قُبيل السادسة من صباح كل يوم، وبينما لا يزال كثيرون غارقين فى النوم، تستيقظ «أم أحمد»، ابنة قرية كفر محمود، بمحافظة المنوفية، لتؤدى المهمة التى بدونها لا يستقيم تقريباً حال بيتها وأسرتها المكونة من زوج وأربعة أبناء، وهى حلب اللبن من الجاموسة الوحيدة الحلابة التى بحوزتهم، ذلك اللبن الذى تؤكد أنه «سُترة البيت»، فى إشارة لأهميته الكبيرة فى توفير وسد حاجات أسرتها الغذائية.

تستطرد «أم أحمد» (45 عاماً) فى وصف أهمية اللبن لبيتها وأسرتها، قائلة: «اللبن نعمة كبيرة ربنا أنعم علينا بيها»، معللة ذلك باعتمادها عليه بشكل كبير، فى «أكلنا، وجبنتنا، وسمنتنا»، وطهو أنواع أخرى مختلفة من الطعام، كـ«البيض بالسمنة، والفطير المشلتت، والأرز المعمر، وطواجن البامية»، وغيرها.

تتولى السيدة الأربعينية التى حصلت على قدر متوسط من التعليم، عملية حلب وإنتاج اللبن ومتابعتها بالكامل، بداية من مرحلة التأكد من جودته وصلاحيته: «أنا اللى بحلب، وأنا اللى براقب اللبن وجودته، ولو لاحظت أى تغيير أو احمرار فى لونه مثلاً، ما ينفعش أستخدمه، وساعتها لازم نشوف الجاموسة مالها ونجيب لها دكتور».

«أم أحمد»: «سُترة البيت» ومن غيره ما نقدرش نعيش.. ولما بنعلف كويس الخير بيزيد

تدرك «أم أحمد» أيضاً أن النظافة مهمة خلال عملية حلب اللبن، وبينما تقوم بعملية «تحنين» الجاموسة وتهيئتها للحلب والتى تسبقها بوضع قليل من العلف أمامها، تؤكد أن غسل اليدين وتنظيف ضرع الجاموسة خطوة مهمة قبل الحلب، لضمان نظافة وجودة اللبن.

من واقع خبرتها تعرف «أم أحمد» كذلك أن هناك علاقة بين جودة وكمية العلف وجودة وكمية اللبن الناتج: «بنحاول نعمل خلطة علف كويسة، ودى بتنعكس على جودة اللبن، فبتلاقى اللبن له وش وفيه خير (فى إشارة لكمية القشدة أو الدسم الموجودة فى اللبن)، ولما بتيجى تاكل الجبنة أو الزبدة بتاعته بيبقى فيها خير برضو، لكن لما أكل الجاموسة ما بيبقاش كويس، ده بيأثر على اللبن وبيطلع من غير وش».

تقوم «أم أحمد» بحلب الجاموسة مرتين يومياً، إحداهما فى بداية النهار، والأخرى فى آخره، يكون حصيلتهما فى الصيف 3 كيلو لبن تقريباً، وهى الكمية التى تصل إلى الضعف فى الشتاء، ورغم قلة الكمية، ولاسيما خلال الصيف، مقارنة بما تُنتجه السلالات الأخرى المستوردة والمحسنة، فإنها تقول: «سبحان الله، هو قليل، بس مصدر خير كتير».

ولمزيد من التأكيد على أهمية اللبن فى البيت كغذاء لأسرتها، وفى إشارة إلى نقص كمية اللبن التى ينتجونها أحياناً، تستطرد قائلة: «ما أقدرش أستغنى عنه، وما أقدرش أعيش من غيره»، و«بييجى علىّ وقت أشترى اللبن من جيرانى، وأطلع منه خير برضو»، فى إشارة للمنتجات المختلفة التى تنتجها منه.

تأتى «أم أحمد» بوعاء كبير مملوء تقريباً باللبن أو ما تسميه أيضاً «الخير» وهو رائب، وتفرغه عن آخره فى حصيرة متوسطة الحجم تستخدمها، كما هو المعتاد مع أهل الريف، لصناعة الجبنة القريش، حيث تترسب كتل اللبن المتماسكة فى الحصيرة التى تتركها بعد ذلك معلقة بعد تغطيتها قرابة ساعتين، لتكتمل بعدها عملية صناعة الجبن القريش، الذى يجرى تقطيعه لاحقاً إلى قطع صغيرة وتخزينها بالثلاجة.

وبينما كانت تترسب كتل اللبن المتماسكة نسبياً فى الحصيرة، كان يتسرب «الشرش» الخاص باللبن من الحصيرة إلى وعاء آخر تحتها، وهو السائل الذى تعرف «أم أحمد» أن له قيمة وفوائد غذائية كبيرة، وتستخدمه فى صناعة «المش» أو الجبنة القديمة، وكبديل للماء فى صناعة «المخللات»، لتحصل بذلك على قيمة غذائية أكبر لغذاء أسرتها.

