الجزيرة:
2024-12-22@07:08:28 GMT

تعثر مبيعات السيارات الكهربائية.. ما الأسباب؟

تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT

تعثر مبيعات السيارات الكهربائية.. ما الأسباب؟

تشهد مبيعات السيارات الكهربائية، التي كانت تسير في طريق واعد، علامات تراجع، مما يثير مخاوف إزاء استمرار توسعها وفقا لتقرير حديث صادر عن بلومبيرغ. وتشير البيانات الأخيرة إلى مواجهة الصناعة تحديات، أبرزها تراجع الدعم الحكومي أو إلغاؤه، وضعف إقبال المستهلكين، مما يدفع شركات تصنيع السيارات إلى إعادة التفكير في إستراتيجياتها وتوقعاتها.

وعلى الرغم من البداية القوية للصناعة خلال السنوات الماضية، فإن العامين الماضي والحالي شهدا تراجعا ملحوظا للطلبات على السيارات الكهربائية في الأسواق الرئيسية مثل أوروبا وأميركا الشمالية.

وحسب التقرير، سجلت المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية والهجينة ارتفاعا بنسبة 62% في عام 2022 بعد تضاعفها في عام 2021. ومع ذلك، تباطأ النمو إلى 31% في العام الماضي، حيث كانت الصين المحرك الرئيسي، مستحوذة على 59% من المبيعات عالميا، باستثناء المركبات التجارية.

وشهدت أوروبا والولايات المتحدة انخفاضا في حصة السوق للسيارات الكهربائية، حيث تراجعت الحصة في أوروبا إلى 14% في أغسطس/آب الماضي، مقارنة بـ15% قبل عام.

وفي ألمانيا، أكبر سوق في القارة، انخفضت مبيعات السيارات الكهربائية بنسبة 69%.

وفي الولايات المتحدة، توقعت شركة الأبحاث "جيه دي بور" أن تشكل النماذج الكهربائية 9% فقط من المبيعات هذا العام، مقارنة بتقدير سابق عند مستوى 12.4%، وفقا لما نقلته بلومبيرغ.

أوروبا والولايات المتحدة شهدتا انخفاضًا في حصة السوق للسيارات الكهربائية (رويترز) ما الذي يسبب هذا التباطؤ؟

وتشير الوكالة إلى أن عدة عوامل ساهمت في هذا الانخفاض في مبيعات السيارات الكهربائية، وتتلخص فيما يلي:

واحدة من كبرى المشكلات هي إلغاء الدعم الحكومي، وكان هذا الدعم سببا في جعل السيارات الكهربائية أقل تكلفة مقارنة بنظيراتها التي تعمل بالوقود. وأشار تقرير بلومبيرغ إلى أن السيارات الكهربائية الكاملة لا تزال أغلى بنسبة 30% و27% في أوروبا والولايات المتحدة على التوالي مقارنة بالسيارات التي تعمل بالوقود. هذا الحاجز المالي أعاق المستهلكين الأكثر حرصا على التكاليف من التحول إلى السيارات الكهربائية. بالإضافة إلى ذلك، فإن نقص البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية، خاصة في الولايات المتحدة، أُضيف إلى تردد المشترين. إعادة تقييم

واستجابة لهذه التحديات في السوق، قامت العديد من شركات تصنيع السيارات الكبرى بتعديل أهدافها المتعلقة بالسيارات الكهربائية. على سبيل المثال، ألغت شركة فورد الأميركية العملاقة خططها لإنتاج سيارة دفع رباعي كهربائية بثلاثة صفوف، وأجلت إصدار شاحنة جديدة، مما أدى إلى خفض إنفاقها على السيارات الكهربائية إلى 30% من الإنفاق الرأسمالي السنوي مقارنة بنسبة 40% سابقا.

وبالمثل، تواجه فولكسفاغن -وهي أكبر شركة لتصنيع السيارات في أوروبا- مفاوضات متوترة بشأن إمكانية إغلاق مصنعين في ألمانيا بسبب تراجع مبيعات السيارات الكهربائية. وبشكل عام، تستهدف شركات تصنيع السيارات الآن بيع 23.7 مليون سيارة كهربائية بحلول عام 2030، وهو أقل بأكثر من 3 ملايين وحدة عما كان متوقعا في العام السابق.

