وراء الواجهات البراقة والصور المثالية التي تزين المجلات ووسائل التواصل الاجتماعي، تخفي العديد من المعالم السياحية الشهيرة تاريخا مظلما وأسرارا مروعة. وبينما يتوافد الملايين من وإلى هذه المعالم للاستمتاع بجمالها وعمارتها الخلابة، فإن قليلا منهم يعرفون القصص الحقيقية وراء هذه الأماكن.

جسر التنهدات: رمز الحزن والسجن

عندما نتحدث عن الوجهات الرومانسية، تتبادر إلى الذهن أماكن قليلة مثل البندقية الإيطالية – أو فينيسا -.

هذه المدينة العائمة، بشبكتها المعقدة من القنوات وهندستها المعمارية التاريخية، تُعَد واحدة من أجمل الوجهات السياحية في العالم. ولا شيء يجسد رومانسية البندقية مثل ركوب الجندول عبر قنواتها الخلابة، والمرور تحت جسر التنهدات الشهير، الذي يُعتبر من أبرز معالم المدينة.

يقع "جسر التنهدات" على بُعد مسافة قصيرة من ميدان سان ماركوس، ويربط بين سجن المدينة وقصر دوجي، المقر الإداري للمدينة في العصور الوسطى. تم بناء الجسر في القرن السابع عشر على يد المهندس المعماري أنطونيو كونتينو، يبلغ طوله حوالي 11 مترا وارتفاعه 4 أمتار، وهو مصنوع من الحجر الأبيض نفسه المستخدم في بناء قصر دوجي. يجمع تصميمه الأنيق بين عناصر العمارة البندقية الكلاسيكية، مما يجعله أحد أشهر الجسور في المدينة.

حصل الجسر على اسمه لأن السجناء الذين كانوا يعبرونه في طريقهم من السجن إلى قاعات المحاكمة كانوا يطلقون "تنهدات" حزن ويأس، خاصة إذا كانوا متجهين لتنفيذ حكم الإعدام.

ورغم تاريخه المظلم، فإنه أصبح اليوم رمزا للرومانسية في الأدب والفن. حتى إنه يشاع أن الأزواج الذين يعبرون تحته في قارب أثناء غروب الشمس سيظل حبهم خالدا، كما كان مصدر إلهام للعديد من الكتاب والفنانين، مثل اللورد بايرون، وتشارلز ديكنز، وهنري جيمس، الذين صوّروا الجسر في أعمالهم، مما ساهم في شهرته العالمية.

جبل راشمور: أكثر من مجرد نصب تذكاري

جبل راشمور الواقع في ولاية ساوث داكوتا، ذلك النصب التذكاري الشهير الذي يصور وجوه 4 من رؤساء الولايات المتحدة، هو أكثر من مجرد تحفة فنية؛ إذ يحمل في طياته تاريخا معقدا يتجاوز الإنجازات الرئاسية ليشمل قصة صراع ثقافي وحضاري عميق.

قبل أن يصبح جبل راشمور رمزا للولايات المتحدة، كان يُعتبر أرضا مقدسة بالنسبة لشعب اللاكوتا سيوكس (وهم سكان أصليون). فقد أطلقوا عليه اسم "الأجداد الستة"، وهو اسم يحمل دلالات روحانية عميقة ترتبط بتقاليد ومعتقدات الهنود الحمر. ومع ذلك، تم تجاهل هذه المقدسات الثقافية عندما قرر النحات غوتزون بورغلوم تحويل الجبل إلى نصب تذكاري يخلد ذكرى الرؤساء الأميركيين جورج واشنطن، وتوماس جيفرسون، وثيودور روزفلت، وأبراهام لينكولن.

معاهدة فورت لارامي التي وقعت في العام 1868، نصت على أن تبقى الأرض لشعب اللاكوتا سيوكس، لكن بعد اكتشاف الذهب في المنطقة، انتهكت الولايات المتحدة المعاهدة وأجبرت السكان الأصليين على التنازل عن أراضيهم.

تم ترحيل السكان الأصليين من شعب اللاكوتا سيوكس من أراضيهم لتشييد جبل راشمور تكريماً لأربع رؤوساء أميركيين (شترستوك)

في الوقت الذي يتم فيه الترويج لجبل راشمور كرمز لأميركا، فإن الكثيرين لا يلتفتون إلى أن تشييده تم عبر انتهاك حقوق السكان الأصليين، حيث تم ترحيل شعب اللاكوتا سيوكس من أراضيهم، واستخدام مناطقهم في تخليد ذكرى رؤساء امتلكوا مئات العبيد و حاربوا أصحاب الأرض الأصليين بدموية.

واليوم، يمثل هذا المعلم السياحي الذي يزوره ما يقرب 3 ملايين شخص سنويا رمزية مثيرة للجدل؛ فيعتبره البعض تجسيدا للقيم الأميركية مثل الديمقراطية والحرية. ولكن بالنسبة للآخرين، -وخاصة السكان الأصليين-، فهو تذكير مؤلم بالظلم الذي تعرضوا له.

