أثارت نتائج الانتخابات الجزائرية والتي فاز بها الرئيس عبد المجيد تبون جدلاً واسعًا، إذ انخفضت نسبة المشاركة إلى 23.3%، مما يدل على عدم رضا الكثير من المواطنين عن العملية الانتخابية، تزامنا مع مخاوف من عودة النفوذ العسكري في السياسة الجزائرية، حيث يعتقد أن الجيش لا يزال يحتفظ بسلطة كبيرة في البلاد.

ونشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا تحدثت فيه عن هشاشة مؤسسة الرئيس المعاد انتخابه عبد المجيد تبون التي تهدد السلطة المدنية الجزائرية بزيادة نفوذ الجيش.



وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن رئيس الدولة المنتهية ولايته، الذي أراد استعادة شرعيته بعد انتخابات أولية فوضوية في نهاية سنة 2019 على خلفية حركة الحراك المناهضة للنظام، يبدأ ولايته الثانية على أساس هش.

وتضيف الصحيفة أن هشاشة موقف السيد تبون سوف تؤثر بشكل قاطع على تشكيل السلطة في الجزائر وستؤدي إلى صعود قوة الجيش الوطني الشعبي الجزائري. إن الحضور القوي ـ وغير المعتاد - للجنرالات بين الضيوف الرسميين الذين حضروا حفل أداء الرئيس - المعاد انتخابه في السابع عشر من أيلول /سبتمبر - اليمين في الجزائر العاصمة، يبعث بإشارات بليغة مفادها أن تبون تحت المراقبة. وخلال الحملة الانتخابية، كان رئيس أركان الجيش، سعيد الشنقريحة، يرافقه باستمرار في زياراته.


الحراك، تهديد وجودي
وبحسب الصحيفة؛ يعارض البعض فكرة أن المؤسسة العسكرية كانت دائمًا تشكل العمود الفقري للنظام منذ الاستقلال سنة 1962. وكان الانقلاب الذي قامت به عشيرة هواري بومدين – قائد جيش الحدود آنذاك – ضد قوى الداخل في فجر الاستقلال قد وضع حجر الأساس "للنظام السياسي العسكري" على حد تعبير الحقوقي مجيد بنشيخ، العميد السابق لكلية الحقوق بالجزائر العاصمة. وفي أواخر الثمانينات تغيرت الاتجاهات حيث انسحب الجيش الوطني الشعبي الجزائري من الحياة السياسية ومن قيادة جبهة التحرير الوطني عند الإعلان عن نهاية الحزب الواحد في أعقاب أعمال الشغب التي وقعت في تشرين الأول/ أكتوبر 1988.

وتمت المصادقة على فك الارتباط بموجب دستور شباط/ فبراير 1989، مما مهد الطريق لنظام متعدد الأحزاب. مع ذلك، ظل الجيش متواجدا في الساحة من خلف الكواليس، حيث واصل صنع الرؤساء وكسرهم وفق مكائد مبهمة. وكان هذا هو الحال عند توقف العملية الانتخابية سنة 1992، وطوال فترة الحرب "العقد الأسود".

وأوردت الصحيفة أنه بمجرد استعادة الاستقرار، حرص الجيش على إعادة الوجه المدني للدولة. وكان عبد العزيز بوتفليقة الذي ترأس البلاد بين عامي 1999 و2019 وجهًا لذلك. شكلت ظروف سقوط بوتفليقة، في قلب اضطرابات الحراك سنة 2019 نقطة عودة إلى الأساسيات أي الجيش، الذي عزله فجأة في محاولة لتهدئة الشارع.

وكان عبد المجيد تبون آنذاك هو الرهان المدني الجديد للقيادات العسكرية، التي أصرت على اتخاذ احتياطات إضافية. إن الخوف الكبير من الحراك، الذي اعتبرت مطالبته بـ"دولة مدنية غير عسكرية" تهديدًا وجوديًّا للنظام، قد ترك آثارًا عميقة. وعليه، كان من الضروري تأمين الترسانة التشريعية والتنظيمية بثلاث طرق. وهكذا، عهدت المراجعة الدستورية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 إلى الجيش بمهمة "الدفاع عن المصالح الحيوية والإستراتيجية" للبلاد.