حتى شركة تسلا، التي تُعدّ رائدة في صناعة السيارات الكهربائية، توقفت عن الإشارة إلى هدفها الطموح المتمثل في تسليم 20 مليون سيارة كهربائية سنويًا بحلول عام 2030، مما يشير إلى أن أقوى لاعب في سوق السيارات الكهربائية يعيد النظر في وتيرة التحول نحو الكهرباء.

صناعة السيارات والمناخ

التباطؤ في مبيعات السيارات الكهربائية يثير قلقا كبيرا وفق الوكالة، لأن النقل البري يمثل حوالي 15% من انبعاثات الغازات الدفيئة عالميا، مما يجعل التحول إلى السيارات الكهربائية ركيزة أساسية لتحقيق أهداف المناخ الصافي.

وقد أثر التراجع في الطلب أيضا على الصناعات المرتبطة بها، مثل شركة "نورث فولت إيه بي" الشركة الأوروبية الرائدة في تصنيع البطاريات، والتي أعلنت مؤخرا عن خفض 20% من القوى العاملة العالمية وأوقفت خطط التوسع بسبب تباطؤ الطلب على السيارات الكهربائية. وهو ما يبرز التأثير المحتمل على فقدان الوظائف والتأثير الاقتصادي المرتبط بصحة سوق السيارات الكهربائية.

تدرس بعض الحكومات إعادة تقديم الحوافز المالية لتعزيز مبيعات السيارات الكهربائية (رويترز) الصين والميزة التنافسية

واكتسبت الصين ميزة كبيرة في تكنولوجيا وتصنيع السيارات الكهربائية متفوقة على شركات تصنيع السيارات في أوروبا والولايات المتحدة. حيث انخفضت تكلفة بطاريات السيارات الكهربائية في الصين إلى 126 دولارا لكل كيلووات ساعة في المتوسط، مقارنة بزيادة بنسبة 11% في الولايات المتحدة و20% في أوروبا. هذا التفوق في التسعير سمح للشركات الصينية، مثل "بي واي دي"، بإطلاق تقنيات بطاريات أكثر تقدما وأقل تكلفة، مما عزز قبضتها على سوق السيارات الكهربائية العالمي، وفق تقرير بلومبيرغ.

هل هناك أمل في الأفق؟

وفي ضوء التباطؤ الأخير، تدرس بعض الحكومات إعادة تقديم الحوافز المالية لتعزيز مبيعات السيارات الكهربائية. من ناحية أخرى، تعمل شركات تصنيع السيارات على تقديم نماذج أكثر تكلفة لجذب المشترين المترددين.

وتوقعت مجموعة "ترانسبورت آند إنفيرونمنت" أن تصل 7 نماذج كهربائية جديدة بتكلفة أقل من 25 ألف يورو (27 ألفا و810 دولارات) إلى السوق الأوروبية بنهاية هذا العام وفي العام المقبل، مما قد يعزز حصة السيارات الكهربائية في السوق الأوروبية إلى 24% في عام 2025، مقارنة بـ12.5% خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مبیعات السیارات الکهربائیة أوروبا والولایات المتحدة شرکات تصنیع السیارات فی أوروبا

إقرأ أيضاً:

«ميركل»: ترامب يعرف بالضبط ما يفعله.. وأنصاره اختاروه لحديثه الواضح وقتاله من أجل مصالحهم

بمجرد أن يأتى ذكر الرئيس «ترامب» أمام «أنجيلا ميركل»، تنساب على صفحات مذكراتها مواقف عن الشد والجذب الذى جرى بين الولايات المتحدة وألمانيا حول زيادة اعتماد «برلين» على الغاز الروسى، الأمر الذى يضع أوروبا كلها، كما يرى «ترامب»، فى موقف ضعف أمام روسيا. كانت تلك هى نظرة «ترامب» خلال فترته الرئاسية الأولى، قبل حتى أن تندلع الحرب الروسية - الأوكرانية الفعلية بسنوات.

