عربي21:
2024-09-30@07:30:01 GMT

نتنياهو يفتح قوس الصراع

تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT

في حين كانت الولايات المتحدة تنجح في حشد عديد الدول الغربية والعربية لصالح مبادرة بالشراكة مع فرنسا، تقول: إنّه تم تنسيقها مع إسرائيل، فاجأ بنيامين نتنياهو الجميع بتوجيه بُوصلة الصراع نحو وجهة أخرى.

المبادرة الأميركية الفرنسية، التي تدعو إلى هدنة لثلاثة أسابيع لم تكن تستهدف وقف الحرب على جبهتَي غزّة ولبنان، بقدر ما أنها استهدفت الفصل بين الجبهتين، وتفكيك العلاقة بين «حزب الله» اللبناني، وحاضنته الشعبية، وأيضاً فصل الحزب عن سياسة الحكومة اللبنانية، ورفع الغطاء عنه رسمياً وشعبياً، وتمكين دولة الاحتلال من الاستفراد به، خلال وقتٍ قصير تلاعب نتنياهو بالمبادرة وأصحابها، وأنهى كلّ حديث عنها، حين أعطى الضوء الأخضر لجيش العدوان بقصف الضاحية واغتيال عدد من قيادات الحزب وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصر الله.



تتنصّل الإدارة الأميركية من المسؤولين عن عملية القصف والاغتيال، ولكنها ترحّب بها بعد أن اتضح أنّها نجحت في اغتيال نصر الله وعدد آخر من مسؤولي الحزب.

مرّة أخرى، وكما وقع خلال مجريات الحرب، ينجح نتنياهو في جرّ الولايات المتحدة خلف مخطّطاته، وضمان استمرار دعمها لما يقوم به، متجاوزة الإهانات التي يتسبب بها ذلك السلوك، لجر بايدن وإدارته التي تبدو ضعيفة، أو متواطئة.

بعد عملية الاغتيال الرهيبة تطلب دولة الاحتلال من واشنطن إرسال قوات إضافية للمنطقة استعداداً لرد إيراني محتمل، فيكون الردّ أنّ بايدن أمر وزير الدفاع لويد أوستن بزيادة القوات الأميركية في الشرق الأوسط لردع إيران ووكلائها، وتقليل خطر نشوب حرب إقليمية أوسع.
ومرّة أخرى يؤكّد بايدن أن بلاده تدعم بشكلٍ كامل حق الدولة العبرية في الدفاع عن نفسها ضد «حزب الله».

بعد مجزرة «البايجر»، وتعطيل شبكة الاتصالات التي يستخدمها الحزب، ومنذ اغتيال القائد العسكري البارز فؤاد شُكر، كانت المبادرة الأميركية الفرنسية تتعارض مع خطط نتنياهو، الذي يرفض منح الحزب فرصة لاستعادة الأنفاس وإعادة ترميم أوضاعه الداخلية.

كانت لنتنياهو طريقة أخرى لتحقيق أهداف المبادرة الأميركية الفرنسية، فهو يعتمد أسلوب القصف الموسّع لعشرات القرى والبلدات والمدن اللبنانية لترويع السكان، وإجبارهم على النزوح، وحملهم على التخلّي عن الحزب، ومواقعه، وتخويفه لبنان الرسمي، من الاستمرار في تقديم مواقف تنسجم مع سياسة الحزب.

الأسلوب ذاته الذي تم اتباعه في قطاع غزّة، جرى ويجري اتباعه مع لبنان، بما في ذلك تكبيد السكان المدنيين أثماناً باهظة، وضرب البُنى التحتية، من مستشفيات وأجهزة دفاع مدني، ومدارس وبلديات.
في الواقع، فقد نجح نتنياهو في تحقيق انتصارات تكتيكية مهمّة، ونجح في تحشيد الجبهة الداخلية، حيث انضمّت إليه كل أحزاب «المعارضة»، الأمر الذي عزّز من شعبيته، وحسّن فرص «الليكود» في أيّ انتخابات، تجري في هذا الوقت، حسب استطلاعات الرأي.

المشكّكون في جدّية «محور المقاومة»، سرعان ما أن كرّسوا أقلامهم وخطاباتهم، للتأكيد على صحّة شكوكهم، وكثير منهم أظهروا قدراً من الشماتة بما أصاب الحزب.

وبالتأكيد، إنّ اغتيال نصر الله، وعدد كبير من قيادات الحزب، من الصفين الأوّل والثاني، ترك قدراً من الإحباط وخيبة الأمل وحتى الخوف، من قبل أولئك الذين راهنوا على الحزب و»محور المقاومة».
برأينا، إن أصل الأزمة التي يواجهها الحزب تكمن في أنه واصل القتال من موقع الإسناد، وحافظ على «قواعد الاشتباك»، من دون أن يأخذ في الاعتبار أنّ الطرف الآخر سيتجاوز كل الخطوط لجهة شن حرب واسعة قد تبدو للبعض على أنّها مفاجئة.

