من الواضح أن ما يحيط بنا مخيف إلى حد الذعر، فهناك أيديولوجيا (قرن أوسطية) تريد أن تأخذ المنطقة إلى الماضي وصراعاته التي عفى عليها الزمن، وفي طريقها إلى ذلك تستفيد من العناوين العامة في القضايا المحتدمة مثل قضية فلسطين، وهي في الحقيقة تنشر الفتنة بين مكونات الأمة، وهي فتنة تتوخى أهدافاً سياسية لم تعد خافية.
نص موجع يزخر بالألم والحسرة على عمق الفتنة التي غرست في ضمائر الناس، وتحت شعارات براقة، لقد تم اختطاف مجموعات كبيرة من شعوبنا إلى تلك الأيديولوجية القرن أوسطية، وأصبح القتال الأهلي (فرض عين) في أكثر من منطقة عربية، وهدمت الأوطان وشرد البشر، وما هذه المجاميع الفارة من أمام النار الإسرائيلية الكثيفة في جنوب لبنان إلا مظهراً يتكرر في أكثر من مكان في الأرض المحروقة، وهي رقعة كبيرة من بلدان العرب.
هذه الصورة التي ترسم بين أعيننا يومياً وعلى شاشات التلفزة وفي الأخبار هي في حقيقتها بشر يفقدون أرواحهم وممتلكاتهم، وأيضاً مستقبلهم، ومع ما هو يقين أن قيادتهم قد أخذتهم إلى ذلك المكان، إلا أن الدم لا يتحول إلى ماء، فقد تنادت جماعات وأفراد في داخل لبنان وفي بلدان عربية إلى الإسراع في المساعدة، وضجت وسائل التواصل بطلب العون، والإسراع في تقديم ما يلزم للفارين من الجحيم، كل تلك النداءات من عرب لإنقاذ عرب، بل وحتى في بعض الدول الغربية التي فتحت باب التبرع الإنساني لتقديم المعونة.
«حزب الله» سياسياً لم يترك مؤسسة قائمة للدولة اللبنانية، لقد تم تصفية رجال في لبنان وهدم مؤسسات والقيام بأعمال تصل إلى (التشبيح)، لذلك فإن دخول الحرب والظهير الاجتماعي الواسع مفقود أو منهك، لا يناصر المعتدي، لكنه لا يقر تصرف اتخاذ قرار الحرب في دولة ومجتمع مفكك، لا مجال إلى صمود، مهما بلغت محاولات إخفاء الحقيقة.
الحقيقة يعرفها القاصي والداني اليوم هي النفق المظلم، المؤلم في الأمر والأكثر كارثية أنه لا أفق لا الآن ولا في المستقبل لتحقيق أي نتيجة إيجابية، غير دماء أكثر وتدمير أكثر، وتغرير بالعقول أكثر.
الدول الكبرى تسعى إلى وقف إطلاق النار، وإلى هدنة قد تأخذ أسابيع، لكن كل ذلك ربما يعالج العرض وليس المرض، والمرض هو في تلك الأيديولوجية الحاكمة في بعض العقول التي تتصور أن لديها كل الإجابات عن كل الأسئلة، وهي إجابات مستمدة من تراكم تراثي، أقل ما يقال حوله أنه لا ينتمي إلى هذا الزمن، عدا أن قاعدة منطقه لا تنسجم مع العقل السليم.
