الدكتور سلطان القاسمي يكتب: مختارات من «جِرون نَامَه»
تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT
الفصل الرابع: احتلال الفرس مدن الساحل الشرقي لعمان
تحقيق: الدكتور سلطان بن محمد القاسمي
استدعى الفرس الأمير محمد بن ناصر بن جيفر بن مالك إلى هرمز، وكان هذا اللقاء حسب ما ورد في المخطوط الفارسي جِرُون نامة شعراً بعنوان: قتال المحاربين مع الملك محمد ملك بر العرب:
ولما كان رائد معركة بر العرب
أميراً من الأشراف
كل من رآه في الصباح أو المساء
خيل إليه أنه السيد محمد عليه السلام
قال: إنه يجب أن نذهب أولاً إلى دبا
حتى يخلو الطريق من الخوف والخطر
ولما كان خميس العرب زعيماً هناك
وقائداً للجند أباً عن جد
في الطريق إلى دبا ذكر أن كايد بن عدوان القاسمي وذاك لقبه، وهو رحمة بن حمود، كان مع محمد بن ناصر بن جيفر بن مالك، كما كان معهم ناصر الدين بن محمد بن ناصر الدين أبو نعير.
وقبالة دبا، وبتاريخ الثالث والعشرين من شهر فبراير عام 1623م، وفي ذلك اليوم تحديداً وصلت خمس سفن، كانت تبحر على طول الساحل الشرقي لعمان، وكانت سفينة ضخمة في بحر دبا، وكانت تبحر حول المناطق المجاورة لقلعة دبا، وسفينة أخرى على مسافة بعيدة، وضح أنها أيضاً سفينة شراعية ضخمة، وأن نحو مئتين من القوارب الفارسية والرجال والذخيرة على ظهر تلك السفن المذكورة سابقاً، فأركب الجميع تلك السفن، حتى إذا ما وصلوا إلى خورفكان، أنزل كايد رحمة بن حمود عدوان القاسمي وقواته، فاحتل خورفكان، وبنى على الميناء برجاً لإرشاد السفن الفارسية ليلاً، وأطلق عليه برج العدواني، ثم انتقل إلى كلباء واحتلها.
أما القوات الفارسية فقد احتلت صحار، يقودهم محمد بن ناصر بن جيفر بن مالك، وفي الثاني والعشرين من شهر مايو عام 1623م، وصلت القوات البرتغالية وأخذت تقصف قلعة صحار من الشرق، وقوات الأمراء العمانيين المتحدين يقصفون القلعة من الغرب، فقُتل محمد بن ناصر بن جيفر بن مالك، وتم احتلال صحار، أما ناصر الدين بن محمد بن ناصر الدين أبو نعير فقد هرب مع القوات الفارسية فرقة الأكراد مع زنكنة براً، حتى وصلوا إلى جلفار (رأس الخيمة)، واستقروا هناك. الصورة
قوات أخرى برتغالية استعادت خورفكان، ومن ثم كلباء، قبل استعادة صحار، التي انتزعت خورفكان وكلباء من يد القاسمي المسلم العربي المعروف جداً، كما وصفوه، وهو كايد بن عدوان.
خرجت سفينة ترفع علماً أبيض من شاطئ صحار، وقد أمر قائد قوات استعادة صحار، «مارتيم أفونسو دي ميلو» «Martim Afonso de Melo»، بما يلي:
«إذا اقتربت منا أي طرّادات من أسطول العدو، التي ترفع الأعلام البيضاء على مقدماتها، فإنكم سوف تقدمون إليها المساعدة، مثلما تقدمونها إلى السفن الصديقة، لأنهم أقرباء لابن الأمير زين الدين، الذي يوجد هنا. وقد ذهبوا إلى هناك كما لو كانوا مرغمين على ذلك».
كانت أرملة محمد بن ناصر بن جيفر وابنها، وكان صبياً، في تلك السفينة التي ستغادر صحار، وهي أخت علي كمال الدين ويقال له الكمال، وأخت محمد زين الدين، ويقال له الزين، وكانا من قيادات البرتغاليين، وقد تم تغيير اسم الصبي، بعد وفاة والده، إلى محمد بن محمد بن ناصر بن جيفر.
في عام 1616م كان علي الكمال قد هرب من بر فارس خوفاً من القائد الله وردي خان إلى بر العرب، وعلى بقعة من الساحل بين رأس الخيمة والشارقة، وقد بنى بيوتاً من سعف النخيل، وبعدها وصلت القوات الفارسية، فقصفت تلك البيوت، وأحرقتها، وقُتل عدد من جماعته. حينها قيل: لو التجأ إلى ذلك الشيخ الكبير قضيب في الداخل لكان أسلم له. وهناك تزوج محمد بن ناصر بن جيفر بن مالك من أخت علي الكمال.
