إسرائيل تتجاوز الخط الأحمر: اغتيال نصرالله يفتح أبواب الجحيم
تاريخ النشر: 30th, September 2024 GMT
يمانيون – متابعات
بالرغم من المحاولات الحثيثة التي بذلتها القوى الدولية لمنع حرب إقليمية بالشرق الأوسط، إلا أن مجرم الحرب بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة تتعنت بشدة ضد وقف إطلاق النار سواء في لبنان أو غزة.. مُصراً على المضي قدما في جر المنطقة لحرب لا يحُمد عقباها، بعد استهداف مقر حزب الله بغارات هي الأعنف منذ حرب 2006، وأدت الى اغتيال السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني وعدد من قيادات الحزب.
وتحدثت وسائل إعلام أمريكية عن أن القيادة الأمريكية في حالة غضب كبير من نتنياهو بسبب عدم الوفاء بوعوده حول إمكانية وقف إطلاق النار، حيث اقترحت فرنسا والولايات المتحدة الأربعاء، هدنة لمدة 21 يوما في لبنان لمنع تصاعد التوتر بين الكيان الصهيوني وحزب الله.
وتأتى المبادرة الفرنسية- الأمريكية بعد مباحثات مكثفة جرت على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وبعد لقاء ثنائي بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ورغم الموافقة المبدئية من نتنياهو على الجلوس على طاولة المفاوضات إلى أن الأمر قد تغير بشكل كبير فور ذهابه إلى نيويورك، حيث تعهد نتنياهو الجمعة، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، باستمرار العمليات العسكرية ضد حزب الله في لبنان.
ووفقًا لما نقلته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية، فإن الكيان الصهيوني يدرس خططًا لشن هجوم برى على لبنان، تتضمن الاستيلاء على منطقة عازلة تمتد لبضعة أميال على طول الحدود اللبنانية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وحسبما صرّح ضابط احتياط صهيوني مُطلع على تفاصيل الاستراتيجية تجاه لبنان، فإن “الخطط للاجتياح البري جاهزة، لكن لم يكن لدى الكيان بعد ما يكفي من القوات هنا لتنفيذ تلك الخطط”، ما يشير إلى أن “إسرائيل” قد تكون في مرحلة الإعداد والتجهيز لعملية عسكرية واسعة النطاق.
وباغتيال السيد نصرالله، تدخل المنطقة مرحلة جديدة من التصعيد السياسي والعسكري، مما قد يترك تداعيات عميقة على السياسات الداخلية للدول وتحالفاتها، وينذر هذا الحدث المفصلي بتحولات جذرية في المشهد السياسي والعسكري والأمني للمنطقة، وقد تعُيد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات الإقليمية.
ويبدو أنه مع هذا الاغتيال، فإن المنطقة قد دخلت منعطفًا جديدًا ينذر باحتمالات اندلاع حرب إقليمية شاملة، فمحور المقاومة لن يقف مكتوف الأيدي واحتمالات الرد القوي والقاسي متوقع بشكل كبير.
وجاءت عملية الاغتيال الغادرة بعد ساعات قليلة من خطاب نتنياهو أمام الأمم المتحدة، حيث أثار هذا التزامن تساؤلات حول مصداقية الجهود الدبلوماسية الأمريكية الرامية إلى تهدئة التوتر في المنطقة، خاصة في ظل استمرار العدوان.
ولم تكن عملية اغتيال السيد نصرالله الأولى من نوعها، فقد سبقتها عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في طهران، والتي جاءت هي الأخرى في وقت كان السعي الدبلوماسي الأمريكي يهدف لوقف إطلاق النار.
وتُعيد العملية الصهيونية الأخيرة إلى الواجهة الجدل حول مدى احترام الكيان الصهيوني للقانون الدولي والسيادة الوطنية للدول المجاورة.
ومع تكرار الادعاء بحق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها، حيث تغض الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية الطرف عن الجرائم المستمرة التي يرتكبها الكيان الغاصب بحق الفلسطينيين وغيرهم في المنطقة.
