القدس المحتلة-سانا

إرهاب عصابات المستوطنين الإسرائيليين بحق الفلسطينيين يتصاعد بحماية قوات الاحتلال، وسط صمت المجتمع الدولي الذي يتجاهل الدعوات الفلسطينية المستمرة لوضع هذه العصابات على قوائم الإرهاب الدولي.

وأشار المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في تقرير نشره اليوم على موقعه الإلكتروني إلى أن جرائم المستوطنين من اقتحام واستيلاء على الأراضي، وتخريب للممتلكات، وقتل للفلسطينيين في ازدياد، بتحريض من الوزير في حكومة الاحتلال ايتمار بن غفير الذي طالب في حزيران الماضي بزيادة تسليح المستوطنين لتصعيد جرائمهم.

وبين التقرير أن المستوطنين اقتحموا أحياء عدة في القدس، واعتدوا على الفلسطينيين، ودمروا محاصيل زراعية لهم في قرية التوانة جنوب الخليل وشبكة مياه الشرب في قرية كيسان شرق بيت لحم، وهدموا منشأة في منطقة خلة مكحول في الأغوار الشمالية، واستولوا على بئر مياه في منطقة رأس العقبة شمال شرق رام الله، والتي تشهد اعتداءات مستمرة للمستوطنين في محاولة لإرهاب المزارعين الفلسطينيين وتهجيرهم من أرضهم.

ولفت تقرير المكتب الوطني للدفاع عن الأرض إلى أن البؤر الاستيطانية المنتشرة في الضفة الغربية تشكل منطلقاً لعصابات المستوطنين الإرهابية، لتوسيع جرائمها بحق الفلسطينيين، موضحاً أن الأعوام الأخيرة شهدت زيادة كبيرة في عدد هذه البؤر، حيث بلغ عددها في عام 2015 نحو 125 بؤرة تتوزع على 40 في نابلس و25 في رام الله والبيرة، و15 في القدس والباقي في الخليل وبيت لحم ومناطق أخرى في الضفة، في حين تجاوز عددها العام الماضي الـ 200 بؤرة استيطانية تتوزع على امتداد مساحة الضفة.

وأشار التقرير إلى أنه بالتوازي مع التوسع في إقامة البؤر الاستيطانية صعد الاحتلال ممارسات التطهير العرقي بحق الفلسطينيين ومنعهم من التوسع العمراني، حيث هدم 800 منزل ومنشأة خلال العام الماضي والنصف الأول من العام الجاري، وهجر مؤخراً 36 فلسطينياً من قرية القبون شرق مدينة رام الله ليواجهوا نكبة جديدة بعد أن كانوا هجروا من أرضهم في النكبة عام 1948، لافتاً إلى أن أهالي قرى عين سامية شمال شرق رام الله والمعرجات شمال أريحا وقرى عدة في مسافر يطا جنوب الخليل تعرضوا أيضاً للتهجير القسري بسبب اعتداءات المستوطنين المتواصلة.

وبين التقرير أن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) وثق تعرض الفلسطينيين خلال النصف الأول من العام الجاري لنحو 600 اعتداء من المستوطنين أسفرت عن سقوط ضحايا بينهم، وإلحاق أضرار بممتلكاتهم، مشيراً إلى أنه كان للقرى القريبة من المستوطنات نصيب كبير من هذه الاعتداءات، ما أسفر عن تهجير نحو 400 فلسطيني، بينهم 224 طفلاً و175 امرأة خلال العام الماضي والنصف الأول من العام الجاري.

