ماذا بعد اغتيال حسن نصر الله؟
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
منذ الإعلان عن الهجوم الإسرائيلي على المقر المركزي لحزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت، والجدل لا يتوقف عن مصير السيد حسن نصر الله الأمين العام للحزب، ساعات من الجدل، والأخبار المتضاربة، حتى أعلن الحزب عن استشهاد أمينه العام صباح أول أمس السبت..
لم يكن السيد حسن نصر الله هو وحده الذي استشهد في هذه العملية الإجرامية التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي وأسقط فيها 8 قنابل خارقة للتحصينات من نوع «هايفي هايد»، حيث تزن الواحدة منها طنًا من المواد شديد الانفجار، ولكن أيضًا استشهد فيها عدد ليس بالقليل منهم علي كركري قائد المنطقة الجنوبية للحزب وقيادات أخرى من رجالات الصف الأول، بالإضافة إلى قائد الحرس الثوري الإيراني المسئول عن الساحة اللبنانية.
وكانت المعلومات التي ترددت في عدد من العواصم أشارت إلى أن القنبلة الواحدة من هذا النوع قادرة على اختراق التحصينات بعمق ما بين 50-70 مترًا تحت الأرض، حيث يوجد في مقر الحزب في الطابق 14 تحت الأرض، كما أن هذه القنابل سلمتها أمريكا لإسرائيل مؤخرًا بهدف تنفيذ عملية اغتيال السيد حسن نصرالله، والتي أطلق عليها الإسرائيليون اسم «النظام الجديد»، وبعد الإعلان رسميًا عن نجاح العملية الإسرائيلية في تحقيق أهدافها، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ما حدث بعد عودته إلى تل أبيب بقوله: «هذه أيام عظيمة، ونحن أمام نقطة تحول تاريخية، ومصممون على مواصلة ضرب أعدائنا، كما أن إدارة الرئيس الأمريكي «بايدن» أصدرت بيانًا عبرت فيه صراحة عن دعمها للعملية الإسرائيلية ومقتل حسن نصر الله».
قبل هذه العملية بأيام قليلة كانت قد وقعت تفجيرات متزامنة لأجهزة النداء الآلي «البيجر»، والتي تحملها عناصر من حزب الله في منطقة الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت وسوريا والعراق، وأدت في 17 من سبتمبر 2024 إلى مقتل شخص وإصابة نحو 3 آلاف من عناصر الحزب، ثم تبعتها في اليوم التالي موجة تفجيرات متزامنة لأجهزة «ووكي توكي» أدت إلى مقتل 20 شخصًا وجرح أكثر من 450 من عناصر الحزب.
وقد كشفت التحقيقات الأولية التي أجريت في أكثر من عاصمة أوربية وآسيوية أن عناصر تابعة للموساد الإسرائيلي نجحت في زرع شحنة متفجرة في هذه الأجهزة التي اشتراها حزب الله مؤخرًا.
لقد تسببت هذه العملية في ضربة موجعة لهيئة الحزب ومعنويات أنصاره، وهو أمر تسبب في حالة صدمة للكثيرين، وفي نفس الوقت أكدت أن إسرائيل قادرة على تحقيق الاختراق داخل أوساط الحزب وتعطيل شبكة الاتصالات التي يعتمد عليها الحزب اعتمادًا رئيسيًا.
وهذه العملية وقعت في أعقاب قرار المجلس الوزاري للشئون السياسية والأمنية خلال اجتماعه في 16 من سبتمبر، والذي قضى بتوسيع أهداف الحرب، بزعم إجبار حزب الله على التوقف عن حرب الإسناد التي أطلقها حزب الله لمساندة غزة في أعقاب عملية «طوفان الأقصى»، بما يفضي إلى عودة النازحين الإسرائيليين الذين يقترب عددهم من 100 ألف إلى البلدات والمستوطنات الشمالية التي نزحوا منها.
