مع غياب السيد حسن نصرالله الأمين العام السابق لـ "حزب الله" عن مشهدية الحياة السياسية في لبنان، تدخل "المقاومة الاسلامية" مرحلة جديدة  مغايرة ومختلفة  بظروفها وحيثياتها عن المرحلة السابقة، بسلبياتها وإيجابياتها، مع ما كان للراحل الكبير من بصمات واضحة على مدى أثنتين وثلاثين سنة، والتي لن يستطيع أحد سواه تعبئة هذا الفراغ الذي نتج عن عملية الاغتيال، خصوصًا في ظروف غير مؤاتية لـ "الحزب"، لا ميدانيًا بعدما انكشف مخابراتيًا، ولا سياسيًا بعدما تراجعت شوكته الأمنية، ولا اقليميًا بعد المواقف الملتبسة، التي اتّخذت في إيران، إلى حد ذهاب البعض إلى التلميح بأن طهران قد تخلت عنه في هذه المرحلة المفصلية.


فالذين أحبّوه إلى حدود "التأليه" و"العبادة" بكوه كثيرًا، وهم كانوا حتى قبل الإعلان الرسمي عن استشهاده مستعدين لكي يفدوه بدمائهم وأرواحهم. أمّا الذين لم يكونوا على مسافة واحدة معه في التوجهات وفي السياسات وفي الاستراتيجيات فلم يبكوا، لكنهم تهيّبوا الموقف. لم تغلب عليهم الشماتة، بل قدّروا ووقفوا بإجلال ووجل أمام هذا الحدث المهيب، واحترموا شعور الكثيرين من اللبنانيين، الذين كانوا يعتبرون الراحل بمثابة والد وأخ لكل واحد منهم آمن بما كان يعتقد أنه قد يساهم في انقاذ لبنان مما يتخّبط به.
نكون من مشوّهي الوقائع أو من مزّوري التاريخ إن قلنا إن الفئة التي تختلف مع بيئة "الثنائي الشيعي" في أمور كثيرة كانت تحب "السيد الراحل"، ولكن نكون مجافين للحقيقة إن لم نقل إن غيابه بهذه الطريقة المأسوية لم يؤلم معظم الذين ينتمون إلى هذه الفئة، التي على رغم أنهم كانوا يرون فيه "مشروعًا إيرانيًا"، وأنه "خاطف الدولة ومصادر لقرارها في الحرب والسلم"، لم يكونوا يتمّنون أن يكون لديهم زعيم أو أكثر يشبه "السيد حسن"، بصدقه ونظافة كفّه وقوة شخصيته وعناده في ما يؤمن بأنه حق، وبإخلاصه لقضيته.
لا شك في أن الفراغ الذي سيتركه نصرالله بغيابه المفجع والمأسوي كبير جدًّا على المستويين الوطني والحزبي، وهو الذي ملأ بمواقفه وقراراته واستماتته في الدفاع عمّا يعتقده صائبًا. فلبنان من دونه لن يكون كما كان معه، حتى ولو كان كثيرون ممن لم يتوافقوا معه على سياساته يتهمونه بأنه خطف لبنان وأخذه رهينة.
وكما أن لبنان لن يكون من دونه كما كان معه فإن "حزب الله" بغير قيادة حسن نصرالله لن يكون كما لو كان لا يزال على قيد الحياة. فهو الذي أوصله إلى المرتبة التي وصل إليها، وهو الذي جعله قوة إقليمية يُحسب لها ألف حساب، وإن كان البعض يرى أن هذه القوة هي من ورق، وذلك نظرًا إلى عدم تمكّن "الحزب" من ردّ الكيل كيلين لعدو لا يقيم وزنًا لا للقيم ولا لكرامة الانسان، ويستبيح كل شيء.
فـ "حزب الله" مع الشيخ نعيم قاسم مؤقتًا، أو على الأرجح مع السيد هشام صفي الدين لاحقًا، سيستمر حتمًا، وهو القائم على نظام تراتبي لا تتأثر تركيبته بأي تغيير في المسؤولية، ولكنه سيفتقد حتمًا إلى ما كان لنصرالله من حضور مميز في المجالس ومن على المنابر، لأنه كانت لديه صفات قيادية لم تتوافر لغيره إلا لقلائل في لبنان والعالم العربي والعالم قد سبقوه إلى "النجومية الجماهيرية".
وبهذه الصفات الفريدة استطاع نصرالله أن يوصل حزبه إلى العالمية. وما يثبت هذه المعادلة أن العالم لم يشهد من قبل مثل هكذا موجة من الحزن، حتى من قِبل من كانوا يعادونه ويرون فيه مشروعًا لا يتلاقى مع مشاريعهم.
وما يزيد من ثقل المسؤولية الملقاة مؤقتًا على كاهل الشيخ قاسم أن "الحزب" يتعرّض اليوم لأقسى محنة في تاريخه، ليس بسبب الاستهدافات الإسرائيلية لقياداته ومنصات صواريخه فحسب، بل لأن الدعم الإيراني، الذي كان مطلقًا على مدى السنوات الأخيرة، لن يكون كذلك اليوم ولا بعده. فرياح التغيير بدأت تلفح الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تعيد ترتيب أولوياتها وفق ما تقتضيه مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، من دون أن يعني ذلك أن دعم طهران لـ "حزب الله" سيوقف، ولكن لن يكون مستقبلًا كما كان في الماضي.
فاليوم الإيراني لا يشبه الأمس.     
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله لن یکون ما کان