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

كلمات دلالية: بحق الفلسطینیین رام الله إلى أن

إقرأ أيضاً:

موجة العنف في ألمانيا بين إرهاب الذئاب المنفردة وتصاعد التطرف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شهدت مدينة مانهايم الألمانية حادثة دهس مروعة، حيث انطلقت سيارة سوداء بسرعة عالية وسط تجمع بشرى فى ساحة بارادبلاتز المركزية، متسببة فى وقوع عدد من الضحايا. وبينما لا تزال السلطات الألمانية تحقق فى دوافع الحادث، أفادت التقارير الأولية بسقوط قتلى وإصابات خطيرة، مما أعاد إلى الأذهان سلسلة من الهجمات المشابهة التى شهدتها البلاد فى السنوات الأخيرة، سواء عبر الدهس أو الطعن، ما يثير قلقًا متزايدًا بشأن تصاعد موجة العنف فى المجتمع الألماني.

وتأتي هذه الحادثة فى وقت حساس، حيث كانت المدن الألمانية تستعد للاحتفال بموسم الكرنفال، وهو ما دفع الشرطة إلى إعلان حالة التأهب القصوى تحسبًا لأى تهديدات أمنية، خصوصًا بعد انتشار دعوات على منصات التواصل الاجتماعى مرتبطة بتنظيم داعش تحرض على تنفيذ هجمات ضد تجمعات شعبية فى عدة مدن، من بينها كولونيا ونورمبرغ. ورغم عدم وجود دلائل واضحة حتى الآن على أن حادثة مانهايم كانت هجومًا إرهابيًا مدبرًا، إلا أن توقيتها وطبيعتها يسلطان الضوء على تصاعد التهديدات الأمنية التى تواجهها ألمانيا.

وفى الأشهر الأخيرة، شهدت البلاد حوادث متكررة من العنف العشوائي، أبرزها الهجوم فى ماغديبورغ فى ديسمبر، حيث أسفر دهس سوق عيد الميلاد عن سقوط ستة قتلى وعشرات الجرحى، بالإضافة إلى حادثة الطعن فى ميونيخ التى خلفت إصابات عديدة، ناهيك عن الاعتداء الذى وقع فى مانهايم فى مايو الماضى عندما هاجم رجل تجمعًا لحركة "باكس أوروبا" المناهضة للإسلام. تكرار هذه الاعتداءات يعكس مزيجًا من التهديدات، سواء من متطرفين إسلاميين يسعون لتنفيذ هجمات فردية أو من عناصر يمينية متطرفة تستهدف الأقليات والمهاجرين، ما يزيد من التوترات داخل المجتمع الألماني.

ويطرح هذا الواقع تساؤلات جوهرية حول دور التيارات المتطرفة - سواء الإسلاموية أو اليمينية المتشددة - فى تأجيج هذه الظاهرة، وتأثير المناخ السياسى العام فى أوروبا على تصاعد العنف. ففى الوقت الذى تسعى فيه الأجهزة الأمنية إلى احتواء هذه التهديدات، تواجه تحديات متزايدة بسبب طبيعة العمليات الفردية التى يصعب التنبؤ بها وإحباطها قبل وقوعها. فى ظل هذا السياق المعقد، يبقى السؤال المطروح: هل تتجه ألمانيا إلى مرحلة جديدة من العنف المنفلت، أم أن هناك استراتيجيات أكثر فاعلية يمكن تبنيها للحد من هذه الظاهرة؟

نمط متكرر ودوافع متعددة

لم تكن حادثة الدهس فى مدينة مانهايم سوى حلقة جديدة فى سلسلة الهجمات العنيفة التى باتت تشهدها ألمانيا بشكل متكرر خلال الأشهر الأخيرة. فقد سبق هذه الحادثة اعتداءات مشابهة، من بينها حادثة الدهس المروعة التى وقعت فى ماغديبورغ خلال شهر ديسمبر، حيث اقتحمت سيارة سوق عيد الميلاد، متسببة فى مقتل ستة أشخاص وإصابة العشرات. كما شهدت مدينة ميونيخ فى الشهر الماضى هجومًا آخر، حيث قاد شخص سيارته بسرعة وسط تجمع بشري، مما أدى إلى إصابة ما لا يقل عن ٣٩ شخصًا، بينهم طفل فى الثانية من عمره. وإلى جانب حوادث الدهس، برزت أيضًا هجمات الطعن، مثل الهجوم الذى وقع فى مانهايم فى مايو ٢٠٢٤ عندما هاجم شخص بسكين تجمعًا لحركة "باكس أوروبا" المناهضة للإسلام، مما أسفر عن سقوط عدد من المصابين، الأمر الذى يعكس تصاعدًا فى وتيرة العنف متعدد الأشكال داخل المجتمع الألماني.