سور الصين العظيم: مقبرة البُناة

من منا لم يسمع عن سور الصين العظيم؟ هذا الحصن العملاق الذي يمتد آلاف الكيلومترات، والذي غالبا ما يُصور كأحد عجائب الدنيا، يحمل في طياته تاريخا غنيا ومعقّدا. على الرغم من أن العديد يعتقدون أنه يمكن رؤيته بوضوح من الفضاء، فإن هذا الاعتقاد خطأ؛ فطبيعة المواد المستخدمة في بنائه تجعل من الصعب تمييزه عن البيئة المحيطة به.

يعود تاريخ بناء سور الصين العظيم إلى آلاف السنين، حين شرع حكام الصين في تشييد سلسلة من الجدران لحماية أراضيهم من الغزاة الشماليين. إلا أن الإمبراطور الأول الذي وحد الصين تشين شي هوانغ أمر بهدم كل التحصينات الداخلية؛ لعدم السماح لأي عملية انقلاب أو استقلال داخلية، ووجه كل طاقته لبناء سور واحد ضخم حوالي عام 220 قبل الميلاد. كان الهدف من هذا المشروع الضخم هو تحقيق الوحدة الوطنية والدفاع عن الإمبراطورية الناشئة.

يقال إن ما يصل إلى 400 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء بناء سور الصين العظيم في فترة تشين شي هوانغ وحدها (شترستوك)

ميزت بناء السور ظروف عمل قاسية، حيث أجبر العمال، من جنود ومدنيين، على العمل بالسخرة لساعات طويلة دون أجر. ويقدر عدد الضحايا الذين سقطوا أثناء البناء بمئات الآلاف. ويقال إن ما يصل إلى 400 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء بناء السور في فترة تشين شي هوانغ وحدها؛ وقد دُفن العديد من هؤلاء العمال داخل السور نفسه. ومع ذلك، استمر بناء الجدار وتوسعته على مر العصور، حيث قام كل إمبراطور بإضافة تعديلات وتحسينات عليه.

على الرغم من التضحيات التي تم تقديمها لبنائه، فإن سور الصين العظيم يظل شاهدا على عظمة الحضارة الصينية وإبداعها الهندسي.

برج لندن: قصر المجوهرات والأشباح

يحمل برج لندن، الحصن المهيب القابع على ضفاف نهر التايمز في قلب العاصمة البريطانية، بين جدرانه تاريخا طويلا ومعقدا مليئا بالأحداث الدرامية والأسرار. البرج ليس مجرد قلعة تاريخية، بل هو متحف حي يعرض مجموعة من المجوهرات التاجية الملكية، ويشهد على العديد من الأحداث التاريخية المهمة، بينما يظل مسكونا بروح الماضي.

ورغم أن برج لندن اليوم هو موطن لجواهر التاج البريطاني ومعلم سياحي مزدهر، فإن تاريخه يشهد على جانب مظلم من الإعدامات، قطع الرؤوس، والتعذيب.

ومنذ بنائه في القرن الثاني عشر وحتى أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، كان البرج مكانًا سيئ السمعة، حيث سُجن فيه أولئك الذين خانوا العائلة المالكة أو ارتكبوا جرائم جسيمة.

رأس الملكة آن بولين زوجة ملك إنجلترا هنري الثامن قُطع في برج لندن (شترستوك)

من بين أشهر من أُعدموا في البرج، الملكة آن بولين، زوجة الملك هنري الثامن، التي قُطع رأسها فيه، إلى جانب العديد من المعارضين للأسرة الحاكمة على مر العصور، كما كان القصر سجنا للكثير من الملوك و السياسيين مثل جيمس الأول ملك أسكتلندا، وجون الثاني ملك فرنسا، وهنري السادس ملك إنجلترا، وسجن فيه أيضا رودلف هس نائب أدولف هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن العشرين.

أحد أكثر المواقع المثيرة للرعب في البرج هو النصب التذكاري للسجناء الذين أُعدموا داخله. توضح وسادة على منصة مرتفعة مكان الإعدام، مع لوحة تسجل أسماء السجناء وتواريخ ميلادهم ووفاتهم، مما يبعث شعورا بالقشعريرة لدى زواره.

اليوم، يُعد برج لندن من أشهر الوجهات السياحية في بريطانيا وأوروبا. يمكن للزوار استكشاف أبراج البرج وأسوارها، التعرف على تاريخه الغني، مشاهدة جواهر التاج اللامعة، والاستماع إلى القصص المثيرة التي تحيط بأساطير الأشباح المرتبطة بهذا المعلم التاريخي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات سور الصین العظیم السکان الأصلیین العدید من برج لندن الذی ی

إقرأ أيضاً:

هذا عدد أسرى الاحتلال الذين قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي في غزة

كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، اليوم السبت، عن عدد أسرى الاحتلال الإسرائيلي الذين قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، منذ بداية حرب الإبادة الجماعية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر لعام 2023.