إقرأ أيضاً:

إرث نصرالله.. هل يتولى هاشم صفي الدين زعامة حزب الله؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ادعت إسرائيل اليوم أن حسن نصر الله قد تم اغتياله، ولم تؤكد الجماعة المدعومة من إيران ومقرها لبنان وفاة زعيم حزب الله، لكن الجيش الإسرائيلي زعم أن غاراته الجوية على بيروت الليلة الماضية قتلت الرجل البالغ من العمر 64 عامًا. 

وأثار هذا التطور قلقًا وتكهنات كبيرة بشأن مستقبل الجماعة المسلحة، إن مقتل نصر الله، الذي قاد حزب الله لمدة 32 عامًا، من شأنه أن يوجه ضربة كبيرة للمنظمة.

وهنا يتم طرح سؤال، من سيقود هجوم حزب الله ضد إسرائيل وماذا يعني ذلك لمستقبل الجماعة المسلحة؟

إرث نصر الله

وفي هذا، قال حسين عبد الحسين، الصحفي المخضرم وخبير شؤون الشرق الأوسط وزميل الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية في واشنطن العاصمة  لقناة إن دي تي في:"لا يشغل زعيم حزب الله حسن نصر الله أي منصب عام، لكنه كان الحاكم الفعلي للبنان، فهو يحكم من خلال خطاب متلفز" 

ووُلِد حسن نصر الله عام 1960 في شرق بيروت، وتأثرت حياته المبكرة بالحرب الأهلية اللبنانية، التي دفعت عائلته إلى العودة إلى قريتهم الأصلية، وفي سن الخامسة عشرة، انضم إلى حركة أمل، وهي جماعة سياسية وشبه عسكرية شيعية، وقادته رحلته التعليمية إلى العراق لدراسة القرآن الكريم، لكنه عاد إلى لبنان عام 1978 بسبب ضغوط الحكومة ضد المتطرفين الشيعة.

في عام 1982، بعد الغزو الإسرائيلي، انتقل من حركة أمل للانضمام إلى حزب الله، الذي شكلته الحرس الثوري الإيراني، وبدأت قيادته بشكل جدي بعد اغتيال سلفه عباس الموسوي في عام 1992. 