اللافت فى هذه الحوادث أنها تتبع نمطًا متكررًا قائمًا على هجمات فردية ينفذها أشخاص غير مرتبطين مباشرة بجماعات إرهابية منظمة، وهو ما يعرف بـ"الذئاب المنفردة". هذه الاستراتيجية جعلت من الصعب على أجهزة الأمن توقع الهجمات أو إحباطها قبل وقوعها، إذ أن منفذيها غالبًا ما يكونون أشخاصًا غير مدرجين على قوائم المراقبة الأمنية، ولا يتواصلون مع خلايا تنظيمية يمكن رصدها. هذا التطور يعكس تحولات فى طبيعة التهديدات الإرهابية، حيث لم تعد العمليات تعتمد على التخطيط المركزى المعقد، بل باتت تعتمد على التحريض الفردي، مما يزيد من صعوبة مكافحتها ويجعل أى تجمع بشرى هدفًا محتملًا للعنف العشوائي.

ويبدو أن تنظيم داعش، رغم تراجعه ميدانيًا فى الشرق الأوسط بعد فقدانه معاقله فى سوريا والعراق، قد نجح فى تطوير استراتيجيات جديدة للتأثير عن بُعد. فمن خلال استغلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ركز التنظيم على نشر دعايته الرقمية التى تحث الأفراد على تنفيذ هجمات إرهابية فى بلدانهم الأصلية، مستخدمين وسائل بسيطة مثل الدهس بالمركبات أو الطعن بالسكاكين، دون الحاجة إلى تلقى تدريب مباشر أو تلقى أوامر محددة من قيادة التنظيم. هذا الأسلوب ساهم فى إطالة عمر التنظيم، حيث لم يعد بحاجة إلى تمويل عمليات واسعة أو إرسال مقاتلين، بل اكتفى بزرع أفكاره بين الفئات المستهدفة التى قد تتأثر بالدعاية المتطرفة وتتحرك من تلقاء نفسها لتنفيذ الهجمات.

هذا التحول فى تكتيكات الإرهاب يزيد من تعقيد مهمة الأجهزة الأمنية، التى باتت تواجه صعوبة فى التفريق بين الأفراد الذين قد يكونون متأثرين بالأيديولوجيا المتطرفة وبين أولئك الذين لديهم اضطرابات نفسية أو دوافع شخصية للعنف. ورغم جهود الحكومات الأوروبية فى تشديد المراقبة الإلكترونية ومكافحة المحتوى المتطرف على الإنترنت، إلا أن التنظيمات الإرهابية ما زالت قادرة على استغلال الثغرات الرقمية لنشر أفكارها والتحريض على العنف. فى هذا السياق، يبدو أن أوروبا، وألمانيا على وجه الخصوص، أمام تحدٍّ أمنى طويل الأمد يتطلب ليس فقط تعزيز القدرات الاستخباراتية، بل أيضًا معالجة الجذور الاجتماعية والسياسية التى قد تدفع بعض الأفراد إلى تبنى الفكر المتطرف.

تهديد متصاعد

بالتوازى مع تصاعد الهجمات ذات الطابع الجهادى فى ألمانيا، برزت الجماعات اليمينية المتطرفة كفاعل مؤثر يستغل هذه الأحداث لتأجيج خطاب الكراهية ضد المسلمين والمهاجرين. فعقب كل هجوم إرهابى أو عمل عنيف ينفذه شخص ذو خلفية إسلامية، تسارع وسائل الإعلام اليمينية والأحزاب الشعبوية، وعلى رأسها حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD)، إلى استغلال الحادثة فى حملات تحريضية تستهدف الجاليات المسلمة، مستخدمة لغة التخويف والتعميم، وكأن كل مهاجر أو مسلم يمثل تهديدًا أمنيًا محتملًا. هذا التوجه لا يقتصر على التصريحات الإعلامية، بل يمتد إلى سياسات تدعو إلى تشديد قوانين الهجرة واللجوء، وحتى فرض رقابة صارمة على المساجد والمؤسسات الإسلامية، مما يعزز مناخ العداء ضد الأقليات فى البلاد.

