لجريدة عمان:
2025-04-28@16:35:43 GMT

اقتلوني أنا ولا تقتلوا ابني

تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

بجانب أسوأ ما في الإنسانية غالبا ما تصادف أفضل ما فيها. وهذا ما كان من أمري وأنا أغطي القتل والاغتصاب والمجاعة في السودان إذ وقفت بإجلال أمام بطولة اللاجئة نعيمة آدم.

أنا الآن على الحدود التشادية السودانية أكتب عن الأعمال الوحشية الجارية في حق الجماعات العرقية الأفريقية السوداء في السودان، في وضع شبيه شبهًا أليمًا بإبادة دارفور الجماعية قبل عقدين من الزمن.

والعمل الصحفي من هذا المكان يجعلك ترى أن «الشر» ليس محض كلمة من كلمات الإنجيل العبري البائدة وإنما هو قوة لا تزال فاعلة في القرن الحادي والعشرين.

ومع ذلك، حينما تنهار حضارة ونتعرض نحن البشر للابتلاء، تنكشف حقائق البعض منا فإذا هم مرضى نفسيون، لكن منا من يتبين أنهم قديسون، ومن أولئك نعيمة.

تنتمي نعيمة البالغة من العمر 48 عاما إلى جماعة عرقية سوداء استهدفها المتطرفون التدميريون في قيادة السودان العربية. فعلى مدى أربع مرات خلال السنوات العشرين الماضية أحرق الناهبون العرب بيتها في معرض تطهيرهم العرقي للجماعات غير العربية، واغتالت ميلشيا الجنجويد العربية زوجها قبل تسع سنوات.

بعد أن أطلق فصيلان عسكريان حربا أهلية في عام 2023، حاول أحدهما -وهو فصيل من نسل الجنجويد يطلق عليه قوات الدعم السريع تسلحه دولة عربية- طرد الأفارقة السود مرة أخرى من دارفور. حكت نعيمة الحكاية التي سبق أن سمعتها من كثير من الناس فقالت إن الميلشيا حاصرت قريتها، وأوقفت الرجال والصبية صفوفا، ثم قتلتهم واحدا تلو الآخر.

ونقلت عن أحد المسلحين قوله «سوف نتخلص من هذه القمامة السوداء».

ثم مضى المسلحون من بيت إلى بيت يقتلون وينهبون ويغتصبون، وأغلب من اغتصبوهن فتيات ونساء لكنهم اغتصبوا رجلا أيضا حسبما قالت.

أخذ رجلان ابنة نعيمة إلى غرفة وأغلقا الباب، وهي تشك في أنهم اغتصبوها، ولكن العنف الجنسي تابو، فلم تسأل ابنتها قط عما جرى وراء الباب. تحمل الناجيات من الاغتصاب الألم وحدهن، وبرغم إنشاء جماعة مدنية مركزا على الحدود لمساعدة النساء فإنه يصعب عليهم توفير التمويل.

وبسبب قتل الميلشيا حتى للأطفال الصغار، خشيت نعيمة من أن يقتل المسلحون ابنها نظير ذا السنوات العشر، فحملته على ظهرها مثلما تضع الأمهات الأطفال الصغار عسى أن يبدو أصغر عمرا.

فطن مسلح إلى ذلك فأمرها بتسليمه.

صاح الرجل «إنه صبي، اقتلوه»

قالت نعيمة «لا تقتلوا ابني واقتلوني أنا».

ضرب رجل نعيمة بكعب بندقيته محاولا اجتذاب الصبي. ورفع آخر سلاحه وأطلق على نعيمة طلقتين، في الصدر والساق، وقد أرتني الندبتين. أصابتها كلتا الطلقتين، لكن حتى وهي تنزف، قاومت ولم تسلّم ابنها.

يعتقد بعض رجال الميلشيا أن قتل النساء يجلب الشؤم، فلعل ذلك هو السبب الذي جعل المهاجمين يتراجعون ويمضون إلى مهاجمة البيت التالي. واستطاعت نعيمة وأبناؤها الهرب للعثور على ملجأ في قرية أخرى.

لكن قوات الدعم السريع هاجمت الموقع الجديد، حسبما حكت، وفي هذه المرة شدوا ابنة أخت نعيمة ذات الأربعة عشر عاما لاغتصابها. فوقفت نعيمة دونها وقالت لهم اغتصبوني أنا بدلا منها.

