اغتيال نصر الله: زلزال أمني وسياسي
تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT
لم يكن اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصر الله، مفاجئا أو غريبا أو غير متوقع، بل أن بقاءه في موقعه ثلاثة عقود هو المفاجأة في بلد ما فتئ الاحتلال يستهدفه في رجالاته بدون رحمة. أليس هذا ما حدث لسلفه، السيد عباس الموسوي الذي اغتاله الإسرائيليون في العام 1992؟
ألم يتم اغتيال الشيخ راغب حرب في فبراير 1984؟ ألم يُستشهد نجله، هادي في حرب 2006؟
وقبل هؤلاء أين من حمل قضيّة فلسطين وهمّها؟ السيد موسى الصدر؟ فتحي الشقاقي؟ إسماعيل هنيّة؟
الفرق هذه المرة أن هدف الإسرائيليين كان أكثر المذكورين وزنا وأهمية، فهو قائد الحرب التي هزمت فيها قوات الاحتلال للمرة الأولى منذ قيام الاحتلال، وهو الذي أشرف على انسحاب قواته من الجنوب في العام 2000.
وعندما سعى المحتل لطمأنته إذا وافق على وقف إطلاق النار بعد اندلاع المواجهات بين الطرفين، كان جوابه أن وقف إطلاق النار يجب أن يشمل قطاع غزة أيضا. لهذه الأمور رأى بنيامين نتنياهو استحالة التفاهم مع الرجل الذي أطلق عليه أتباعه «سيد المقاومة».
لكن هؤلاء الأتباع لم يتوقعوا أن يكون عدوهم مستعدا لاستخدام أطنان من المتفجرات ليضمن قتل خصمه العنيد. وقد اعتاد العالم أن يسمع خبر قتل 500 شخص في يوم واحد في لبنان بأمر من نتنياهو، الذي لا يعبأ بقتل الأبرياء وهدم الأبراج السكنية على رؤوس ساكنيها وتمزيق أشلاء الأطفال.
كان بقاء السيد حسن نصر الله معوّقا للمشروع الإسرائيلي في المنطقة، الذي يتضمن على رأس أولوياته في الوقت الحاضر، قضم قطاع غزة عبر «تسوية» تؤدي لإفراغه من الفلسطينيين.
وقد نقلت وسائل الإعلام ومنها قناة إن بي سي عن مسؤول إسرائيلي قوله: قررنا قتل نصر الله بعدما خلصنا إلى أنه لن يقبل بحل لا يرتبط بإنهاء الحرب في غزة.
أليس هو الذي أصرّ على انسحاب الاحتلال من جنوب لبنان كاملا بدون قيد أو شرط؟
فكيف سيقبل بقضم غزة وبعدها مساحات واسعة من الضفة الغربية؟ كان التوجه الذي يمثله زعيم «حزب الله» مقلقا للإسرائيليين، خصوصا بعد ان تخلّى الكثيرون عن فلسطين وأهلها، وهرولوا للتطبيع مع الاحتلال.
ومنذ احتلالها فلسطين في العام 1948 مارست «إسرائيل» سياسة اغتيال رموز المقاومة في الفترة الأخيرة سعت قوات الاحتلال لتصفية رموز المقاومة على نطاق واسع. وكان السيد عباس الموسوي أول زعيم لـ«حزب الله» اغتالته «إسرائيل» في فبراير 1992 بعد أقل من عام في ذلك الموقع، وكان في طريقه عائدا من المشاركة في إحياء الذكرى الثامنة لاغتيال الشيخ راغب حرب.
فكان وجوده أكثر من ثلاثين عاما في موقعه يمثل تحديا لسياسات الاحتلال. وسبقه اغتيالات عديدة لقيادات «حزب الله» كان من بينهم عماد مغنية الذي اغتيل في سوريا في 2008 و فؤاد شكر في نهاية يوليو الماضي وإبراهيم عقيل قبل أسابيع.