وفي ظل استمرار العدوان الصهيوني على غزة، والذي يقارب إكمال عامه الأول، يتزايد الغموض بشأن الرد المحتمل لمحور المقاومة، خاصة بعد فقدان أهم قادته، وما إذا كان هذا المحور سيبقى على موقفه المتريث ويرفض الانجرار إلى حرب إقليمية شاملة، أم أن اغتيال نصر الله سيعجّل برد عسكري واسع النطاق.
وهزّت انفجارات عنيفة الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت واستهدف العدو الصهيوني منطقة حارة حريك بقنابل خارقة للتحصينات بزنة طن (2000 رطل) لضرب المنطقة المستهدفة أدت إلى أن الأبنية سُوّيت تماما بالأرض ضمن المربع الأمني لحزب الله.
وقد شهدت الضاحية منذ الأسبوع الماضي اغتيالات طالت نخبة من قياديي حزب الله، في ضربات كبيرة تعززت باحتمال وجود خرق أمنى كبير ضمن الحزب، لاسيما أنها أتت بعد أيام من تفجير آلاف أجهزة نداء اللاسلكي “البيجر” و”الووكي توكي” التي يستعملها عناصره، ما خلف عشرات القتلى بينهم مدنيون، بالإضافة إلى إصابة 1500 عنصر من الحزب في أعينهم وأيديهم.
——————————————–
– السياسية – عبدالعزيز الحزي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
طَلْقةٌ خائبَة.. هديّة نتنياهو لترامب: بيجر مُذَهّب!
تفاجأ الكثيرون من خطوة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاستفزازية، بإهدائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن، جهاز "بيجر" مطلي بالذهب، في سياق إبرازه المتغطرس والمُبالغ فيه لعملية التفجير الإجرامية لعدّة آلاف من أجهزة النداء (البيجرز) وأجهزة اللاسلكي (ووكي توكي)، والتي نفّذها كيانه ضدّ حزب الله، بتاريخ 17 و18 أيلول/ سبتمبر 2024، في سياق حربه العدوانية الشاملة التي شنّها على لبنان، بذريعة استباق أي هجوم لحزب الله قد يُماثل هجوم "طوفان الأقصى" الذي شنّته حركة حماس الفلسطينية في السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، والذي هزّ أركان الكيان الإسرائيلي، جيشا وحكومة ومجتمعا.
فهل نجح نتنياهو في حركته الوقحة هذه، والتي تأتي ضمن سلوكيات ومواقف مدروسة بعناية من قِبَل هذا المجرم المتعطّش للدماء، في سياق حربه النفسية المُكمّلة لحربه العسكرية المفتوحة ضدّ قوى المقاومة في المنطقة، والتي يُسَمّيها نتنياهو بمحور الشرّ والإرهاب؟!
نتتياهو يُفاخر بجريمته
كشف مصدر مُطّلع لموقع "أكسيوس" الأمريكي، أن نتنياهو، وأعضاء حكومته وقادة الأجهزة الأمنية، وافقوا على عملية "تفجيرات البيجر" في لبنان، في العام الماضي، خلال اجتماع أمني، قبيل عملية التفجير. ونقَل الموقع عن مسؤولين أمريكيين قولهما إن "إسرائيل لم تُبلغ إدارة جو بايدن قبل عمليّتها التي شهدت تفجير الآلاف من أجهزة البيجر الخاصة بأعضاء (حزب الله)".
وبالفعل، فقد أقرّ نتنياهو، للمرّة الأولى، بتاريخ 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 بمسؤولية كيانه عن تفجير أجهزة "البيجر" في لبنان. وقال إن هذه العملية، واغتيال أمين عام "حزب الله" (السيّد) حسن نصر الله، انطلقت رغم معارضة كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية. فيما نقلت هيئة البث الرسمية عن نتنياهو قوله: "قبل عملية البيجر أخبروني أن الولايات المتحدة ستُعارض، لكنّي لم أنصت لهم"!
وفي الخامس من شهر شباط/ فبراير 2025، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أهدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جهاز اتصال إلكترونيا لاسلكيا صغيرا (بيجر) لونه ذهبي، وقالت إن ذلك يُشير إلى العملية السريّة التي نفّذتها المخابرات الإسرائيلية ضدّ آلاف من عناصر حزب الله اللبناني.
