اقتلوني أنا ولا تقتلوا ابني
تاريخ النشر: 29th, September 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
بجانب أسوأ ما في الإنسانية غالبا ما تصادف أفضل ما فيها. وهذا ما كان من أمري وأنا أغطي القتل والاغتصاب والمجاعة في السودان إذ وقفت بإجلال أمام بطولة اللاجئة نعيمة آدم.
أنا الآن على الحدود التشادية السودانية أكتب عن الأعمال الوحشية الجارية في حق الجماعات العرقية الأفريقية السوداء في السودان، في وضع شبيه شبهًا أليمًا بإبادة دارفور الجماعية قبل عقدين من الزمن.
ومع ذلك، حينما تنهار حضارة ونتعرض نحن البشر للابتلاء، تنكشف حقائق البعض منا فإذا هم مرضى نفسيون، لكن منا من يتبين أنهم قديسون، ومن أولئك نعيمة.
تنتمي نعيمة البالغة من العمر 48 عاما إلى جماعة عرقية سوداء استهدفها المتطرفون التدميريون في قيادة السودان العربية. فعلى مدى أربع مرات خلال السنوات العشرين الماضية أحرق الناهبون العرب بيتها في معرض تطهيرهم العرقي للجماعات غير العربية، واغتالت ميلشيا الجنجويد العربية زوجها قبل تسع سنوات.
بعد أن أطلق فصيلان عسكريان حربا أهلية في عام 2023، حاول أحدهما -وهو فصيل من نسل الجنجويد يطلق عليه قوات الدعم السريع تسلحه دولة عربية- طرد الأفارقة السود مرة أخرى من دارفور. حكت نعيمة الحكاية التي سبق أن سمعتها من كثير من الناس فقالت إن الميلشيا حاصرت قريتها، وأوقفت الرجال والصبية صفوفا، ثم قتلتهم واحدا تلو الآخر.
ونقلت عن أحد المسلحين قوله «سوف نتخلص من هذه القمامة السوداء».
ثم مضى المسلحون من بيت إلى بيت يقتلون وينهبون ويغتصبون، وأغلب من اغتصبوهن فتيات ونساء لكنهم اغتصبوا رجلا أيضا حسبما قالت.
أخذ رجلان ابنة نعيمة إلى غرفة وأغلقا الباب، وهي تشك في أنهم اغتصبوها، ولكن العنف الجنسي تابو، فلم تسأل ابنتها قط عما جرى وراء الباب. تحمل الناجيات من الاغتصاب الألم وحدهن، وبرغم إنشاء جماعة مدنية مركزا على الحدود لمساعدة النساء فإنه يصعب عليهم توفير التمويل.
وبسبب قتل الميلشيا حتى للأطفال الصغار، خشيت نعيمة من أن يقتل المسلحون ابنها نظير ذا السنوات العشر، فحملته على ظهرها مثلما تضع الأمهات الأطفال الصغار عسى أن يبدو أصغر عمرا.
فطن مسلح إلى ذلك فأمرها بتسليمه.
صاح الرجل «إنه صبي، اقتلوه»
قالت نعيمة «لا تقتلوا ابني واقتلوني أنا».
ضرب رجل نعيمة بكعب بندقيته محاولا اجتذاب الصبي. ورفع آخر سلاحه وأطلق على نعيمة طلقتين، في الصدر والساق، وقد أرتني الندبتين. أصابتها كلتا الطلقتين، لكن حتى وهي تنزف، قاومت ولم تسلّم ابنها.
يعتقد بعض رجال الميلشيا أن قتل النساء يجلب الشؤم، فلعل ذلك هو السبب الذي جعل المهاجمين يتراجعون ويمضون إلى مهاجمة البيت التالي. واستطاعت نعيمة وأبناؤها الهرب للعثور على ملجأ في قرية أخرى.
لكن قوات الدعم السريع هاجمت الموقع الجديد، حسبما حكت، وفي هذه المرة شدوا ابنة أخت نعيمة ذات الأربعة عشر عاما لاغتصابها. فوقفت نعيمة دونها وقالت لهم اغتصبوني أنا بدلا منها.