كان واضحا أن السياسة الجديدة للاحتلال تهدف لإزالة كل من يعترض طريقها، سواء في المنظمات الفلسطينية مثل حماس او اللبنانية وفي مقدمتها «حزب الله». ويعتقد الإسرائيليون أن استهداف العناصر القيادية سوف يمهد الطريق لما تراه من «تسوية» تفرضها في غياب معارضة فاعلة لذلك، خصوصا مع انسحاب الأنظمة العربية من ساحة المواجهة مع «إسرائيل» والتخلي عن دعم مجموعات المقاومة.
لقد سعى الغربيون حقبة من الزمن لتسويق «إسرائيل» للعالم بأنها «الضحية» في منطقة معادية، وأنها «الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط، وأنها الدولة التي تمارس «حكم القانون» ولكن سياساتها لم تثبت هذه الادّعاءات يوما، ابتداء من حرب التأسيس في العام 1948 مرورا بعدوان 1956 ثم حرب 1967 و 1973 واجتياح لبنان في 1982، حتى اجتياح غزة العام الماضي.
في كل هذه الحالات كانت الجرائم الإسرائيلية تفوق التصور وتشمل القتل الجماعي واستهداف النساء والأطفال وتدمير المدارس والمستشفيات والمساجد. إنها صورة كالحة لكيان دعمه الغربيون وما يزالون، واعتبرته الولايات المتحدة ولدها المدلل الذي لا تسمح لأحد بالنيل منه حتى لو اعتدى واحتل وقتل.
ولم تمر حقبة من الزمن بدون أن تتصدر جرائمه نشرات الأخبار وتحتل موقع الصدارة في النقاشات الدولية خصوصا في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان.
وباستقراء حوادث الحرب والتوتر في الشرق الأوسط طوال ثلاثة أرباع القرن الأخير، تبرز «إسرائيل» كمحور أساس في كل ذلك. والواضح أن زعماءها يشعرون أن بقاء هذا الكيان مرتبط بالتوترات الإقليمية والحروب، وأن الاستقرار والأمن الإقليمي لا يخدمانه.
ومنذ تأسيسه التزم سياسات عديدة من بينها إذكاء الأزمات وشن الحروب والاعتداءات، وتكثيف العسكرة والتسلح واستهداف القوى الوطنية والتحررية ليس في المنطقة فحسب بل في أنحاء العالم. فهناك أصابع إسرائيلية في أزمات داخلية عديدة في السودان وأوكرانيا وسوريا واليمن.
ولضمان هيمنتها سعت لتثبيت صورة نمطية في الأذهان توحي بأن لديها جيشا لا يُهزم.
وبقي ذلك الانطباع في أذهان الكثيرين حتى انسحاب قواتها من جنوب لبنان في العام 2000. وجاءت حرب 2006 لتؤدي إلى مناخ جديد تميّز بتوازن القوى، الأمر الذي كان ثقيلا على قوات الاحتلال التي شعرت أنها الخاسر الأول من ذلك التوازن. ومنذ ذلك الوقت عملت لتغيير الوضع.
وتفسر سياساتها في العدوان الحالي على لبنان جانبا من ذلك، حيث أصبحت تستهدف غزة ولبنان بقسوة وتوحش بهدف استعادة هيبتها التي فقدتها، ولتدخل الخوف في قلوب القوى المناهضة لهيمنتها.
من جهة ثانية تقوم الاستراتيجية الإسرائيلية على مبدأ التوسع والتدخل، بالإضافة إلى سياسات التنمّر والترهيب. وتقوم سياسات التوسع الإسرائيلية على عدد من الأساليب بالإضافة للاغتيال: الابتزاز المتواصل، العدوان الذي لا يتوقف، خلق صورة مزيّفة عن «قوة إسرائيل المرعبة» القتل الواسع، التدمير الشامل وابتزاز الدول الغربية خصوصا أمريكا لضمان الدعم والسلاح لكيان الاحتلال.
ومنذ طرح مقولة «حل الدولتين» في العام 1981، التزمات الاستراتيجية الإسرائيلية سياسات أكثر تشددا بهدف قتل مشروع الدولة الفلسطينية. وقد تبنى رئيس وزرائها الحالي، بنيامين نتنياهو، موقف رفض إقامة دولة فلسطينية.