وفي كانون الأول/ديسمبر 2021، صدر مرسوم جعل للعنصر العسكري أغلبية داخل المجلس الأعلى للأمن، مما أتاح له التدخل في الاستفتاء بشأن المسائل ذات “الطبيعة الأساسية”.


تعقيم الحياة السياسية
ووفق الصحيفة؛ يرى الباحث ماسنسن الشربي المتخصص في الأسس القانونية للجيش الجزائري أن خير مثال على ذلك يُعد نشر مرسوم في حزيران/ يونيو الماضي وعشية افتتاح الحملة الانتخابية يسمح في الوقت الراهن بتعيين ضباط الجيش في الإدارة المدنية، وبشكل أكثر تحديدًا في القطاعات "الإستراتيجية والحساسة". بعد ذلك، يوسع الجيش نفوذه ليشمل وظائف الحكم التي كانت في السابق مخصصة لكبار موظفي الخدمة المدنية لتصبح العسكرة الفعلية أمرًا واقعًا بحكم القانون.

ويؤدي هذا التحول التدريجي إلى تآكل أحد الركائز الأساسية للنظام السياسي الجزائري، ألا وهو العلاقة التعاقدية بين المجالين المدني والعسكري.

من جانبه، يقول علي بن سعد، الأستاذ في المعهد الفرنسي للجغرافيا السياسية بجامعة باريس الثامنة: "لقد نجح الجيش دائمًا في التعامل مع شريك مدني ذي مصداقية وله جذور سياسية واجتماعية". ومع ذلك، فإن عقم الحياة السياسية الجزائرية – بسبب دورات متتالية من القمع – أدى في نهاية المطاف إلى حرمانه من مثل هذا التتابع، وأجبره على الاندفاع المتهور في التوسع اللانهائي لمجال تدخله.


وبينت الصحيفة أن فشل الانتخابات الرئاسية التي نظمت في السابع من أيلول/سبتمبر، والتي لم ينجح سيناريوها المرسوم مسبقاً في منع حدوث ارتباك واسع النطاق خير دليل على ذلك.

في ختام التقرير؛ تنقل الصحيفة عن بن سعد تأكيده أن "الجيش لا يستطيع حتى تفعيل الصلاحيات التي منحها لنفسه"، مشيرًا إلى أن تحول السلطة المطلقة إلى عاجزة يدعو للقلق.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الجزائرية عبد المجيد تبون الجيش الجزائر الجيش عبد المجيد تبون الانتخابات الجزائرية سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

سو-57.. تفاصيل صفقة المقاتلة الروسية التي ستمتلكها الجزائر

موسكو- أعلنت الجزائر رسميا أنها ستستلم الجيل الخامس من مقاتلات "سو-57" الحربية الروسية، لتكون بذلك أول دولة أجنبية تحصل على هذا النوع من الطائرات الحربية الروسية المتطورة، وأضافت أن الطيارين الجزائريين موجودون الآن في روسيا للتدرب على قيادتها.

ومن المقرر أن تبدأ عمليات تسليم هذه الطائرات ذات القدرات الشبحية قبل نهاية العام الحالي، وفق تأكيدات رسمية روسية وجزائرية، لكن لم يتم الكشف عن عدد الطائرات المنوي تسليمها وسعرها أيضا، بينما تفيد تقارير عسكرية روسية وغربية أن تكلفة الطائرة الواحدة تبلغ 35 مليون دولار.

ولكن كما هو الحال عادة مع السلع العسكرية، من المرجح أن يكون سعر التصدير أعلى، ومن المتوقع كذلك أن تمول الجزائر جزءا من عملية الشراء من خلال "صفقات مضادة"، إذ تتمتع البلاد بموارد طبيعية قد تكون موضع اهتمام بالنسبة لروسيا.

