الحرب والفيضانات والأوبئة.. ثالوث ينهش جسد السودان (تقرير)
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
أشار منسق الطوارئ في دارفور بمنظمة أطباء بلا حدود، تونا تركمان، إلى أن الأزمة الإنسانية التي يشهدها السودان قد تحولت إلى كارثة كبرى، مؤكدًا أنها تُعد أكبر أزمة إنسانية في العالم حاليًا. وأوضح أن المنظمة في حالة طوارئ، حيث تعمل على منع حدوث وفيات جماعية. كما دعا إلى ضرورة بذل جهود عاجلة لإرسال كميات ضخمة من المساعدات، محذرًا من أن آلاف الأطفال يواجهون خطر الموت جوعًا.
وأكد أن أزمة نقص الغذاء الحادة وصلت إلى مستويات كارثية، حيث يعيش الكثير من السودانيين على وجبة واحدة أو أقل يوميًا.
يواجه السودان تحديات هائلة جراء الحرب الأهلية والفيضانات وانتشار الأوبئة، وسط حاجته الملحة لمساعدات إنسانية وإغاثية ضخمة وعاجلة.
تونا تركمان، منسق الطوارئ في دارفور بمنظمة أطباء بلا حدود، سلط الضوء، في حديث للأناضول، على الأوضاع الانسانية المتدهورة في السودان.
وقال تركمان إن الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المتصاعدة في المنطقة أدت إلى تفاقم “الأزمة الإنسانية وتدهور الوضع الصحي في البلاد”.
وأوضح تركمان الذي يعمل في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور السودانية، إن الأوضاع الإنسانية في هذه المنطقة “متردية”، محذرا من تزايد الهجمات الجوية عليها.
إلى جانب ذلك، فإن الفيضانات غير المسبوقة منذ ثمانينيات القرن الماضي والتي تشهدها دارفور تسببت بـ”عرقلة الجهود الإنسانية بشكل كبير”، وفق قوله.
واستكمل قائلا: “فرقنا تواجه صعوبات كبيرة في العمل ضمن المناطق التي تشهد اشتباكات نشطة”.
وذكر أن دارفور واحدة من “أكثر المناطق تضررا بسبب نقص المساعدات الإنسانية، خاصة وأنها لم تحظَ بوصول القدر الكافي من مواد الإغاثة الأممية”.
وعن أزمة النزوح في البلاد، أشار تركمان إلى تقارير الأمم المتحدة التي تحدثت عن نزوح نحو 11 مليون شخص بينهم مليونان فروا إلى دول مجاورة، فيما نزح البقية لمناطق مختلفة داخل السودان.
ولفت إلى أن مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، “محاصرة من قبل قوات الدعم السريع فيما تشهد معارك عنيفة”.
ومنذ 10 مايو الماضي، تشهد مدينة الفاشر اشتباكات بين الجيش و”الدعم السريع”، رغم تحذيرات دولية من المعارك في المدينة، التي تعد مركز العمليات الإنسانية لكل ولايات دارفور (غرب).
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.
ومنذ منتصف أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل وقرابة 10 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.
أزمة متشابكة
وقال المسؤول في أطباء بلا حدود إن أكبر أزمة إنسانية في العالم والتي يشهدها السودان تحولت إلى “كارثة كبرى”.
وأضاف إن الأزمة في السودان “متشابكة”، لافتا إلى أن العمليات الإغاثية الطارئة تواجه “تحديات ضخمة” في ظل “نظام صحي منهار بالكامل”.
وعن تلك التحديات، قال تركمان إنهم يواجهون “مشاكل كبيرة جدا في توفير الإمدادات الطبية بسبب عدم قدرة موظفين دوليين وأمميين على الوصول للمناطق المنكوبة”.
واستكمل قائلا: “ما زلنا ننتظر وصول شاحنات برنامج الأغذية العالمي إلى جنوب دارفور، لكنها لم تصل بعد”.
وأشار إلى أن “المخاطر الأمنية والعوائق البيروقراطية أعاقت وصول مساعدات من الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى”، كانت منظمته تتوقع وصولها للسودان.
**الأوبئة والمجاعة
وعن انتشار الأوبئة، قال تركمان إن منظمته تكافح انتشار مرض “الملاريا” في جنوب دارفور.
وفيما يتعلق بالجهود المبذولة في إطار ذلك، قال إن مكافحة هذا المرض يتم عبر “إنشاء نقاط صحية متنقلة”.
وأكد أن “الكوليرا” تفشى في 9 ولايات بالسودان، لافتا إلى “اتخاذ تدابير للسيطرة على الأوبئة”، دون ذكرها.
