على مدار الأسبوع الماضي، اشتعلت أزمة السجون داخل المغرب، وذلك بعد البيان الذي أصدرته المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بالمغرب، والذي كشفت فيه أن السجون بها 40 ألف سجين زائد عن حجم استيعابها، وهو ما دفع القضاة للدخول على خط المعركة، وقالوا أن البيان يهدف للتأثير على أحكام القضاة، وهذا غير مقبول بالمرة، ولن نخضع له، بينما حاولت النيابة العامة الحديث بلغة الوسيط، حيث لم تنتقد حديث المندوبية، ولكنها في المقابل أرجعت سبب الأزمة للتطور النوعي للجريمة بالمغرب.

 

في المقابل، دخل الحقوقيون على خط الأزمة، وقالوا أن السبب الرئيسي للأزمة التي تعيشها السجون والمغاربة بشكل عام، هو الارتفاع الكبير للحبس الاحتياطي داخل المغرب، والذي ارتفع خلال السنوات القليلة الماضية بنسبة 300%، وطالبوا بإعادة مراجعة تلك السياسات ضمن حزمة من المقترحات لحلحلة الأزمة، والخروج من نفق الخلل بمنظومة العدل بالمغرب. 

 

الأزمة بدايتها مع الكشف عن 40 ألف سجين زائد

 

وكانت بداية الأزمة التي تناولتها العديد من الحصف المغربية على مدار الأسبوع الماضي، هو ما أعلنته المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بالمغرب، بأن عدد السجناء بلغ بتاريخ 7 أغسطس 2023 ما مجموعه 100 ألف وأربعة سجناء، وهو رقم قياسي، علما أن الطاقة الاستيعابية للمؤسسات السجنية حاليا لا تتجاوز 64 ألفًا و600 سرير"، وهو رقم كبير في بلد يقارب عدد سكانه من 37 مليون نسمة.

وسجلت إدارة السجون المغربية "اكتظاظا قياسيا" بالسجون معربة عن "قلقها البالغ" من أوضاع المساجين في ظل الظروف التي تتزامن مع اكتظاظ الأعداد، وفي أخطر فقرة في البيان الصادر من المؤسسة، طالت المؤسسة القضائية بضرورة البحث عن حل لتلك الأزمة، ومعالجة أزمة اكتظاظ السجون، وهى الفقرة التي أشعلت الأزمة بشكل كبير، وأثارت جدلا كبيرا بين الأوساط المختلفة بالمغرب، ودفع الجميع لاتخاذ موقف من تلك التصريحات الصدارة عن جهة حكومية.

 

القضاء يشعلون الأزمة.. يحاولون التأثير على أحكامنا 

 

ويبدوا أن الأزمة سوف تأخذ أبعاد أكبر، خصوصا بعد أن دخلت مؤسسات القضاة على الخط للرد على البيان، وأصدرت بيان عقب ما ذكرته المندوبية، وقالت أن هناك من يحاول التأثير على أحكامنا، حيث ردت رابطة قضاة المغرب باستغراب على بلاغ المندوبية، رافضة لأي تدخل من شأنه المس باستقلال السلطة القضائية أو التأثير على قرارات قضاتها الملزمين فقط بالتطبيق السليم والعادل للقانون، بما في ذلك تعليل قراراتهم المرتبطة بالمتابعات في حالة اعتقال أو سراح.

واعتبر عبدالرزاق الجباري، رئيس نادي القضاة، في تصريح صحفي أنه لما كان المسؤول عن الاعتقال هو القضاء (النيابة العامة وقضاء التحقيق)، فنعتقد أن توجيه تلك الدعوة له من لدن إدارة حكومية تختص، حصرا، في تنفيذ الأحكام القضائية، فيه نوع من محاولة التأثير على قرارات الاعتقال التي قد يتخذها في المستقبل، معتبرا أن ذلك مخالف للدستور والقانون والمعايير الدولية المتعلقة باستقلالية القضاء، وكذلك الخطب الملكية السامية التي ما فتئت تحث على ضرورة احترام هذه الاستقلالية

 

النيابة بدور الوسيط.. تطور الجريمة النوعي هو السبب

 

فيما دخلت رئاسة النيابة العامة على خط النقاش الدائر حول قضية الاكتظاظ بدور السجون ، لاعبة دور الوسيط في الأزمة، ففي البداية، أكد بيانها الصادر بهذا الشأن أنها تشاطر المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج قلقها بشأن وضعية المؤسسات السجنية، لما لذلك من انعكاس سلبي على ظروف إقامة نزلائها وعلى حسن تدبيرها، مشيدة بكل الجهود التي تبذلها المندوبية لغاية تجويد ظروف إيواء هؤلاء النزلاء بكل حمولاتهم وحسن تدبير المؤسسات السجنية ومختلف المبادرات الجيدة الرامية إلى إعادة إدماج السجناء

وذكرت رئاسة النيابية العامة في بيانها المنشور بالصحف المغربية، أن التطور النوعي الذي عرفته مظاهر الجريمة في السنوات الأخيرة سواء من حيث خطورة الأفعال المرتكبة أو الوسائل المستعملة فيها أو طبيعة الأشخاص الذين يقترفونها، لاسيما الذين يوجدون في حالات العود، وما لذلك من انعكاس على طمأنينة وسكينة المواطن والمجتمع، فرض على كل الجهات الساهرة على إنفاذ القانون التصدي لكافة هذه المظاهر بهدف الحفاظ على أمن وسلامة الأشخاص وحماية ممتلكاتهم.