فقام رجلان من المسلحين بتجريد نعيمة من ثيابها وأمسكا بها بينما همّ أحد المهاجمين باغتصابها. صعب عليها أن تحكي هذا، لكنها في النهاية بينت كيف استطاعت أن تمنعه من اغتصابها.
ضربها الرجل بكعب بندقيته واستعد لإطلاق النار عليها، لكن شريكه ارتبك وطلب منه تركها وشأنها. وخرجوا دون أن يغتصبوها هي أو ابنة أختها.
لعل نعيمة فعلت بمفردها لمنع الاغتصاب في السودان أكثر مما فعل كل زعماء العالم مجتمعين.
اغتيلت والدة نعيمة، وأبوها وأحد أبنائها مفقودان، وقد يكونان ميتين. مضت بالباقين على قيد الحياة من أسرتها إلى أمان معسكر لاجئين في بلدى آدري الحدودية بتشاد، حيث يعالج أحد أبنائها الكبار بعد تعذيبه بقسوة في السودان، معانيا من انهيار عصبي ولا يستطيع أن يتكلم عما جرى له.
يعاني نظير من الكوابيس لكنه يتعافى. وهو متفان في حب أمه، وحكى لي عن شجاعتها، فهو يفهم أنها تلقت الرصاص لكي تنقذ حياته.
أما نعيمة، فقد تعافت من إصابات الرصاص لكنها تعاني الفقر المدقع. أسألها إن كانت تبعث بنظير إلى مدرسة المخيم. فضحكت من فكرة أن تستطيع تدبير مصاريف المدرسة. قالت «إنني أشعر بالخجل لعجزي عن أن أقدم لك الشاي. لكن ليس لدي شيء».
لكنها لا تزال تدعم أيتاما في معسكر اللاجئين، وتمثل مساعدة المعرضين للخطر أولوية لها.
سألتها عما لو كانت تريد الانتقام من العرب السودانيين الذين تسببوا لها في كل هذه المأساة. هل تفضل مهاجمة القرى العربية، وقتل الرجال، واغتصاب النساء؟
بدت مصدومة من السؤال، وقالت لي بحزم «نحن بشر. ونحن مسلمون. وعندنا مبادئ. ولا نريد أن يقع هذا للعرب».
نعيمة، بمعنى ما، حالة استثنائية، وبمعنى آخر هي صورة رائعة لكثير من عوام السودانيين والتشاديين في استجابتهم لهذه الأعمال الوحشية الأخيرة. لقد تخلى العالم إلى حد كبير عن السودان، وممن تخلوا عنه الرئيس بايدن وزعماء آخرون. لكن المجتمع المدني السوداني لا يزال بطوليا بقدر بؤس قيادة السودان العسكرية.
يعمل الأطباء السودانيون بلا أجر، والجماعات المحلية تقيم مطابخ والمتطوعون من اللاجئين يدربون الأطفال المصدومين على الحرف اليدوية التي يبيعون منتجاتها لكسب المال. تحدثت إلى مدربة من أولئك وهي أم سلامة عمر التي قالت إن قوات الدعم السريع اغتالت اثنين من أبنائها وثلاثا من أخواتها، وهي الآن تحاول أن تبرأ بمساعدة الأطفال المصابين بالصدمات النفسية على إعادة بناء حياتهم.
فقد يجدر بكل من يفكر في المساعدة أن ينظر إلى الجماعات الشعبية في التحالف السوداني لتبادل المساعدات [MutualAidSudan.org].
وإذن، صحيح أن السودان يكشف قدرة البشر على الشر، لكنه يذكرنا أيضا بقدرة إنسانية عظيمة بالقدر نفسه على القوة والصمود والشجاعة. ومن ثم فمن الممكن الرجوع من أرض تئن من المجاعة والمجازر والاغتصاب بشعور بالشرف لكونه منتميا إلى الفئة الشجاعة التي ينتمي إليها السودانيون من أمثال نعيمة التي خرجت من أشد الابتلاءات وهي قدوة أخلاقية لنا جميعا.