وتحت قيادة نصر الله، تحول حزب الله من ميليشيا تركز على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي إلى قوة سياسية في لبنان، وساهمت عمليات حزب الله في جنوب لبنان في انسحاب إسرائيل في عام 2000، وهو حدث مهم عزز بشكل كبير سمعة نصر الله. ظلت معارضته لإسرائيل حجر الزاوية في زعامته، كما قال في تصريحه الشهير، "أنا لا أؤمن بدولة إسرائيل كدولة قانونية لأنها تأسست على الاحتلال".

تداعيات مقتل نصر الله

إن استبدال نصر الله من شأنه أن يشكل تحدياً غير مسبوق، وخاصة في ضوء النجاحات العسكرية الإسرائيلية التي دمرت بالفعل هيكل قيادة حزب الله. إن خسارة نصر الله من شأنها أن تزيد من تعقيد هذه القضايا، حيث تواجه المجموعة تساؤلات حول أمنها الداخلي في أعقاب اغتيال العديد من القادة الرئيسيين والهجمات الأخيرة التي هزت المجموعة في جميع أنحاء لبنان. 

وفي حين لا يُتوقع أن ينهار حزب الله بالكامل إذا مات نصر الله، فإن إزالته من شأنها بلا شك أن تلحق الضرر بمعنويات المجموعة وتعمل كرمز قوي للهيمنة العسكرية الإسرائيلية. 

وقالت المحللة لينا الخطيب من معهد تشاتام هاوس للسياسة نقلاً عن وكالة أنباء رويترز: "لن ينهار حزب الله إذا قُتل نصر الله أو أصبح عاجزًا، لكن هذا سيكون بمثابة ضربة قوية لمعنويات المجموعة، كما سيؤكد على تفوق إسرائيل الأمني ​​والعسكري وقدرتها على الوصول". 

فراغ القيادة

إن مسألة الخلافة تلوح في الأفق، إذ يتعين على أي زعيم جديد أن يكون مقبولاً لدى كل من الفصائل الداخلية لحزب الله وداعميه الإيرانيين. وفي الوقت الحالي، يُنظر إلى هاشم صفي الدين على أنه الوريث المحتمل لنصر الله. 

صفي الدين، الذي يشرف على الشؤون السياسية لحزب الله وهو عضو في مجلس الجهاد التابع للجماعة، هو أيضًا ابن عم نصر الله ويشاركه خلفية دينية. وقد صنفته وزارة الخارجية الأمريكية كإرهابي في عام 2017.

كان نصر الله يعد صفي الدين للقيادة من خلال مناصب مختلفة داخل المنظمة. كانت علاقاته العائلية وشبهه الجسدي بنصر الله ومكانته الدينية كلها عوامل ساهمت في قيادته المحتملة.  

مقالات مشابهة

  • من يكون حسن نصر الله زعيم حزب الله الذي اغتالته إسرائيل باستخدام 85 طنا من القنابل؟
  • كميائي و ذراع مالي.. ماذا نعرف عن نعيم قاسم وصفي الدين خليفتي نصرالله؟
  • نعيم قاسم لقيادة الحزب مؤقتاً وصفي الدين المرشح الأبرز
  • عاجل| «هاشم صفي الدين» بين الولاء لإيران وتحديات الداخل هل يكون خليفة نصر الله المنتظر؟
  • صهر قاسم سليماني والرجل الثاني في الجماعة.. من هو هاشم صفي الدين المرشح لخلافة نصر الله؟
  • « نعيم قاسم» السيرة الغامضة للرجل الذي قد يقود حزب الله بعد نصر الله
  • صهر قاسم سليماني.. من هو هاشم صفي الدين المرشح لخلافة حسن نصر الله؟
  • إرث نصرالله.. هل يتولى هاشم صفي الدين زعامة حزب الله؟
  • صهر قاسم سليماني... من هو هاشم صفي الدين أبرز مرشح لخلافة نصر الله