وحول تأثير الأزمة على الأطفال، قال تركمان إن “معدلات سوء التغذية بين الأطفال في جنوب دارفور تجاوزت حدود الطوارئ”.
وتابع: “أزمة نقص الغذاء الحادة وصلت إلى مستويات كارثية (…) ونقص الغذاء يؤثر بشكل كبير على الأطفال”.
وحذر من أن آلاف الأطفال يواجهون خطر الموت جوعا، لافتا إلى أن الكثير من السودانيين يكتفون بوجبة واحدة أو أقل يوميا.
وأشار إلى أن “حجم الأزمة الحقيقي غير ظاهر بوضوح لأن الوضع لم يتم تقديره بشكل كامل”، متابعا “نحن في حالة طوارئ، ونحاول منع حدوث وفيات جماعية”.
وطالب المنظمات الإنسانية الدولية والأمم المتحدة والمتبرعين الدوليين بـ”بذل جهود عاجلة لإرسال كميات ضخمة من المساعدات للسودان”.
وفي 7 سبتمبر الجاري، قال برنامج الأغذية العالمي في منشور على “إكس”، إن استمرار حرب السودان يُعرض نصف السكان للجوع الشديد، في أول مجاعة مؤكدة بالعالم منذ 2017.
ويبلغ عدد سكان السودان نحو 49.5 مليون نسمة، وفق أحدث التقديرات غير الرسمية.
المستشفى التركي
قال تركمان إن المستشفى التركي بمدينة نيالا، والذي أنشأته الوكالة التركية للتعاون والتنسيق “تيكا” بالتعاون مع الحكومة السودانية، ما زال يقدم خدماته.
وتابع إن الفريق الطبي الذي تلقى تدريبات من وزارة الصحة التركية (دون تحديد الفترة)، تمكن من “توفير الخدمات الطبية وتشغيل المستشفى طوال فترة الحرب”.
ولفت إلى أن المستشفى كان يعمل في السابق بكوادر طبية قادمة من تركيا لكن اندلاع الحرب أعاق إرسال فرق طبية جديدة.
وأردف: “رغم كل التحديات، ما زال المستشفى يوفر خدمات الرعاية الصحية للمرضى والجرحى”.
وفي ختام حديثه، أشار تركمان إلى التنسيق المستمر بين منظمته ووزارة الصحة التركية وسفارة أنقرة في الخرطوم لـ”تقديم الدعم والمساعدة” في المجال الإنساني بالسودان، قائلا إن هذا التعاون “مصدر فخر كبير لتركيا”.
وعام 2014، افتتح المستشفى رسميا على يد البروفيسور أمر الله إشلر، نائب رئيس الوزراء التركي حينها، تحت إشراف “تيكا” بتكلفة بلغت 35 مليون دولار.
وتبلغ مساحة المستشفى التركي بنيالا 11 ألف متر مربع، كما يضم 150 سريرا، منها 46 سريرا للعناية المشددة، وثلاث غرف للعمليات، وقسمان للتوليد، وقسم للتصوير الشعاعي ومخبرا.
نقلاً عن موقع الأناضول
الوسومأطباء بلا حدود المساعدات الإنسانية حرب الجيش والدعم السريع دارفورالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أطباء بلا حدود المساعدات الإنسانية حرب الجيش والدعم السريع دارفور الدعم السریع جنوب دارفور نقص الغذاء بلا حدود إلى أن
إقرأ أيضاً:
نھج أمریكي أكثر جرأة لإنھاء الحرب في السودان: معالجة التھدیدات الرئیسیة وتحدید المصالح
الأھلیة الدائرة في السودان الیوم تسببت في أسوأ أزمة إنسانیة في العالم وأثارت أعمالًا إبادة جماعیة. كما أنھا تشكل تھدیدات وفرصًا جدیدة للولایات المتحدة. ھنا، یتم توضیح ھذه التھدیدات والفرص لأولئك الذین یقیّمون الإجراءات التي قد تتخذھا الولایات المتحدة، إن وجدت، بشأن الصراع في السودان. من الأھمیة بمكان أن تحدد أي سیاسة تتعلق بالسودان
بقلم: السفیر دونالد إي. بوث
الأھلیة الدائرة في السودان الیوم تسببت في أسوأ أزمة إنسانیة في العالم وأثارت أعمالًا إبادة جماعیة. كما أنھا تشكل تھدیدات وفرصًا جدیدة للولایات المتحدة. ھنا، یتم توضیح ھذه التھدیدات والفرص لأولئك الذین یقیّمون الإجراءات التي قد تتخذھا الولایات المتحدة، إن وجدت، بشأن الصراع في السودان. من الأھمیة بمكان أن تحدد أي سیاسة تتعلق بالسودان خطوطًا إرشادیة داخلیة واضحة حول المصالح الأمریكیة، وبالتالي تحدید ما یستحق استخدام القوة والنفوذ الأمریكي لتحقیقھ أو منعھ. تحدید المصالح والتھدیدات الأمریكیة في السودان.