فقام رجلان من المسلحين بتجريد نعيمة من ثيابها وأمسكا بها بينما همّ أحد المهاجمين باغتصابها. صعب عليها أن تحكي هذا، لكنها في النهاية بينت كيف استطاعت أن تمنعه من اغتصابها.

ضربها الرجل بكعب بندقيته واستعد لإطلاق النار عليها، لكن شريكه ارتبك وطلب منه تركها وشأنها. وخرجوا دون أن يغتصبوها هي أو ابنة أختها.

لعل نعيمة فعلت بمفردها لمنع الاغتصاب في السودان أكثر مما فعل كل زعماء العالم مجتمعين.

اغتيلت والدة نعيمة، وأبوها وأحد أبنائها مفقودان، وقد يكونان ميتين. مضت بالباقين على قيد الحياة من أسرتها إلى أمان معسكر لاجئين في بلدى آدري الحدودية بتشاد، حيث يعالج أحد أبنائها الكبار بعد تعذيبه بقسوة في السودان، معانيا من انهيار عصبي ولا يستطيع أن يتكلم عما جرى له.

يعاني نظير من الكوابيس لكنه يتعافى. وهو متفان في حب أمه، وحكى لي عن شجاعتها، فهو يفهم أنها تلقت الرصاص لكي تنقذ حياته.

أما نعيمة، فقد تعافت من إصابات الرصاص لكنها تعاني الفقر المدقع. أسألها إن كانت تبعث بنظير إلى مدرسة المخيم. فضحكت من فكرة أن تستطيع تدبير مصاريف المدرسة. قالت «إنني أشعر بالخجل لعجزي عن أن أقدم لك الشاي. لكن ليس لدي شيء».

لكنها لا تزال تدعم أيتاما في معسكر اللاجئين، وتمثل مساعدة المعرضين للخطر أولوية لها.

سألتها عما لو كانت تريد الانتقام من العرب السودانيين الذين تسببوا لها في كل هذه المأساة. هل تفضل مهاجمة القرى العربية، وقتل الرجال، واغتصاب النساء؟

بدت مصدومة من السؤال، وقالت لي بحزم «نحن بشر. ونحن مسلمون. وعندنا مبادئ. ولا نريد أن يقع هذا للعرب».

نعيمة، بمعنى ما، حالة استثنائية، وبمعنى آخر هي صورة رائعة لكثير من عوام السودانيين والتشاديين في استجابتهم لهذه الأعمال الوحشية الأخيرة. لقد تخلى العالم إلى حد كبير عن السودان، وممن تخلوا عنه الرئيس بايدن وزعماء آخرون. لكن المجتمع المدني السوداني لا يزال بطوليا بقدر بؤس قيادة السودان العسكرية.

يعمل الأطباء السودانيون بلا أجر، والجماعات المحلية تقيم مطابخ والمتطوعون من اللاجئين يدربون الأطفال المصدومين على الحرف اليدوية التي يبيعون منتجاتها لكسب المال. تحدثت إلى مدربة من أولئك وهي أم سلامة عمر التي قالت إن قوات الدعم السريع اغتالت اثنين من أبنائها وثلاثا من أخواتها، وهي الآن تحاول أن تبرأ بمساعدة الأطفال المصابين بالصدمات النفسية على إعادة بناء حياتهم.

فقد يجدر بكل من يفكر في المساعدة أن ينظر إلى الجماعات الشعبية في التحالف السوداني لتبادل المساعدات [MutualAidSudan.org].

وإذن، صحيح أن السودان يكشف قدرة البشر على الشر، لكنه يذكرنا أيضا بقدرة إنسانية عظيمة بالقدر نفسه على القوة والصمود والشجاعة. ومن ثم فمن الممكن الرجوع من أرض تئن من المجاعة والمجازر والاغتصاب بشعور بالشرف لكونه منتميا إلى الفئة الشجاعة التي ينتمي إليها السودانيون من أمثال نعيمة التي خرجت من أشد الابتلاءات وهي قدوة أخلاقية لنا جميعا.

نيكولاس كريستوف من كتاب الرأي في نيويورك تايمز منذ عام 2001، حصل على جائزة بوليتزر مرتين، وصدرت سيرته الذاتية حديثا عنوان «مطاردة الأمل: حياة صحفي».