منذ هذا الوقت أدرك الجميع أن الحرب دخلت مرحلة جديدة، تم استدعاء قوات النخبة من قطاع غزة، كما تمت الاستعانة بلواءين من الاحتياط وكان الغرض الأساسي هو شن حرب شاملة ضد حزب الله بهدف التخلص من الضغوط الداخلية والخارجية التي تسعى إلى إقناع رئيس الحكومة الإسرائيلية بتوقيع اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار، وتبادل الرهائن مع حركة حماس.
وبالفعل نجح مخطط نتنياهو في تحقيق أهدافه المعلنة، ما يفتح الباب للغزو البري الإسرائيلي لمنطقة الجنوب اللبناني، خاصة أن تصريحات إسرائيلية صدرت تؤكد هذا المعنى، وتصريحات صدرت أمس نقلًا عن مسئول أمريكي رفيع المستوى أشار فيها إلى احتمال قيام إسرائيل بعملية برية محدودة، بهدف ضمان أمن الشمال (الإسرائيلي)، وإعادة النازحين إلى بيوتهم.
ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بخطورة وتداعيات هذه الأحداث التي شهدها وسيشهدها لبنان خلال الأيام القليلة القادمة، خاصة مع ازدياد حدة القصف على الضاحية الجنوبية وقرى الجنوب، والعديد من المناطق الأخرى، يقابلها قصف المقاومة للعديد من المناطق بصواريخ الكاتيوشا مما ألحق الخسائر وأحدث حالة من الذعر دفعت الإسرائيليين إلى النزول إلى الخنادق في كافة المناطق.
وإذا كان المجلس القومي الإيراني الذي عقد اجتماعه أمس لمناقشة تداعيات الأحداث في لبنان، قد توعد بازدياد حدة وشراسة المقاومة، إلا أن الموقف الإيراني لا يزال حتى الآن يراوح مكانه، خاصة أن مرشد الثورة الإسلامية الإمام خامنئي يرى بضرورة تجنب الحرب على عكس الرؤية التي يتبناها الحرس الثوري.
ويرجح البعض أن تتزايد حدة الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي تشنها القوى المرتبطة بإيران في اليمن والعراق تحديدًا إلى جانب حزب الله دون أن تتورط إيران بشكل مباشر في الحرب، حتى تتجنب الخسائر الفادحة التي يمكن أن تنجم عن دخولها الحرب ضد إسرائيل.
ويبقى القول أخيرًا إن كافة السيناريوهات مطروحة، وإن تفاعلات الأحداث واتساع الضربات هي وحدها التي يمكن أن تحدد توسعه الحرب أو بقاءها محصورة بين إسرائيل وكل من غزة والضفة ولبنان.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: حسن نصر الله هذه العملیة حزب الله
إقرأ أيضاً:
شالوم حماس.. ماذا تخفي إسرائيل في حربها الجديدة؟
في 5 مارس/ آذار الجاري، وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحذيرًا شديد اللهجة لحركة حماس عبر منصته "تروث سوشال"، مستهلًا رسالته بعبارة "شالوم حماس"، موضحًا أن الكلمة تعني "مرحبًا ووداعًا" في آن واحد. وطالب ترامب حينها الحركة بالإفراج الفوري عن جميع الرهائن وإعادة جثث القتلى، مهددًا بأن عدم الامتثال سيؤدي إلى "نهايتهم".
كما أشار إلى أن الولايات المتحدة ستقدم لإسرائيل كل ما تحتاجه "لإنهاء المهمة"، محذرًا من أن أي عضو في حماس لن يكون في مأمن إذا لم يتم تنفيذ مطالبه. ودعا ترامب قيادات الحركة إلى مغادرة غزة قبل فوات الأوان، مؤكدًا أن مستقبلًا مشرقًا ينتظر سكان القطاع إذا تم الإفراج عن الرهائن، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة.
ولم تكد يمضي أسبوعان على ذلك التهديد، حتى أمطرت الطائرات الإسرائيلية سماء غزة وأرضها بالقنابل والقهر، وذلك في هدأة السحور الرمضاني، حيث لم تكد غزة بعد قد لملمت جراحها من عدوان ضروس استمر قرابة العام والنصف.