ثمّة فارق كبير بين أن تخطط لمواجهة حرب يشنها الطرف الآخر، وأن تبقى على حدود وسقوف دون ذلك. التقديرات كلها تؤكد أن هذه الحرب مستمرّة، وواسعة، وذات أهداف بعيدة وإستراتيجية، وأنها ما كانت لتسمح ببقاء التهديد من غزّة أو من لبنان وغيرها، ولذلك كان لا بدّ للحزب من أن يبدأ القتال على هذا الأساس، ومن دون انتظار لتكتيكات لا تقدم ولا تؤخّر في النتائج.

لقد أسّس هذا الخطأ الجسيم، لتعرض الحزب لسلسلة من الضربات المفصلية التي أرهقته، حيث تركت قدراً من التراخي، في اتخاذ ما يلزم من إجراءات أمنية لحماية قياداته وكوادره، ومواقعه العسكرية.
لقد كرّر الحزب الأخطاء الواحد تلو الآخر، وربما أنه لم يتمكن من التقاط الأنفاس، لتجنّب الخسائر الضخمة التي تعرّض ولا يزال يتعرّض لها خلال الأسابيع الأخيرة.

بعد الاغتيالات المبكّرة، كان من غير الطبيعي أو الضروري، وجود اجتماعات قيادية أو غير قيادية، وكان من الضروري تغيير طريقة حركة القيادات، وأماكن سكنهم وتردّدهم، ولكن كل ذلك جعلهم أهدافاً سهلة، للضربات العدوانية الإسرائيلية المتتالية.

معروف أنّ لبنان يضجّ بوجود وفعالية كل أنواع الاستخبارات العربية والعالمية، وأنّ الحزب يعمل بصورة علنية، وبالتالي فإنّه عُرضة للاختراق، وعُرضة للانكشاف، وبالإضافة إلى ذلك، ثمّة أحزاب وقوى وجماعات لبنانية مناوئة للحزب، وترغب في التخلّص من دوره ونفوذه، مستعدّة للتفاوض مع كلّ شياطين الأرض.

كان تكتيك الحزب في مرحلة الإسناد يقوم على تمييز قيمه عن قيم جيش الاحتلال، وذلك بالتركيز على المواقع العسكرية الإسرائيلية وتجنّب استهداف المدنيين والمنشآت الاقتصادية الحيوية، غير أنّه لا يدرك أنّ هذا التمييز لا يُحدِث فرقاً، طالما أنّ النتائج مختلفة.

أعلن الحزب أنّ استهداف المدنيين سيقابل باستهداف المدنيين، لكنه لم يفعل، وأعلن كذلك أنّ استهداف الضاحية سيقابل بردّ يستهدف تل أبيب، لكنه لم يفعل.

الآن وفي ظلّ الضربات القاسية التي تعرّض ويتعرّض لها الحزب، لا يستطيع تجاوز طريقة الردّ الروتينية، التي التزم بها منذ بداية الحرب العدوانية، ذلك أنّ الانتقال إلى مرحلة خوض الحرب بكلّ ما لديه من قوّة، يستدعي ترميم منظومتَي القيادة السياسية والعسكرية، وهو أمر من الصعب تداركه بينما تصعّد دولة الاحتلال من هجماتها المركّزة، على كلّ مكان في لبنان.

ويحتاج الانتقال إلى مرحلة خوض الحرب إلى تنسيقٍ مع أطراف المقاومة، ومع إيران بالتأكيد بما يعني الانتقال إلى الحرب الإقليمية.

الكرة الآن في ملعب إيران، فهل ستتجاوز شروط دورها الروتيني وتكتفي بإطلاق التهديدات، أو حصر دورها بردّ محدود، أم أنها ستواجه حقيقة أنّ هذه الحرب مستمرّة، إلى أن تصل إلى عُقر دارها؟ على كلّ حال الحزب رغم ما أصابه، إلّا أنه لا يزال يملك القدرة على تدفيع دولة الاحتلال الثمن.

(الأيام الفلسطينية)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حزب الله اللبناني الاحتلال حسن نصر الله لبنان حزب الله الاحتلال حسن نصر الله مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الاحتلال ة أخرى

إقرأ أيضاً:

لبنان يسترجع "عمار" الحريري.. ويخشى "دمار" نصر الله

انتشرت تعليقات على منصة "إكس" ووسائل تواصل اجتماعي أخرى، للمقارنة بين مجد لبنان في زمن رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، وخرابه في عهد "حزب الله" بقيادة حسن نصر الله، حيث ترحم قطاع عريض من اللبنانيين على الحريري، وأطلقوا الانتقادات في وجه نصر الله، داعين إلى تجنيب لبنان خطر كارثة كبرى، كتلك التي حدثت في غزة.

وذلك النقاش أصبح حديث الناس، من الساعة الأولى التي دخل فيها الحزب الموالي لإيران على خط حرب غزة، بمساندة حماس في قصف شبه يومي ضد أهداف إسرائيلية، بدأ فعلياً في اليوم التالي لهجوم الحركة الفلسطينية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على جنوب الدولة العبرية، ورد الأخيرة بحرب واسعة مدمرة ضد القطاع المحاصر، ما زالت مستعرة، وتتمدد شيئاً فشيئاً صوب لبنان.