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی السودان

إقرأ أيضاً:

عن برنامج أمان.. ماذا قالت وزيرة الشؤون الإجتماعية

أكّدت وزيرة الشؤون الإجتماعية حنين السيد، على هامش مشاركتها في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن، أن "لبنان لا يمكن أن يحقق نمواً اقتصادياً من دون استقرار اجتماعي، وهو ما نعمل عليه في وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال تعزيز شبكات حماية فعّالة ومستدامة، رغم التحديات العميقة التي تفرضها الأزمة الاقتصادية المستمرة".    
وتطرّقت إلى برنامج "أمان" "الذي يُعدّ ركيزة أساسية في الاستجابة الاجتماعية، إذ يقدّم تحويلات نقدية شهرية لحوالي 800 ألف لبناني من الفئات الأكثر فقراً، ويساهم بما يقارب 25 مليون دولار شهرياً في الاقتصاد الوطني. وهو برنامج رقمي بالكامل تقريباً ويُسهم في تحقيق أثر اقتصادي واجتماعي مزدوج"، موضحة "أنني أعمل على استكمال البرنامج وتوسيع نطاقه ليشمل العائلات المتأثرة بالحرب، من خلال تأمين تمويل إضافي بقيمة 200 مليون دولار من البنك الدولي، إلى جانب 100 مليون دولار من مانحين آخرين".
أضافت السيد: "ناقشت مع البنك الدولي سياسات الدمج الاقتصادي في سوق العمل، باعتبارها مساراً أساسياً لإخراج الناس من الفقر، انطلاقاً من قناعتي بأن البعد الاجتماعي يشكّل جزءاً لا يتجزأ من أي مسار إصلاحي اقتصادي فعلي".
وأشارت إلى أن "العامين المقبلين سيكونان مفصليّين وصعبين، وستكون الدولة بحاجة إلى دعم خارجي مستمر في هذه المرحلة الانتقالية، إلى حين تمكّنها من تمويل برامج الحماية الاجتماعية محلياً وبشكل مستدام". مواضيع ذات صلة "الشؤون": تحويل المساعدات للمستفيدين من برنامج أمان بدءًا في اليوم Lebanon 24 "الشؤون": تحويل المساعدات للمستفيدين من برنامج أمان بدءًا في اليوم 26/04/2025 15:48:41 26/04/2025 15:48:41 Lebanon 24 Lebanon 24 وصول وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد لحضور جلسة مجلس الوزراء (الجديد) Lebanon 24 وصول وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد لحضور جلسة مجلس الوزراء (الجديد) 26/04/2025 15:48:41 26/04/2025 15:48:41 Lebanon 24 Lebanon 24 وزيرة الشؤون الإجتماعية: أعددنا خمس أولويات للوزارة سننشرها قريباً Lebanon 24 وزيرة الشؤون الإجتماعية: أعددنا خمس أولويات للوزارة سننشرها قريباً 26/04/2025 15:48:41 26/04/2025 15:48:41 Lebanon 24 Lebanon 24 هند قبوات وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل بالحكومة السورية الجديدة: سنسعى لتقييم الموارد للاستفادة من الخبرات Lebanon 24 هند قبوات وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل بالحكومة السورية الجديدة: سنسعى لتقييم الموارد للاستفادة من الخبرات 26/04/2025 15:48:41 26/04/2025 15:48:41 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً للمارين على طريق نفق المطار.. إليكم هذا الخبر Lebanon 24 للمارين على طريق نفق المطار.. إليكم هذا الخبر 08:42 | 2025-04-26 26/04/2025 08:42:45 Lebanon 24 Lebanon 24 حالة طقس لبنان.. هذا ما سيشهده خلال الأيام المقبلة Lebanon 24 حالة طقس لبنان.. هذا ما سيشهده خلال الأيام المقبلة 07:26 | 2025-04-26 26/04/2025 07:26:33 Lebanon 24 Lebanon 24 التحضيرات اللوجستية للانتخابات البلدية والاختيارية مستمرة في سرايا طرابلس Lebanon 24 التحضيرات اللوجستية للانتخابات البلدية والاختيارية مستمرة في سرايا طرابلس 07:13 | 2025-04-26 26/04/2025 07:13:43 Lebanon 24 Lebanon 24 في صيدا.. من أوقفت "القوى الأمنية"؟ Lebanon 24 في صيدا.. من أوقفت "القوى الأمنية"؟ 06:43 | 2025-04-26 26/04/2025 06:43:36 Lebanon 24 Lebanon 24 فيديو مروع من لبنان.. تعذيب طفل والمشرف "مرشح للانتخابات"! Lebanon 24 فيديو مروع من لبنان.. تعذيب طفل والمشرف "مرشح للانتخابات"! 06:05 | 2025-04-26 26/04/2025 06:05:38 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بالصورة توقيف فنان شهير... ما هي تهمته؟ Lebanon 24 بالصورة توقيف فنان شهير... ما هي تهمته؟ 10:44 | 2025-04-25 25/04/2025 10:44:40 Lebanon 24 Lebanon 24 وفاة حفيدة الرئيس فرنجية Lebanon 24 وفاة حفيدة الرئيس فرنجية 10:38 | 2025-04-25 25/04/2025 10:38:18 Lebanon 24 Lebanon 24 تحسينات على الأجور الاثنين Lebanon 24 تحسينات على الأجور الاثنين 22:15 | 2025-04-25 25/04/2025 10:15:00 Lebanon 24 Lebanon 24 "لابسة شريط كاسيت".. إليسا تُثير الجدل بإطلالتها خلال حفلها في باريس شاهدوا ماذا ارتدت (فيديو) Lebanon 24 "لابسة شريط كاسيت".. إليسا تُثير الجدل بإطلالتها خلال حفلها في باريس شاهدوا ماذا ارتدت (فيديو) 01:05 | 2025-04-26 26/04/2025 01:05:35 Lebanon 24 Lebanon 24 لكل هذه الأسباب مجتمعة أنا عائد Lebanon 24 لكل هذه الأسباب مجتمعة أنا عائد 09:01 | 2025-04-25 25/04/2025 09:01:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 08:42 | 2025-04-26 للمارين على طريق نفق المطار.. إليكم هذا الخبر 07:26 | 2025-04-26 حالة طقس لبنان.. هذا ما سيشهده خلال الأيام المقبلة 07:13 | 2025-04-26 التحضيرات اللوجستية للانتخابات البلدية والاختيارية مستمرة في سرايا طرابلس 06:43 | 2025-04-26 في صيدا.. من أوقفت "القوى الأمنية"؟ 06:05 | 2025-04-26 فيديو مروع من لبنان.. تعذيب طفل والمشرف "مرشح للانتخابات"! 05:42 | 2025-04-26 آخر خبر عن الرواتب في لبنان.. بيانٌ من وزير العمل فيديو أصرت على الوقوف بجانب النعش.. راهبة تخرق البروتوكول لتلقي نظرة على جثمان البابا المسجى (فيديو) Lebanon 24 أصرت على الوقوف بجانب النعش.. راهبة تخرق البروتوكول لتلقي نظرة على جثمان البابا المسجى (فيديو) 23:56 | 2025-04-23 26/04/2025 15:48:41 Lebanon 24 Lebanon 24 بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم Lebanon 24 بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم 09:23 | 2025-04-21 26/04/2025 15:48:41 Lebanon 24 Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود 01:00 | 2025-04-15 26/04/2025 15:48:41 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • انطلاق منافسات اليوم الثانى من البطوله العربية الأفريقية لكرة السرعة للكبار والناشئين ببورسعيد
  • انطلاق منافسات اليوم الثاني من البطولة العربية الأفريقية لكرة السرعة للكبار والناشئين ببورسعيد
  • السودان: المُسيّرات التي استهدفت عطبرة حديثة وفّرتها للمليشيا راعيتها الإقليمية
  • قتلى ومصابون بعد دهس سيارة لحشد في كندا
  • ريم البارودي: رفضت الظهور مع سمية الخشاب فى حلقة رامز جلال لهذا السبب
  • والد الشاب ضحية أولوية المرور بالمنوفية: ابني طيب اتغدر بيه .. فيديو وصور
  • عن برنامج أمان.. ماذا قالت وزيرة الشؤون الإجتماعية
  • الدعم السريع تقصف قاعدة وادي سيدنا الجوية ومقر الكلية الحربية بأم درمان
  • تفاصيل جديدة حول عملية القسام النوعية يوم الجمعة
  • الدعم السريع تقصف قاعدة جوية والكلية الحربية بأم درمان