عربي21:
2025-04-07@16:09:46 GMT

الإعلام الإسرائيلي... أزهى عصور التعتيم!

تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT

في رسالته بمناسبة «اليوم العالمي لحرية الصحافة»، في 3 مايو (أيار) الماضي، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن فزعه للعدد الكبير من الصحافيين الذين قُتلوا في العمليات العسكرية الدائرة، منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الفائت، في غزة.

لقد قُتل عشرات الصحافيين المعنيين بتغطية أحداث تلك الحرب، وبسبب تصاعد وتيرة القتل، والغياب المُتعمّد لآليات التدقيق والتقصي، لم يعُد بالإمكان إحصاء عدد الصحافيين والإعلاميين القتلى على نحو دقيق، لكن بعض التقديرات تتحدث عن مقتل ما يزيد على مائة صحافي، واعتقال العشرات.


وفي الأسبوع الماضي، طالبت 15 وسيلة إعلام ألمانية كبرى بإتاحة الفرص لصحافييها للدخول إلى قطاع غزة، للقيام بدورها الضروري في تغطية الأحداث، عادّة أن منع دخولها القطاع لممارسة عملها «سابقة غير معهودة في التاريخ».

وبالتوازي مع ذلك، توالت الأنباء عن قصف وتدمير مقار لوسائل إعلام دولية وإقليمية ومحلية في القطاع المنكوب بالحرب، فضلاً عن ملاحقة السلطات الإسرائيلية عدداً من الصحافيين بتهم ارتباطهم بحركة «حماس»، والعمل لصالحها، وهي اتهامات قُدّمت من دون أدلة دامغة في أحيان عديدة.
ولم تكتفِ إسرائيل في سياساتها الرامية إلى تعقيم المجال الإعلامي المواكب للحرب بتلك الممارسات، لكنها فرضت أيضاً رقابة عسكرية صارمة على وسائل الإعلام المحلية بشقيها «التقليدي» و«الجديد»؛ إذ بات من الصعب جداً الحصول على صور أو فيديوهات أو تقييمات ميدانية للأوضاع على الأرض، وهو الأمر الذي غيّب الجمهور عن معرفة كثير من الحقائق الضرورية لإدراك تأثيرات الحرب وتطوراتها.

ترسم هذه الوقائع صورة لما أرادته إسرائيل بخصوص المواكبة الإعلامية لحربها، التي بدأت مع «حماس»، ثم امتدت إلى لبنان مع «حزب الله»؛ إنها استراتيجية تعتيم متكاملة، تستهدف السيطرة على الصورة الذهنية عن تأثير الحرب، بما يُمكّن قادة الدولة العبرية من التصرف من دون ضغوط إعلامية، وبأقل قدر ممكن من المحاسبة الشعبية.

والشاهد، أن للحرب جانبين؛ أحدهما مادي، تحدده ديناميات القتال على الأرض، ونتائجها العملية، وثانيهما معنوي، تحدده صورة كل طرف من أطرافها خلال عمليات القتال وبعده، ويبدو أن إسرائيل أولت اهتماماً بالغاً بتلك الصورة، ويبدو أيضاً أنها تحقّق نجاحاً عملياً باطراد.

فلم تكن إسرائيل، منذ إنشائها، غافلة عن الأثر الكبير للصورة الذهنية والسمعية في مجريات صراعها مع العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، بل على العكس تماماً؛ إذ تثبت مراجعة أدبيات الهندسة الإعلامية وإدارة مجال الرأي العام المواكب للصراع من الجانب الإسرائيلي، وجود درجة عالية من الحساسية والوعي بأهمية هذا المجال.

فغداة إعلانها، بدأ رئيس الوزراء، آنذاك، ديفيد بن غوريون، تأسيس عدد من الهيئات والمنظمات، التي رأى أنها ضرورية وحيوية لتعزيز الدولة الوليدة، التي «تعيش في محيط من العداء، وتواجه التحديات الجسام».