وذكرت الصحيفة أن "41 أسيرا إسرائيليا من بين 251 أسرتهم حماس في غزة، قُتلوا في الأسر، بعضهم قُتل بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية التي شنتها على غزة".

وأضافت أن "الخرائط العسكرية تؤكد أن موقع مقتل 6 من الأسرى على يد الجيش الإسرائيلي في أغسطس/ آب الماضي، كان ضمن مناطق العمليات المحدودة".

وأشارت الصحيفة إلى أن "الجيش الإسرائيلي عندما نشر تحقيقه حول مقتل الأسرى الستة، قال إنه لم يكن يعلم بوجودهم في المنطقة"، مؤكدة في الوقت ذاته أن الجيش "كان على علم بالخطر الذي يحدق بالأسرى عندما عمل في المنطقة التي قُتل فيها الرهائن الستة".

يشار إلى أن الأسرى الإسرائيليين الستة الذين تم قتلهم هم: هيرش جولدبرج بولين، أوري دانينو، إيدن يروشالمي، أليكس لوبانوف، كارميل جات، وألموج ساروسي.



ولفتت الصحيفة العبرية إلى أنه "رغم قرار وقف نشاط الجيش الإسرائيلي في مدينة خانيونس (جنوب) بقطاع غزة، بسبب المخاوف على حياة الأسرى، إلا أنه بعد توقف ليوم واحد فقط، قرر الجيش مواصلة عملياته هناك بهدف تحديد مكان زعيم حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار".

وأشارت إلى أنه "بحسب مصادر أمنية إسرائيلية، تقرر أن العثور على السنوار كان أكثر أهمية من إنقاذ أرواح الأسرى الإسرائيليين (لم يتم تحديد مكانه في حينه)".

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2024 أي بعد نحو عام على بدء عملية "طوفان الأقصى" وما تبعها من حرب إسرائيلية مدمرة ضد قطاع غزة، اغتيل السنوار بمدينة رفح جنوب القطاع برصاص الجيش الإسرائيلي وهو يقاتل.

ورغم تنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أكثر من مناسبة من المسؤولية عن مقتل أسرى إسرائيليين في قطاع غزة وتحميل حركة حماس مسؤولية ذلك، إلا أن المعارضة الإسرائيلية تحمله مسؤولية مقتل عدد كبير من الأسرى جراء عرقلته لأشهر طويلة التوصل إلى صفقة لإعادتهم خوفا من انهيار ائتلافه الحكومي، الذي كان وزراء من اليمين المتطرف به يضغطون لمواصلة حرب الإبادة على غزة.

ومطلع آذار/ مارس الجاري، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وتبادل الأسرى التي استمرت 42 يوما، فيما تنصلت إسرائيل من الدخول في المرحلة الثانية التي تشمل إنهاء الحرب.

ويريد نتنياهو، مدعوما بضوء أخضر أمريكي، تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، للإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين دون تقديم مقابل أو استكمال الاستحقاقات العسكرية والإنسانية المفروضة في الاتفاق خلال الفترة الماضية.

مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار، أغلق الاحتلال الإسرائيلي مجددا جميع المعابر المؤدية إلى غزة لمنع دخول المساعدات الإنسانية، في خطوة تهدف إلى استخدام التجويع كأداة ضغط على حماس لإجبارها على القبول بإملاءاتها، كما تهدد إسرائيل بإجراءات تصعيدية أخرى وصولا إلى استئناف حرب الإبادة الجماعية.

وبدعم أمريكي ارتكب الاحتلال بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

مقالات مشابهة

  • «شاطئ الزبارة».. تحفة جديدة في مشاريع الشارقة السياحية
  • وزارة الإعلام: نهيب بالمواطنين التحلي بالوعي وعدم الانجرار وراء الأخبار المضللة التي تستهدف النسيج الاجتماعي، ونؤكد على ضرورة الاعتماد على المصادر الرسمية للحصول على المعلومات الدقيقة، لما لذلك من أهمية في الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي
  • البابا فرنسيس: نحن بحاجة إلى ”معجزة الحنان“ التي ترافق الذين هم في محنة
  • في عز صيامهم.. انتصار أبطال الجيش المصري في العاشر من رمضان على العدو الإسرائيلي.. كواليس الانتصار العظيم
  • منطقة “شهداء أحد” بالمدينة المنورة إحدى أبرز المعالم التاريخية المرتبطة بالسيرة النبوية
  • المنصوري: دور حيوي لمركز شرطة حتا في خدمة المنطقة السياحية
  • هذا عدد أسرى الاحتلال الذين قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي في غزة
  • الحكومة الأمريكية تتهم ثلاثة جنود بالتجسس لصالح الصين.. باعوا أسرار عسكرية
  • ما القصة وراء عطل إنستغرام الذي سرع نشر المحتوى العنيف؟
  • سندباد التنورة.. أحمد عبد العظيم ينقل الفن التراثي إلى العالم العربي