حرب لبنان لم تُحسم.. والإقليمية لم تبدأ بعد
تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT
فتح اغتيالُ "إسرائيل"، الأمينَ العام لحزب الله حسن نصر الله الباب مشرعًا أمام أسئلة ونقاشات عديدة في مقدمتها قوة الحزب وقدرته على الاستمرار بعد الاغتيال، ومآلات الحرب على لبنان، وخصوصًا احتمالات الحرب البرية، وكذلك احتمالات الانتقال نحو تصعيد إقليمي تنخرط فيه قوى أخرى من بينها إيران.
الصدمة وما بعدهاشكّل إعلان "إسرائيل" عن اغتيال نصرالله خلال وجوده في اجتماع داخل ما عدَّه مقر القيادة المركزية لحزب الله صدمة كبيرة في لبنان، لا سيما أن الاحتلال يدعي اغتيال شخصيات قيادية كبيرة وعديدة تواجدت في نفس الاجتماع، وأن الاستهداف أتى بعد سلسلة اغتيالات قيادات عسكرية وميدانية وأمنية للحزب فيما بدا وكأنه استباحة كاملة له من قبل جيش الاحتلال.
وإذا ما أشار كل ذلك لانكشاف أمني بالغ للحزب (المعروف بإجراءاته الأمنية المشددة) أمام "إسرائيل" مؤخرًا، وخصوصًا بعد "عملية البيجر" التي استهدفت بها الأخيرة المئات من كوادره وربما بعض قياداته، فإنها تؤكد سعي الاحتلال لإحداث فراغ قيادي فيه، لا سيما مع العدد الكبير من القيادات المستهدفة خلال مدة وجيزة جدًا.
فإذا ما أضيف لكل ذلك القصف الجوي العنيف، وتهجير المدنيين من الجنوب والضاحية، واستمرار الاغتيالات، وادعاءات الاحتلال بإضعاف الحزب عسكريًا، وخصوصًا فيما يتعلق بقدراته الصاروخية (التي لا نسلم بها)، يطرح الكثيرون علامات استفهام حول حالة الحزب الحالية بين الفوضى والانكفاء والتراجع، واحتمالات وقفه لجبهة الإسناد والخروج من المواجهة.
ولا شك أن هذا تقدير مبكّر جدًا ومتسرع نوعًا ما لعدة أسباب. ففي المقام الأول، من المتوقع أن يعمد حزب الله لفترة من الانكفاء النسبي، بعد الضربة الكبيرة، لتشييع أمينه العام ورفاقه من جهة، وإجراء مراجعة وتقييم من جهة ثانية، ومحاولة معالجة الثغرات الأمنية، وكذلك ترتيب أوراقه الداخلية (مسألة خلافة نصرالله)، والميدانية وغير ذلك.
ومن زاوية أخرى، سيكون من المستبعد جدًا أن تعمد القيادة الجديدة للحزب (أيًا كانت كأشخاص) لوقف جبهة الإسناد وفصل مسارها عن معركة غزة، فهي – أي القيادة – ستكون أمام استحقاقات إثبات الذات، والتزام خط نصر الله، والثأر لاغتياله ورفاقه واستهداف المدنيين، ورفض منطق الهزيمة والانكسار، والحفاظ على شرعية وجود الحزب كقوة مقاومة، والتجاوب مع مطالب حاضنته بالانتقام والاستمرار.
ومن زاوية ثالثة، فالحرب الجوية – على ضراوتها ووحشيتها – لا تحسم حربًا ولا تنهي مواجهة مع قوة مقاومة، والأهم أنها لن تعيد المستوطنين إلى مناطقهم في ظل المعطيات سالفة الذكر، فضلًا عن أن ادعاءات القضاء على نصف قوته العسكرية أو الصاروخية مبالغات لا يسلم بها. يتباهى نتنياهو بأنه حيّد أخطر رجل واجه "إٍسرائيل" في العقود الماضية، لكنه يدرك أنه لم يحقق بعد الهدف المضاف أخيرًا لأهداف الحرب، وهو إعادة المستوطنين، ما سيضطره للاستمرار.
وفق هذه المعطيات، وفي ظل رفض نتنياهو وقْفَ إطلاق النار في غزة، وبالتالي في لبنان، تبدو الحرب البرية في جنوبه حتمية، بغض النظر عن حدودها بين التوغل المحدود، أو المنطقة العازلة، أو الغزو الواسع، ما يعني إطالة أمد الحرب وزيادة خسائرها وحالة الاستنزاف للاحتلال فيها.