ومن تعليمات القائد العام للقوات البرتغالية في مسقط، «روي فرير دي أندراد» إلى قائد قوات احتلال صحار، «د. غنسالو دا سلفيرا» «D. Goncalo da Silveira»، حيث جاء في إحدى توصياته لتوحيد الأمراء العمانيين، ما يلي:
«عند وصولك إلى القلعة (قلعة صحار)، ستظهر الحياد لعامة الناس، لكنك في السر تفضل الشيخ مانع بن سنان».
بعد انتهاء الحرب في صحار، تم اختيار مانع بن سنان العميري ليكون زعيماً للقوم المحاربين من العرب في صحار، ولقب بالملك، وكان قد تجمع يومها حوله خمسة عشر ألف عماني، مسلحين وجاهزين للتصدي للفرس.
(المقال المقبل بعنوان: من القاتل؟)
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة ناصر الدین بن محمد
إقرأ أيضاً:
الدكتور سلطان العميمي: مشروع معجم المفردات البحرية هو خطوة لحماية لغتنا الخليجية
المعاجم العربية عزفت عن لغة أهل الساحل
ما لا يقل عن 95% من المفردات البحرية عربية الأصل
الكلمات المعربة إذا خضعت لمقاييس اللغة فهي عربية
........................
انطلقت أولى ليالي "أسبوع اللغة العربية في بيت الزبير" مساء أمس ، وذلك باستضافة الدكتور سلطان العميمي من دولة الإمارات العربية المتحدة، لإلقاء محاضرته التي عنونت بـ"تاريخ المفردات البحرية في الخليج العربي.. عُمان والإمارات نموذجًا"، بحضور معالي السفير الإماراتي محمد بن نخيرة الظاهري، ومحمد بن الزبير وعدد من الشعراء والمهتمين بالجانب الأدبي والتاريخ اللغوي.
افتتحت المحاضرة بتقديم الدكتورة منى بنت حبراس السليمية، التي قدمت نبذة تعريفية بالدكتور سلطان العميمي، ذاكرة أنه أحد أعلام الفكر والأدب في العالم العربي، حيث يحمل درجة الدكتوراه في السيميائيات وفلسفة الأدب والفنون من جامعة محمد الخامس بالرباط، وأشارت إلى أنه يشغل حاليًا منصب المدير التنفيذي لقطاع الشعر والموروث في هيئة أبوظبي للتراث، بالإضافة إلى كونه رئيسًا لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات منذ عام 2020.
كما أوضحت الدكتورة منى أن الدكتور العميمي له إسهامات بارزة في المجال الثقافي، من خلال عضويته في لجان تحكيم العديد من الجوائز والمسابقات الأدبية المرموقة، مثل برنامج "شاعر المليون" وتحدي القراءة العربي، وأكدت على غزارة إنتاجه الأدبي، الذي يشمل 33 إصدارًا في مجالات النقد والرواية والقصة والمعاجم، من بينها روايته "غرفة واحدة لا تكفي" التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، ورواية "ص. ب 1003" التي تحولت إلى عمل تلفزيوني.
بعدها بدأ الدكتور سلطان العميمي بالحديث، مشيرًا إلى مشروعه الذي سيرى النور قريبًا، وهو معجم المفردات البحرية، الذي عمل على جمعه وبناءه حوالي 18 عامًا، وسيكون في 6 مجلدات، قائلًا: "لغتنا ومفرداتنا المحلية هي وسيلتنا لنسج الحكايات والآداب، ومشروع معجم المفردات البحرية هو خطوة لحماية لغتنا الخليجية".
كما تطرق الدكتور العميمي إلى مسألة عدم توثيق مفردات أهل الساحل في معاجم مستقلة، مؤكدًا أن هذا الأمر يشترك مع مفردات أهل الجبال، في حين أن أهل البادية كان لهم النصيب الأكبر من توثيق مفرداتهم، كما وصف مشروعه المتمثل في معجم المفردات البحرية بأنه مغامرة، حيث صعوبة الخوض في صناعة معجم بحري من خلال المصادر العربية.
وأرجع سبب عدم توثيق مفردات أهل السواحل إلى عدة أمور، منها أن أهل البادية يرون أن أهل الساحل أناس متأثرون بالخرافات والأساطير، كما جاء في الموروث الديني أن التأمل في البحر يورث الجنون، إلى جانب ادعاء أن المفردات الساحلية شابها نوع من تداخل المفردات غير العربية نتيجة الإبحار إلى دول أعجمية لغرض التجارة؛ إلا أن العميمي نفى صحة هذه الفرضية، مؤكدًا أن ما لا يقل عن 95% من مفردات أهل الساحل هي ذات أصول عربية، ولكنها مفردات تأثرت بعوامل متعددة مثل "الظواهر الإبدالية" وهي حين يتم استبدال بعض الحروف بأخرى، كإبدال الألف إلى العين، وإبدال السين إلى صاد أو العكس.
