رحيل هرم شعري ناطق، ومفعم بالتجاوز
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
وجدي كامل
لم يكونا شاعرين كبيرين فقط، بل صديقين عزيزين جمعت بينهما صداقة ستينية، قديمة، عميقة أقام فيها ود المكي قسطا من الزمن، وسكن أحيانا بدار العوض الجزولي.
ما بين كمال، ومحمد، كانت أكثر من توأمة، ورباط من صداقة متينة، وذكريات مشتركة، ومحبة مشتركة جمعتهما وآمالا عراضا لمستقبل يستحقه هذا الشعب الأبي.
سعدت بأن كنت شاهدا على ذلك، وواحدا من أولئك ممن تشرفت بيوتهم بزيارتهما معا، بعد مشاهدة فيلمية مشتركة لفيلمي (جراح الحرية). كانت تلك واحدة من مرات عديدة، استطعت التعرف فيها على الرجل السهل الممتنع، اللطيف، المبتسم، الهادئ، الدمث الخلق، والمعجون بالتواضع الجم، وحب الآخرين.
حزن محمد المكي أيما حزن وفاة صديق عمره كمال الجزولي، وكانت زيارته للتعزية بالقاهرة بمجرد وصوله لها. ولكن وحسبما كان قد أسر لي الدكتور أبي كمال الجزولي قبل أيام، وكان العلم قد نما إلى أن شاعرنا قد توفي سريريا منذ دخوله مستشفى الفؤاد، بأن ود المكي كان، وفي حزنه العميق على غياب صديقه بدا مشغولا في تلك الزيارة بالتعرف من أبي على تفاصيل تحضير جثمان الميت، ودفنه، والإجراءات المتبعة بالقاهرة لتلك الطقوس، وكأنه قد اختار الموت، وكأنه قد عاد ليموت في مكان أقرب لموطنه الذي أحب وعشق.
عاد ليموت ويشيعه من عرف أفضاله الثقافية والإنسانية علينا بعد أن امتنع الوطن الممزق، المحترق هذه المرة عن الاستقبال، وحيث لم تكن هناك (أمته) التي تشتت في بقاع الأرض ونزحت، ولكن يحمد إلى أن احتفظت بكثافة من وجود بقاهرة المعز.
كم كنت أتمنى أن أكون أحد المودعين لولا العوائق. ها ذا أني أشاهد الوجوه، وقد تبللت بالدموع، واسمع العويل، وبكاء من عرفوك. ها ذا إني أرى وداعا جليلا، ضخما يليق بمقامك، وقامتك يا محمد المكي، يا من أسعدتنا بحياتك، ومساهماتك الشعرية المتميزة، المتفردة.
أقول باسمك وباسم صديقك، وكل من رحل عنا في هذه الظروف القاهرة، العصيبة سوف تتوقف الحرب، سينتصر الشعب، وسينكسر حائط السجن الرمزي الكبير الذي شيدته مؤسسات القهر والقمع التاريخية والمستحدثة، وستشتعل الحقول قمحا ووعدا وتمني ومدنية.
ستبقى ذكراك خالدة فينا، وفي الأجيال القادمة، ولن تنقطع سقياك لقلوبنا ولذاكرتنا أبدا. الوداع، ولا أجد في هذه اللحظات الحزينة أبلغ من مرثيتك لشيخك، وشيخ شعرائنا المحدثين محمد المهدي المجذوب في وداعك المهيب له شعرا عند الرحيل: من جمالك في الموت
يتخذ الورد زينته
والمواسم حناؤها
والعصافير تترك توقيعها في رمالك
برحيلك
ﺃﻇﻠﻤﺖ ﺑﻮﺍﺑﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﻔﺮﺍﺩﻳﺲ ﺃﺿﺄﻥ
ﺑﺮﺣﻴﻠﻚ ﻳﻨﻔﺼﻞ ﺍﻟﺠﻤﺮ ﻋﻦ ﺻﻨﺪﻝ ﺍﻟﺸﻌﺮ
ﻳﻘﺘﺮﺏ ﺍﻟﻤﻮﺕ
ﻳﺴﻤﻊ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﻜﻬﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺑﻊ
ﺗﻔﺘﻘﺪ ﺍﻷﺑﺠﺪﻳﺔ ﺃﻇﻔﺎﺭﻫﺎ
ﺗﺴﺘﺮﺩ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺩﻳﻌﺘﻬﺎ ( ﻟﺆﻟﺆ ﺍﻟﺸﻌﺮ ) ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ
ﻛﺎﻓﺮ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺃﺷﻌﺎﺭﻫﺎ
ﺗﺴﺘﻌﻴﺪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻃﻔﻮﻟﺘﻬﺎ
ﻭﺗﻌﻮﺩ إﻟﻴﻚ ﻃﻔﻮﻟﺘﻚ ﺍﻟﺬﺍﻫﺒﺔ.
الوسوموجدي كاملالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
رحيل البطل محمد المصري «صائد الدبابات» في حرب أكتوبر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
توفي البطل محمد المصري، اليوم الخميس، المعروف بلقب "صائد الدبابات" في حرب أكتوبر، بعد صراع مع المرض داخل مستشفى المعادي العسكري.
جاء ذلك بعد أيام قليلة من تكريمه من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ومن المقرر أن يتم تشييع جثمانه في الساعة الثانية ظهرًا من قرية المصري، التابعة لمركز أبو المطامير في محافظة البحيرة.
ولد محمد إبراهيم المصري عام 1948، وتم تجنيده في الـ24 من شهر سبتمبر عام 1969 وتم توزيعه على سلاح الصاعقة، وتوفي عن عمر يناهز 76 عاما.
شارك في حرب أكتوبر 1973، ونجح في تدمير 27 دبابة للعدو بينها دبابة عساف ياجوري قائد اللواء 109 في الجيش الإسرائيلي، وحصل على وسام نجمة سيناء عام 1974.
كرمه الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، منذ أسابيع خلال الندوة التثقيفية الـ40 للقوات المسلحة.