ومن أولى الهيئات التي حرص بن غوريون على تأسيسها، آنذاك، «هيئة رؤساء تحرير الصحف»، وهي الهيئة التي ألزمت السلطات من خلالها جميع رؤساء التحرير في صحف الدولة كافّة بالاشتراك في عضويتها، والامتثال لقراراتها.

تحدّث بن غوريون، في اجتماع تدشين «هيئة رؤساء تحرير الصحف»، ليعطيهم ما يمكن وصفه بالتوجيه الاستراتيجي لعملهم، فقال: «يجب علينا أن نزن أقوالنا، ولا نعطي العدو معلومات، ولا نزرع الفتنة والفوضى في شعبنا».

صحيح أن إسرائيل سعت لاحقاً إلى تطوير استراتيجيتها الإعلامية في مواكبة حروبها ونزاعاتها العنيفة إلى ما اُصطلح على تسميته «كسب العقول والقلوب»، لكن تلك الاستراتيجية لم تصمد قط عندما احتدمت النزالات الكبرى؛ إذ ظلّت الرغبة في التعتيم أكثر تأثيراً في الممارسات الفعلية.

لم تكن الشكوى من سياسة التعتيم الإسرائيلية على مجريات الحرب في غزة ولبنان، خصوصاً ما يتعلّق بتأثيرها في الداخل الإسرائيلي، عالمية أو عربية فقط، لكن بعض وسائل الإعلام العبرية اشتكت أيضاً من خطورة تلك السياسة.

إنها سياسة تعتيم بارعة ومكتملة الأركان وناجعة إلى حد كبير، وأهم ما يميّزها أنها تحدث بسلاسة واطراد، وتحت شعارات براقة عن الحداثة، والديمقراطية، والرغبة في الانفتاح.

(الشرق الأوسط اللندنية)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة فلسطين غزة الاحتلال اعلام مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الإعلام والحرب: “الرسالة دي للقائد الأمير حميدتي حفظه الله وصولها ليهو” (2-2)

لم ينجح إعلامنا في بناء رسالة ملحاحة للعالم في لغاته تحمله على الاقتناع بأن “الدعم السريع” منظمة إرهابية حقاً بينما حقيقة إرهابها هي كل ما في جعبتها.

أثار تعيين إعلاميين في كل من سفارة السودان في القاهرة وأديس أبابا مسألة الإعلام في الحرب من أكأب زواياها وهي فقه الوظيفة لا رسالتها. ومن بين رسائل الإعلام دعوة الفريق ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة تصويب الجهود السياسة والإعلامية ليرى العالم قوات الدعم السريع كما هي في حقيقتها: طاقة إرهابية لا جيشاً في مقابل القوات المسلحة كما طرأ لمجتمع دولي كسير ذابل.

ونواصل حديث الأمس:
من جهة أخرى ليست الحرب القائمة في السودان حرباً لمن أراد الاحتكام إلى قانون الحرب. فقام هذا القانون على افتراض أن الحرب مما يقع بين قوتين عسكريتين، وشدد على المهنية لأنها مدار تقليل فداحة الحرب لا على المدنيين كما ينبغي وحسب، بل حتى على العسكريين أيضاً. فيحكم القانون ضرب حتى الهدف العسكري، ناهيك بالمدني، بضوابط معروفة بالتناسب، فعلى القوة التي انتخبت هدفاً عسكرياً لضربه أن تحسب بدقة قوة النيران الكافية لغرضها لتصيبه بلا تفريط يتعدى الأثر إلى غيره. ويريد القانون بالتناسب أن تصيب هدفك لغرض ساعتك بلا زيادة. وشرط إحسان التناسب هو المهنية. فالقانون يطلبها نصاً بقوله إن على المتحاربين أن يكونوا على قدر كبير من التدريب في الفن العسكري ليحسنوا إدارة عملية ضرب الأهداف بتناسب. وينوه بأن تتمتع الأطراف المتحاربة باستخبارات ذكية تقع على الهدف العسكري بمهنية لا رجماً. بل شدد القانون على هذا التدريب نفسه ليحول دون السرقة والنهب في الحرب، فما وقع النهب والسلب، في قول التقرير، حتى دل ذلك على بؤس في تدريب القوة العسكرية المعنية وضعف قادتها الذين ينتهزون سانحة الفوضى العاقبة للمعارك فتمتد يدهم إلى أشياء من لا حول لهم لردهم.