هل تفعلها إسرائيل؟مع كل تصعيد عسكري إسرائيلي ضد غزة، يتكرر التساؤل: هل هذه حرب تكتيكية لإضعاف المقاومة، أم خطوة في مخطط استراتيجي طويل الأمد لتغيير الخريطة السكانية والسياسية في فلسطين؟
هل تفعلها إسرائيل هذه المرة: التهجير؟
يبدو للوهلة الأولى أن التصعيد الإسرائيلي الجديد هدفه إحداث اختراق في ملف الأسرى والعض على أصابع حماس لتحرير الجنود الإسرائيليين ومن معهم من مواطني الرئيس الأميركي ترامب مزدوجي الجنسية.
وفي نطاق أوسع، فإن البعض يرى في هذه الحرب مجرد "ردع"، فيما يعتقد آخرون أنها جزء من خطة أشمل تسعى إسرائيل لتنفيذها منذ عقود، مستفيدة من ضعف النظام الإقليمي وتغير أولويات القوى الكبرى، فهل نحن أمام حرب جديدة أم محاولة لصياغة معادلة مختلفة بالكامل؟
غايات إسرائيل العسكرية والسياسيةتسعى إسرائيل من خلال عملياتها العسكرية في غزة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف العسكرية والسياسية، تتراوح بين القضاء على المقاومة الفلسطينية أو إضعافها بشكل كبير، وبين استخدام الحرب كأداة داخلية لتخفيف الضغط عن الحكومة الإسرائيلية. ومنذ بداية العدوان، كرر المسؤولون الإسرائيليون أن الهدف الأساسي هو القضاء على حماس، وهو شعار يتكرر منذ عام 2008، لكنه لم يتحقق فعليًا في أي من الحروب السابقة. وتبدو العمليات الإسرائيلية في هذه الجولة أكثر عنفًا واتساعًا، إلا أن التساؤل يظل قائمًا حول ما إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لإنهاء المقاومة بالكامل، أم أن التوازنات الدولية تفرض على إسرائيل سقفًا معينًا لحملتها العسكرية، بحيث لا تصل إلى نقطة تؤدي إلى تداعيات دبلوماسية وأمنية غير محسوبة.
إلى جانب ذلك، هناك تزايد في الحديث عن مخطط محتمل لتهجير سكان غزة إلى سيناء أو مناطق أخرى، لكن دون وجود وثائق رسمية تؤكد تبني إسرائيل لهذه الاستراتيجية بشكل معلن. ويرى مؤرخون ومحللون أن التاريخ العسكري الإسرائيلي شهد عمليات تهجير قسرية واسعة النطاق منذ نكبة 1948، كما أن هناك سياسات مستمرة تهدف إلى "التضييق المعيشي" لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة الطوعية، عبر فرض حصار مشدد، وتدمير البنية التحتية، وجعل الحياة في غزة شبه مستحيلة.
إعلانومع ذلك، فإن تنفيذ عملية تهجير قسرية بشكل مباشر قد يؤدي إلى ردود فعل دولية غير محسوبة، خاصة إذا قررت بعض الدول الكبرى التدخل سياسيًا أو فرض عقوبات على إسرائيل. ورغم الضعف العربي الحالي، فإن هناك إدراكًا إسرائيليًا بأن إجبار الفلسطينيين على مغادرة أرضهم بالقوة قد يخلق أزمة دبلوماسية واسعة، قد لا تتحملها تل أبيب في هذه المرحلة.
وعلى الصعيد الداخلي، تواجه حكومة بنيامين نتنياهو واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، حيث تعاني من احتجاجات داخلية حادة، وخلافات بين الأجهزة الأمنية، إضافة إلى الضغوط السياسية والدبلوماسية المتعلقة بالحرب. في هذا السياق، يستخدم نتنياهو التصعيد العسكري كأداة سياسية داخلية لإعادة توحيد الشارع الإسرائيلي خلف حكومته، وتحويل الاهتمام عن الأزمات الداخلية، خصوصًا في ظل صراعه مع المحكمة العليا وأزمات الفساد التي تحيط بحكومته. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى نجاح هذه الاستراتيجية على المدى البعيد، وما إذا كانت ستؤدي بالفعل إلى تعزيز موقفه السياسي، أم أن التكاليف العسكرية والسياسية ستتجاوز الفوائد المتوقعة، مما قد يؤدي إلى تآكل دعم الشارع الإسرائيلي له بدلًا من تحقيق أهدافه السياسية.
