الإعلام الإسرائيلي... أزهى عصور التعتيم!
تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT
في رسالته بمناسبة «اليوم العالمي لحرية الصحافة»، في 3 مايو (أيار) الماضي، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن فزعه للعدد الكبير من الصحافيين الذين قُتلوا في العمليات العسكرية الدائرة، منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الفائت، في غزة.
لقد قُتل عشرات الصحافيين المعنيين بتغطية أحداث تلك الحرب، وبسبب تصاعد وتيرة القتل، والغياب المُتعمّد لآليات التدقيق والتقصي، لم يعُد بالإمكان إحصاء عدد الصحافيين والإعلاميين القتلى على نحو دقيق، لكن بعض التقديرات تتحدث عن مقتل ما يزيد على مائة صحافي، واعتقال العشرات.
وفي الأسبوع الماضي، طالبت 15 وسيلة إعلام ألمانية كبرى بإتاحة الفرص لصحافييها للدخول إلى قطاع غزة، للقيام بدورها الضروري في تغطية الأحداث، عادّة أن منع دخولها القطاع لممارسة عملها «سابقة غير معهودة في التاريخ».
وبالتوازي مع ذلك، توالت الأنباء عن قصف وتدمير مقار لوسائل إعلام دولية وإقليمية ومحلية في القطاع المنكوب بالحرب، فضلاً عن ملاحقة السلطات الإسرائيلية عدداً من الصحافيين بتهم ارتباطهم بحركة «حماس»، والعمل لصالحها، وهي اتهامات قُدّمت من دون أدلة دامغة في أحيان عديدة.
ولم تكتفِ إسرائيل في سياساتها الرامية إلى تعقيم المجال الإعلامي المواكب للحرب بتلك الممارسات، لكنها فرضت أيضاً رقابة عسكرية صارمة على وسائل الإعلام المحلية بشقيها «التقليدي» و«الجديد»؛ إذ بات من الصعب جداً الحصول على صور أو فيديوهات أو تقييمات ميدانية للأوضاع على الأرض، وهو الأمر الذي غيّب الجمهور عن معرفة كثير من الحقائق الضرورية لإدراك تأثيرات الحرب وتطوراتها.
ترسم هذه الوقائع صورة لما أرادته إسرائيل بخصوص المواكبة الإعلامية لحربها، التي بدأت مع «حماس»، ثم امتدت إلى لبنان مع «حزب الله»؛ إنها استراتيجية تعتيم متكاملة، تستهدف السيطرة على الصورة الذهنية عن تأثير الحرب، بما يُمكّن قادة الدولة العبرية من التصرف من دون ضغوط إعلامية، وبأقل قدر ممكن من المحاسبة الشعبية.
والشاهد، أن للحرب جانبين؛ أحدهما مادي، تحدده ديناميات القتال على الأرض، ونتائجها العملية، وثانيهما معنوي، تحدده صورة كل طرف من أطرافها خلال عمليات القتال وبعده، ويبدو أن إسرائيل أولت اهتماماً بالغاً بتلك الصورة، ويبدو أيضاً أنها تحقّق نجاحاً عملياً باطراد.
فلم تكن إسرائيل، منذ إنشائها، غافلة عن الأثر الكبير للصورة الذهنية والسمعية في مجريات صراعها مع العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، بل على العكس تماماً؛ إذ تثبت مراجعة أدبيات الهندسة الإعلامية وإدارة مجال الرأي العام المواكب للصراع من الجانب الإسرائيلي، وجود درجة عالية من الحساسية والوعي بأهمية هذا المجال.
فغداة إعلانها، بدأ رئيس الوزراء، آنذاك، ديفيد بن غوريون، تأسيس عدد من الهيئات والمنظمات، التي رأى أنها ضرورية وحيوية لتعزيز الدولة الوليدة، التي «تعيش في محيط من العداء، وتواجه التحديات الجسام».