ترد أيضاً مشاهد عن مطالبات الرئيس الأمريكى بأن تزيد ألمانيا من إنفاقها الدفاعى، خاصة فيما يتعلق بالتزامات عضويتها فى حلف شمال الأطلسى «الناتو» (وهو الأمر الذى عجزت عنه ألمانيا قبل الحرب الأوكرانية)، حتى لا تتحمل الولايات المتحدة وحدها النصيب الأكبر من الإنفاق على الدفاع عن «الحلفاء» الأوروبيين عبر الأطلسى.

تأتى أيضاً لقطات من الخلافات بين البلدين حول قضايا تغير المناخ، ورفض «ترامب» استمرار الولايات المتحدة فى الوفاء ببعض التزاماتها فى اتفاقية «باريس» للمناخ التى كانت تمهد لقمة أخرى للمناخ فى ألمانيا تحت رعاية «ميركل»، ولجوء المستشارة الألمانية السابقة إلى البابا «فرنسيس»، بابا الفاتيكان بنفسه، لكى تطلب منه المشورة (السياسية وربما أيضاً الروحية)، فى كيفية التعامل مع الرئيس الأمريكى الذى يرتب أولويات بلاده، وأولويات أوروبا من بعدها، كما يرى ويريد.

وكانت نصيحة البابا «فرنسيس»، من دون أن يعرف من الذى تقصده «ميركل» فى التعامل مع الشخصيات أو المواقف الصعبة، هى التعامل كما تفعل أغصان الشجر فى مواجهة الرياح العاصفة: «أن تنحنى، قد تنحنى أكثر، لكنها تحرص فى النهاية على ألا تنكسر»، وكصورة رمزية على ما يبدو لهذه النصيحة، وكتجسيد عالمى معروف لرمز السلام، أهدى «البابا» إلى «ميركل» غصن زيتون صغيراً من البرونز، تلقته المستشارة الألمانية بتقدير شديد، بينما قدمت هى له هدية من الحلوى المفضلة له جلبتها من مسقط رأسه فى الأرجنتين: نوع بسكويت محلى مغطى بالشوكولاتة.

أوكرانيا لن تقرر وحدها أن الوقت قد حان للدبلوماسية.. حلفاؤها أيضاً لهم حق القرار

لكن بعيداً عن أغصان الزيتون والحلوى المتبادلة، كان التمهيد للحرب الروسية الأوكرانية قد بدأ على الأرض، فى الوقت الذى تزداد فيه العلاقات بين الحلفاء مرارة: الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» يدعم الأقاليم والقوات الانفصالية فى أوكرانيا تمهيداً للحرب التى أطلقها فيما بعد، والرئيس الأمريكى وقتها «دونالد ترامب» يطالب أوروبا بإعادة حساباتها وترتيب أوراقها فى الاتجاه الذى يريد.

كانت تلك هى الفترة التى بدأ شكل العالم يتغير فيها، والتوازنات والحسابات بين القوى الكبرى فيه تسير فى الاتجاه الذى رأيناه فيما بعد.

هى فترة توتر واضحة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى ككل، استعادت «ميركل» تفاصيلها بغير شك وهى تشاهد ترشح «ترامب» للمرة الثانية لرئاسة أمريكا دون أن تعرف نتيجة هذه الانتخابات فى وقت كتابة مذكراتها. لكن احتفظت لنفسها على الأقل بحق الأمل فى أن تفوز منافسته «كامالا هاريس».

ربما كان سبب هذا التوتر يرجع إلى أن «ميركل» تسعى دائماً فى مذكراتها لتقديم نفسها على أنها صوت «الحوار» فى عالم متعدد الثقافات، متداخل الروابط والصلات. لكنها لم تجد مجالاً كبيراً للتفاوض والتحاور مع الرئيس «ترامب» الذى لا يتردد فى إطلاق شعاره «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً»، ولا يتردد فى الضغط بأوراق السياسة والاتفاقيات التجارية والمعاهدات العسكرية حتى على حلفائه، ليضع «أمريكا أولاً» كما وعد ناخبيه.

