ثقافة الانهزام لدى بعض العرب
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
تعاني الأمة العربية منذ عقود من قيام البعض ممن يطلقون على أنفسهم محللين سياسيين وإعلاميين ومثقفين وخبراء إستراتيجيين وغيرهم، الذين يدورون في فلك العدو، بدفعهم وتمجيدهم لإبرام اتفاقيات وإقامة علاقات مع العدو الصهيوني، وبثهم بكل ما يملكون من قدرات، لزرع روح اليأس والإحباط لدى مئات الملايين من الشعوب العربية والإسلامية، وتقزيم أي توجه لمقاومة هذا العدو المجرم لصده عن جرائمه؛ بحجة أن الدول العربية وشعوبها ضعيفة، ولا تملك القدرة على مواجهة هذا الكيان، وبالتالي لا توجد طريقة، حسب منظورهم، لدى الدول العربية، سوى القبول بكل ما يفعله هذا الكيان المجرم في فلسطين المحتلة من قتل وتدمير وإذلال للشعب الفلسطيني وخرق للقوانين والشرائع الدولية والإنسانية، وكذلك القبول بعدوانه المتكرر على لبنان.
خالد بن عمر المرهون متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حرکة حماس من العام فی العام
إقرأ أيضاً:
العرب بعد قمة القاهرة.. إلى أين؟
يمانيون../
وأخيراً اجتمع العرب في القاهرة على نية فلسطين وسورية، واحتفوا بضيفين جديدين يحضران للمرة الأولى على مائدة مؤتمرات الخطابة العربية، الأول الرئيس اللبناني العماد جوزف عون القائد السابق للجيش الذي حمل معه وعود الاستقلال والنضال من أجل تحرير آخر شبر من البلاد على صهوة القرارات الدولية، مكرّساً العودة الفاعلة إلى الخيمة العربية التي كان لبنان من أوائل زارعي أوتادها وناسجي صيغتها، والثاني الرئيس السوري الانتقالي أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) القائد السابق لجيش “تحرير الشام” الذي أوغلت بعض جماعاته بسفك دماء اللبنانيين وجنود الجيش اللبناني وضباطه، ولكنه اليوم حضر مرتدياً بذلة “السموكينغ” الفاخرة معلناً انضمامه وبلاده إلى منظومة العرب بعد أن فعل “الخريف العربي” فعله في إعادة تشكيلها وفق المعايير الغربية.
حضرت فلسطين في خطابات القمة ومشاوراتها وفي بنود بيانها الختامي، وأجمع الحاضرون كلّهم على محورية القضية ولكن في موقعها المستجدّ تأسيساً على قمة بيروت ومقرراتها في العام 2002، عبر المطالبة بتطبيق مشروع “حل الدولتين” وتقسيم القدس الشريف إلى عاصمتين: شرقية فلسطينية وغربية “إسرائيلية”، والإضافة البارزة كانت “ضمان التعايش السلمي بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي”، وبالطبع غابت “المواقف العنترية” حول الصراع العربي – الإسرائيلي، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ونيل حقوقه واستعادة حريته واستقلاله، وتقزّمت القضية إلى حدود خطة مصر التي تضع إطاراً زمنياً مدته خمس سنوات لعملية إعادة إعمار قطاع غزة “بأيدٍ فلسطينية” على مرحلتين بكلفة 53 مليار دولار، وضمان بقاء الفلسطينيين في أرضهم، هذا فضلاً عن تمكين السلطة الفلسطينية من إدارة القطاع، وإناطة مصر والسعودية مسؤولية متابعة تطبيق الخطة “الإنسانية”.
اجتهد العرب لعقد قمتهم في القاهرة بعد “لقاء أخوي ودّي” جرى في الرياض في 21 شباط الفائت دعا إليه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وكان عنوانه المعلن بحث الموقف من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمصادرة قطاع غزة وتحويله إلى “ريفييرا الشرق” وتشريد سكانه، واللافت أن من حضر اللقاء هم قادة دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر فيما غاب عنه أصحاب القضية وممثلوها.. الهدف إذن لم يكن إنقاذ فلسطين ولا تحرير القدس والمسجد الأقصى، بل التداول بشأن مصير الأردن ومصر في ظل ابتزاز ترامب لرئيسيها الملك عبد الله وعبد الفتاح السيسي وإلزامهما باستقبال الفلسطينيين المرحّلين من القطاع.
بالعودة إلى القاهرة وقمتها ذات الخطاب الوجداني العالي النبرة، فقد عاد الجميع إلى استحضار قرارات القمم السابقة للعرب حول رؤيتهم للتسوية الشاملة و”السلام في الشرق الأوسط” دون أن يظهر أي برنامج عملي لتحقيق ذلك في حدّها الأدنى، وفيما غابت شعارات “من البحر إلى النهر” و”القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين” جاء “العنفوان” العربي مرهوناً بتطبيق القرارات الدولية التي لطالما كانت مسوّغاً لاستمرار “إسرائيل” في توسيع رقعة عدوانها وهيمنتها على فلسطين وبلاد العرب، فكيف وهي الآن تمتد باحتلالها إلى الأراضي السورية وتتعنّت في إبقاء احتلالها لأراضٍ لبنانية وترفض الانصياع لتطبيق القرار الدولي 1701!؟.