یشكل الصراع الحالي في السودان تھدیدات خطیرة محتملة للولایات المتحدة، وأبرزھا خطر عودة الإرھاب. فقد استضاف النظام الإسلامي الذي حكم السودان لمدة ثلاثین عامًا حتى عام 2019 أسامة بن لادن وغیره من المنظمات الإرھابیة التي استھدفت الولایات المتحدة وإسرائیل. ومن السودان، خطط تنظیم القاعدة لھجمات إرھابیة عام 1998 على السفارات الأمریكیة في شرق إفریقیا والھجوم على المدمرة الأمریكیة یو إس إس كول عام 2000. أنھت الثورة الشعبیة في 2018 و2019 ذلك النظام.
ومع ذلك، یعتمد الجیش السوداني (القوات المسلحة السودانیة - SAF) الآن بشكل متزاید على القوى السیاسیة الإسلامیة المتجددة والمیلیشیات المسلحة التي تعود جذورھا إلى النظام السابق في حملتھ ضد قوات الدعم السریع (RSF)، التي ارتكبت إبادة جماعیة في بعض المناطق التي تسیطر علیھا. قد یكون اعتماد قیادة الجیش السوداني على الدعم الإسلامي نتیجة نقص البدائل القابلة للتطبیق أكثر من كونھ بسبب توافق أیدیولوجي. یمكن أن یؤدي عودة حكومة إسلامیة في أعقاب انتصار الجیش إلى إحیاء التھدید الإرھابي للولایات المتحدة. كما قد یؤدي ذلك إلى تنفیذ اتفاق النظام السابق لمنح روسیا قاعدة بحریة على البحر الأحمر، وتعزیز النفوذ الاقتصادي الصیني، وإحیاء التعاون الأمني الإقلیمي مع إیران.
إلى جانب كونھا تھدیدات للمصالح الأمریكیة، بما في ذلك حریة الملاحة في البحر الأحمر، فإن ھذه النتائج غیر مرغوبة لشركائنا الإقلیمیین الرئیسیین – مصر، والإمارات العربیة المتحدة، والمملكة العربیة السعودیة. كما أن التزام السودان باتفاقیات إبراھام سیكون معرضًا للخطر مع عودة القوى السیاسیة الإسلامیة السودانیة. لن یتم ترسیخ النفوذ الأمریكي في السودان وتحقیق الاستقرار إلا من خلال إنشاء حكومة مدنیة دیمقراطیة غیر إسلامیة تعمل مع قوات مسلحة سودانیة موحدة ومھنیة.
تنسیق نھجنا مع الشركاء الرئیسیین في المنطقة – مصر، السعودیة، والإمارات العربیة المتحدة یكمن مفتاح تحقیق السلام المستدام وتجنب النتائج الضارة بالمصالح الأمریكیة في
تنسیق نھج الشركاء الإقلیمیین. حالیًا، تدعم مصر الجیش السوداني (SAF)، بینما تدعم الإمارات العربیة المتحدة قوات الدعم السریع (RSF). الفرصة المتاحة لجعل مصر والإمارات تتعاونان تكمن في رغبتھما المشتركة في منع عودة النظام الإسلامي. أما المملكة العربیة السعودیة، فھي غیر مھتمة برؤیة السودان یعود إلى الوضع الذي كان علیھ قبل عام 2019، عندما كان بحاجة دائمة إلى الموارد بدلاً من أن یكون وجھة استثماریة مستقرة. ھناك مؤشرات على أن الإمارات قد تعید تقییم دعمھا لقوات الدعم السریع في ضوء انتكاساتھا العسكریة الأخیرة.