وكان هذا الموقف أشد ما يكون وضوحاً عندما بدأ التوتر بين أوروبا وروسيا بسبب ضم «موسكو» لشبه جزيرة القرم فى ٢٠١٤، فى عهد الرئيس الأسبق «باراك أوباما»، واستمرار اعتماد ألمانيا على الغاز الروسى عبر خط الغاز «نوردستريم ١»، واستمرارها فى خطة العمل لمد خط آخر لنفس الهدف هو «نوردستريم٢».

فى تلك اللحظة، قرر «ترامب» أن يظهر لأوروبا وجهاً آخر غير الذى كان يقدمه «أوباما».

هذه التفاصيل ترويها «ميركل» فى مذكراتها قائلة: «عندما تولى «دونالد ترامب» رئاسة أمريكا فى يناير ٢٠١٧، قالت الإدارة الأمريكية إنها تمتلك أساساً قانونياً لفرض «عقوبات خارج أراضيها» على الشركات التى تقوم ببناء خط أنابيب غاز «نوردستريم٢». قالت الولايات المتحدة ساعتها إن مصالحها الأمنية تتأثر ببناء خط الأنابيب لأن حليفتها ألمانيا سوف تجعل نفسها شديدة الاعتماد على روسيا. إلا أن الواقع أننى أحسست بأن الولايات المتحدة تحرك مواردها الاقتصادية والمالية الجبارة لمنع المشاريع التجارية للدول الأخرى، حتى لو كانت من حلفائها. 

كانت أمريكا مهتمة فى الأساس بمصالحها الاقتصادية لأنها أرادت تصدير الغاز الطبيعى المسال منها إلى أوروبا، على الرغم من أن الغاز الطبيعى المسال كان أكثر تكلفة من خط أنابيب الغاز (الذى يمتد من روسيا) بالنسبة لألمانيا».

ربما كانت «ميركل» تريد التلميح إلى عقلية رجل الأعمال والصفقات التى تمثل جزءاً من تكوين الرئيس «ترامب»، إلا أن المستشارة الألمانية السابقة تعترف صراحة أيضاً أن الرئيس الأمريكى الأسبق/ المنتخب من جديد هو رجل «يعرف بالضبط ما يفعله». 

وهو الانطباع الذى وصل إليها منذ الاجتماع الأول بينهما قبل أن تبدأ التوترات بين أمريكا وأوروبا حول طريقة التعامل مع روسيا.

كان السبب فى هذا الانطباع الذى تكون لدى «ميركل» عن «ترامب» هو أسلوبه فى المصافحة.

كان ذلك بعد أن أصبح «ترامب» رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية فى ٢٠١٦. 

ساعتها، كان قد أصبح واضحاً أن الرئيس الأمريكى الجديد لا يجامل ألمانيا حتى خلال حملته الانتخابية. 

تحكى «ميركل» فى مذكراتها قائلة: «كان «دونالد ترامب» قد وجه الانتقادات لألمانيا، ولى شخصياً، بشكل متكرر خلال حملته الانتخابية، بأننى قد دمرت ألمانيا عند سماحى بدخول هذا العدد الكبير من اللاجئين إليها فى عامى ٢٠١٥ و٢٠١٦، واشتكى من أننا ننفق القليل جداً على الدفاع، واتهمنا أيضاً بممارسات تجارية غير عادلة إزاء الولايات المتحدة. 

كان عدد السيارات الألمانية فى الشوارع الأمريكية يمثل شوكة فى جانبه على مدى سنوات، وتحدث مراراً وتكراراً عن رفع الجمارك على السيارات الألمانية حتى يجعل من شرائها أمراً غير مغرٍ بالنسبة للأمريكان. 

لكن عندما تم انتخابه رئيساً للولايات المتحدة فى ٢٠١٦، ولأن واجبى كمستشارة هو ضمان وجود علاقة هادئة بين البلدين، لم أقدم فقط تهنئتى للرئيس الأمريكى المنتخب، لكنى شددت أيضاً على أن هناك قيماً مشتركة تربط بين بلدينا مثل قيم الديمقراطية والحرية واحترام القانون والكرامة الإنسانية. وبناء على هذه القيم المشتركة، عرضت عليه تعاوننا الوثيق. وبعدها بأربعة أشهر فى ١٧ مارس ٢٠١٧، قمت بزيارة «ترامب» فى واشنطن. 