تلعب البيئة الإقليمية والدولية دورًا حاسمًا في تحديد مسار الحرب الدائرة في غزة، حيث تعكس المواقف العربية والدولية توازنات القوى والمصالح المتشابكة في المنطقة. وفي العالم العربي، تواجه الأنظمة معضلة مزدوجة؛ فمن جهة، لا تستطيع تحمل عبء مواجهة إسرائيل سياسيًا أو عسكريًا في ظل الأوضاع الداخلية الهشة والانقسامات الإقليمية، ومن جهة أخرى، فإن أي قبول ضمني لمخطط التهجير القسري للفلسطينيين قد يتحول إلى كارثة سياسية، قد تهدد شرعية هذه الأنظمة أمام شعوبها. وبينما تبنت الدول الأكثر ارتباطًا بالقضية الفلسطينية، مثل مصر، الأردن، مواقف رافضة لسيناريو التهجير، فإن هذه المواقف لا تزال تندرج في الإطار اللفظي دون امتلاك أدوات فاعلة أو قرارات حاسمة لوقفه إن حدث.
إعلانعلى الجانب الأوروبي، تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية نتيجة لانشغال القارة بالصراع الأوكراني، الذي بات أولوية السياسة الخارجية والدفاعية للدول الغربية. وقد أدى ذلك إلى فتور واضح في مواقف العواصم الأوروبية تجاه التصعيد الإسرائيلي في غزة، حيث تظهر ازدواجية المعايير في التعامل مع الأزمات العالمية؛ ففي حين يتم دعم أوكرانيا ضد روسيا تحت شعار "الحق في الدفاع عن النفس"، يتم في الوقت ذاته تبرير الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين تحت الذريعة ذاتها. ورغم ذلك، بدأت بعض الدول الأوروبية، مثل إسبانيا وأيرلندا، في انتقاد السياسات الإسرائيلية بشكل أكثر صراحة، إلا أن هذه التحركات لم تصل بعد إلى مستوى التأثير الحقيقي على مجريات الصراع أو السياسات الإسرائيلية.
أما الولايات المتحدة، فتواصل دعمها التقليدي لإسرائيل، لكنها في الوقت ذاته تتعامل مع الحرب بحسابات استراتيجية دقيقة. فالتصريحات الأميركية تؤكد أن واشنطن لا تزال الراعي الأكبر لتل أبيب، لكن دون منحها تفويضًا مفتوحًا، إذ لا تريد الإدارة الأميركية أن تتحول الحرب في غزة إلى أزمة إقليمية كبرى قد تستنزف نفوذها في الشرق الأوسط. ومع تصاعد عمليات المقاومة في البحر الأحمر، يبدو أن توقيت التصعيد الإسرائيلي قد يكون جزءًا من مخطط أوسع لإبقاء إسرائيل قوة رادعة أمام القوى المناوئة للولايات المتحدة في المنطقة، مما يرسّخ التحالف الأمني الأمريكي-الإسرائيلي في ظل إعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية.
مستقبل الحرب.. إلى أين تتجه الأمور؟مع استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة، يظل التساؤل قائمًا حول مدى إمكانية تحقيق "الحسم "في هذه الحرب. ومنذ عام 2008، أثبتت التجربة العسكرية الإسرائيلية أن الحروب المتكررة على غزة لا تؤدي إلى حسم نهائي، وإنما تعيد تشكيل ميزان القوة مؤقتًا، دون القضاء الكامل على المقاومة. حتى في حال إضعاف القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية، فإن البنية التحتية للمقاومة لطالما أظهرت قدرة على إعادة بناء نفسها خلال فترة قصيرة، كما حدث في جولات الصراع السابقة. وبالتالي، فإن أي انتصار إسرائيلي سيكون محدودًا زمنيًا، وقد لا يغير المعادلة الاستراتيجية على المدى البعيد.