وذكَرت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو أهدى ترامب جهاز بيجر ذهبي اللون وآخر عاديا، وأضافت أن ترامب علّق على الهديّة المُقَدّمة من نتنياهو بقوله: "كانت عملية رائعة"، في إشارة إلى عملية تفجير أجهزة البيجر في عناصر حزب الله. ولاحقا أعلن نتنياهو أنه أعطى ترامب جهاز "بيجر" مطليّ بالذهب "لأنّني أعلم أنه يحب المفاجآت؛ ونحن فاجأنا حزب الله".
تفجير "البيجر" في إطار الحرب النفسية
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في تشرين الأوّل/ أكتوبر من العام 2023، شهدت الساحة اللبنانية توتّرات متصاعدة بين حزب الله و"إسرائيل". وقد اتخذت هذه المواجهة أبعادا متعدّدة، تجاوزت التصعيد العسكري لتشمل الاستخدام الواسع لتكتيكات الحرب النفسية من قِبَل الطرفين.
وقد استهدفت الحرب النفسية الإسرائيلية ضدّ حزب الله إيقاف التصعيد العسكري للحزب على الحدود مع "إسرائيل"، أو ما أسماه الحزب جبهة إسناد غزة، ومُطالَبة الحزب بسحب قوّاته إلى ما وراء نهر الليطاني. واعتمدت "إسرائيل" لتحقيق هذه الأهداف على استراتيجية شاملة (من ضمنها الرسائل والاتصالات التحذيرية والتهديدية للناس، والهجمات السيبرانية، والاغتيالات المُمَنهجة لكوادر المقاومة والحزب)، عملت على إضعاف الحزب وإحداث خلل في بُنيته العسكرية والشعبية قبل الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة معه؛ وفي مقدّمة الأساليب التي اعتمدها الكيان في إطار هذه الاستراتيجية، أسلوب التفجير المفاجئ والواسع النطاق لأجهزة النداء (البيجر) وأجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها عناصر المقاومة.
ولا شكّ بأنّ عملية التفجير تلك، والتي استغرق التخطيط لها عدّة سنوات، كانت عملية مُتْقَنة وغير مسبوقة، من منظور عسكري وفنّي واستراتيجي؛ ولو أنها تمّت في غير أوانها، حسب الخطّة الإسرائيلية المرسومة للحرب على لبنان في حينه، لأنّ عنصرا (أو اثنين) في حزب الله قد اكتشف ثغرات مثيرة للشبهات في تلك الأجهزة، قبيل تفجيرها بوقتٍ قصير.
لكن، وعلى الرغم من النتائج التي حقّقتها تلك العملية الإجرامية على مستوى "تحييد" آلاف من عناصر حزب الله عن ساحة المعركة التي حصلت لاحقا (من بينهم عشرات الشهداء)، والأثر المعنوي والنفسي الخطير الذي تسبّبت به ضمن بيئة المقاومة، والمدنيّة تحديدا (الصدمة والإرباك)، إلّا أنها لم تؤدّ إلى النتيجة الأهم التي توقّعها العدو، وهي الانهيار الكامل للمقاومة، بفعل عملية التفجير، والتي تلاها اغتيال قادة "قوّة الرضوان" النخبويّة، ومن ثمّ الاغتيال الآثم للسيّد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، والذي تَبعه استهداف المنشآت العسكرية والصاروخية التابعة للمقاومة في مختلف المناطق اللبنانية.
لقد حقّقت الأجهزة العسكرية والأمنية الإسرائيلية "إنجازا غير مسبوق" ولا يمكن إنكاره قياسا بإنجازات الأجهزة المُماثلة، على المستوى الدولي أو الإقليمي، خلال عقودٍ مضت، سواء من حيث فكرة تفجير "البيجر" أو كيفيّة تنفيذها فيما بعد، باعتبار أنها استهدفت، وبتوقيتٍ موَحّدٍ لم يتجاوز الثواني الخمس، مُقاتلين وناشطين في الحزب، بالدرجة الأولى، على مساحات واسعة، في لبنان وسوريا، مع إصابة عدد كبير من المدنيين.
إنّ هذا الهجوم المُفاجئ، المُتمثّل في تفجير الأجهزة الإلكترونية اللبنانية، وتكثيف الحرب النفسية الإسرائيلية ضدّ لبنان، في الوقت عينه، أخَذ جهود "إسرائيل" التدميرية إلى منحى أكثر توحّشا وغرابة من المعتاد.