یجب أن تركز المشاركة الأمریكیة بشأن السودان أولاً وقبل كل شيء على تحقیق تفاھم مع ھذه الدول الثلاث وبینھا حول كیفیة إنھاء الحرب عبر اتفاق یحمي المصالح الأمنیة والسیاسیة والاقتصادیة الأساسیة للولایات المتحدة وشركائھاالإقلیمیین في السودان. التوفیق بین المصالح الاقتصادیة والحكم المدني والعسكري یتطلب تحقیق المصالح الأمریكیة تعاونًا سودانیًا بالإضافة إلى التعاون الإقلیمي. أثبتت الثورة في 2018-2019 الرغبة العارمة للسودانیین في حكومة مدنیة دیمقراطیة. یمكن لتحالف مدني واسع للسلام أن یسرّع تحقیق السلام وإعادة ھیكلة الحوكمة. ومع ذلك، لا یمكن تحقیق ذلك إلا إذا تم طمأنة قیادة الجیش السوداني بأن القوات المسلحة الموحدة والمھنیة ستظل ركیزة مؤسسیة رئیسیة ولاعبًا اقتصادیًا مھمًا في السودان الجدید.
ھناك بالفعل أدلة على أن أعدادًا متزایدة من المدنیین السودانیین ینظرون إلى الجیش السوداني كمنقذ من الأفعال المفترسة لقوات الدعم السریع. في عام 2021، أطاح الجیش السوداني وقوات الدعم السریع معًا بالحكومة الانتقالیة المدنیة إلى حد كبیر لأن تلك الحكومة بدت وكأنھا تتخذ إجراءات عدوانیة لتقویض المصالح الاقتصادیة للقوات المسلحة وقوات الدعم السریع. في الآونة الأخیرة، أشارت قیادة الجیش السوداني إلى انفتاحھا على حكومة انتقالیة. في المستقبل، قد تكون ھناك فرص للعمل مع تحالف مدني أوسع من الأحزاب السیاسیة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الشعبیة، لا سیما إذا كان ذلك سیسرع من إنھاء الحرب.
كلما طال أمد القتال، زاد اعتماد الجیش السوداني على الإسلامیین ومیلیشیات أمراء الحرب الإقلیمیة، مما یؤدي إلى تكوین تحالفات ھشة وتقلیل سیطرة الجیش السوداني بشكل عام. ھذا یھدد أھداف الجیش السوداني وكذلك المصالح الأمریكیة المستقبلیة. المساعدات الإنسانیة الكبیرة التي قدمتھا الولایات المتحدة في السودان تمنحھا نفوذًا لدى المدنیین السودانیین، خاصة إذا تم توجیھ المزید منھا إلى “غرف الطوارئ الشعبیة”. كما أن العقوبات المفروضة على قیادة الجیش السوداني تمنح الولایات المتحدة القدرة على التوصل إلى اتفاق بین الجیش والمدنیین.
إن وجود سودان مدني یقوده جیش محترف وموحد یمكن أن یمكّن البلاد من الالتزامباتفاقیات إبراھام ویؤسس لشریك أفریقي استراتیجي مستعد للتعاون في مجالات أخرى ذات أھمیة للولایات المتحدة. قوات مسلحة سودانیة موحدة ومھنیة عنصر رئیسي آخر مطلوب لجعل السودان مستقرًا وقابلًا للحكم وجاذبًا للاستثمار الأمریكي والإقلیمي ھو تشكیل جیش وطني واحد مستدام. قد یؤدي إقناع قیادة الجیش السوداني بأن الولایات المتحدة مستعدة، من خلال العمل أساسًا مع شركائنا الإقلیمیین الرئیسیین، للمساعدة في تشكیل قوة موحدة ومھنیة إلى كسب تعاون الجیش السوداني في حمایة المصالح الأمریكیة ووضع السودان على طریق الحكم المدني الدیمقراطي.
قد تنضم بعض المیلیشیات المسلحة المتحالفة مع الجیش السوداني طوعًا، بینما قد تحتاج أخرى إلى حوافز لقادتھا وأفرادھا، في حین قد یكون من الضروري قمع البعض بالقوة. إنشاء جیش وطني موحد ومھني ھو في مصلحة شركائنا الإقلیمیین الذین یریدون شریكًا موثوقًا بھ على طول قناة السویس والبحر الأحمر ونھر النیل، وبالتالي فھم مؤھلون بشكل جید لمساعدة السودان في ھذه المھمة الضروریة.
توفر مشاركة الولایات المتحدة مع السودان فرصة لیس فقط لتجنب نتائج خطیرة محتملة، ولكن أیضًا لبناء تعاون مفید مع الشركاء الرئیسیین في الشرق الأوسط. إن وجود سودان مدني یقوده جیش موحد ومھني یمكن أن یعزز التزام السودان باتفاقیات إبراھام، ویجعل منھ شریكًا أفریقیًا استراتیجیًا مستعدًا للتعاون في المجالات الأخرى ذات الاھتمام الأمریكي.