدة في كيفية التنبؤ بالكوارث الطبيعية والاستعداد لها بالعلم الحقيقي وليس الزائف.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات النشاط الزلزالی التنبؤ بالزلازل التعلم الآلی من البیانات
إقرأ أيضاً:
الإمارات تستعرض خبراتها في حوكمة البيانات المعنية بالمرأة
شارك الاتحاد النسائي العام، في جلسة «الابتكار في جمع البيانات، قصص نجاح في تعزيز مكانة المرأة ورؤى من تقرير بيجين»، ضمن جدول أعمال الدورة 69 للجنة وضع المرأة في نيويورك ـ الولايات المتحدة الأمريكية، التي انطلقت 10 مارس الجاري، وجاءت لمشاركة تجارب وخبرات دولة الإمارات في حوكمة البيانات المعنية بالمرأة.
وشهدت الجلسة مشاركة نخبة من الشخصيات البارزة، حيث تحدثت المهندسة غالية علي المناعي، رئيسة الشؤون الاستراتيجية والتنموية في الاتحاد، بحضور نورة خليفة السويدي، الأمينة العامة للاتحاد، والسفير محمد أبو شهاب، المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، وحنان منصور أهلي، مدير المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، إلى جانب عدد من الوزراء وكبار المسؤولين الدوليين.
وأكدت غالية المناعي، أن دولة الإمارات استطاعت، بفضل رؤية قيادتها الرشيدة، بناء منظومة متكاملة لحوكمة البيانات عبر نظام التقدم المحرز للمرأة، الذي يُجسد عقوداً من العمل والإنجاز، ويشكل خارطة طريق لمرحلة جديدة من التمكين والريادة، تواصل فيها المرأة في دولة الإمارات دورها المحوري في مسيرة التنمية المستدامة.
وأشارت إلى أن هذا النظام جاء استجابة لتوجيهات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات» رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، التي وجهت في عام 2021 بإعداد دراسة لتقييم التقدم المحرز في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتمكين وريادة المرأة الإماراتية 2015-2021، والتي تتمحور حول أربع أولويات رئيسية وهي الحياة الكريمة والآمنة والرفاه الاجتماعي، والحفاظ على النسيج الاجتماعي وتماسكه، والبناء على الإنجازات والحفاظ على استدامتها، وتنمية روح الريادة والمسؤولية.
وتم اعتماد هذا النظام رسمياً من قبل المجلس الوزاري للتنمية، برئاسة سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس ديوان الرئاسة، رئيس المجلس الوزاري للتنمية، حيث تم تشكيل فريق وطني يضم 155 خبيراً من مختلف الجهات والقطاعات لقيادة المشروع وتحليل البيانات وتحويلها إلى معلومات عملية.
وتمتد الجهود لإعداد كفاءات وطنية قادرة على قيادة مستقبل تمكين المرأة، وفي هذا السياق، يعمل الاتحاد النسائي العام على إطلاق برنامج وطني لتأهيل 70 خبيراً في مجال حقوق المرأة والفتيات، لضمان تعزيز دمج قضايا المرأة في السياسات العامة وفق أعلى المعايير الدولية، ومن ضمنها منهاج عمل بيجين، وذلك لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأكدت المناعي، أن دولة الإمارات تعمل لضمان استدامة تطوير منظومتها لحوكمة البيانات المتعلقة بالمرأة، مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي والتخطيط الاستراتيجي.
وأشارت إلى أن هذه الجهود ستنعكس إيجاباً على المجتمع الإماراتي ككل، حيث تسهم في صياغة مستقبل المرأة في مختلف القطاعات، ما يجعل الإمارات نموذجاً عالمياً يحتذى في تمكين المرأة واستدامة تقدمها.
(وام)