إعلانأما فيما يخص سيناريو التهجير القسري، فبالرغم من وجود مؤشرات على محاولات إسرائيلية لدفع سكان غزة إلى الخروج، فإن تطبيق هذا السيناريو بشكل واسع النطاق يواجه تحديات ضخمة. وعلى المستوى السياسي، سيؤدي التهجير إلى تفجر أزمة دبلوماسية دولية غير مسبوقة، خاصة إذا رُفض استقبال اللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاورة، مما قد يزيد الضغط الدولي على إسرائيل. أما على المستوى اللوجستي، فإن تهجير أكثر من مليوني فلسطيني يحتاج إلى بنية تحتية وموافقات دولية معقدة، وهو أمر غير متاح بسهولة. لذلك، قد تبقى فكرة التهجير مجرد أداة ضغط نفسي وسياسي أكثر من كونها خطة قابلة للتنفيذ في الواقع القريب. ولعل أكثر الجهات التي ستتحمل الضغوطات هي الدول العربية التي ستدقع فاتورة إعادة إعمار غزة، وذلك على طريقة ترامب في الصدمة والترويع حيث يرفع سقف المطالب في التفاوض ليحصل أقصى ما يستطيع من المنافع.
من جهة أخرى، ورغم التكاليف البشرية الهائلة، فإن المقاومة الفلسطينية أثبتت قدرتها على الصمود والاستمرار، مما يجعل من الصعب على إسرائيل تحقيق أهدافها بالكامل. وإذا فشلت إسرائيل في تحقيق "نصر استراتيجي"، فقد تتحول هذه الحرب إلى عامل تحفيزي لمزيد من التجنيد في صفوف المقاومة، بدلاً من إضعافها. في هذه الحالة، لن يكون الحسم العسكري سوى وهم قصير الأمد، وستظل غزة تمثل تحديًا استراتيجيًا دائمًا للحسابات الإسرائيلية، بغض النظر عن شدة القصف أو اتساع العمليات العسكرية.
بين الواقع والتوقعاتمع استمرار العدوان على غزة، يظل الغموض محيطا بمصير هذه الحرب، إذ لا يبدو أن هناك سيناريو واضحًا للحسم، سواء عسكريًا أو سياسيًا، لصالح أي من الأطراف. رغم القوة التدميرية الهائلة التي تستخدمها إسرائيل، إلا أن القضاء التام على المقاومة الفلسطينية لا يبدو احتمالًا واقعيًا، في ظل قدرتها المتكررة على إعادة بناء نفسها وإعادة التكيف مع الظروف المتغيرة.
إعلانأما سيناريو التهجير، ورغم أنه يبقى احتمالًا قائمًا في الخطاب السياسي الإسرائيلي، إلا أنه لا يزال غير محسوم، نظرًا للتعقيدات اللوجستية والسياسية التي تعترض تنفيذه. التحدي الأساسي يكمن في أن أي محاولة لترحيل سكان غزة قسرًا قد تؤدي إلى أزمة دبلوماسية كبرى، مما يجعل إسرائيل أكثر حرصًا على تحقيق "التهجير الطوعي" عبر التضييق الاقتصادي والمعيشي، بدلًا من اللجوء إلى ترحيل مباشر قد يشعل ردود فعل غير محسوبة إقليميًا ودوليًا.
في المقابل، لا تزال الدول الكبرى تستخدم الصراع لخدمة أجنداتها الأوسع، حيث تتعامل معه كأداة ضغط أو مساومة ضمن سياسات إقليمية ودولية أكثر تعقيدًا. وبينما تتغير الحسابات السياسية والعسكرية، تبقى غزة هي الضحية الرئيسية لهذه التوازنات الدولية، حيث يدفع المدنيون الفلسطينيون الثمن الأكبر لهذا التصعيد المستمر.
جاءت الجولة الجديدة من العدوان بتهديد ووعيد من ترامب حين تحدث بلسان عبري وقال "شالوم حماس". وإن دخول سيد البيت الأبيض في تفاصيل تكتيكات الحرب النفسية والإعلامية يجعل السيناريوهات المستقبلية أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.