أي أن الحرب على لبنان ما زالت في بداياتها، لم تنتهِ ولم تُحسم بعد ولا قريبًا، وأن مشهد القوة الغاشمة والضربات المتتالية التي تقصدت "إٍسرائيل" ترويجها مقصودة لذاتها، وجزء مهم منها متوقع في ظل اختلال موازين القوى (إضافة للثغرات الأمنية). حصل ذلك في غزة في بدايات العدوان، وفي لبنان في بدايات حرب 2006، وفي حروب عديدة، لكن الحرب لم تنتهِ هكذا، وستتطلب دخولًا بريًا يفترض أنه نقطة قوةٍ للمقاومة، وضعفٍ للاحتلال على عكس القصف الجوي.
التصعيد الإقليميرغم الضربة الكبيرة التي تعرض لها حزب الله فمن المستبعد جدًا أن تؤدي لخروجه من المواجهة، فقد كانت آخر كلمات أمينه العام أن "جبهة الإسناد لن تتوقف حتى يتوقف العدوان على غزة، مهما بلغت التضحيات"، كما أن الاحتلال أكد على أنه استهدفه؛ لأنه رفض فك الترابط بين جبهتَي غزة ولبنان، وهو خط يصعب على أي قيادة مستقبلية تجاوزه مهما كانت الظروف أو المسوغات المفترضة.
وإذا كان من شبه المستحيل وقف جبهة لبنان دون غزة، فإن احتمالات توسع الحرب لتشمل أطرافًا أخرى في المنطقة تزداد بشكل كبير مع استمرار العدوان على لبنان.
فيما يتعلق بدولة الاحتلال، فهي ترى أنها أمام فرصة تاريخية وغير مسبوقة للتعامل مع مجمل المخاطر والمهددات التي تواجهها. فهي تحاول محو فشلها الذريع أمنيًا وعسكريًا في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتسعى لاستعادة الردع الذي تآكل مع العملية وما تبعها في غزة (رغم الدمار والقتل الكبيرين) والجبهات الأخرى.
وهي إلى ذلك تتمتع حتى اليوم بدعم غير مسبوق ولا محدود ولا مشروط من الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية في ظل صمت عربي وإقليمي، وترى أنها تعرضت لذروة ما يمكن أن تتعرض له من لوم وانتقاد وتجريم سياسي وقانوني وشعبي؛ ما يدفعها لعمل قصارى ما تنوي فعله في نفس المعركة/ الحرب.
لذلك تسعى "إسرائيل" لمواجهة وتقويض كل من يهددها واستهدفها، من المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي، للمقاومة اللبنانية، وفي مقدمتها حزب الله والجماعة الإسلامية، لأنصار الله/الحوثيين في اليمن، للمجموعات القريبة من إيران في العراق، وصولًا لإيران نفسها.
وهنا لا يفترض النظر لتصريحات نتنياهو المتكررة بـ "تغيير خرائط الشرق الأوسط" على أنها مجرد تهديدات، في ظل هذه "الفرصة التاريخية" وضغط شركاء الحكومة المتطرفين وحالة شبه الإجماع في المجتمع "الإسرائيلي" على ضرب حزب الله.
وعليه، سيستثمر نتنياهو وجيش الاحتلال الأسابيع المقبلة التي تسبق وتلي الانتخابات الرئاسية الأميركية بالحد الأقصى، ليس فقط بمنطق "البطة العرجاء"، واستغلال تراجع قدرة إدارة بايدن على الضغط عليه، ولكن أيضًا باستثمار دعم الأخيرة والعمل على رفع فرص دونالد ترامب في الفوز، بزيادة مستوى التصعيد في المنطقة. ولذلك فتهديداته للحوثيين في اليمن، والمجموعات العراقية، وكل من استهدف "إسرائيل" تبدو جدية، وليست مجرد تلويح.
في المشهد المقابل، تدرك القوى المذكورة بالتأكيد خطورة الوضع الحالي واستثنائيته، وشهية "إسرائيل" المفتوحة على العدوان، وأنها في مرمى التهديد الفعلي وليس فقط اللفظي، فضلًا عن ضرورة إسناد حزب الله لالتقاط أنفاسه وترتيب أوراقه، ولذلك فقد زادت وتيرة ضرباتها في الأيام القليلة الأخيرة، ومن المتوقع استمرار هذا المنحى لديها، وهو ما يرفع من احتمال استهدافهم لاحقًا.