كنت قد رتبت بحرص لهذه الزيارة نظراً لأنه هو والولايات المتحدة قد أثارا اهتماماً كبيراً فى ألمانيا».

وتتابع «ميركل»: «عند وصولى إلى البيت الأبيض، استقبلنى «ترامب» على الباب مصافحاً يدى فى حضور المصورين والصحفيين. وقبل محادثاتنا المنفردة فى المكتب البيضاوى فى البيت الأبيض، وقفنا أمام وسائل الإعلام مرة ثانية. وعندما طلب المصورون والصحفيون من «ترامب» أن يصافحنى مرة أخرى تجاهل طلبهم. وبدلاً من أن أتحمل الموقف برزانة وبلا تعبير، قلت له هامسةً إنه ينبغى علينا أن نتصافح مرة ثانية. 

عندما كان رئيس الوزراء اليابانى السابق «شينزو آبى» فى زيارة لـ«ترامب»، ظل هذا الأخير يصافحه لمدة ١٩ ثانية كاملة دون أن يتمكن «آبى» من سحب يده. لكن بمجرد أن غادرت تلك الكلمات فمى وجدتنى أهز رأسى: كيف أمكننى أن أنسى أن «ترامب» يعرف بالضبط ما كان يفعله؟ وبالطبع لم يستجب لتعليقى الهامس».

كانت تلك هى الصورة الجديدة التى أراد «ترامب» تقديمها للمصورين والصحفيين: هو كرجل أعمال عتيد يعرف أن «المصافحة» إشارة عالمية بين الشركاء تؤكد أن «الصفقة» قد تمت. 

وعدم مصافحة «ميركل» فوق حد الاستقبال، يعنى أن المفاوضات بين الشركاء ما زالت جارية، وأنه لم يتم التوصل بعد لاتفاق (أو صفقة) بين ألمانيا والولايات المتحدة بشكل يرضى جميع الأطراف، وأن «مصافحة إتمام الصفقة» لم يحن وقتها بعد.

وتتابع «ميركل» ما حدث بعدها فى مذكراتها قائلة: «وعندما بدأت مناقشاتنا المنفردة، حاولنا أن نتلمس طريقنا فيها ببطء. سألنى «ترامب» مجموعة من الأسئلة حول تكوينى فى ألمانيا الشرقية وعلاقتى مع الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، كان من الواضح أنه معجب للغاية بالرئيس الروسى. 

ثم بدأ يسجل اعتراضاته من جديد على ألمانيا، ورددت أنا على اتهاماته بالحقائق والأرقام. كنا نتحدث على مستويين مختلفين: «ترامب» يتحدث بلغة المشاعر وأنا أتحدث بلغة الوقائع. وكان يستمع إلى الحجج التى أقولها فقط ليبنى عليها اتهامات جديدة. 

لم يبد لى أن هدفه هو إيجاد حل للمشاكل التى تتم مناقشتها، بل بدا لى أن هدفه الأساسى هو أن يجعل من أمامه يشعر بالذنب. 

وعندما شعر بمقاومتى الشديدة له، قام بوضع حد للمناقشة فجأة وغير الموضوع. كان انطباعى أنه يريد أيضاً ممن أمامه أن يعجب به».

«ترامب» يعرف بالضبط ما يفعله.. وأنصاره اختاروه لأنه يتحدث بوضوح ويقاتل من أجل مصالحهم

أياً ما كان انطباع «ميركل» عن «ترامب» فى اجتماعهما الأول، فمن المؤكد أن أسلوبه وطريقته قد اجتذباً إليه الكثير من المؤيدين والأنصار باعتراف «ميركل» نفسها. تقول المستشارة الألمانية السابقة: «كان «ترامب» يشدد دائماً على أن ألمانيا تدين له ولأمريكا بشىء ما. وكان أنصاره يستقبلون هذا الخطاب بحفاوة، نظراً لأن كثيرين منهم شعروا بسوء معاملة من سبقوه من السياسيين. لقد نال «ترامب» إعجاب هؤلاء المؤيدين لأنه لا يقبل أى هراء، ويتحدث بصراحة ووضوح، ولأنه يقاتل كما يرون من أجل مصالح أنصاره».