ذهب بعض التحليلات إلى القول: “يبدو أن العرب قرروا مواجهة ترامب وبنيامين نتنياهو” برفضهم مشروعه الإبراهيمي انطلاقاً من قطاع غزة وتبنّي الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة، ولكن سرعان ما أعلن البيت الأبيض رفضه هذه الخطة والتزام ترامب بخطة “ريفييرا غزة” بذريعة أن المشروع المصري “لا يعالج حقيقة أن غزة غير صالحة للسكن حالياً”، أما “تل أبيب” فقد وصفت مقررات قمة القاهرة بأنها “وجهات نظر عفا عليها الزمن”.. إنه الزمن الذي يعود بالقضية إلى مدينة فاس المغربية في 25 تشرين الثاني العام 1981 حيث عقد العرب قمة غابت عنها مصر، ولم تدُم سوى خمس ساعات نتيجة رفض سورية لخطة الملك السعودي فهد لحل أزمة الصراع العربي – “الإسرائيلي”.
آنذاك كان وزير الخارجية الأمريكي ألكسندر هيغ قد دعا إلى “قيام شرق أوسط جديد” قائم على التعاون بين العرب و”إسرائيل” لمواجهة التهديدات الإقليمية و”لردع أي تدخل سوفييتي والدول العاملة لحسابه”، فقابله الملك فهد بمبادرة “المبادئ الثمانية” التي مهّدت لمشروع “حل الدولتين” على أرض فلسطين تحت عنوان “تأكيد حق دول المنطقة في العيش بسلام”، وعلى الرغم من ذلك فقد رفضت مصر المبادرة معلنة تمسّكها باتفاقية “كامب دايفيد”، كما رفضها مناحيم بيغن للسبب نفسه متّهماً الرياض بالسعي إلى “تدمير دولة إسرائيل على مراحل”.
عاد العرب للاجتماع استثنائياً في مدينة فاس أيضاً في 6 أيلول العام 1982 بغياب مصر وليبيا، ولكن بعد أن قامت “إسرائيل” باجتياح لبنان في حزيران من العام نفسه، واعترفت القمة ضمنياً بالكيان الصهيوني، وأقرّت ما أسمته “مشروع السلام العربي مع إسرائيل” دون أن تسقط في بيانها المواقف الكلاسيكية المعتادة حول الشأنين اللبناني والفلسطيني من إدانات ومطالبات سقطت وتقلّصت بتواتر القمم، ولكنها أسست لنهج عربي جديد تبلور بشكل متنامٍ في القمم اللاحقة وهي الإجماع على معاداة إيران، حيث أكّدت قمة العرب يومذاك بخصوص الحرب العراقية – الإيرانية أن “أي اعتداء على أي قطر عربي اعتداء يعدّ على البلاد العربية جميعاً”، أما ياسر عرفات فاكتفى بالإسرار لأحد مساعديه بالقول: “استعدوا للضربة، ولقد أديتم بضغطكم هذا إلى موقف سيؤدي إلى رفع الغطاء العربي عنا، واللهم اشهد أني بلغت”.
رفضُ العرب مشروع التسوية السعودي في مؤتمر فاس الأول العام 1982 دفع الملك فهد إلى سحبها “حرصاً على الإجماع العربي”، فقامت “إسرائيل” بغزو لبنان في حزيران 1982 برعاية وحماية ودعم أمريكي مطلق، وكان من نتائج الغزو القضاء على بندقية المقاومة الفلسطينية وترحيل قياداتها ومقاتليها إلى عدد من الدول العربية، فعاد العرب إلى فاس مرة أخرى بعد أشهر وأقرّوا المشروع، فرفضته “إسرائيل” اعتماداً على الواقع الجديد الذي تمثّل بالمنطقة العازلة (الشريط الحدودي المحتل) في جنوب لبنان، وعادت لتؤسس لحروب جديدة بعد بروز المقاومة في لبنان وفلسطين وصولاً إلى عدوان أيلول العام 2024، وتأسيساً على نتائج هذا العدوان وفق التقييم الأمريكي – “الإسرائيلي” استأنف ترامب تسويق مشروع “الشرق الأوسط الجديد” تحت عنوان “السلام الإبراهيمي” فيما يتبجح نتنياهو بأنه ماضٍ في “تغيير الشرق الأوسط” مع غياب أي تهديد من الشرق أو الغرب وتواطؤ شبه كامل من العرب.
لم تكن قمة العرب في القاهرة إلا اجتماع المستسلمين أمام التغوّل الصهيوني والخائفين من تسونامي ترامب الذي يزرع الفوضى في العالم كلّه، وهم في الأساس لا يملكون جرأة المبادرة إلا من بيانات تفتقد لأي فعل ميداني، بل إنهم ببيانهم الهزيل يمهّدون لتنفيذ المشروع الأمريكي – “الإسرائيلي” بقرار عربي صريح، وهم في الحقيقة يحاولون النأي بأنفسهم عن التورّط بأشلاء القضية الفلسطينية وما يمكن أن تعكسه هجرة الفلسطينيين إلى مصر والأردن من واقع “ديمغرافي” و”جيوسياسي” جديد، ويتّجهون إلى التسليم للمجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة حرصاً على “إسرائيل” ومصالحهما المشتركة، والحال هذه فإن التاريخ سيكرّر نفسه ولكن هذه المرة سوف تدور الدوائر على العرب والهدف القادم إسقاط أنظمتهم وإلحاقها بالمنظومة الأمريكية – “الإسرائيلية”، وهذا هو ثمن إلقائهم السلاح وتخلّيهم عن خيار المقاومة.
– موقع العهد الاخباري ـ محمد الحسيني