معظم المعلومات المتعلقة بطائرة "سو -57" محاطة بدرجة عالية من السرية (رويترز) الطائرة المعجزة

تصف روسيا "سو-57" بأنها "طائرة معجزة" تملك قدرات تكنولوجية لا مثيل لها، وقال عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنها "أفضل طائرة في العالم".

وفي السنوات الأخيرة، شاركت شركة سوخوي المصنعة لـ"سو-57″ في المعارض الجوية في الصين والهند، بهدف جذب المشترين، وفي أغسطس/آب 2011، تم عرض الطائرة لأول مرة للجمهور في معرض "ماكس" الدولي للطيران، مع ذلك، تم تأجيل الإنتاج التسلسلي إلى منتصف عام 2019، كما سبق أن ساهمت الهند ماليا في تطوير المشروع قبل أن تنسحب منه في عام 2018.

ويشير محلل الشؤون العسكرية يوري كنوتوف إلى أن معظم المعلومات حول طائرة "سو -57" سرية، ولهذا فإن المعروف حاليا هو الخصائص التقريبية.

إعلان

ووفق رأيه، تعد "سو-57" واحدة من الطائرات الأكثر تقدما في العالم، نظرا لاحتوائها على العديد من الأنظمة الجديدة، بما في ذلك الصواريخ التي تسمح بتدمير الأهداف على مسافة لا يمكن الوصول إليها باستخدام الطائرات الأخرى، الروسية والأجنبية على حد سواء.

ويشرح كنوتوف أن "سو-57" تعتبر أكبر من "إف -22" من ناحية طول الجناحين والهيكل، ولكنها أصغر من طائرة "سو-27" من حيث الوزن، وتنتمي في العموم إلى فئة المقاتلات الثقيلة.

ويتابع بأنها تلبي بشكل كامل جميع متطلبات مقاتلات الجيل الخامس من حيث انخفاض الضوضاء، بسبب المزيج الذي تمتلكه من تقنيات التخفي وأنظمة الحرب الإلكترونية، كما أن لديها سرعة تفوق سرعة الصوت، وقادرة على المناورة مع الأحمال الزائدة العالية، ومجهزة بإلكترونيات متقدمة ومتعددة الوظائف.

علاوة على ذلك، تتمتع الطائرة بالقدرة على التحكم بها عن طريق الذكاء الاصطناعي أو عن طريق المشغل عن بعد، وعلى مسافات كبيرة من القاعدة، دون الحاجة لأن تكون مأهولة، ويعني ذلك إزالة القيود المتعلقة بالجانب الجسدي للطيارين في حالات السرعة والمناورة، وبالتالي ستتوقف الأحمال الزائدة عن لعب دور في تكتيكات القتال.

تعاون تاريخي

يعود تاريخ التعاون العسكري بين البلدين إلى الحقبة السوفياتية، حيث بدأت الجزائر بعد حصولها على الاستقلال بعملية تشكيل القوات الجوية للجيش الجديد، وحصلت على أولى مقاتلاتها السوفياتية من طراز "ميغ-15" من مصر عام 1962.

وفي الوقت نفسه، تسلمت الجزائر طائرات مروحية متعددة الأغراض من طراز "مي 4" من الاتحاد السوفياتي، حيث تدرب طيارو القوات الجوية الجزائرية الشابة فيه، وفي بعض الدول العربية المجاورة.

وبحلول نهاية الستينيات من القرن الـ20، تم استلام المزيد من مقاتلات "ميغ-21" الحديثة وقاذفات "إيل-28″، وحصلت الجزائر لأول مرة على أنظمة صواريخ مضادة للطائرات من طراز "إس 75" السوفياتية الحديثة، التي تم استخدامها في ذلك الوقت في فيتنام ضد الطائرات الأميركية.