وهناك شعور لدى أطراف عديدة بعدم واقعية هذا الحل الذي يتضمن استمرار الأزمة بشكل تصاعدي بدلا من حلها. ويسعى الراغبون في التطبيع مع الاحتلال لتسويق هذه المقولة لتبرير سياساتهم خصوصا تقاعسهم عن دعم أهل فلسطين ومشروع تحريرها. وتثبت السياسات الإسرائيلية توجهات زعماء الاحتلال لرفض أي وجود فلسطيني داخل الأرض المحتلة أو بمحاذاتها.
وليس جديدا القول بأن كلمة فلسطين تتعرض لمحاولات المحو من الذاكرة، خصوصا في أوساط الأجيال الجديدة التي ولدت ونشأت في ظل الاحتلال. إنها ثقافة يعمل الاحتلال لتثبيتها عبر أساليب التعليم والتثقيف وكذلك عبر التصعيد العسكري الذي لا يتوقف.
من هنا تبدو محاولات مد الجسور مع قوات الاحتلال من قبل بعض الأنظمة العربية تعبيرا عن أمور عديدة: أولها اليأس من إمكان تحرير الأرض،
ثانيها: الخوف من القوة العسكرية لدى قوات الاحتلال، ثالثها: الخضوع للإرادة الأمريكية وتحاشي غضب الغربيين الذين يصرّون على رفض تحرير فلسطين بدعوى ضرورة القبول بما يسمى «الأمر الواقع».
رابعها: الشعور الداخلي بالعجز عن تحمل المسؤولية الإنسانية والتاريخية إزاء فلسطين، فالموقف الصلب يتطلب شجاعة في الموقف مؤسسة على إيمان راسخ بالهدف.
خامسها: الحلم بإعادة تشكيل «شرق اوسط جديد» يخلو من التوتر مع «إسرائيل» من جهة، وكذلك من المطالب الشعبية بالتغيير والإصلاح. سادسها: شعور الحكام بالضعف والخور، وعدم امتلاكهم الشجاعة لاتخاذ الموقف المسؤول الداعم لفلسطين والمدافع عن المظلومين. ولكن هذه المحاولات غير ناجحة لأسباب أهمها وعي الشعوب العربية الذي يحرّك مشاعرها الإنسانية من أجل خدمة المظلوم.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه نصر الله الاحتلال غزة لبنان لبنان غزة الاحتلال نصر الله مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الاحتلال حزب الله نصر الله فی العام الذی لا
إقرأ أيضاً:
عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة محاكاة ليوم تحرير فلسطين العظيم الذي نراه قريبًا
#عودة #الفلسطينيين إلى #شمال_غزة محاكاة ليوم #تحرير_فلسطين العظيم الذي نراه قريبًا
كتب م. #علي_أبوصعيليك
سيبقى مشهد عودة مئات آلاف الفلسطينيين إلى أراضيهم في شمال غزة يوم الإثنين الموافق السابع والعشرين من كانون الثاني عام 2025 خالدًا في الذاكرة الحية لجميع الأحرار في العالم في مشهد إعجازي لشعب تعرض لجحيم الإبادة الجماعية على مدار أكثر من خمسة عشر شهرًا على يد كل قوى الصهيونية العالمية وسط صمت عالمي مطبق مثير للاشمئزاز.
غطى الفلسطينيون ساحل غزة وشارع الرشيد في مشهد مهيب بعد أيام قليلة من وقف إطلاق النار وهم سعداء جدًا بعودتهم إلى أراضيهم على الرغم من تدمير بيوتهم تمامًا بواسطة جيش الاحتلال الصهيوني ومرتزقته الذين استخدموا القنابل التي زودتهم بها أكبر القوى الإمبريالية في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، حتى وصل حجمها ما يزيد عن مئة ألف طن من القنابل بمتوسط 50 كيلوغراما لكل شخص في غزة، وهو رقم يفوق جميع الأرقام المسجلة في التاريخ البشري لجميع الحروب في أرقام توثق مدى وحشية الصهيونية العالمية التي ينتسب لها كبار الشخصيات المؤثرة في العالم على رأسهم أبرز قيادات الولايات المتحدة الأمريكية المسؤول الأول والمباشر عما جرى للشعب الفلسطيني من إبادة جماعية.