نيكولاس كريستوف من كتاب الرأي في نيويورك تايمز منذ عام 2001، حصل على جائزة بوليتزر مرتين، وصدرت سيرته الذاتية حديثا عنوان «مطاردة الأمل: حياة صحفي».
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی السودان
إقرأ أيضاً:
طفلة الهاتف النقال…قصة من الواقع
#طفلة_الهاتف_النقال…قصة من الواقع
فايز شبيكات الدعجه
انفجرت الطفله ذات الاثني عشر عاما بالبكاء عندما قال لها والدها،، انتي يا صغيرتي ذكية سصبحين بأذن الله طبيبة.. وأخذت تصرخ وتقول لالالا ثم هربت والتصقت بأحدى زوايا البيت وغطت وجهها بكفيها وطأطأت رأسها . لحق بها الأب ثم الأم وهرع بقية الاولاد مستغربين هذا الأمر الطاريء.
احتضنتها الأم وكفكفت دمعها وضمتها لصدرها وشرعت تهديء روعها.
كانت الطفله تتابع منذ فتره فيلما أعجبت به كثيرا وأخذت تشاهده كلما اختلست هاتف من البيت، فتختبيء وتكرر المشاهده. وقد انبهرت بمقطع لفتاة حسناء رشيقة تؤدي دورها في الفيلم، وشدها المقطع ووقع في نفسها وقعا شديدا مؤثرا، وتمنت أن تصبح مثلها مستقبلا، فتلبستها هواجس متصلة، وتركز تفكيرها واهتمامها حول الكيفية التي ستصل بها إلى مبتغاها، وتحقق امنيتها وحلمها الكبير، وقد صعقها حديث الأب الذي لا يمت بصلة لما تتمناه وتحلم به، واعتبرت عبارته وأداً محققا لاحلامها وطموحها .
من الطبيعي أن يتسمر الأب أمام وقع صراخ البنت، بينما الأم مستمرة في الضم وتحاول معرفة السبب وتخليص ابنتها من الحالة، ولقد أصيبت العائلة برعب لا ينسى وذهول.
هدأت الطفلة الان لكنها لا زالت تحت وقع الصدمة فلاذت بالصمت، وامتنعت عن الكلام، ورفضت الاجابه عن أسئلة الوالدين والأخوة ففضلوا تركها لحين التخلص من تأثير ما وقعت فيه.
في الأثناء عقدوا اجتماع طارىء تداولوا فيه حيثيات ما يحدث وتساءلوا كثيرا فيما بينهم، لكن أحدا لم يقدم تفسيرا واضحا أو فهما محددا لما حل بالطفله البريئه وملاك العائله الرائع وينبوع سعادتها وفرحتها.
أجروا بعدها تحقيقا أُسريا موسعا لاستنطاق الابنة، ودفعها للبوح بأسرار ما تعرضت له، وأن تكشف لهم كامل الحقيقة وتتلوا عليهم الحكاية مجردة كما هي دون زيادة ولا نقصان واتخدوا في النتيجة قرارا مفاده بأن يكون السؤال الأول على الوجه الاتي… طالما أنك لا ترغبين في أن تصبحي طبيبه فماذا تريدين ان تصبحي إذن؟ ونحن لك من الداعمين مهما كانت رغبتك.
هنا كانت المفاجأة الأشد صدمة عندما قالت إنها تريد أن تكون رقاصة… وأردفت نعم هذا كل ما أريد ولن اغير قراري مهما كلفني ذلك من ثمن.
سادت مشاعر مضطربة. ضحك بعض الإخوة والأخوات، قالوا مجرد تفكير عابر وبراءة أطفال، وغضب أخرون واعتبروا الواقعة شارة خطر يجب التعامل معها على محمل الجد، بينما صمت الوالد وهو يفكر في السواد ومصير العفة والطهاره ، وبكت الأم.ثم توقفت وقالت.. نحن هنا نقف أمام سلوك قهري أصاب ابنتي، يشبه في أثره ما يفعله الادمان، هذه غلطتي، كان عليَّ أن أشخِّص ميل البنت الشديد للانزواء والبقاء على الهاتف وتفقُّدها من حين إلى آخر،. مرة أخرى قالت هذه غلطتي وعادت لأستئناف البكاء.