ورغم أن هذه الجماعات تصور نفسها على أنها تدافع عن "الأمن القومي" فى مواجهة ما تسميه بـ"الإسلام الراديكالي"، فإنها تتجاهل حقيقة أن العنف ليس ظاهرة مقتصرة على طرف دون آخر، حيث شهدت ألمانيا أيضًا جرائم عنصرية متزايدة استهدفت اللاجئين والمجتمعات المسلمة. فقد سجلت التقارير الأمنية الألمانية خلال السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا فى الهجمات التى ينفذها متطرفون يمينيون، بدءًا من الاعتداءات الفردية على اللاجئين، وصولًا إلى هجمات أكثر تنظيمًا، مثل مجزرة هاناو عام ٢٠٢٠، عندما أطلق متطرف يمينى النار على تسعة أشخاص من أصول مهاجرة داخل مقهيين، فى جريمة هزت الرأى العام الألماني. هذه الحوادث تعكس أن التطرف اليمينى بات يشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن الداخلي، ولا يقل خطورة عن الهجمات الإرهابية الأخرى.

الخطاب الشعبوى الذى تتبناه أحزاب اليمين المتطرف لا يهدف فقط إلى استغلال المخاوف الأمنية، بل يسعى أيضًا إلى توسيع قاعدته الشعبية عبر تأجيج مشاعر الخوف والكراهية. ففى ظل أزمات اقتصادية واجتماعية، يسهل على هذه الأحزاب تقديم المهاجرين ككبش فداء، وتصويرهم على أنهم عبء على المجتمع، أو حتى خطر يهدد الهوية الوطنية. وقد ساهم هذا الخطاب فى خلق بيئة استقطابية حادة داخل المجتمع الألماني، حيث أصبحت النقاشات حول الهجرة والإسلام محكومة بالمزايدات السياسية، بدلًا من البحث عن حلول واقعية لمشاكل الاندماج والأمن.

هذا الاستقطاب المجتمعى لا يبقى مجرد سجال سياسي، بل ينعكس على أرض الواقع فى شكل مواجهات مباشرة وأعمال عنف متبادلة. فمن جهة، يشعر بعض المسلمين فى ألمانيا بأنهم مستهدفون بشكل جماعي، سواء من خلال القوانين التى تشدد الرقابة عليهم أو عبر حملات الكراهية التى تروجها وسائل الإعلام اليمينية، مما قد يدفع بعضهم إلى العزلة أو حتى إلى تبنى مواقف أكثر راديكالية كرد فعل على هذا التمييز. ومن جهة أخرى، يرى المتطرفون اليمينيون فى كل هجوم إرهابى مبررًا لمزيد من التصعيد، سواء عبر الدعوات إلى طرد اللاجئين، أو حتى عبر تنفيذ هجمات انتقامية ضد المسلمين والمهاجرين.

وفى ظل هذا المناخ المتوتر، تبدو ألمانيا وكأنها عالقة فى دوامة من العنف المتبادل، حيث يغذى كل طرف راديكالى تطرف الطرف الآخر. فكلما وقع هجوم إرهابي، تزايدت الاعتداءات العنصرية، مما يؤدى بدوره إلى زيادة مشاعر العداء بين الأقليات والمجتمع الألمانى الأوسع. هذه الحلقة المفرغة تجعل من الصعب تحقيق اندماج حقيقى للمهاجرين، كما تضعف ثقة المسلمين المعتدلين فى مؤسسات الدولة، خاصة إذا رأوا أن السلطات تتساهل مع الاعتداءات اليمينية بينما تشدد قبضتها الأمنية على الجاليات المسلمة.