«ميركل» كانت ترى أنها قادرة على المناقشة العقلانية مع «ترامب» لكنها لن تقدر عليه لو لجأ لاستخدام الخطاب الانفعالى أو العاطفى. إلا أنها وجدت نفسها فى مأزق عندما وصل النقاش بينهما إلى الكلام عن حلف «الناتو» وضرورة قيام الدول الأعضاء فيه بإنفاق ٢٪ من دخلها القومى على الدفاع. كان هذا هو الهدف الذى اتفقت عليه الدول الأعضاء فى قمة «الناتو» عام ٢٠١٤، وكان من المفترض أن تصل إليه بحلول عام ٢٠٢٤، وهو الأمر الذى وجدت ألمانيا نفسها عاجزة عن الوفاء به. تقول «ميركل»: «كانت نقطة الضعف فى مناقشاتى مع «ترامب» هى إنفاقنا الدفاعى. كان من الواضح أننا لن ننجح فى الوصول إلى هدف إنفاق ٢٪ على ميزانية الدفاع. كان الرئيس السابق وقتها «باراك أوباما» قد خاطبنى عدة مرات فى هذا الموضوع أيضاً. لكن مع «ترامب» بدا أن الأمر يهدد بأن يصبح أكثر خطورة، لأنه بدأ يتساءل عن جدوى «الناتو» كتحالف أمنى مشترك، وكنت أعرف أننا كألمان نعتمد على حلف «الناتو» لتأمين أنفسنا. وخلال عودتى إلى ألمانيا بعد الزيارة، انتابنى شعور بعدم الارتياح. شعرت أنه بالنسبة لـ«ترامب» فإن كل الدول كانت فى تنافس مع بعضها البعض، وأن نجاح إحداها يعنى بالضرورة فشل الأخرى. لم يكن يؤمن بأن التعاون يمكنه أن يزيد من رفاهية الجميع، ولم يكن يثق فى أى اتفاق لم يبرمه هو بنفسه، كما بدا أنه لا يثق فى ألمانيا بشكل خاص».

والواقع أن الرئيس الأمريكى لم يبذل جهداً من جانبه لتخفيف ذلك الشعور بعدم الارتياح الذى شعرت به المستشارة الألمانية السابقة، لا معها ولا مع من جاءوا بعدها. وحتى هذه اللحظة تقف أوروبا كلها على أعصابها مع تلميحات «ترامب» المتواصلة بأن الولايات المتحدة لن تتحمل وحدها تكلفة الدفاع عن أوروبا، وأنه من الممكن جداً أن تنسحب الولايات المتحدة من الحلف الذى يعتمد فى أساسه على أن أى اعتداء على إحدى الدول الأعضاء فيه يمثل اعتداء على باقى الدول. وهو الأمر الذى أصبح ذا أهمية قصوى بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام ٢٠٢٢، لأنه يعتبر الرادع الوحيد أمام القدرات النووية الروسية لصيقة القرب من أوروبا.

هذا التغير فى توازنات القوى العالمية بعد الحرب توضحه «ميركل» فى مذكراتها قائلة: «غير هجوم «بوتين» على أوكرانيا الموقف كله، ليس فقط بالنسبة لأوكرانيا، ولكن بالنسبة لنا كدول أعضاء فى الحلف، خاصة الأعضاء الأوروبيين فيه. من مصلحتنا، وليس من مصلحة أوكرانيا وحدها، ألا تخرج روسيا منتصرة من هذه الحرب. هذا يفرض علينا تحدياً على مستوى لم يسبق له مثيل. علينا أن ندعم أوكرانيا فى الوقت الذى نطور فيه رادعاً يمكن الوثوق فيه للدفاع عن أراضى دول «الناتو» عبر أوروبا.