كما استنكر الدكتور سلطان العميمي قناعة البعض أو إيمانهم بقاعدة أن الكلمة ما لم تكن موجودة في الموسوعات العربية، فهي "غير عربية"، مؤكدًا أن الكثير من المصادر تثبت عربية الكلمة إذا وردت على لسان العرب في الشعر الجاهلي، وفي الكتب القديمة، ومن الكلمات التي ضرب بها المثل، مصطلح "حَدْق" بمعنى صيد السمك باستخدام الخيوط، مشيرًا إلى أن الكثير قد ظن أنها غير عربية إذ لم ترد في معاجم اللغة العربية، إلا أنه تم الالتفات إليها في معجم "الاشتقاق" لابن دريد، إذ ورد فيه أن "حدق السمك هو صيده"، سائلًا: "هل تدخل الكلمة إلى قائمة الكلمات العربية بهذه السرعة والتلقائية فور العثور عليها في معجم ما؟ وكيف إذا لم تدون؟!" وتابع قائلًا: "هذا إجحاف بحق الكلمات العربية".
كما أشار إلى أن الكثير من الكلمات المرتبطة بمفردات أهل الساحل وجدها عند المسعودي، وهو "أبو الحسن المسعودي"، عالم الجغرافيا واللغة المتوفى قبل أكثر من 1000 عام، وعند غيره من أهل اللغة الذين تركوا علومًا وكتبًا وأشعارًا من غير أصحاب الموسوعات والمعاجم، وفي هذا السياق قال الدكتور سلطان العميمي: "الحقيقة أن المعاجم العربية عزفت عن لغة أهل الساحل".
ومما أشار إليه غرابة مسألة عزوف البادية عن أهل الساحل، حيث إن أهل البادية قد ركبوا البحر بحثًا عن اللؤلؤ في مواسمه، إلا أنهم كانوا يترفعون عن صيد السمك، كما أنهم فسروا رؤيا منامهم لصائد سمك بوجود شخص كاذب في حياة الرائي، إلى جانب العديد من المعلومات التاريخية والدلالات التي حالت دون جمع المفردات البحرية.
بعدها استعرض العميمي بعضًا من المفردات البحرية المشتركة بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات ذات الأصول العربية، على سبيل المثال لا الحصر، استنادًا إلى عدد من المصادر التي رجع إليها للبحث عن دلالاتها اللغوية، ومن ذلك "السحناة" التي ذكرها الجاحظ بلفظة "الصحناة"، وهو السمك المدقوق.
ومن تلك الكلمات "الروبيان" التي وردت في كتب العرب قبل أكثر من 1000 عام بلفظة "الأربيان"، وجاء في قولهم "الأربيان للجمع، والمفرد الأربيانة"، وكذلك كلمة "عوال"، إذ ذكرها المسعودي بلفظة "الأوال" وقد طرأت عليها "الظواهر الإبدالية"، وهي السمك الكبير، وكلمة "القباب"، إذ جاءت في كتاب الأزهري "تهذيب اللغة"، وهي "ضرب من السمك"، إلى جانب كلمة "النوخذة" التي تعد معربة من كلمة فارسية "نوه خداه".
وردًا على سؤال "عُمان" حول كلمة "نوخذة"، إذ أشار الدكتور العميمي إلى أن أصلها فارسي، وهو ما يتنافى مع فكرة أن المفردات التي ذكرها في المحاضرة عربية، فأجاب العميمي قائلًا: أهل اللغة ذكروا أن ما خضع لمقاييس اللغة العربية أثناء التعريب، وأوجدوا لها الشكل الخاص بها، فقد أصبحت كلمة عربية، وإن كانت في الأصل من مصدر غير عربي، مثل "النوخذة"، التي انتقلت من "نوه خذاه" ثم إلى "نوخذا" ثم "النوخذة"، كما أشير إلى أن منهجي البحثي فرض علي تدوين كل ما ورد في أمهات الكتب العربية والمصادر العربية من مفردات بحرية.
وإلى جانب تساؤل "عُمان"، كان للحضور فرصة لطرح تساؤلاتهم وآراءهم المتنوعة في صميم الموضوع، وقد أجاب العميمي على كافة التساؤلات، لتختتم المحاضرة بتقديم هدية تذكارية من محمد الزبير إلى الدكتور سلطان العميمي، بمعية معالي السفير الإماراتي محمد بن نخيرة الظاهري.