نحن في هذه المنطقة في أزمة أساسها فكري، ومظهرها سياسي، ووقودها البشر والحجر في مناطق الحرائق المشتعلة في شرقنا الموبوء والمختطف بأيديولوجيا ما ورائية تنظر إلى الخلف وتدعي قيادة المجتمعات، وهي تقودها إلى التهلكة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: إسرائيل وحزب الله تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل وحزب الله
إقرأ أيضاً:
الساحة اللبنانية… ثوابت تحدّد شكل المرحلة المقبلة
تعمل أوساط ديبلوماسية على بناء مرحلة جديدة من التعاطي مع الساحة اللبنانية تقوم على عدّة ثوابت خصوصاً بعد الحرب الكبرى على لبنان والتي برأي غالبية القوى الدولية والاقليمية أضعفت "حزب الله" وفرضت عليه انفتاحاً على مستويات جديدة من التفاهمات.اولى هذه الثوابت التي يتعاطى على اساسها المجتمع الدولي مع الساحة اللبنانية هي مسألة الاستقرار، إذ من الواضح أن قرار إرساء الاستقرار بات عابراً لكل الدول، ولبنان يبدو حتى هذه اللحظة خطاً أحمر لا مجال لخلق أي نوع من أنواع الفوضى فيه سواء كانت أمنية أو سياسية. لذلك نرى اهتماماً واضحاً بالملف الرئاسي وسرعة إنجازه بمعزل عن التفاصيل وتمايز هذه الدولة عن تلك، الا أن القرار حاسم بضرورة الاستقرار ولا عودة عنه.
الثابتة الثانية هي عدم الذهاب مجدداً الى أي تصعيد عسكري مع اسرائيل أقلّه في السنوات المقبلة، وهذا الأمر يحتاج الى جهد ديبلوماسي ودولي مضاعف ليس مع لبنان فقط وإنما أيضاً مع إسرائيل، لذلك من المتوقّع أن تلتزم اسرائيل بمترتّبات تطبيق القرار 1701 بعد انتهاء مهلة الستين يوماً وأن تتوقف بالتالي كل خروقاتها الحاصلة.
ترى مصادر سياسية مطّلعة أن عودة الحرب الاسرائيلية على لبنان سواء بهجوم من "حزب الله" أو بذرائع من اسرائيل لم يعد وارداً على الإطلاق، إذ ثمة ارادة سياسية دولية لوقف الحرب نهائيًا في لبنان على ان ينسحب الأمر كذلك على غزة لاحقا. وتضيف المصادر أن مسألة وقف إطلاق النار في لبنان ليست مرتبطة بالقرار الدولي وحسب وإنما أيضاً بواقع يؤشر الى استحالة اندلاع الحرب من جديد، حيث أن العدوّ الاسرائيلي لم يعد يملك أي ذرائع أو مبررات امام المجتمع الدولي الذي اعتبر في مرحلة فائتة أن عدوان اسرائيل هو دفاع عن النفس ضدّ هجوم "حزب الله".
ولفتت المصادر إلى أنه لا مصلحة لدى "الحزب" بشنّ أي ضربات مباغتة على اسرائيل سيما بعد عودة الاهالي الى مناطقهم وقراهم وبدء مسار الإعمار، اضافة الى ذلك فإن الحرب على غزّة قد شارفت على نهايتها ما يؤكد اكثر عدم اندلاع الحرب مجددا.
وبالعودة الى الثوابت، فإنّ الاميركيين لا يبدون رغبة بإقصاء "حزب الله" عن المشهد السياسي اللبناني، لأنّ هذا الإقصاء من شأنه أن يولّد نوعاً من الغضب داخل الحزب وقاعدته الشعبية قد ينتج عنه ردود فعل ومسارات لا مصلحة لأحد بها، ولعلّ الظروف اليوم تشكّل فرصة ملائمة لتجنب هذه المسارات وإقناع "الحزب" بالتركيز على الداخل اللبناني وتعزيز حضوره في المشهد السياسي.
وتعتقد المصادر أن كل هذه التفاصيل التي يمكن البناء عليها مرهونة بتطورات الساحة السورية التي ليست مضبوطة من أي طرف اقليمي ودولي على الاطلاق، وأن كل الاحتمالات في الداخل السوري لا تزال مفتوحة ولا يمكن بشكل أو بآخر تحديد طبيعة المسار في المرحلة المقبلة والنتائج الخارجة عنه، لذلك فإن الحراك السوري ونتائجه وتردداته سيكون لها دور كبير في تحديد واقع الساحة اللبنانية.
المصدر: خاص لبنان24