ففي حرب عام 2006 على لبنان، قَتَلت القوّات الإسرائيلية ما يُقارب 1200 شخص، غالبيّتهم من المدنيين. وفي الأيام الأخيرة من الصراع، أطلَقت ملايين الذخائر العنقودية على لبنان، وفشل العديد منها في الانفجار عند الارتطام، ممّا تسبّب في إصابة وقتل المدنيين لسنواتٍ بعد ذلك. وما هذا إلّا انتهاك آخر لحَظر الألغام والفخاخ. وكما هو الحال مع الأجهزة المحمولة المتفجّرة (البيجر)، فإنّ القنابل العنقودية غير المنفجرة ليست مجرّد أسلحة بحدّ ذاتها؛ بل هي أيضا أدوات للحرب النفسية، مُصمّمة لإبقاء السكّان المدنيين في حالة من الرّعب الدائم.
إذا، من المنظور العسكري-النفسي، يمكن القول إن الكيان الإسرائيلي حقّق "إنجازا نوعيا" من خلال عملية تفجير الأجهزة اللاسلكية، حين تمكّن من استهداف أو "تحييد" آلاف العناصر من حزب الله، بضربتين مُتتاليتين، قبيل شنّ حربه المُدَمّرة على لبنان، والتي توازَت مع حرب نفسية، إعلامية وسياسية موجّهة، ضدّ بيئة الحزب والبيئة اللبنانية عموما، ولو أنها لم تُحقّق هدفها الأوّل المُتَوخّى من قِبَل الكيان، لجهة دفع هاتين البيئتين للتحرّك ضدّ المقاومة، أو على الأقل التخلّي عن احتضانها، وقت الحرب، وفي مرحلة ما بعد الحرب، بما يتيح لإسرائيل فرض شروطها وإملاءاتها على خصمها من موقع المُنتصر.
التقييم النفسي لنتنياهو
بعد تحليل نتائج البيانات والمعلومات، التي جمَعها طوال سنوات، يعرض البروفيسور الإسرائيلي شاؤول كيمحي التقييم النفسي لشخصية بنيامين نتنياهو. يقول كيمحي: يكشف سلوك نتنياهو عن الكثير من خصائص الشخصية النرجسيّة: المَيْل إلى جنون العظمة، وربط مصير "إسرائيل" بمصيره الشخصي، والطموح القوي، والتفاني التام لتحقيق هدفه بأي ثمن، وعدم الاعتراف بالضعف، ورفض اللوم، والتلاعب في علاقاته مع الناس وصولا لتحقيق أهدافه، وخيانة الأمانة، ونقص الأخلاق السياسية، وحساسيّة كبيرة للنقد..
كما يميّز سلوك نتنياهو منذ صغره الرّيبة والشك، ويتملّكه شعور بالمؤامرة في كلّ مكان؛ فمن يختلف معه فهو عدوٌ له. ينظر إلى العالم على أنه مكانٌ قاسٍ يقوم على الصراع المستمر من أجل البقاء، ولا مجال فيه للإيثار أو العمل الخيري، وليس فيه متّسع للصداقة الحقيقية.
وعلى أيّ حال، من الصعب أن تجد مَن يستطيع فك كلّ رموز شخصية بنيامين نتنياهو، فهو دائما مفاجئ، وفي كثير من الأحيان صادم؛ لكن هناك شيء يُتقنه جيّدا، هو وضع مصالحه الشخصية فوق أي اعتبار، فإذا أراد أمرا فلن يعيقه شيء عن الوصول إليه، وأهم أدواته في تحقيق أهدافه؛ إدارة التسويق.
كان نتنياهو قد بدأ حياته موظّفا في تسويق البضاعة بمحل لتجارة الأثاث في الولايات المتحدة، وأبدع في التقاط أسرار هذه المهنة، كان يعرض بضاعة أخشاب السويد على أنها أخشاب زان، ويبيع أشياء تصلح وأشياء لا تصلح.