إعلان

تجدر الإشارة إلى أن الجزائر كانت قد جددت أسطولها الجوي ليس فقط بالمعدات الجوية السوفياتية، بل اختارت العروض الأكثر فائدة واشترت طائرات ومروحيات من بلدان مختلفة، فبالإضافة إلى طائرات "ميغ-23" و"ميغ-25″، اشترت الجزائر في أواخر الثمانينيات أحدث قاذفات الخطوط الأمامية من طراز "سو-24 إم" من الاتحاد السوفياتي.

وفي تسعينيات القرن الـ20 والألفينيات، جرت عملية إعادة تسليح حقيقية للطيران الجزائري بطائرات من الجيل الرابع، حيث تم استلام مقاتلات "ميغ-29″ من أوكرانيا وبيلاروسيا، وطائرات إضافية من طراز"سو- 24" وأحدث طائرات "سو-30" من روسيا.

وخلال العقد الأول من القرن الـ21، تم توقيع عقد لتوريد مقاتلات تدريب من طراز "ياك -130" ومقاتلات روسية أخرى متعددة المهام.

الصفقة العسكرية تحمل أبعادا سياسية للطرفين الجزائري والروسي برأي محللين (رويترز) مكسب للطرفين

يقول الخبير الإستراتيجي رولاند بيجاموف إن "الجزائر شريك تقليدي لروسيا في المجال العسكري والتقني، وهي الدولة الوحيدة من بين شركاء روسيا التي تعتبر الأكثر التزاما في مجال شراء السلاح، خلافا للهند ومصر اللتين قامتا بإلغاء صفقة مشابهة لشراء طائرات "سو -35".

وعلى هذا الأساس، يعتبر المتحدث أن الصفقة لها أبعاد سياسية أيضا، مشيرا إلى أن روسيا كانت تبيع الأسلحة إلى فنلندا، ولكن بعد أن أصبحت هلسنكي ضمن حلف شمال الأطلسي "الناتو" فلن يتم بطبيعة الحال نقل أي شيء إليها بعد الآن.

وحسب ما يوضح للجزيرة نت، تتيح الصفقة للجزائر رفع وزنها الإقليمي، لا سيما على ضوء إعلان المغرب شراء 25 طائرة "إف-16" من الولايات المتحدة، كما أن الإعلان عن الصفقة يقلل من المزاعم بوجود تباينات بين موسكو والجزائر حيال الأوضاع في إقليم أزواد، ودعم روسيا للحكومة المركزية في مالي.

كما يرجح بيجاموف أن يؤدي تصدير طائرات "سو-57" للجزائر إلى توسيع الإنتاج التسلسلي لهذه الطائرة، "وستسمح العائدات ليس فقط بزيادة القدرة الإنتاجية، ولكن أيضا بإجراء أعمال التحديث عليها".

إعلان

ويضيف أن "العقوبات الغربية والحرب مع أوكرانيا أثرتا على وتيرة تصنيع وتصدير هذه الطائرات إلى حد كبير، على الرغم من أن الطائرة تحظى باهتمام كبير من قبل العملاء الأجانب".

مقالات مشابهة

  • الحكم الإسباني الذي طرد بيلينجهام يواجه تحقيقات بشأن أعماله التجارية
  • مصر أكتوبر: خطة إعادة إعمار غزة انتصار لرؤية مصر
  • سو-57.. تفاصيل صفقة المقاتلة الروسية التي ستمتلكها الجزائر
  • غروندبيرغ : اليمن يواجه تحديات هائلة 
  • غروندبرغ: اليمن يواجه تحديات هائلة بينها حملة الاعتقالات التي تشنها جماعة الحوثي
  • الرئيس الجزائري: الاستعمار الفرنسي كان وحشيا وعطل مسيرتنا
  • الجيش اللبناني يدخل إلى بلدة العدسة.. ومسئول إسرائيلي: انتصار لحزب الله
  • تبون: الاستعمار الفرنسي وحشي وعطل مسيرة الشعب الجزائري
  • تبون لـ”المنفي”: الجزائر تقف معكم لبناء مؤسسات تحفظ سيادة ليبيا
  • الحوت: لبنان يواجه تحديات كبرى تستدعي استراتيجيات شاملة