تنتقل ابنة قرية «كفر محمود» لاحقاً لصناعة «السمنة»، مستخدمة خزين القشدة الذى جمعته من اللبن على مدار عدة أيام، وتشرح عملية إنتاجها قائلة: «بنعلق «القربة» (المصنوعة من جلد الماعز) بعد ما ننضفها كويس، وننفخها، ونحط القشطة جواها، ونخضها كويس عشان نطلع منها السمنة»، وبعد دقائق معدودة من تحريك القِربة للأمام والخلف، تخرج كتل متماسكة من الدسم، تشكلها بيديها أشكالاً دائرية وأسطوانية، لتحفظها مباشرة فى الثلاجة.

هنا يأتى زوجها بقطعة كبيرة من الخبز الذى سبق أن خبزته زوجته فى نفس اليوم، ويلتقط بها قطعاً من السمنة ليأكل منها، ويوزع على الحاضرين، فيما تأتى ابنتها لتقول تلك الجملة المأثورة التى يتوارثها النساء فى القرية: «اللى ما ياكلش من سمنة أمى، يفوته نص عمره».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: كوب اللبن الفلاح فى إشارة أم أحمد

إقرأ أيضاً:

المشاط: مشروعات الاستثمارات الزراعية المستدامة توفر بيئة تعليمية في الريف

أكدت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، الدكتورة رانيا المشاط، أن وضع حجر الأساس لمدرسة الوفاء 2 للتعليم الثانوي في منطقة غرب سمالوط، ضمن أنشطة مشروع الاستثمارات الزراعية المستدامة (SAIL)، يعكس تكامل الجهود لتوفير بيئة تعليمية متميزة في المناطق الريفية. وأوضحت أن هذا المشروع يساهم في تمكين الأجيال القادمة من خلال تزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل.

 

جاءت تصريحات الوزيرة خلال زيارتها التفقدية لمحافظة المنيا، التي شملت افتتاح مبنى الجمعية التعاونية الزراعية بقرية النصرة، بمشاركة الدكتور هاني سويلم، وزير الري والموارد المائية، وعلاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، ومحافظ المنيا اللواء عماد الكدواني.

وأشارت المشاط إلى أن المدرسة الجديدة، التي تضم 17 فصلًا على مساحة 6500 متر مربع، تُعد جزءًا من جهود المشروع التي تشمل إنشاء 9 مدارس للتعليم الأساسي والثانوي في المناطق المستهدفة، بهدف تقليل الفجوة التعليمية بين الريف والحضر. كما أكدت أن هذه المشاريع لا تعزز التعليم فقط، بل تسهم أيضًا في خلق فرص عمل، وتعزيز الوعي الاجتماعي والثقافي، وتشجيع المشاركة المجتمعية.

كما استعرضت الوزيرة دور المشروع في تنمية المجتمع من خلال تنفيذ مجموعة من الأنشطة التنموية، مثل فتح فصول محو الأمية، وإنشاء المدارس ومراكز الشباب، وتنفيذ قوافل طبية، وبناء وتجهيز العيادات الصحية والحضانات، ودعم جمعيات تنمية المجتمع خاصةً تلك التي تستهدف المرأة الريفية والشباب.

وخلال جولتها، تفقدت المشاط مدرسة الجهاد للتعليم الأساسي، المنفذة ضمن المبادرة الرئاسية “حياة كريمة”، مشيرة إلى أهمية تعزيز التعليم كركيزة أساسية في رؤية الدولة للتنمية المستدامة. كما شهدت تسليم معدات الميكنة الزراعية للجمعيات الزراعية، وتوزيع منح لدعم المرأة الريفية، وتفقدت مشغل الخياطة بوحدة تنمية المجتمع.

 

واختتمت الوزيرة زيارتها بتفقد أعمال تطوير الري في منطقة غرب سمالوط، بما يشمل محطات الطاقة الشمسية ومحطات رفع المياه، ونماذج للمدارس الحقلية والزراعات.

الجدير بالذكر أن محفظة التعاون الجارية مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) تشمل ثلاثة مشروعات تنموية هي: مشروع الاستثمارات الزراعية المستدامة (SAIL)، ومشروع تعزيز المواءمة في البيئات الصحراوية (PRIDE)، وبرنامج التحول المستدام للمواءمة الزراعية في صعيد مصر (STAR)، بقيمة إجمالية بلغت نحو 1.1 مليار دولار على مدار 40 عامًا.

مقالات مشابهة

  • بوب ديلان: الصوت الذى شكّل ثقافة الستينيات
  • المشاط: مشروعات الاستثمارات الزراعية المستدامة توفر بيئة تعليمية في الريف
  • ٦ شهور .. حكومة مدبولى مالها وما عليها
  • السعودية حذّرت ألمانيا من منفذ عملية الدهس .. مصدر يؤكد
  • بيع أطراف صناعية لقدم مصرية قديمة تعود لـ 1173 قبل الميلاد.. اعرف سعرها
  • البدري: 40 مليون دينار خسائر لمربي الماشية بسبب مرض الجلد العقدي
  • سوريا.. حنين لا يغادر محبيها
  • مؤتمر الصحفيين ونقطة الانطلاق
  • كأسك يا وطن
  • عاجل | مصدر قيادي في كتائب القسام للجزيرة: عملية أمنية معقدة بمخيم جباليا فجر خلالها أحد مجاهدينا نفسه في قوة صهيونية