حين اُستشهد نجله الأكبر هادي، في إحدى المعارك المشهودة، مع جحافل العدو الصهيوني، في مثل هذا الشهر من العام 1997، عبَّر سيد المقاومة وسيد الشهداء حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني يومها، عن سعادته أن يُزف ولده شهيدا، وساق تبريرا وجدانيا رائعا وصادقا، ظل في وجداني ووجدان الكثيرين من محبي المقاومة اللبنانية الباسلة، ومآثر مجاهديها العظماء.
– الشهيد ابن الشهيد هادي حسن نصر الله، حاز الشرف كله، إذ نال بعد الاستشهاد وسام الأسر، حيث أسر العدو جثمانه الطاهر، وظن الاحتلال وقتها، أنه حصل على كنز ثمين، بأسر جثمان نجل قائد المقاومة، واعتقد أنه سيدخل مفاوضات تبادل الأسرى وجثامين الشهداء، بورقة رابحة لا يضاهيها شيء آخر، لكن السيد نصر الله لم يأبه لذلك وقال مقولته الشهيرة: نريد استعادة أسرانا لا جثمان ولدي، الذي أعرف أين هو الآن.
– شاء القدر واقتضت مشيئة الله سبحانه وتعالى، أن يرتقي سيد المقاومة في الشهر ذاته الذي ارتقى فيه ولده الأكبر هادي، ولكن بعد عقود من الزمن، نكّل فيه السيد القائد بالعدو، أيما تنكيل وجرَّعه الهزائم المذلة، وكان نعم الفارس النبيل في كل نزالاته وصولاته وجولاته، حتى ترجّل والتحق بولده والآلاف من الشهداء الميامين، من رفاق النضال والجهاد المقدس، أواخر سبتمبر الجاري، تاركا إرثا عظيما من الجهاد والفداء والتضحية، في سبيل الله والوطن والأرض والعرض.
-نصر الله لم يمت بل ارتقى من منصب سيد المقاومة – وهو اللقب الذي عُرف به لعقود – إلى مكانة (سيد شهداء زماننا) بلا منازع، وقد كان وسيظل خالدا في عقول ونفوس كل الأحرار والشرفاء في العالم، ونبراسا يهتدي به الباحثون عن الحرية والعزة والكرامة، وفي رفض الظلم والضيم ومقارعة الطغاة والمستكبرين، في كل زمان ومكان.
-وهب نصر الله حياته لخالقه ولوطنه وجهاده، وعاش شبابه وحياته كلها لقضيته العادلة، التي شغلت كل ذرة من كيانه، ويكفي أن استطلاعات الرأي في المجتمع الصهيوني، تؤكد أن مصداقية السيد لدى المستوطنين تفوق مصداقية زعمائهم بنسبة تفوق الـ 90 في المائة، ولم يكن مفاجئا أن يتحدث عدد من النخب الاجتماعية والسياسية بدولة الاحتلال، بعد جريمة الاغتيال الجبانة والغادرة التي نفذها جيشهم الرعديد، أن السيد نصر الله من القادة العظماء الذين لا يجود الزمان كثيرا بأمثالهم، وأنه من العسير، أن نرى قائدا بمثل مواصفاته ومزاياه، في المدى المنظور.
– هكذا هم القادة العظماء، الذين يتقدمون الصفوف ويضحون بالنفس والولد وكل غال ونفيس، عندما يتعلق الأمر بالجهاد في سبيل الله والدفاع عن الأوطان، رأيناهم كيف يكونون وأولادهم في مقدمة قوافل المضحين والمقاومين، فهم مثل غيرهم من أبطال المقاومة، يشاركون في العمليات ويُجرحون ويستشهدون لا فرق في ذلك بين قائد أو ابن مجاهد أو ابن قائد، وهذا ما تكرر مرات عدة في صفوف المقاومة في مختلف بلدان المقاومة.
-لا شك أن الفقد كبير، والمصاب جلل والخسارة فادحة، باستشهاد سيد المقاومة لكن الحرب سجال، وبعد كل كبوة انطلاقة جديدة، ونثق أن أبطالنا في لبنان لن تنكسر شوكتهم، ولن يحيدوا عن الدرب الذي اختطه سيد شهداء العصر وإخوانه، من الشهداء الميامين، ولن يكون أبطال حزب الله أسارى الحزن والجزع، ولن يتأثروا طويلا، بهذه الأوقات العصيبة والمشاعر الوجدانية العميقة، فنصر الله اختار الجهاد سبيلا، ونال أمنيته بالارتقاء شهيدا، ولا بد من مواصلة المسيرة، حتى تحقيق وعد الله بنصر عباده، “ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله”.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
محمد أبو هاشم: الإمام أبو حنيفة وضع أساس الاجتهاد الفقهي الذي يسر على المسلمين
قال الدكتور محمد أبو هاشم، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، إن الإمام أبو حنيفة النعمان كان من أبرز الأئمة الذين أسسوا الاجتهاد الفقهي وساهموا في تيسير الفقه الإسلامي بما يتناسب مع واقع الناس وحياتهم اليومية.