التسويق إذن هو الحمض النووي (DNA) في شخصية نتنياهو، يضع لنفسه هدفا، ويبتدع أنجع الطرق لتسويقه، يقرأ خريطة الناس بصفتهم زبائن، يكتشف نقاط الضعف، ويَنْفذ من خلالها كالسهم. قد تكون هذه الطرق قذرة، وقد تكون طافحة بالأكاذيب، وفائضة بالخدع، وقد تُكلّف بلاده وشعبه، وحتى حزبه، ثمنا باهظا؛ لكن المهم أنه يجد مَن يُصفّق له. وكيف يُصفّقون له: بنوعيّة الرسائل التي يبثّها!
خلاصة
وبعد.. هل يجوز أن يتفاجأ أحد بما فعله رئيس حكومة الكيان في الولايات المتحدة، حين "أهدى" حليفه الأكبر، وشبيهه أو شريكه في ارتكاب المجازر وتنفيذ الاغتيالات، دونالد ترامب (الذي تباهى بإعلان مسؤوليته عن اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في مطلع العام 2020 قرب مطار بغداد الدولي) قطعة بيجر مُذَهّب، كشاهد صارخ على تأصّل الجريمة والتفاخر بها في نفسي نتنياهو وترامب، واللذين شكّلا مادّة خصبة للكثير من الكتب والدراسات السياسية والنفسية والاجتماعية التي تناولت شخصيّتيهما المُعقّدتين والنرجسيّتين بالتحليل والنقد اللاذع؟
من هنا يمكن فهم الأهداف المُضمَرة من الحركة الخبيثة التي قام بها نتنياهو في واشنطن، والتي تُجسّد نَزعة الإجرام المتأصّلة فيه من ناحية؛ ووَلعه بتسويق نفسه أمام "شعبه" والشعوب الغربية، كبطل وقائد ومُخطّط استراتيجي، يسحق أعداءه بلا رحمة أو ضوابط، من ناحية أخرى!
لقد التقى نتنياهو، قائد عملية تفجير أجهزة "البيجر" وأجهزة اللاسلكي في لبنان - التي عُدّت جريمة كبرى ولا سابق لها، حسب معايير القانون الدولي والأعراف والقِيم الأخلاقية والإنسانية- بترامب؛ المسؤول عن اغتيال الحاج قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، كي يشربا معا نخب جرائمهما المُتمادية، في جو احتفالي عابق بروائح الحقد والكراهية والشماتة..
وقد تباهى نتنياهو فيما بعد بمسؤوليته عن اغتيال أمين عام حزب الله، السيّد حسن نصر الله، وعشرات عمليات الاغتيال التي طالت قادة وكوادر في المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية، خصوصا خلال الحرب الإسرائيلية المُدمّرة الأخيرة ضدّ قطاع غزة ولبنان، في سعي محموم من قِبله للتنفيس عن عقَده المَرَضيّة من جهة؛ ولتكريس نفسه كزعيم تاريخي لما يُسَمّى "شعب إسرائيل"، وهو مستعد للقتل بلا هوادة لحمايته؛ كما لإبعاد نفسه عن خطَر المحاكمة والسجن بتُهم تلقّي رشاوى مالية وخرق الثقة والاحتيال، من جهة أخرى.
في المقابل، يمكن التأكيد بأن الطرف أو المحور الذي يستهدفه نتنياهو بعملياته الإجرامية والتحرّكات المُكمّلة لها لن يتأثّر كثيرا بالحرب النفسية الإسرائيلية هذه، كونه خَبرها واعتاد عليها منذ أمَدٍ بعيد؛ وكذا الحال بالنسبة لبيئة أو بيئات محور المقاومة، والتي أثبتت أنها عصيّة على المؤامرات والهجمات والحروب المُعادية، مهما تنوّعت وتشعّبت وتطوّرت أساليبها.
ولأنّ "للظالم جولة وللمظلوم صولة"، فإنّ طَلْقَة نتنياهو الخائبة في واشنطن لن تؤدّي سوى إلى تعميق الهوّة السحيقة بين كيان الاحتلال في فلسطين وبين شعوب المنطقة، وإلى زيادة حدّة الصراع وتوسيع دوائره، حتى تَحين لحظة الحسم الكبرى، باستئصال الكيان السرطاني من جسد هذه الأمّة المُضَحّية، مرّة واحدة، وإلى الأبد.