ليس أعظم من سيرة فنان، يعيش من أجل الجمال، ينكسر مع المواجع، ويشتعل لنثر ذرات الحسن يميناً ويساراً.
كذب الزعماء، الساسة، وقادة الحروب، والمصفقون للطغاة، وهم يسودون لنا الصفحات تاركين مذكرات تبرير وتجميل وكذب.
من هنا فسعادتى لا توصف متى قرأت مذكرات مبدع.. سحرتنى من قبل مذكرات نجيب الريحانى، وفاطمة اليوسف، ويوسف وهبى.
تبدو سيرة الفنان فى بلادنا سيرة مقاومة دائمة. وهى مقاومة لعراقيل جمة. فهى أولاً مقاومة لمجتمع لا يأبه كثيراً فى ظل الهموم المادية الحياتية بقيمة الفن، ويعتبره رفاهية وأمراً ثانوياً.
وثانياً لمؤسسات رسمية تدعى احتضان الإبداع وتشجيعه وتحفيزه، وفى حقيقة الأمر هى تتاجر به، وتستغله، وتحاول توظيفه لمآرب لا علاقة لها بالفن والذوق والجمال.
وثالثاً وذلك الأهم لتيار دينى، مُساق، ومصمت، ومُنغلق، ومخاصم لمعالم الحضارة ومعاد لقيم العصرنة، تحت باب «شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار».
بهذا المنطق قاوم محمد عبلة عقبات الفن فى طريقه مدفوعاً بفورة المحبة للجمال، وحماسة الإيمان بأهمية الفن وقدرته على تغيير البشر، والبلدان، والعوالم. ما الفن سوى راية تحدٍّ لكتائب القبح المستعرة والمنتشرة والمنتشية بمجازر التحضر شرقاً وغرباً..
كان أول تحدٍّ جابهه عبلة عندما اختار الفن، واختاره الفن، هو مقاومة وصاية والده وإصراره على إلحاقه بالكلية الحربية. كان منطق والده واضحاً فى بدايات السبعينيات حيث استقر النظام الذى أسسه ضباط يوليو، وصار كل شىء، إذ سأل ابنه عندما عرف أنه يريد دخول كلية الفنون الجميلة لأنه يحب الرسم: «هل سمعت من قبل عن رئيس مدينة أو محافظ خريج فنون جميلة؟». وأضاف والده «رئيس البلد كلها واحد من الجيش. هل هناك فنان أصبح رئيساً للجمهورية؟ راجع نفسك يا محمد». لكن محمد عبلة لم يراجع نفسه، وتقبل الدفاع عن اختياره وتحمل تبعاته حتى النهاية، فترك البيت واستأجر مكاناً متواضعاً وعمل فى النقاشة والخط وكثير من المهن الحرفية لينفق على نفسه طالباً فى الفنون الجميلة بالإسكندرية.
ثم واجه الفنان تحدى البيروقراطية عندما رفض وكيل الكلية انتقاله من فنون تطبيقية فى شهر ديسمبر، إذ مرت شهور من الدراسة، وكان محمد عبلة معجباً بأعمال فنان سكندرى عظيم هو سيف وانلى، وقرر الاستعانة به فى هذه المشكلة. وذهب الطالب لباعة اللوحات يسألهم عن عنوان الفنان، حتى وصل إليه دون سابق معرفة، وطرق الباب ليجد رجلاً متواضعاً ومهذباً يدعوه للدخول. وحكى له عن رفض وكيل الكلية التحاقه بها، رغم حبه الشديد للفن، وتدخل «وانلى» وهاتف عميد الكلية، وسانده فى قبول أوراقه.
توالت التحديات فى مسيرة الرجل، وكان أصعبها ذلك التمدد العنيف للمتأسلمين فى الجامعات والمدارس، وتحريمهم للفنون وتحريضهم ضدها. وكان من الغريب أن بعض الطلبة الذين صادقهم محمد عبلة، وانبهر بأعمالهم فى البدايات انقلبوا بعد ذلك إلى متشددين، ومكفرين، وناقمين على الفن والمجتمع والحياة برمتها. لقد أعجب ببعضهم وكانوا نواة لتيار السبعينيات الصاعد من رحم الصراع العربى الإسرائيلى، وتغيرات المجتمع الكبرى، لكن موجة التطرف العاتية ابتلعت كل شىء. وربما أغرب ما يستدعى الالتفات هنا، أن هيمنة التيار الدينى وصلت إلى حد تعيين بعضهم فى سلك التدريس بالفنون الجميلة، حتى إن أحدهم قال لـ«عبلة» وهو يعد مشروع التخرج «الرسم حرام، لكن الضرورات تبيح المحظورات».
وللسيرة بقية تستحق الحكى..
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصر يا عبلة محمد عبلة
إقرأ أيضاً:
بعد غيابه أكثر من عام..محمد عبده يعود للغناء
وسط حضور جماهيري كبير، شهد مسرح "محمد عبده أرينا" عودة عبده للغناء على المسرح بعد غياب استمر أكثر من عام بسبب المرض.
وأحيا محمد عبده ليلة فنية استثنائية بعنوان "فنان العرب والنجوم"، وبدأت الليلة بفقرة غناء مغنين شبان أغان لعبده، مثل زينة عماد، وسلطان خليفة، وناصر نايف، ودحوم الطلاسي، ورحاب الشمراني، وهدى الفهد.آه لو تدري يا ناصر ???? محمّد عبده غيّر كلمات الأماكن بعد وفاة ملحّنها ناصر الصالح الله يرحمه#فنان_العرب_والنجوم pic.twitter.com/nh6l58gOq0
— ???? (@youarev_) January 31, 2025أما محمد عبده فأدى ا أهم الأعمال الفنية التي لحنها الراحل الموسيقار السعودي ناصر الصالح، الذي رحل منذ يومين، في لفتة عدَها متابعون، تكريماً لروح الصالح.
قبطان الطرب الخليجي.. رحيل الموسيقار السعودي ناصر الصالح - موقع 24توفي الموسيقار السعودي ناصر الصالح عن عمر ناهز 63 عاماً، بعد مسيرة فنية حافلة ترك خلالها بصمة مميزة في عالم الموسيقى، وحصل على عدة ألقاب، أبرزها "قبطان الطرب الخليجي".واتّسم الحفل بمفاجآت فنية، أبرزها الديو الغنائي الذي جمع عبده باللبناني وائل كفوري في أغنية "أبعاد".
وتحدّث عبده عن كفوري قائلاً إنّه حضر أول ظهور له في جونية بنهاية التسعينيات.
"ألف غصن من اليباس فزّ لأجل وانثنى"#فنان_العرب_والنجوم #محمد_عبده pic.twitter.com/0IXCSiDSPe
— مُعاذ (@IIIIMUATH) January 31, 2025وأضاف أنه حينها تأكد أنه "صوت وشكل يبشر بنجم قادم وقوي"، واختتم كلامه قائلاً: "هذا الصوت جوهرة في الحقيقة".
وشاركت المغنية الأوبرالية العالمية صونيا يونكيفا محمد عبده في أداء أغنية "لعيونها بس لعيونها".
وعنت اللبنانية عبير نعمة مع محمد عبده "أنشودة المطر"، من كلمات الشاعر بدر شاكر السياب.