كما أن إيران نفسها ليست في معزل عن الأحداث ولا بمأمن من الاستهداف، إذ تنظر دولة الاحتلال إليها كرأس لمحور متكامل، وهي – دولة الاحتلال – تعمل الآن على "تقليم الأذرع" بشكل متدرج، وبالتتالي قبل التوجه "للرأس" وفق منطقها وتصنيفها، ما يعني كذلك أن استهداف إيران بأشكال مباشرة وكبيرة حتمي كذلك إذا ما استمر العدوان على كل من غزة ولبنان.
في خلاصة المشهد، فإن كل ما حاول حزب الله تجنبه بإبقاء مستوى ما لجبهة الإسناد حصل، لقياداته وكوادره وسلاحه ومناطقه وحاضنته والشعب اللبناني، فلم يُبقِ الاحتلالُ أمامه من خيارات سوى الرد ودفع العدوان.
وبنفس المنطق والقياس، فإن ما تحاول إيران تجنبه من التصعيد الإقليمي والحرب الشاملة التي يمكن أن تشارك بها الولايات المتحدة، قد تصبح مع الوقت واقعًا يفرضه نتنياهو ومن خلفه. ولعل نفس المنطق ينطبق على كامل المنطقة التي يراد إعادة رسم خرائطها، بالمعارضين أولًا، ثم بالساكتين وصولًا للداعمين.
لقد فتحت عملية "طوفان الأقصى" قبل ما يقرب من عام مرحلة جديدة في المنطقة بأسرها، وما زالت تداعياتها تتلاحق وصفحاتها تقلب، والخطر يواجه الجميع في ظل الخطط "الإسرائيلية" – الأميركية، وهو خطر معلن وقادم بتسارع لافت.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات جبهة الإسناد حزب الله
إقرأ أيضاً:
فرنسا تشير إلى "فرصة سانحة" لوقف الحرب في لبنان
قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، اليوم الأربعاء، إن الجهود التي تقودها الولايات المتحدة للتوصل إلى هدنة بين إسرائيل وميليشيا حزب الله اللبنانية، المدعومة من إيران، أتاحت فرصة للتوصل لوقف دائم لإطلاق النار، ودعا الجانبين إلى قبول الاتفاق المطروح على الطاولة.
وأضاف لراديو "أوروبا 1"، "هناك فرصة متاحة لوقف دائم لإطلاق النار في لبنان تسمح بعودة النازحين، وتضمن السيادة اللبنانية وأمن إسرائيل".
وتابع قائلاً، "أدعو الطرفين اللذين نتواصل معهما بشكل وثيق إلى اغتنام هذه الفرصة".
والخميس الماضي، عرضت الولايات المتحدة على رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي ورئيس البرلمان نبيه بري خطة من 13 نقطة، تنص على هدنة من 60 يوماً، ونشر الجيش في جنوب لبنان.
وأجرى المبعوث الأمريكي آموس هوكستين زيارة إلى بيروت، أمس الثلاثاء، لمواصلة المباحثات، قائلاً في مؤتمر صحافي، إن الحل لوضع حدّ للحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان بات "في متناول اليد".
هوكستين يعلن تقدم في مباحثات هدنة لبنان - موقع 24أكد المبعوث الأمريكي إلى لبنان آموس هوكستين، الثلاثاء، في بيروت أنه "تم تقليص" الخلافات بشكل كبير للتوصل إلى هدنة بين تنظيم حزب الله اللبناني وإسرائيل.وفي الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، غداة هجوم حركة حماس غير المسبوق على جنوب إسرائيل، فتح حزب الله جبهة "إسناد" لغزة، وجرت منذ ذلك الحين عمليات تبادل إطلاق نار شبه يومية عبر الحدود.
وبعد عام، كثفت الدولة العبرية اعتباراً من 23 سبتمبر (أيلول) غاراتها على معاقل الحزب في جنوب لبنان وشرقه وضاحية بيروت الجنوبية، وأعلنت في 30 من نفس الشهر بدء عمليات برية "محدودة".
ومنذ بدء تبادل القصف بين حزب الله وإسرائيل، قُتل أكثر من 3516 شخصاً في لبنان، وفق وزارة الصحة اللبنانية، وفي إسرائيل قتل 46 مدنياً و78 عسكرياً وفق بيانات رسمية.