الحل لهذه المعضلة لا يكمن فقط فى الإجراءات الأمنية، بل يتطلب استراتيجية شاملة تقوم على مواجهة كل أشكال التطرف، سواء القادم من الجماعات الجهادية أو من الحركات اليمينية المتطرفة. كما أن التصدى لخطاب الكراهية يجب أن يكون أولوية، من خلال سياسات تعليمية وإعلامية تعزز قيم التعايش والتعددية، بدلًا من تغذية الانقسامات. فاستمرار هذا التصعيد دون حلول جذرية سيؤدى فى النهاية إلى تفكك النسيج الاجتماعي، ويجعل من ألمانيا ساحة مفتوحة لصراعات هوياتية تهدد استقرارها على المدى الطويل.

دور الأجهزة الأمنية والتحديات المطروحة

رغم أن السلطات الألمانية تبقى فى حالة تأهب قصوى، خاصة خلال الفعاليات الكبرى مثل الكرنفالات وأسواق عيد الميلاد، إلا أن التحديات الأمنية تتزايد أمامها بسبب طبيعة الهجمات الفردية التى يصعب التنبؤ بها أو إحباطها قبل وقوعها. فالمعتدون فى العديد من هذه الحوادث ليسوا جزءًا من شبكات إرهابية تقليدية يمكن تتبعها، بل غالبًا ما يكونون "ذئابًا منفردة" تأثروا بدعاية متطرفة عبر الإنترنت، سواء كانت من قبل تنظيمات جهادية مثل داعش، أو من جماعات يمينية متطرفة تدعو إلى العنف. هذا النمط الجديد من التهديدات يجعل التدابير الأمنية التقليدية، مثل زيادة عدد الدوريات أو تشديد المراقبة فى الأماكن العامة، غير كافية وحدها لمنع الهجمات، حيث إن الفاعلين فى هذه الجرائم لا يحتاجون إلى أسلحة معقدة أو دعم تنظيمي، بل يمكنهم تنفيذ عملياتهم باستخدام أدوات بسيطة مثل السيارات أو السكاكين.

رقابة أمنية 

الاستراتيجية الأمنية الألمانية تعتمد بشكل أساسى على المراقبة الاستخباراتية والتعاون بين الأجهزة الأمنية المحلية والدولية لرصد التهديدات المحتملة. ومع ذلك، فإن المراقبة المكثفة لمحتوى الإنترنت والمحادثات المشبوهة على وسائل التواصل الاجتماعى تواجه عقبات قانونية تتعلق بحماية الحريات الشخصية وحقوق الخصوصية، مما يثير جدلًا واسعًا حول مدى إمكانية تحقيق توازن بين الأمن وحقوق المواطنين. كما أن تعدد وكالات إنفاذ القانون، من الشرطة الفيدرالية إلى الأجهزة المحلية، قد يؤدى أحيانًا إلى بطء التنسيق فيما بينها، مما يعوق الاستجابة الفورية لبعض التهديدات. فى هذا السياق، ازدادت المطالب بإصلاح هيكلة الأجهزة الأمنية وتعزيز إمكانياتها التقنية لمواجهة المخاطر الجديدة التى باتت تعتمد على الفضاء الإلكترونى بشكل كبير.

إلى جانب الجهود الأمنية، هناك نقاش مستمر داخل ألمانيا حول مدى فاعلية المقاربة الأمنية الصارمة فى التعامل مع هذه التهديدات، إذ يرى بعض الخبراء أن التركيز على الحلول الأمنية وحدها ليس كافيًا للقضاء على الإرهاب، بل يجب أن يكون جزءًا من استراتيجية أكثر شمولًا تشمل الجوانب الاجتماعية والثقافية. فالتطرف لا ينشأ فى فراغ، بل يتغذى على الإحباطات الاقتصادية والاجتماعية، وعلى الشعور بالعزلة أو الإقصاء داخل المجتمعات. لذلك، يعتقد البعض أن معالجة الإرهاب تتطلب أيضًا تعزيز برامج الوقاية، مثل مراقبة المحتوى المتطرف على الإنترنت، وتوفير بدائل فكرية للشباب الذين قد يكونون عرضة للتطرف، سواء عبر التعليم أو عبر خطاب دينى معتدل يعارض الأيديولوجيات العنيفة.