وأوضح أبو هاشم، خلال تصريحات له، أن الإمام أبو حنيفة، ولد في الكوفة عام 80 هـ، ونشأ في بيئة علمية، حيث تتلمذ على يد كبار العلماء مثل عامر الشعبي ونافع مولى ابن عمر، حتى أصبح من أبرز فقهاء عصره، معتمدًا على الرأي والحجة في اجتهاداته.
ولفت إلى أن المذاهب الفقهية الأربعة لم تخلق دينًا جديدًا، بل اجتهد أصحابها في فهم النصوص الشرعية، مما يسر على المسلمين تطبيق الشريعة في حياتهم اليومية، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه."
واشار إلى بعض اجتهادات الإمام أبي حنيفة التي أثرت في حياتنا اليوم، مثل جواز الوضوء من الصنبور، وهو ما كان موضع خلاف عند ظهوره، حتى أقره الإمام أبو حنيفة، ومن هنا جاء اسم "الحنفية" المستخدم حتى اليوم.
وأكد أن المحاكم الشرعية في مصر تعتمد على مذهب الإمام أبي حنيفة في قضايا الزواج والطلاق، حيث اشترط أن يكون الشاهد مسلمًا فقط دون الدخول في تفصيلات العدالة التي قد تُعسر الأمر على الناس.
وبين أن الإمام أبو حنيفة توفي عام 150 هـ ودُفن في حي الأعظمية ببغداد، حيث ظل مذهبه من المذاهب المعتمدة لدى أهل السنة والجماعة، داعيًا الله أن يوفق المسلمين لما يحبه ويرضاه.
حفظ الإمام أبي حنيفة، القرآن الكريم في صغره، وحجّ البيت الحرام وهو ابن ستّ عشرة سنة مع أبيه، ويروى أنّ والده ثابت قد عاصر عليًّا بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- فدعا له بالخير ولذريّته كذلك، وقد أخذ العلم عن شيوخ بلغوا أربعة آلاف شيخ، منهم سبعة من الصحابة، وثلاثة وتسعون من التابعين، ومن بقي منهم من تابعي التابعين، وقد أخذ الفقه عن حمّاد بن أبي سلمة.
ومن شيوخه أيضًا عطاء بن أبي رباح والشعبي وعمرو بن دينار ومحمّد الباقر -والد الإمام جعفر الصادق- وابن شهاب الزُّهري، وأخذ عنه العلم خلق كُثُر منهم القاضي أبو يوسف ووكيع -شيخ الإمام الشافعي- وعبد الرزاق بن همام شيخ الإمام أحمد بن حنبل.
محنة الإمام أبي حنيفة
تعرّض الإمام أبو حنيفة النعمان لمحنة في عهد الدولة الأموية وأخرى في عهد دولة بني العباس، وقد عاصر الإمام الدولتين وكانت معظم حياته أيّام الأمويّين، ففي أيّام الأمويين طلب ابن هُبيرة -وكان والي الكوفة وقتها- من الإمام أبي حنيفة أن يتولى قضاء الكوفة، فرفض الإمام أبو حنيفة النعمان ذلك، فجلده ابن هبيرة مائةسوط ورفض الإمام ولم يلِن، فعندما رآه ابن هبيرة كذلك خلّى سبيله، ثمّ لمّا ولِيَ أبو جعفر المنصور خلافة العباسيين طلب من الإمام أبي حنيفة أن يكون قاضي القضاة، وهذا منصب له أوزار كثيرة كما يرى الإمام أبو حنيفة النعمان، فرفض ذلك، فأقسم المنصور أن يكون أبو حنيفة القاضي، وأقسم أبو حنيفة النعمان ألّا يستلم ذلك المنصب، فحبسه المنصور وأذاقه من الويلات في سجنه ما لا يحتمله من هو في ريعان الشباب بل أن يحتمله ابن السبعين عامًا، فتوفّي -رحمه الله- في سجنه، وكان ذلك سنة 150هـ بعد أن قضى حياته عابدًا صائمًا ساجدًا راكعًا وقد حجّ خمسًا وخمسين مرّةً، وكان يختم القرآن في كلّ يوم مرّة، وعندما مات صلّى عليه النّاس ستّ مرّات لشدّة ازدحامهم عليه.