مقالات ذات صلة غزة هي الانسانية 2025/01/28كان هناك تساؤل متكرر في وسائل الإعلام مصدرة الصهاينة أنفسهم ومنهم وزير الخارجية الأمريكي السابق الصهيوني بلينكن عن اليوم التالي بعد توقف الحرب حيث تم تسويق فكرة بتر حركة “حماس” على نطاق واسع حتى في بعض الإعلام العربي المتصهين، وبالتالي البحث عمّن يدير القطاع بعد ذلك وتم تداول العديد من السيناريوهات وصلت بأن يرفض المجرم نتن-ياهو أن يدير القطاع لا حماس ولا حتى “سلطة التنسيق الأمني” التي ارتمت تمامًا في الحض الصهيوني.
ولكن في غزة شعب يصنع المعجزات، التي بدأت من لحظة وقف إطلاق النار وانتشار الشرطة الفلسطينية في القطاع قدر الإمكان وهو المشهد الأول الذي شًكًّل مع أفراح الغزاويين الصدمة الأولى للصهاينة الذين انتظروا رؤية شعب مكسور مذلول ولكن هيهات!
جاء المشهد التالي في مراسم تبادل الأسرى حيث ظهرت قوات المقاومة الفلسطينية في أبهى صورة عسكرية أذهلت حتى أقرب المقربين للمقاومة وأرعبت كل الصهاينة وأعوانهم حتى وصل بالإعلام الصهيوني أن يتساءل عن التضليل الإعلامي الذي تم ممارسته عن حقيقة الانتصارات خلال الحرب، وبلغ المشهد ذروته في ثاني عملية تبادل أسرى في ميدان فلسطين وسط غزة الذي أخرجته المقاومة الفلسطينية بطريقة جسدت حقيقة المنتصر في الحرب بين المقاومة والاحتلال، حيث جسد المقاوم الفلسطيني انتصاراته على الصهيونية العالمية بكل وضوح أمام كل وسائل الإعلام من خلال الأخلاق أولًا وهي الرسالة الأساسية التي أوصى بها سيد الخلق محمد ﷺ.
وجاء المشهد الأكثر إعجازية بعودة مئات آلاف الفلسطينيين الذين تم إجبارهم على النزوح جنوبًا خلال حرب الإبادة، حيث عادوا دفعة واحدة وغطوا شارع الرشيد على ساحل غزة وسط معنويات عالية على الرغم من شدة المصاب الذي ألم بهم وهنا نتحدث عن الانتصار الأكبر وهو الذي تحقق في معركة الوعي بحيث قالها الفلسطيني بكل وضوح: لا نكبة بعد اليوم.
بعد هذه المشاهد نعرج على ما قاله المتعجرف الأمريكي ترامب بأنه يريد نقل أهالي قطاع غزة تارَة إلى أندونيسيا وتارة أخرى إلى الأردن ومصر وكأنه الإله المخلص الذي يمتلك التحكم بكل شيء وعلى الجميع أن يقدم له السمع والطاعة ليس في فلسطين فحسب بل في جميع أنحاء الكون، ولكن الشعب الفلسطيني الذي يقاوم من أجل التحرير منذ ما يزيد عن ست وسبعين عامًا وقد واجه خلاها من هم أشد إجرامًا من ترامب والنتن وصبر في مواجهة حرب إبادة جماعية لن يقف عاجزًا عن مواجهة كل مخططات التطرف الصهيوني حتى لو تخلى عنه أشقاؤه.
لم تشهد فلسطين منذ النكبة عام 1948 يومًا مشهودًا كما شهده قطاع غزة يوم السابع والعشرين من كانون الأول 2025 وهو المشهد الأسطوري الذي نراه يحاكي يوم التحرير المنتظر لكامل الأراضي الفلسطينية المحتلة من النهر إلى البحر، وليس وفق المفهوم المبتذل الرخيص لحل الدولتين المزعوم والذي يتناقض مع الموروث العربي والديني الذي لا يتسامح مع القتل العمد، فلا يمتلك أي تنظيم سياسي أو دولة مهما علا شانها أن تقرر نيابة عن الشعب الفلسطيني الذي روت دماء خيرة أبنائها وبناتها الأرض المقدسة من أجل التحرير الكامل ولا حسب.
كاتب أردني
aliabusaleek@gmail.com