ومن أولى الهيئات التي حرص بن غوريون على تأسيسها، آنذاك، «هيئة رؤساء تحرير الصحف»، وهي الهيئة التي ألزمت السلطات من خلالها جميع رؤساء التحرير في صحف الدولة كافّة بالاشتراك في عضويتها، والامتثال لقراراتها.
تحدّث بن غوريون، في اجتماع تدشين «هيئة رؤساء تحرير الصحف»، ليعطيهم ما يمكن وصفه بالتوجيه الاستراتيجي لعملهم، فقال: «يجب علينا أن نزن أقوالنا، ولا نعطي العدو معلومات، ولا نزرع الفتنة والفوضى في شعبنا».
صحيح أن إسرائيل سعت لاحقاً إلى تطوير استراتيجيتها الإعلامية في مواكبة حروبها ونزاعاتها العنيفة إلى ما اُصطلح على تسميته «كسب العقول والقلوب»، لكن تلك الاستراتيجية لم تصمد قط عندما احتدمت النزالات الكبرى؛ إذ ظلّت الرغبة في التعتيم أكثر تأثيراً في الممارسات الفعلية.
لم تكن الشكوى من سياسة التعتيم الإسرائيلية على مجريات الحرب في غزة ولبنان، خصوصاً ما يتعلّق بتأثيرها في الداخل الإسرائيلي، عالمية أو عربية فقط، لكن بعض وسائل الإعلام العبرية اشتكت أيضاً من خطورة تلك السياسة.
إنها سياسة تعتيم بارعة ومكتملة الأركان وناجعة إلى حد كبير، وأهم ما يميّزها أنها تحدث بسلاسة واطراد، وتحت شعارات براقة عن الحداثة، والديمقراطية، والرغبة في الانفتاح.
(الشرق الأوسط اللندنية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة فلسطين غزة الاحتلال اعلام مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
بروفيسور تونسي ينتقد التقاعس الأوروبي في ردع العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة
انتقد الكاتب والبروفيسور التونسي إسكندر ونيس، التقاعس الأوروبي في ردع العدوان الإسرائيلي المتواصل على لبنان وقطاع غزة، مشيرا إلى أن الأوروبيين لم يتمكنوا من الضغط على "حليفهم" لقبول وقف إطلاق النار.
وقال ونيس في مقال نشرته مجلة "جون أفريك" الناطقة بالفرنسية وترجمته "عربي21"، إنه عُقد مؤتمر للمانحين حول لبنان في باريس في 24 تشرين الأول/ أكتوبر. وكان الهدف منه محاولة جمع 400 مليون دولار - وهو الحد الأدنى المطلق وفقًا للأمم المتحدة - لصالح لأشخاص الذين نزحوا بسبب "الصراع" في الشرق الأوسط.
وكانت هذه مبادرة جديرة بالثناء من جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث انتهى المؤتمر بتجاوز هذا الحد الأدنى بحوالي مليار دولار من التبرعات للبنان، وفقا للمقال.
لكن حسب الكاتب، لن تمحو هذه الأموال تقاعس الأوروبيين المروّع في ردع القصف المستمر على لبنان والسكان المدنيين في غزة، بما في ذلك خلال شهر رمضان. كما أن الأموال التي تم جمعها لن تنسي اللبنانيين والفلسطينيين أن المجتمع الدولي، ولا سيما الأوروبيين، لم يتمكنوا من الضغط على "حليفهم" لقبول وقف إطلاق النار، ولم يمتنعوا عن الاستمرار في تزويده بالسلاح.
وذكر الكاتب أن هذا ينطبق بشكل خاص على ألمانيا، التي دفعها "دعمها الثابت" للحكومة الإسرائيلية الحالية واحتقارها لمقتل 40 ألف مدني فلسطيني، بشكل علني ودون رادع، إلى رفض فكرة وقف إطلاق النار التي اعتبرها المستشار أولاف شولتز "مجحفة بحق إسرائيل" في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.