فى المقابل، هناك أصوات أخرى تدعو إلى تشديد الإجراءات الأمنية بشكل أكبر، بما فى ذلك فرض رقابة صارمة على المساجد والمؤسسات الإسلامية، وتوسيع نطاق المراقبة الشرطية، وحتى تعديل قوانين اللجوء لمنع دخول أفراد قد يشكلون تهديدًا أمنيًا. ومع أن هذه المقاربات قد توفر حلولًا على المدى القصير، إلا أن هناك مخاوف من أنها قد تؤدى إلى نتائج عكسية، إذ يمكن أن تساهم فى خلق شعور بالتمييز بين المسلمين والمهاجرين، مما يدفع بعض الفئات إلى التطرف بدلًا من الاندماج فى المجتمع. لذلك، فإن أى سياسة أمنية فعالة يجب أن تأخذ فى الاعتبار المخاطر المحتملة لردود الفعل السلبية، وأن تكون جزءًا من رؤية متكاملة تتعامل مع جذور المشكلة وليس فقط مع أعراضها.

ويبقى التحدى الأكبر أمام الأجهزة الأمنية الألمانية هو كيفية التوفيق بين الحفاظ على الأمن العام ومنع الهجمات الإرهابية، وبين حماية القيم الديمقراطية التى تقوم على احترام الحريات الفردية وحقوق الإنسان. فالتعامل مع التهديدات الجديدة يتطلب توازنًا دقيقًا بين التدابير الأمنية والجهود الوقائية، وهو ما يستدعى نهجًا متعدد الأبعاد يشمل تطوير السياسات الاجتماعية، وتعزيز التعاون الدولى فى مكافحة الإرهاب، والحد من انتشار الخطاب المتطرف على الإنترنت، لضمان عدم تحول ألمانيا إلى ساحة مفتوحة للعنف المتبادل بين التيارات المتطرفة المختلفة.

مرحلة جديدة من العنف

تشير الهجمات الأخيرة التى شهدتها ألمانيا وعدة دول أوروبية أخرى إلى أن القارة قد تكون على أعتاب مرحلة جديدة من التهديدات الأمنية، تتجاوز النمط التقليدى للعمليات الإرهابية التى تنفذها التنظيمات الجهادية، مثل داعش، لتشمل أيضًا تصاعد العنف المرتبط باليمين المتطرف، ونمو ظاهرة "الذئاب المنفردة". فى السنوات الأخيرة، شهدت أوروبا تحولًا ملحوظًا فى طبيعة الهجمات الإرهابية، حيث لم تعد تقتصر على التخطيط المركزى من قبل تنظيمات مسلحة، بل باتت تعتمد أكثر على أفراد متأثرين بأيديولوجيات متطرفة، سواء دينية أم قومية. هذا النمط من الهجمات يزيد من صعوبة تعقب المنفذين وإحباط العمليات قبل وقوعها، مما يضع الأجهزة الأمنية أمام تحديات غير مسبوقة تتطلب استراتيجيات مختلفة عما كان معمولًا به فى السابق.