فلم نرَ هذه المهنية في “الدعم” لنعدهم قوة محاربة ينطبق عليها قانون الحرب، فأول ما ينقصه هو سلسلة القيادة التي تضبط إدارته، ويشاهد السودانيون منذ الحرب فيديوهات فيها بيان كافٍ عن انحلال تلك السلسلة، ولكنهم يصرفونها كـ”هرج جاهلين” بينما هي بينة مرموقة على الطبيعة المليشياوية لـ”الدعم السريع”.
فيظهر أي جندي منهم بحديث مباشر للقائد محمد حمدان دقلو يبثه شكواه واحتجاجه، بل وخطته المثلى لإدارة الحرب. فتسمع ممن يريده تغيير وجهة الحرب من الخرطوم إلى ولاية النيل والشمالية، أو من يبث شكواه عن إهمالهم حتى إنهم يعالجون جرحاهم من المعارك على حسابهم. ويشتكي آخر في معركة الخرطوم أن عربات السلاح لم تدخل المعركة لأنها بطرف قادتهم الذين هم بين أزواجهم في دور غيرهم. بل اشتكى أحدهم للقائد حميدتي من سوء توزيع العربات القتالية. فهي في قوله راكزة في الصحراء بكبار القادة يسفيها الرمل بينما كانت الحاجة إليها ماسة في الخرطوم. وكان من رأيه أن تكون في طريقها لاحتلال بورتسودان مقر حكومة الفلول بدلاً من ضلالها عن الحرب في الخلاء، بل زاد قائلاً إن هذه الحرب في “دار صباح” (وهي لغة في الشرق عند أهل الغرب في السودان) داخلتها “ملعوبية” من الفلول الكيزان.

وجاء آخر بفيديو غاضب موجه للقائد دقلو إثر هزيمة قواتهم من الخرطوم. قال إنهم لم يجدوا معهم في ميدان القتال سوى لواءين بالاسم، أما الآخرون فغابوا بسياراتهم والذخائر التي نفدت بين أيديهم ولم يجدوا مدداً. وقال لحميدتي إنه قائم بالأمر كما ينبغي ولو نقصت فالكمال لله، وقال إنهم لم يجدوا من يمدهم بالسلاح أو الذخيرة في حر المعركة، ولم يشوش أحد على مسيرات الجيش التي قرضت الناس، واشتكى غياب السيارات ذات المدافع عن المعركة لأنها بيد قادة فضلوا أن يلازموا بيوتهم الجديدة في حي المنشية الراقي بالخرطوم.
وتجد في هذه الفيديوهات من يعبر عن قبيلته صريحاً مقابل قبيلة أخرى وبخاصة ما كان بين قبيلة المسيرية (كردفان) والماهرية (دارفور)، فقال أحدهم إنه من الفرقة 40، فرقة الجنرال جلحة، الذي كانت قتلته القوات المسلحة قبل شهرين أو نحوه، وهي فرقة مسيرية خالصة. وبدا أن المتهمين بالاستفراد بالسيارات هم من الماهرية. فقال الدعامي المسيري إن هذه السيارات للدواس ولا سبب لتكون في غير ميدانها الذي راح ضحيته منهم بالنتيجة 52 قتيلاً. وجاء بأسماء قادتهم ممن لقوا حتفهم. وقال إنهم لم ينسحبوا من كوبري المنشية بالخرطوم إلا بعد إطلاق آخر رصاصة بجعبتهم. ولم يتورع من القول إن هزيمتهم ثمرة خيانة. فوراؤها “لعبة” بينما هم أهل قضية.