لم يغتالوه بمفرده .. بل اغتالوا لبنان معه.
.
رحم الله الشهيد البطل رفيق الحريري???????? pic.twitter.com/DRlB3UJn0f

— الردع السعودي ١٧٢٧م ???????? (@s_hm2030) September 26, 2024 دعوة للتعقل

ويدعو عدد كبير من اللبنانيين الحزب إلى التعقل، والتأني، وعدم التصعيد، واللجوء إلى مسار التفاوض، والدبلوماسية لمنع تمدد الحرب إلى لبنان، البلد العربي الذي شهد حروباً عدة مع إسرائيل، آخرها في 2006، وسوّت أحياء كاملة في بيروت ومدناً أخرى بالأرض، وأعادت البلد إلى الهامش، بعد أن شهد طفرة اقتصادية وعمرانية وسياحية في عهد رفيق الحريري، الذي اغتيل في 2005، في تفجير نسب إلى موالين لحزب الله.  

وتغلبت المقارنة على النقاش، فالبعض لجأ إلى إبراز صورة لبنان الحضارية، وعمرانه، وتطور عاصمته، وبروزه على الخارطة السياحية العربية والدولية، بعد انتهاء الحرب الأهلية في عام 1990، بفضل اتفاق الطائف الذي توسطت فيه السعودية بين الفصائل المتناحرة، وبدء عهد تعمير جديد، بلغ ذروته في فترة رئاسة الحريري للحكومة اللبنانية على فترتين الأولى من (1992-1998)، والثانية من (2000-2004)، وخلالهما أطلق المرحلة الشاملة لطمس معالم الحرب الأهلية، وتعمير ما خربته.

ونقم كثيرون على حزب الله لانفراده في قرار الدولة بقوة السلاح، وتجاهله مؤسساتها الرسمية، الرئاسية والحكومية، في قرارات مصيرية، كالحرب، والانتخابات، وفرض هيمنته على البرلمان.

مقارنة بالأرقام

ولغة الأرقام وحدها، تكشف إنجازات الطرفان في لبنان، فأولاً استطاع الحريري تحقيق نجاحات لا حصر لها، أولها: توسيع شبكة البنوك في لبنان، وفتح أبواب العديد من المصانع الجديدة، وتشغيل آلاف العاطلين عن العمل.  إضافة إلى دوره البارز في نهضة التعليم، وتبرعه السخي لأكثر من 30 ألف طالب لبناني. 
ويقول الخبراء، إن الحريري كان يتبرع بسخاء في لبنان، ويستثمر في بلده أكثر من أي مكان آخر.

تقرير: كابوس مذبحة غزة يطارد لبنانhttps://t.co/96zbMEQORx pic.twitter.com/BFTtY91qZI

— 24.ae (@20fourMedia) September 27, 2024

ومن أبرز إنجازاته، تمكين الكثير من الدول العربية وتحديداً الخليجية، والأوروبية، والولايات المتحدة، من المشاركة الفورية في إعادة إعمار ما دمرته الحرب الأهلية، وقيمته أكثر من 3 مليارات دولار.

وعلى الطرف الآخر، تنحصر إنجازات حزب الله، في تكديس السلاح، وعسكرة لبنان، وتحويله إلى ساحة تصفية حسابات كبيرة، وممراً للأسلحة الإيرانية القادمة عبر البر والبحر، الواقعين تحت سيطرة الحزب.

وإضافة إلى السلاح، يحمّل جزء كبير من اللبنانيين الحزب مسؤولية اغتيال الحريري في 2005، وانفجار مرفأ بيروت في 2020، بعد اتهامات وتقارير تؤكد تخزينه نترات الأمونيوم في مخازن المرفأ، والآن وضع لبنان على حافة حرب شاملة مع إسرائيل. 

مقالات مشابهة

  • إيران "المخترقة".. هل يفتح اغتيال حسن نصر الله ملف مقتل رئيسي؟
  • زمن الوحدة في لحظة فاصلة في الصراع
  • الخارجية الكندية: متضامنون مع شعب لبنان المتضرر من هذا الصراع وملتزمون بتزويدهم بالمساعدة الإنسانية التي يحتاجون إليها
  • بايدن يتلقى إفادة بشأن الشرق الأوسط ويراجع وضع القوات الأميركية بالمنطقة
  • لماذا قرر نتنياهو حرق جنوب لبنان؟ وهل اقتربت الحرب البرية؟
  • «الجارديان»: هل تستطيع إسرائيل تجنب الوقوع في نفس الأخطاء التي ارتكبتها خلال هجومها البري السابق على لبنان؟
  • يديعوت عن خطابات نتنياهو: غيّر أهداف الحرب بغزة وهذه أكثر الكلمات التي ردّدها
  • لبنان يسترجع "عمار" الحريري.. ويخشى "دمار" نصر الله
  • المفتي قبلان لـبعض الأصوات التي نختلف معها: الأولوية الآن لحماية لبنان الكيان وليس للنكايات