  لا يمكن أن تختبئ دولة وراء الدول الأخرى فى «الناتو».. وأمريكا ضرورية لتحقيق «الردع»

إن القدرات النووية الروسية وحدها تعنى أن مثل هذا الردع، كما كان الحال عليه أيام الحرب الباردة، لا يمكن أن يتم إلا من خلال «الناتو» ككل متكامل، بعبارة أخرى، لا بد أن يتضمن الأمر وجود الولايات المتحدة. ولا بد من أن تعوض ألمانيا فشلها المتكرر فى زيادة الميزانية الدفاعية فى الفترة ما بين ٢٠١٤ وحتى بداية الهجوم على أوكرانيا من خلال زيادة إنفاقها الدفاعى بقوة على امتداد السنوات القليلة القادمة».

تدرك «ميركل» أن كثيرين يوجهون لها اللوم على هذا الضعف فى الإنفاق على الدفاع، لكنها بدورها تلقى فى مذكراتها باللوم على من سبقوها فى الحكم من حزب «الاشتراكية الديمقراطية» الذين لم يرغبوا فى زيادة الإنفاق الدفاعى، معترفة فى الوقت نفسه بأن هناك جوانب أخرى تحتاج لتوجيه الموارد المالية الألمانية إليها، مثل التحول للاعتماد بشكل كامل على الطاقة النظيفة، وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، وتحسين جودة ورفاهية الحياة، وآلية الاستجابة للكوارث والأزمات.

إلا أن المستشارة الألمانية السابقة تحذر أيضاً من الاستهانة بما هو قادم بالنسبة لأوروبا على المستوى العسكرى. تقول: «سيكون من الخطأ التقليل من شأن «بوتين»، لكن ليس من الصواب أيضاً التقليل من فاعليتنا كدول حلف «الناتو» بالإضافة إلى أوكرانيا. إن قدراتنا هائلة لكنها ليست غير محدودة، ويجب ألا يختبئ أحد أعضاء «الناتو» خلف الأعضاء الآخرين. إن الردع يمثل أحد وجهى العملة، ولا بد أن يسير جنباً إلى جنب مع إرادة الانخراط فى المبادرات الدبلوماسية. ولا بد من التفكير مسبقاً فى هذه المبادرات حتى تكون جاهزة عندما يأتى الوقت المناسب لها».

وعلى ما يبدو، تدرك «ميركل» أنه عندما يحين وقت التفاوض مع روسيا حول إنهاء الحرب الأوكرانية، أو حول ما سيكون عليه مستقبل أوروبا بعدها، فإن أوكرانيا نفسها قد لا يكون لها كلمة الحسم فى هذا الأمر. تقول «ميركل»: «معرفة ما إذا كان الوقت قد أصبح مناسباً للمبادرات الدبلوماسية هى أمر لا يمكن أن تقرره أوكرانيا وحدها، بل لا بد من الاتفاق مع الدول التى تدعمها. إن الوصول إلى هدف مشترك يحتاج أيضاً إلى مساومات مستمرة على مسار مشترك. وبهذا يمكننا جميعاً أن نرى النتيجة التى نريدها جميعاً: أن روسيا لا يمكن أن تربح هذه الحرب، وأوكرانيا تصبح دولة ذات سيادة قادرة على أن تحيا فى حرية وسلام».

كان هذا هو كلام «ميركل» الجميل عن الحرية والمستقبل المشرق لأوكرانيا. إلا أن الواقع على الأرض كان أكثر قتامة.

فى هذا الواقع، لم تعد روسيا وحدها أمام أوروبا، وإنما انضم إليها حليف آخر بالغ القوة، هو العملاق الصينى.