وفي إشارة إلى استقلالهم كمسيرية في “الدعم السريع” قال إن فرقتهم خسرت سبع عربات في المعركة وهي ملك للفرقة 40 لا لـ”الدعم السريع”. وبدا للرجل كأن القتال صار على مثلهم لا غيرهم، وبدا كمن يقول إن شعب المسيرية هو من وقع عليه القتال بينما توارى آخرون، وربما قصد جماعة الماهرية الذين هم من خاصة أهل حميدتي. وتكررت الشكوى من اعتزالهم القتال وتمتعهم بما وقع لهم من حظ منه.
من الصعب بالطبع وصف هذه العلاقة بين الجند الدعامة والقيادة بأنها مما يستأهل به “الدعم السريع” أن يكون قوة عسكرية مما رأينا اشتراطاتها في قانون الحرب. فليس بينهم وبين قيادتهم “ضبط وربط” الذي هو ميسم المهنية. فبدا أن لكل دعامي خطة الحرب غير ما اتفق لقيادته، بل ويطلق الواحد منهم لسانه على الملأ عن “ملعوبية” في الحرب أوردتهم موارد التهلكة. وعلى هذا فالقول إن حرب السودان هي بين قوتين عسكريتين من فضول القول، فبنية “الدعم السريع” خلت من النظامية والمهنية، وبدت كطاقة إرهابية فقط.

مما يسعد أن يستعيد الإعلام موقعين في سفارتين مركزيتين للسودان في القاهرة وأديس أبابا. وليس بشارة أن غلب فقه الوظيفة في تناول هذا التعيين على فقه وظيفة الإعلام لدولة تخوض حرب موت أو حياة في عالم ذابل. ولا من يغالط أن إعلام الحكومة لم ينم تقليداً في المبادأة والطلاقة لأنه ربيب نظم حكم ديكتاتورية طال أمدها. فصار بها بوقاً لحكومة الوقت. واحتاجت حكومة الوقت في يومنا، وفي شرط الحرب، كما لم تحتج حكومة قبلها إلى إعلام بلا ضفاف لإذاعة قضيتها في الحرب برصانة. وسيحتاج إعلامها بهذا إلى الاشتباك مع العالم في منصاته ومعارفه وأعرافه بسرديات مخدومة يخرج به سيفاً لدولة لا بوقاً:
إذا كان بعض الناس سيفاً لدولة ففي الناس بوقات لها وطبول

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الأورومتوسطي .. إسرائيل تجاهر بالمقتلة المستمرة ضد الصحافيين الفلسطينيين في غياب أي محاسبة دولية
  • حماس تُدين جريمة الإبادة الإعلامية بعد استشهاد صحفيين في خيمة
  • الإعلام والحرب: “الرسالة دي للقائد الأمير حميدتي حفظه الله وصولها ليهو” (2-2)
  • الذهب والفضة ينخفضان مع تصاعد الحرب التجارية التي أعلنها ترامب
  • مديرية الإعلام في حلب لـ سانا: معظم ما يصدر من إشاعات على هذا الاتفاق، مصدره قوى وجهات تريد تعكير الأجواء السياسية، وهي متضررة من حالة الاستقرار التي يهدف إلى تحقيقها هذا الاتفاق
  • مديرية الإعلام في حلب لـ سانا: لا صحة للأنباء التي تتحدث عن توقف عملية تبادل الموقوفين بين مديرية الأمن بحلب وقوات سوريا الديمقراطية.
  • مقاطعة الإعلام الحربي كأداة مقاومة ضد آلة الدعاية العسكرية
  • مديرية الإعلام في حلب تبحث سبل تذليل الصعوبات والتحديات التي تواجه الإعلاميين
  • الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن
  • «باحث أمريكي»: الإعلام الإسرائيلي يهدف إلى شق الصف العربي بترويج قبول دول استقبال الفلسطينيين