إلى جانب العامل الأمني، تلعب الأزمات الاقتصادية والسياسية دورًا رئيسيًا فى خلق بيئة خصبة لنمو العنف والتطرف. فالتدهور الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة، وتزايد التفاوت الاجتماعي، كلها عوامل تساهم فى تعزيز مشاعر الإحباط والغضب لدى بعض الفئات، مما يجعلها أكثر عرضة للانضمام إلى تيارات متطرفة. كما أن تصاعد الخطاب العدائى ضد المهاجرين، الذى تغذيه الأحزاب اليمينية الشعبوية فى العديد من الدول الأوروبية، يساهم فى خلق أجواء من التوتر والانقسام داخل المجتمعات، مما يزيد من احتمالات اندلاع أعمال عنف متبادلة بين مختلف المجموعات. فى هذا السياق، لم تعد التهديدات الإرهابية تقتصر على تنظيمات إسلامية، بل بات التطرف اليمينى يشكل تهديدًا متزايدًا، حيث نفذ العديد من المتطرفين القوميين هجمات استهدفت اللاجئين والمهاجرين والمسلمين فى عدة مدن أوروبية خلال السنوات الأخيرة.

فى ظل هذا الواقع المعقد، لا يمكن التعامل مع موجة العنف المحتملة بالحلول الأمنية التقليدية وحدها، إذ إن تشديد المراقبة ونشر المزيد من القوات الأمنية قد يوفر بعض الحماية على المدى القصير، لكنه لن يعالج الأسباب العميقة التى تؤدى إلى انتشار التطرف والعنف. لذلك، هناك حاجة إلى مقاربة شاملة تأخذ فى الاعتبار الجوانب الفكرية والاجتماعية لهذه الظاهرة. فمن جهة، يجب العمل على مواجهة الأيديولوجيات المتطرفة عبر برامج التوعية والتثقيف، سواء من خلال المؤسسات الدينية المعتدلة أو عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. ومن جهة أخرى، يجب تطوير سياسات اجتماعية تساهم فى الحد من التهميش والإقصاء، وتعزز الشعور بالانتماء داخل الفئات الأكثر عرضة للتطرف، سواء بين الشباب المسلمين الذين قد يجذبهم الخطاب الجهادي، أو بين الفئات المتأثرة بالخطاب القومى المتطرف.

فى النهاية، فإن استمرار الدوامة الحالية من العنف المتبادل بين التطرف الدينى والتطرف القومى يهدد بتفكيك النسيج الاجتماعى فى أوروبا، ويجعل من الصعب تحقيق استقرار طويل الأمد. لذا، فإن أى استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب يجب أن تدمج بين الإجراءات الأمنية والسياسات الوقائية، بحيث يتم التصدى للأفكار المتطرفة قبل أن تتحول إلى أعمال عنف. كما أن التعاون الأوروبى والدولى فى هذا المجال أصبح أكثر ضرورة من أى وقت مضى، خاصة فى ظل التحديات العابرة للحدود، مثل انتشار الدعاية المتطرفة على الإنترنت، وتنامى شبكات العنف العابر للقوميات. فإذا لم يتم تبنى حلول شاملة ومستدامة، فقد تجد أوروبا نفسها فى مواجهة موجة جديدة من الاضطرابات الأمنية التى قد تمتد لسنوات قادمة.

 

مقالات مشابهة

  • البنك الأوروبي للاستثمار يعرض حصيلة عمله في المغرب العام الماضي
  • خطر المستوطنين الإسرائيليين.. إغارات وترويع في بلدات وقرى الضفة المحتلة
  • رويترز: توقعات بتراجع التضخم في مصر إلى 14.5% فبراير الماضي
  • بلدي ظفار يستعرض إنجازات العام الماضي وتكشف عن خططها المستقبلية
  • موجة العنف في ألمانيا بين إرهاب الذئاب المنفردة وتصاعد التطرف
  • مؤشر الديمقراطية يكشف تراجع الدول العربية عن العام الماضي.. أين وصلت؟
  • ميناء "طنجة المتوسط" يرفع عائداته العام الماضي إلى 174 مليار درهم
  • بلدية الشارقة تنفذ 11572 خدمة عامة خلال العام الماضي
  • انخفاض مبيعات تسلا في الدول الاسكندنافية بشكل حاد في فبراير الماضي
  • أكثر من 56 ألف زائر للمعالم التاريخية بجنوب الباطنة العام الماضي