عن هذا التغير الإضافى فى التوازنات الدولية بعد الحرب تقول «ميركل»: «كان للحرب فى أوروبا تداعيات أوسع نطاقاً. كلما ازدادت العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا من ناحية، وروسيا من الناحية الأخرى تدهوراً، ازداد التوجه الروسى نحو الصين. لقد بذل الرئيس الأمريكى الأسبق «ريتشارد نيكسون» ومستشاره للأمن القومى وقتها «هنرى كيسينجر» أقصى ما فى وسعهما لإضعاف الاتحاد السوفيتى الذى كان ساعتها عدو أمريكا رقم واحد، من خلال التقارب مع الصين، ونحن الآن نشهد الظاهرة بشكل عكسى. أصبحت روسيا شريكاً للصين، وهذا أمر يغير من التوازن الدولى للقوى ويزيد من قوة ونفوذ جمهورية الصين الشعبية. لم تعد الصين تترك مجالاً للشك فى أنها تسعى لإرساء مكانتها كقوة عالمية إلى جوار الولايات المتحدة. لا يوجد شىء غير مشروع فى هذا الأمر فى حد ذاته، إذ ليس من حق أى دولة أن تحتكر وضع القوة العالمية لنفسها».

وهكذا صارت الصورة العالمية بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الحرب التى قلبت موازين أوروبا: تتقارب روسيا والصين فى تحالف يصعب أن تجد ما يعادل قوته، بينما تتباعد أوروبا وأمريكا بسبب خلافاتهما حول الإنفاق العسكرى وتلويح أمريكا بإمكانية الانسحاب من حلف «الناتو»، الأمر الذى يجعل أوروبا أكثر هشاشة من أى وقت مضى أمام التهديد الروسى. فى الوقت نفسه تكاد أوكرانيا تخرج تماماً من المعادلة (بعد أن كانت تمنى نفسها بالانضمام لحلف الناتو ونيل حمايته) مع اعتراف قادة أوروبا أنفسهم بأنه عندما يحين وقت التفاوض مع روسيا، التى لن ترضى إلا بوجود حكومة موالية لها فى «كييف» ونزع أى سلاح نووى منها، فإن حلفاء أوكرانيا وليس أوكرانيا نفسها، هم من سيكونون أصحاب الكلمة الفصل.

«ترامب» من جانبه يعلن أن أوروبا لا تحتل مكانة متقدمة فى أولوياته ويرفض أن تحارب أمريكا حرباً غير حربها فى أى مكان فى العالم، ويعد الرئيس الأمريكى المنتخب، الذى تقول «ميركل» بلسانها فى مذكراتها إنه شديد الإعجاب بالرئيس الروسى، بصفقة قريبة تنهى الحرب الأوكرانية، ولكن لصالح من؟ وهل ما زال هناك شك، فيمن هو المنتصر الحقيقى، برغم كل الضجيج، فى هذه الحرب؟

إذا لم تكن «ميركل» قادرة بعد على الاعتراف باسم المنتصر، فما عليها إذاً إلا أن تنتظر الأسابيع أو الأشهر القادمة لترى حل اللغز منشوراً فى تفاصيل الصفقة الروسية - الأمريكية المنتظرة بين «بوتين» و«ترامب» لحل أزمة أوكرانيا، وترى من الذى فرض شروطه على الجميع فى نهاية الأمر.

وعلينا أن ننتظر معها لنرى.

يسرا زهران

مقالات مشابهة

  • ترامب يعين"مارك بورنيت"مبعوثا خاصا إلى بريطانيا
  • «شعبة السيارات»: ارتفاع الأسعار وارد لهذه الأسباب
  • «ميركل»: ترامب يعرف بالضبط ما يفعله.. وأنصاره اختاروه لحديثه الواضح وقتاله من أجل مصالحهم
  • ترامب: على أوروبا زيادة شراء الطاقة أو مواجهة الرسوم
  • شولتس يدعو الاتحاد الأوروبي لتنسيق استراتيجية لدعم السيارات الكهربائية
  • رغم التخوف من تخلي ترامب عن أوكرانيا.. أوروبا تتمسك بالدعم العسكري لكييف
  • الأمم المتحدة تحجم عن التعليق على رفض زيلينسكي تمديد عقد ترانزيت الغاز الروسي إلى أوروبا
  • تعثر مفاوضات صفقة التبادل بين حماس وإسرائيل
  • أكبر شركة لبطاريات السيارات الكهربائية بالعالم تعتزم إطلاق خطة لمراكز الاستبدال
  • ‏زيلينسكي يؤكد أن أوكرانيا بحاجة إلى "اتحاد" بين أوروبا والولايات المتحدة