 

الحقوقيون يصرخون .. الحبس الاحتياطي كارثة

 

ولكن يبدوا أن الأزمة لها أسباب حقيقية كشف عنها حقوقيون مغاربة، حيث قرعوا ناقوس الخطر بشأن ارتفاع عدد السجناء، منادين بضرورة اتخاذ حلول بديلة، ومعتبرين أن السجون المغربية ممتلئة بمن هم في حالة اعتقال احتياطي، أو المحكومين بمدد قصيرة، كما أكدوا أن الحل هو اعتماد قانون يقضي بـ”العقوبات البديلة، وفي هذا الصدد حذر عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان، من خطورة البيانات المعلنة من قبل المندوبية، قائلا في تصريحات نقلتها صحيفة هسبريس المغربية، إن من بين أسباب الاكتظاظ في السجون الاعتقال الاحتياطي الذي ننادي بإنهائه.

وأكد أن مستويات الاعتقال الاحتياطي عرفت ارتفاعا ملحوظا بحوالي 300 في المائة؛ إضافة إلى ارتفاع أعداد المحكومين بمدد قصيرة، الذين يمثلون 30 بالمائة من الساكنة السجنية، معتبرا أن الحل هو إقرار “بدائل العقوبة”، وأشار المتحدث ذاته إلى أن الاكتظاظ في السجون يؤثر على كل التدخلات الإصلاحية والبرامج، وعلى التغذية والصحة، مردفا بأن “عدد الأطباء والموظفين لن يمكن من تغطية العدد المهول للسجناء، وبالتالي لا بد من تسريع التصويت على مشروع قانون العقوبات البديلة وترشيد الاعتقال الاحتياطي، خاصة أن هناك بدائل أخرى لا يتم تفعيلها، مثل المراقبة القضائية والكفالة وغيرها”.

 

 

إفراجات سريعة وبدائل للحبس الاحتياطي .. حلول للأزمة 

 

ومع اشتعال الأزمة داخل المغرب، وحدوث جدل كبير حولها، قدم المرصد المغربي للسجون مقترحات لحل تلك الأزمة، تهدف لخفض عدد نزلاء مؤسسات السجون، وذلك في أعقاب تحذير المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، من خطر وصول عدد السجناء إلى رقم قياسي، وهي منظمة غير حكومية مستقلة أسست سنة 1999 بمعرفة نشطاء في مجال حقوق الإنسان لحماية وتعزيز حقوق السجينات والسجناء، وقد دعا المرصد إلى تأسيس لجنة وطنية للرصد والإنقاذ، تضم مختلف الأطراف المعنية، للقيام بزيارات إلى السجون ومعاينة ميدانية لواقع الإيواء بها.

ودعا أيضا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من الاعتقال الاحتياطي، ومن أجل الإفراج عن السجناء والسجينات الذين ستنتهي مدة الأحكام الصادرة في حقهم في الأشهر الثلاثة القادمة، أو الذين تتعثر قضاياهم لدى مكاتب التحقيق، وكذلك طالبت المنظمة المدنية ذاتها بإعطاء صلاحيات جديدة لآليات الرقابة القضائية والإدارية حتى يتسنى لها القيام بأدوارها، سواء تعلق الأمر بتغطية شاملة للمؤسسات السجنية، لا سيما المتأثرة بالارتفاع المهول للساكنة، أو بتقديم مقترحات تهم حالة الاكتظاظ، أما على المستوى التشريعي، فقد دعا المرصد المغربي للسجون إلى التعجيل بعرض القانون والمسطرة الجنائية على البرلمان، والقانون التنظيمي للدفع بعدم دستورية القوانين، وقانون العقوبات البديلة، وإطلاق سراح كافة معتقلي الرأي والحركات الاجتماعية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: المغرب السجون القضاة

إقرأ أيضاً:

أزمة السودان.. جهود دولية إنسانية دون حل سياسي في الأفق

مع استمرار الحرب في السودان تزداد معاناة ملايين المدنيين من انعدام الأمن الغذائي، بينما لا تلوح في الأفق أي مؤشرات لحل سياسي ينهي القتال الدائر في البلاد منذ 15 أبريل 2023.
الدبلوماسي الأميركي السابق ومدير الشؤون الأفريقية الأسبق في مجلس الأمن القومي، كاميرون هدسون أكد أنه لا يوجد مؤشرات تلوح في الآفق بشأن اتفاق للتهدئة في السودان.
ويرى أن تركيز الجهود الدولية حاليا يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية، ولا جهود تتعلق بالعملية السياسية في السودان، مشيرا إلى أن مساعي واشنطن في جمع الأطراف المتحاربة في السودان لم تنجح.
وأعلنت واشنطن الخميس عن تخصيصها مبلغا إضافيا بقيمة 200 مليون دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان، ليرتفع بذلك إجمالي المساعدات الأميركية إلى 2.3 مليار دولار.
وأضاف هدسون أن واشنطن أيضا لم تنجح في وضع حدود للقوى الدولية التي تغذي الصراع في السودان، لافتا إلى أن الولايات المتحدة “في وضع صعب” فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمة في السودان، خاصة مع تبقي شهر واحد لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن.
ولا يعتقد أن الأزمة في السودان تتصدر أولويات إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب.
منذ أبريل 2023، يشهد السودان حربا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي.
وقال هدسون إن تقديم المساعدات لوحدها للسودان غير كافية، ولكن ما نحتاج إليه هناك هو حل سياسي للأزمة، مشيرا إلى أن واشنطن لم تستخدم كل الأدوات المتاحة لها للضغط في هذا الإطار، إذ لم تفرض عقوبات، ولم يتم إيقاف تغذية الصراع من قوى إقليمية.
والخميس، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن السودان قد يشهد أكبر مجاعة في التاريخ الحديث، مع 1.7 مليون شخص في البلد إما يعانون الجوع أو هم معرضون له، إضافة إلى ذلك، يعاني حوالي 26 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في البلد.
وأوضح هدسون أنه تم فرض عقوبات على بعض الأفراد في قوات الدعم السريع، والتي لم تكن فعالة لتغيير سلوكيات هذه القوات، وفي الوقت الذي ظهرت فيه دلائل على تقديم دولة الإمارات لأسلحة في السودان إلا أن واشنطن لم تتحدث بصرامة معها بهذا الشأن، تم الاكتفاء بنفي أبو ظبي إرسال أسلحة، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تفضل علاقاتها مع الإمارات وإن كان ذلك على حساب مقتل العديد من المدنيين في السودان.
وقال هدسون إن رد وكالات الأمم المتحدة لم يكن كافيا في السودان، وهذا يعود للتمويل وللأولويات التي تفرضها الدول الأعضاء على المشهد، إذ أنها لا تحظى بذات الأولوية مثل ما يحدث في حرب أوكرانيا، أو حرب إسرائيل في غزة.
وتسيطر قوات الدعم السريع بشكل شبه كامل على إقليم دارفور ومساحات واسعة من منطقة جنوب كردفان ومعظم وسط السودان، بينما يسيطر الجيش النظامي على شمال وشرق البلاد.
وحتى الآن، لم يتمكن أي من المعسكرين من السيطرة على كامل العاصمة الخرطوم التي تبعد ألف كيلومتر شرق مدينة الفاشر.
وأودت الحرب بحياة عشرات الآلاف وشردت أكثر من 11 مليون شخص وتسببت بما تعتبره الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في الذاكرة الحديثة.
ويتهم الجيش وقوات الدعم السريع باستهداف المدنيين والمرافق الطبية بشكل عشوائي، وبقصف مناطق سكنية عمدا.

الحرة

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • قانون المسؤولية الطبية يثير الجدل بين النواب خلال الجلسة العامة (تفاصيل)
  • بعد إثارة الجدل بسبب مواد الحبس الاحتياطي.. البرلمان يوافق مبدئيا على مشروع قانون المسئولية الطبية.. ومطالبات بتحديد تعريف دقيق للمضاعفات
  • افتتاح معرض منتجات نزلاء السجون بمول عُمان
  • مستشفى في أربيل يحذر من تزايد حالات الوفاة بسبب الصعقات الكهربائية
  • الازدحامات المرورية في بغداد: أزمة خانقة أم فشل حكومي في توفير حلول مستدامة؟
  • تعرف على ضوابط الحبس الاحتياطي بقانون المسؤولية الطبية الجديد
  • أزمة السودان.. جهود دولية إنسانية دون حل سياسي في الأفق
  • قانون الإجراءات الجنائية.. 48 ساعة أقصى مدة للفصل باستئناف الحبس الاحتياطي
  • حاكم سوريا الآن خطط لمذبـحة الواحات.. مصطفى بكري يكشف تفاصيل صادمة
  • بنكيران يدعو رئيس الحكومة المغربية إلى الاستقالة بسبب تضارب المصالح