وأضاف المقال أنه من المؤسف أن الأوروبيين لم يرغبوا أبدا في استخدام وسائل الضغط العديدة المتاحة لهم لتشجيع إسرائيل على قبول وقف إطلاق النار، مع إطلاق سراح الرهائن، وهي عملية دعت إليها أغلبية كبيرة في إسرائيل نفسها. وهذا هو الوضع غير مفهوم في العالم العربي. فطوال فترة "الصراع"، كان كل ما سمعه العالم العربي في معظم وسائل الإعلام وخلال الخطابات السياسية في فرنسا وفي جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي هو "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها" بينما يتم التغاضي عن الإرهاب ويستمر العنف.
وتساءل الكاتب: لماذا تتعرض إسرائيل للهجوم؟ لا أحد يجرؤ على طرح هذا السؤال الحساس لأنه لا أحد يعرف الإجابة، ولا أحد يعرف أن هذا السؤال ممنوع في المقام الأول.
وأشار إلى أن إسرائيل هي آخر دولة استعمارية على هذا الكوكب. الجميع يعرف ذلك. والجميع صامتون. هناك شعب، وهو الشعب الفلسطيني، محروم من حقه في الوجود والدفاع عن أرضه التي تُسلب منه يوماً بعد يوم. ويوصف هذا الشعب بـ"الإرهابيين" لأنهم يدافعون عن مستقبل أبنائهم. بالنسبة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، عليهم أن يقبلوا بحقيقة الاستعمار، مع كل الفظائع اليومية التي يرتكبها المستوطنون على مرّ السنين (لا تكاد تذكر في وسائل الإعلام)، وأن يشاهدوا أرضهم تتقلص إلى لا شيء.
ومن المثير للدهشة أيضًا، وفقا للكاتب، أن أصوات المجتمع المدني العربي لا تُسمع كثيرًا في فرنسا وأوروبا بشأن هذا "الصراع". في الواقع، كانت وسائل الإعلام فعالة جدا: أي انتقاد لإسرائيل يصبح معاداة للسامية، على الرغم من أن العرب هم أيضًا ساميون.
ولا تدعو وسائل الإعلام "المحللين" الذين يتقنون الفرنسية أو الإنجليزية إلا قليلا أو تدعو من لا يعرفون شيئا عن التاريخ أو الجغرافيا السياسية. إنه لأمر مؤسف، لأن هذه العملية لا تخدم أحدا، لا سيما "السلام للجميع"، الذي لطالما دافعت عنه، يقول الكاتب.
وأشار الكاتب إلى حقيقة تثير العديد من التساؤلات وهي إعادة انتخاب نتنياهو رئيسًا للوزراء في عام 2022، على الرغم من أنه عندما انتخب لأول مرة في عام 1996، كان أول هدف سياسي له نقض اتفاقات أوسلو (1993) واستئناف الاستيطان في الضفة الغربية، خلافًا للاتفاقات. وبالتالي كانت الخيارات واضحة: لا سلام مع الفلسطينيين. ونتيجة لذلك، تطرح إعادة انتخابه في عام 2022 سؤالًا جوهريًا: هل يريد الإسرائيليون حقًا السلام مع الفلسطينيين (مرة واحدة وإلى الأبد)، أم أنهم يريدون العيش في "أمن"، بغض الطرف عن الوسائل "المستخدمة" لتحقيقه، وهو أمر نسبي وسيظل دائمًا تحت التهديد؟
ويرى الكاتب أنه آن الأوان أن يعيد الأوروبيون النظر في مقاربتهم "للصراع" في الشرق الأوسط وأن يتوقفوا عن النظر إليه من منظور الصهاينة وحدهم، الذين يسيئون بعماهم الأيديولوجي ليس فقط لشعبهم وبلدهم، بل كذلك لمنطقة بأكملها.